السبت، 7 أبريل 2018

فى زحف ثقافة النهب في مصر / فهمي هويدي

فهمي هويدي


نشر فى : الجمعة 28 أغسطس 2009 -  | آخر تحديث : الجمعة 28 أغسطس 2009 - 5:19 م


هذه ظاهرة مؤرقة تحتاج إلى دراسة. ذلك أننا فى هذا الزمن لم نعد نفاجأ بحوادث النهب التى يمارسها الكبار، لكن يبدو أن النموذج الذى قدموه، والانقلاب الذى حدث فى منظومة القيم السائدة فى مصر، فتح شهية فئات أخرى لممارسة النهب، وبعض هذه الفئات كانت أبعد ما تكون عن الشبهة. خذ مثلا هذا الخبر الغريب الذى نشرته صحيفة «الشروق» فى 11/8 الحالى، الذى تحدث عن قيام جهاز التفتيش القضائى بوزارة العدل باكتشاف تشكيل عصابى يقوده لواء شرطة سابق، ومعه عشرة آخرون احتالوا على القوانين التى تقيد بيع الأراضى للأجانب فى سيناء، وباعوا نحو ألفى قطعة أرض وفيللات وشققا سكنية للإسرائيليين، وتبين أن اللواء السابق زار إسرائيل لترتيب عملية البيع التى ظلت مستمرة لمدة 4 سنوات.

خذ أيضا الخبر الأغرب الذى نشرته صحيفة «الدستور» 7/18، وذكر أن النيابة أمرت بحبس ضابط شرطة برتبة رائد يعمل حاليا رئيسا لقسم التحقيقات بقسم شرطة بولاق الدكرور فى قلب القاهرة، بعد اتهامه بتزعم تشكيل عصابى كان يتولى اقتحام الشقق المفروشة وإيهام شاغليها بأنهم من رجال أمن الدولة، ثم الاستيلاء على بعض محتوياتها. فى الخبر أن التشكيل ضم ضابط شرطة مفصولا ومسجلا خطرا وميكانيكيا، وتبين فى التحقيق أن الضابط ذهب بثيابه العسكرية إلى شقة بمنطقة الهرم تسكنها آسيوية، قيل لها إن أمن الدولة تشك فى تعاملاتها المالية وعلاقتها بالإرهاب. وأثناء التفتيش استولوا منه على جهازى كمبيوتر وهاتفين محمولين وكاميرا ديجيتال و٢٨٠٠جنيه مصرى إضافة إلى 287 دولارا. وقد كرر الأربعة نفس العملية مع مصرى عائد من الإمارات واستولوا على مبلغ 25 ألف درهم وبعض المصوغات، وذهبوا إلى شقة ليبى وأوهموه باستدعائه لأمن الدولة، لكنهم لم يجدوا لديه ما يمكن سرقته.

خذ كذلك ما نشرته «الشروق» فى 11/8 عن اشتراك ثلاثة ضباط شرطة فى كفرالشيخ، أحدهما معاون المباحث مع أحد الأشخاص فى تجارة الآثار، ثم اختلافهم معه حول حصيلة البيع، الأمر الذى تطور إلى اشتباك انتهى بإطلاق النار عليه وقتله.

الأمر ليس مقصورا على ضباط الشرطة بطبيعة الحال. لأن «الأهرام» نشر فى 26/8 أنه ألقى القبض على ثلاثة من مفتشى التموين فى محافظة 6 أكتوبر. نظموا حملة وهمية لحسابهم الخاص على محلات البويات، لابتزاز أصحابها والحصول منهم على رشاوى. إذ كانوا يخبرونهم بأنهم موفدون من قبل وزارة التضامن الاجتماعى التى يعملون بها. فى حين يدخلون إلى المحلات لتحرير المخالفات بها، يساومون أصحابها على مبالغ يدفعونها لغض الطرف عن تلك المخالفات، ويستولون عليها.

لا يقل عما سبق غرابة ذلك التقرير الذى نشرته «الشروق» فى 11/7 عن المخالفات التى رصدتها الرقابة الإدارية فى مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا. فقد كشفت عن أن أجهزة التصوير والفيديو والتسجيل والحواسب والشاشات الحديثة معطلة وملقاة فى المخازن. رغم أن قيمتها تجاوزت 2 مليون جنيه. فى حين كان مدير الشئون المالية بالمديرية يستأجر أجهزة من الخارج فى المناسبات المختلفة ــ تبين أيضا أن المسئولين بإحدى المدارس الثانوية قاموا بتأجير ملعبها وناديها (الكافيتريا) للحزب الوطنى دون أن يودعوا قيمة الإيجار فى حساب المدرسة. تبين كذلك أن الموظفين استولوا على 200 ألف جنيه كانت مخصصة لصيانة الأثاث وأن المدرسين الذين يعطون دروسا خصوصية للتلاميذ استخدموا مقار المدارس لحسابهم، ومدعين أنها فصول للتقوية... إلخ.

فى «أهرام» 26/8 أيضا أن محكمة جنايات القاهرة أيدت قرار النائب العام بالتحفظ على أملاك سبعة من أعضاء مجلس إدارة جمعية لتقسيم الأراضى، كانوا يتسلمون الأراضى من وزارة الزراعة، وبدلا من أن يقوموا بتوزيعها على المواطنين، فانهم كانوا يبيعونها لأنفسهم. وقد بلغت قيمة ما تم الاستيلاء عليه 80 مليون جنيه.

إن ثقافة النهب يتسع نطاقها حينا بعد حين، ويبدو أن كثيرين لم يعودوا يتورعون عن الاستيلاء على كل ما طالته أيديهم، بالوسائل المشروعة أو غير المشروعة، لذلك أزعم أننا بصدد «ظاهرة» تحتاج إلى دراسة لتحديد مصادرها الحقيقية. وإذا كنت قد استبقت وأشرت فى البداية إلى الدور الذى لعبه نهب الكبار فى إفساد المناخ العام وإلى إسهام انقلاب منظومة القيم فى تشكيل الظاهرة. فأغلب الظن أن أهل الاختصاص يستطيعون تقديم تحليل أفضل وأعمق.

وأخشى ما أخشاه أن يقول قائل إن المشكلة فى الكبار، ومن أراد أن يستأصلها فليتصدَّ لهم أولا، وهى ملاحظة محرجة لأننا حينذاك سنقف مكتوفى الأيدى، وسنسكت على الكلام المباح.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق