الأحد، 14 يناير 2018

القبائل العربية بالغرب الإسلامي من كتاب العبر لإبن خلدون 3


2 FÉVRIER 2009


Rédigé par Abdelkader HADOUCH عبد القادر حادوش et publié depuis Overblog


الخبر عن سعادة العالم بالسنة في رياح ومآل أمره وتصاريف أحواله


كان هذا الرجل من مسلم إحدى شعوب رياح، ثم من رحمان منهم. وكانت أمه تدعى خضيبة وكانت في أعلى مقامات العبادة والورع. ونشأ هو منتحلًا للعبادة والزهد، وارتحل إلى المغرب ولقي شيخ الصالحين والفقهاء لذلك العهد بنواحي تازة أبا إسحق التسولي، وأخذ عنه، ولزمه، وتفقه عليه. ورجع إلى وطن رياح بفقه صحيح وورع وافر، ونزل طولقة من بلاد الزاب، وأخذ بنفسه في تغيير المنكر على أقاربه وعشريته ومن عرفه أو صحبه، فاشتهر بذلك وكثرت غاشيته لذلك من قومه وغيرهم.


ولزم صحابته منهم أعلام عاهدوه على التزام طريقته، كان من أشهرهم: أبو يحيى بن أحمد بن عمر شيخ بني محمد بن مسعود من الزواودة، وعطية بن سليمان بن سباع شيخ أولاد سباع بن يحيى منهم، وعيسى بن يحيى بن إدريس شيخ أولاد إدريس من أولاد عساكر منهم، وحسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة بن يحيى بن دريد بن مسعود منهم، وهجرس بن علي من أولاد يزيد بن زغبة، ورجالات من العطاف من زغبة في كثير من أتباعهم والمستضعفين من قومهم.


فكثر بذلك تابعه واستظهر بهم على شأنه في إقامة السنة وتغيير المنكر على من جاء به. واشتد على قاطع الطريق من شرار البوادي. ثم تخطى ذلك إلى العمار، فطلب عامل الزاب يومئذ، منصوربن فضل بن مزني بإعفاء الرعايا من المكوس والظلامات فامتنع من ذلك، واعتزم على الإيقاع به فحال دونه عشائر أصحابه، وبايعوه على إقامة السنة والموت دونه في ذلك.


وآذنهم ابن مزني في الحرب ودعا لذلك أمثالهم ونظراءهم من قومهم. وكان لذلك العهد علي بن أحمد بن عمربن محمد قد قام برياسة أولادمحمد، وسليمان بن علي بن سباع قد قام برياسة أولاد يحيى. واقتسموا رياسة الزواودة فظاهروا ابن مزني على مدافعة سعادة وأصحابه المرابطين من إخوانهم. وكان أمر ابن مزني والزاب يومئذ راجعا إلى صاحب بجاية من بني أبي حفص، وهو الأمير خالد ابن الأمير أبي زكريا، والقائم بدولته أبو عبد الرحمن بن عمر وبعث إليه ابن مزني في المدد فأمده بالعساكر والجيوش، وأوعز إلى أهل طولقة بالقبض على سعادة فخرج منها وابتنى بأنحائها زاوية، ونزل بها هو وأصحابه.


ثم جمع أصحابه المرابطين، وكان يسميهم السنية. وزحفوا إلى بسكره وحاصروا ابن مزني سنة ثلاث وسبعمائة وقطعوا نخيلها، وامتنعت عليهم فرحلوا عنها. ثم أعادوا حصارها سنة إلى أربع وسبعمائة وامتنعت. ثم انحدر أصحاب سعادة من الزواودة إلى مشاتيهم سنة خمس وسبعمائة. وأقام المرابط سعادة بزاويته من زاب طولقة، وجمع من كان إليه من المرابطين المتخلفين عن الناجعة وغزا مليلي وحاصرها أياماً. وبعثوا بالصريخ إلى ابن مزني، والعسكر السلطاني مقيم عندهم ببسكرة، فأركبهم ليلاً مع أولاد حرب من الزواودة. واصبحوا سعادة وأصحابه على مليلي فكانت بينهم جولة قتل فيها سعادة واستلحم الكثير من أصحابه، وحمل رأسه إلى ابن مزني.


وبلغ الخبر إلى أصحابه بمشاتيهم فظهروا إلى الزاب، ورؤساؤهم أبو يحيى بن أحمد بن عمر شيخ أولاد محرز، وعطية بن سليمان شيخ أولاد سبّاع، وعيسى بن يحيى شيخ أولاد عساكر، ومحمد بن حسن شيخ أولاد عطية، ورئاستهم جميعأ راجعة لأبي يحيى بن أحمد. ونازلوا بسكرة وقطعوا نخيلها وتقبضوا على عمال ابن مزني فأحرقوهم في النار، واتسع الخرق بينهم وبينه. ونادى ابن مزني في أوليائه من الزواودة. واجتمع إليه علي بن أحمد شيخ أولاد محمد، وسليمان بن علي شيخ أولاد سباع وهما يومئذ أجلاء الزواودة. وخرج إبنه علي بينهم بعساكر السلطان، وتزاحفوا بالصحراء سنة ثلاث عشرة وسبعمائة فغلبهم المرابطون، وقتل علي بن مزني. وتقبض على علي بن أحمد فقادوه أسيراً. ثم أطلقه عيسى بن أحمد رعيأ لأخيه أبي يحيى بن أحمد .


واستفحل أمر هؤلاء السنية ما شاء الله أن يستفحل. ثم هلك أبو يحيى بن أحمد وعيسى بن يحيى، وخلت أحياء أولاد محرز من هؤلاء السنية. وتفاوض السنية فيمن يقيمونه بينهم في الفتيا في الأحكام والعبادات، فوقع نظرهم على الفقيه أبي عبد الله محمد بن الأزرق من فقهاء مقرة. وكان أخذ العلم ببجاية على أبي محمد الزواوي من كبار مشيختها فقصدوه بذلك وأجابهم وارتحل معهم. ونزل على حسن بن سلامة شيخ أولاد طلحة. واجتمع إليه السنية واستفحل بهم جانب أولاد سباع، واجتمعوا على الزاب وحاربوا علي بن أحمد طويلاً.


وكان السلطان أبو تاشفين حين كان يجلب على أوطان الموحدين، يخيب عليهم أولياءهم من العرب، يبعث إلى هؤلاء السنية بالجوائز يستدعي بذلك ولايتهم. ويبعث معهم للفقيه أبي الأزرق بجائزة معلومة في كل سنة. ولم يزل ابن الأزرق مقيما لرسمهم إلى أن غلبهم على أمرهم ذلك علي بن أحمد شيخ أولاد محمد. وهلك حسن بن سلامة، وانقرض أمر السنية من رياح. ونزل ابن الأزرق بسكرة فاستدعاه يوسف بن مزني لقضائها تفريقاً لأمر السنية، فأجابه ونزل عنده ، فولاه القضاء ببسكرة إلى أن هلك سنة... ثم قام علي بن أحمد بهذه السنية بعد حين، ودعا إليها وجمع لابن مزني سنة أربعين وسبعمائة، ونزل بسكرة وجاءه. مدد أهل ريغ، وأقام محاصرا لها أشهراً. وامتنعت عليه فأقلع عنها وراجع يوسف بن مزني، وصاروا إلى الولاية إلى أن هلك علي بن أحمد. وبقي من عقب سعادة في زاويته بنون وحفدة يوجب لهم ابن مزني الرعاية، وتعرف لهم أعراب الفلاة من رياح حقاً في إجازة من يجيزونه من أهل السابلة. وبقي هؤلاء الزواودة ينزع بعضهم أحيانا إلى إقامة هذه الدعوة، فيأخذون بها أنفسهم غير متصفين من الدين والتعمق في الوزع بما يناسبها ويقضي حقها، بل يجعلونها ذريعة لأخد الزكوات من الرعايا، ويتظاهرون بتغيير المنكر يسرون بذلك حسداً في ارتقاء، فينحل أمرهم بذلك، وتخفق مساعيهم، ويتنازعون على ما تحصل بأيديهم ويفترقون على غير شيء، والله متولي الأمور لا إله إلا هو سبحانه يحيي ويميت.






الخبر عن زغبة وبطونهم من هلال بن عامرمن هذه الطبقة الرابعة


هذه القبيلة إخوة رياح. ذكر ابن الكلبي: إن زغبة ورياحاً أبناء أبي ربيعة بن نهيك بن هلال بن عامر، هكذا نسبهم، وهم لهذا العهد مما يزعمون أن عبد الله يجمعهم، بكسر دال عبد، ولم يذكر ابن الكلبي ذلك، وذكر عبد الله في ولد هلال، فلعل انتسابهم إليه بما كفلهم واشتهر دونهم، وكثيراً ما يقع مثل هذا في أنساب العرب أعني انتساب الأبناء لعمهم أوكافلهم والله أعلم.


وكانت لهم عزة وكثرة عند دخولهم أفريقية، وتغلبوا على نواحي طرابلس وقابس، وقتلوا سعيد بن خزرون من ملوك مغراوة بطرابلس. ولم يزالوا بتلك الحال إلى أن غلب الموحدون على أفريقية، وثار بها ابن غانية، وتحيزت إليه أفاريق هلال بن رياح وجشم، فنزعت زغبة إلى الموحدين، انحرفوا عن ابن غانية فرعوا لهم حق نزوعهم، وصاروا يداً واحدة مع بني يادين من زناتة في حماية المغرب الى الأوسط من ابن غانية وأتباعه واتصلت مجالاتهم ما بين المسيلة وقبلة تلمسان في القفار، وملك بنو بادين وزناتة عليهم التلول. (ولما ملكت زناتة) بلاد المغرب الأوسط ونزلوا بأمصاره، دخل زغبة هؤلاء التلول وتغلبوا فيها ووضعوا الأتاوة على الكثير من أهلها بما جمعهم وزناتة من البداوة وعصبية الحلف، وخلا قفرهم من ظعونهم وحاميتهم فطرقته عرب المعقل المجاورون لهم من جانب المغرب، وغلبوا على من وجدوا من مخلف زغبة هؤلاء بتلك القفار، وجعلوا عليهم خفارة يأخذونها من إبلهم، ويختارون عليهم البكرات منها.


وأنفوا بذلك وتآمروا وتعاقدوا على دفع هذه الهضمة، وتولى كبرها من بطونهم ثوابة بن جوثة من سديد كما نذكره بعد فدفعوهم عن أوطانهم من ذلك القفر. ثم استفحلت دولة زناتة وكفحوا العرب عن وطىء تلولهم لما انتشأ عنهم من العيث والفساد فرجعوا إلى صحرائهم، وملكت الدولة عليهم التلول والحبوب، واستصعبت الميرة وهزل الكراع، وتلاشت أحوالهم وضربت عليهم البعوث وأعطوا الأتاوة والصدقة حتى إذا فشل ريح زناتة وداخل الهرم دولتهم، وانتزى الخوارج من قرابة الملك بالقاصية وجدوا السبيل بالفتن إلى طروق التلول، ثم إلى الغلب فيها، ثم غالبوا زناتة عليها فغلبوهم في أكثر الأحايين وأقطعتهم الدولة الكثير من نواحي المغرب الأوسط وأمصاره في سبيل الاستظهار بهم، تمشت ظعونهم فيه وملكوه من كل جانب كما نذكره. وبطون زغبة هؤلاء يتعددون من يزيد وحصين ومالك وعامر وعروة، وقد اقتسموا بلاد المغرب الأوسط كما نذكر في أخبارهم.






بنو يزيد في زغبة


كان لبني يزيد هؤلاء محل من زغبة بالكثرة والشرف، وكان للدول به عناية فكانوا لذلك أول من أقطعته الدول من العرب التلول والضواحي. أقطعهم الموحدون في أرض حمزة من أوطان بجاية مما يلي بلاد رياح والأثابج فنزلوا هنالك، ولجوا تلك الثنايا المفضية إلى تلول حمزة والدهوس وأرض بني حسن ونزلوها ريفاً وصحراء. وصار للدولة استظهار بهم على جباية تلك الرعايا من صنهاجة وزواوة. فلما عجزت عساكر بجاية من جبايتهم دفعوهم لها فأحسنوا في اقتضائها وزادت الدول بهم تكرمة وعناية لذلك واقتطعهم الكثير من تلك الأوطان. ثم غلب زناتة الموحدين على تلك الأوطان فاقتطعوها عن أوطان بجاية وأصاروها عن ممالكهم. فلما فشل ريح زناتة وجاش بحر فتنتهم مع العرب استبد بنويزيد هؤلاء بملكة تلك الأوطان، وغلبوا عليها من جميع جوانبها وفرغوا لجبايتها واقتضاء مغارمها، وهم على ذلك لهذا العهد. وهم بطون كثيرة منهم: حميان بن عقبة بن يزيد، وجواب وبنو كرز وبنو موسى والمرابعة والخشنة. وهم جميعاً بنو يزيد بن عيسى بن زغبة وإخوانهم عكرمة بن عيسى من ظعونهم وكانت الرياسة في بني يزيد لأولاد لاحق، ثم لأولاد معافى. ثم صارت في بيت سعد بن مالك بن عبد القوي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن عبد الله بن مهدي بن يزيد بن عيسى بن زغبة، وهم يزعمون أنه مهدي بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، نسب تأباه رياستهم على غير عصبتهم، وقد مر ذلك قبل.


وربما نسبهم آخرون إلى سلول، وهم بنو مرة بن صعصعة أخي عامر بن صعصعة وليس بصحيح لما قلناه. وقد يقال إن سلولأ وبني يزيد إخوة، ويقال لهم جميعأ أولاد فاطمة. وبنو سعد هؤلاء ثلاثة بطون: بنو ماضي بن رزق بن سعد، وبنو منصور بن سعد، وبنو زغلي بن رزق بن سعد. واختصت الرياسة على الظعون والحلول ببني زغلي. وكانت لريان بن زغلي فيما علمناه، ثم من بعده لأخيه ديفل، ثم لأخيهما أبي بكر، ثم لابنه ساسي بن أبي بكر ثم لأبنه معتوق بن أبي بكر، ثم لموسى ابن عمهم أبي الفضل بن زغلي، ثم لأخيه أحمد بن أبي الفضل، ثم لأخيهما علي بن أبي الفضل. ثم لأبي الليل بن أبي موسى بن أبي الفضل، وهو رئيسهم لهذا العهد. وتوفي سنة إحدى وتسعين، وخلفه في قومه إبنه.


وكان من أحلافهم فيما تقدم بنو عامر بن زغبة يظعنون معهم في مجالاتهم ويظاهرونهم في حروبهم. وكانت بين رياح وزغبة فتنة طويلة لعهد موسى بن محمد بن مسعود وابنه شبل أيام المستنصر بن أبي حفص. فكان بنويزيد هؤلاء يتولون كبرها لمكان الجوار. وكان بنو عامر أحلافهم فيها وظهراؤهم. وكان لهم على مظاهرتهم وضيعة من الزرع تسمى الغرارة، وهي ألف غرارة من الزرع. وكان سببها فيما يزعمون: أن أبا بكر بن زغلي غلبته رياح على الدهوس من وطن حمزة أزمان فتنته معهم، فاستنصر لبني عامر فجاءه أولاد شافع وعليهم صالح بن بالغ، وبنو يعقوب، وعليهم داود بن عطاف، وحميد وعليهم يعقوب بن معروف. واسترجع وطنه، وفرض لهم على وطنه ألف غرارة من الزرع، واستمرت لبني عامر.


فلما ملك يغمراسن بن زيان تلمسان ونواحيها ودخلت زناتة إلى التلول والأرياف، كثر عيث المعقل وفسادهم في وطنها فجاء يغمراسن ببني عامرهؤلاء من مجالاتهم بصحراء بني يزيد، وأنزلهم في جواره بصحراء تلمسان كياداً للمعقل، ومزاحمة لهم بأقيالهم فنزلوا هنالك. وتبعتهم حميان من بطون بني يزيد بما كانوا بطوناً وناجعة، ولم يكونوا حلولا فصاروا في عداد بني عامر لهذا العهد. وتولت بنو يزيد بلاد الريف وخصبه فأوطن فيه أكثرهم. وقل أهل الناجعة منهم إلا أفاريق من عكرمة وبعض بطون عبس يظعنون مع أولاد زغلي في قفرهم.


وأقصروا عن الظعن في القفر إلا في القليل، ومع أحلافهم من ظعون رياح أو زغبة، وهم على ذلك لهذا العهد. ومن بطون بني يزيد بن عيسى زغبة هؤلاء بنوخشين وبنو موسى وبنو معافى وبنو لاحق. وكانت الرياسة لهم ولبني معافى قبل بني سعد بن مالد، وبنو جواب وبنو كرز وبنو مربع وهم المرابعة، وهؤلاء كلهم بطن حمزة لهذا العهد. ومن المرابعة حي ينجعون بضواحي تونس لهذا العهد وغلب عليهم بسبب زغبة والله الخلاق العليم.


أبو الفضل بن موسى بن زغلي بن رزق بن سعد بن مالك بن عبد القوي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن عبد الله.






حصين بن زغبة


وأما أولاد حصين بن زغبة فكانت مواطنهم بجوار بني يزيد إلى المغرب عنهم. كانوا حيا حلوا هنالك، وكان الريف للحاذي من تيطري ونواحي المدينة، مواطن للثعالبة من بطون البعوث ويأخذون منهم الأتاوات والصدقات. حتى إذا ذهب سلطان بني توجين من أرض المرية وغلبهم عليهم بنوعبد الواد ساموا حصيناً هؤلاء خطة الخسف والذل، وألزموهم الوضائع والمغارم واستلحموهم بالقتل وهضموهم بالتكاليف، وصيروهم في عداد القبائل الغارمة. وبأثر ذلك كان تغلب بني مرين على جميع زناتة كما نذكره فكانوا لهم أطوع ولدولتهم أذل. فلما عاد بنو عبد الواد إلى ملكهم لعهد أبي حفو موسى بن يوسف بعد مهلك السلطان أبي عنان هبت ريح العز للعرب، وفشل ريح زناتة ولحق دولتهم ما يلحق الدول من الهرم ونزل حصين بتيطري وهو جبل أشير وملكوه وتحصنوا به.


وكان أبو زيان ابن عم السلطان أبي حمولما ملك من قبله لحق بتونس مقتطعأ حبالة بني مرين، وخرج طالباً لملك أبيه ومنازلاً لابن عمه هذا ونزل في خبرطويل نذكره بقبائل حصين هؤلاء أحوج ما كانوا لمثلها لما راموه من خلع ما كان بأعناقهم من الدول وطرق الاهتضام والعسف فتلقوه بما يجب له. ونزل منهم بأكرم نزل وأحسن مثوى. وبايعوه وأرسلوا إخوانهم وكبراءهم من رؤساء زغبة بني سويد وبني عامر فأصفقوا عليه. وترددت عساكر السلطان أبي حمو وبني عبد الواد إليهم فتحضنوا بجبل تيطري وأوقعوا به.


ونهض إليهم السلطان أبو حمو بعساكره فقتلوه ونالوا منه، ونالت زغبة بذلك ما أرادوه من الاعتزاز على الدولة آخر الأيام، وتملكوا البلاد إقطاعات وسهماناً ورجع أبو زيان إلى رياح فنزل بهم على سلم عقد مع ابن عمه ويقي لحصين أثر الاعتزاز من جرائه. واقطعتهم الدولة ما ولوه من نواحي المدينة وبلاد صنهاجة. ولحصين لهؤلاء بطنان عظيمان جندل وخراش. فمن جندل أولاد خنفر بن مبارك بن فيصل بن سنان بن سباع بن موسى بن كمام بن علي بن جندل ورياستهم في بني خليفة بن سعد لعلي، وسيدهم أولاد خشعة بن جندل.


وكانت رياستهم على جندل قبل أولاد الخليفة، ورئيسهم الآن علي بن صالح بن دياب بن مبارك بن يحيى بن مهلهل بن شكر بن عامر بن محمد بن خشعة. ومن خراش أولاد مسعود بن مظفر بن محمد الكامل، بن خراش. ورياستهم لهذا العهد في ولد رحاب بن عيسى بن أبي بكر بن زمام بن مسعود. وأولاد فرج بن مظفر، ورياستهم في بني خليفة بن عثمان بن موسى بن فرج. وأولاد طريف بن معبد بن خراش، ويعرفون بالمعابدة، ورياستهم في أولاد عريف بن طريف لزيان بن بدر بن مسعود بن معرف بن عريف. ولمصباح بن عبد الله بن كثير بن عريف. وربما انتسب أولاد مظفر من خراش الى بني سليم، ويزعمون أن مظفر بن محمد الكامل جاء بني سليم ونزل بهم والله أعلم بحقيقة ذلك الأمر.






بنو مالك في زغبة


وأما بنو مالك بن زغبة فهم بطون ثلاثة: سويد بن عامر بن مالك والحرث بن مالك وهم بطنان للعطاف من ولد عطاف بن رومي بن حارث. والديالم من ولد ديلم بن حسن بن إبراهيم بن رومي فأما سويد فكانوا أحلافاً لبني بادين قبل الدولة. وكان لهم اختصاص ببني عبد الواد. وكانت لهم لهذا العهد أتاوات على بلد سيرات والبطحاء وهوّارة. ولما ملك بنو يادين تلول المغرب الأوسط وأمصاره كان قسم بني توجين منه شياخ التلول القبلية ما بين قلعة سعيدة في الغرب إلى المرية في الشرق. فكان لهم قلعة بن سلامة ومنداس وأنشريس ورينة وما بينهما، فاتصل جوارهم لبني مالك هؤلاء في القفر والتل.


ولما ملك بنو عبد الواد تلمسان ونزلوا بساحتها وضواحيها، كان بنو سويد هؤلاء أخص بحلفهم وولايتهم من سائر زغبة. وكانت لسويد هؤلاء بطون مذكورون من فليتة وشبانة ومجاهر وجوثة، كلهم من بني سويد. والحساسة بطن من شبانة إلى حسان بن شبانة وغفير وشافع وما لف. كلهم بنو سليمان بن مجاهر وبو رحمة وبو كامل وحمدان بنو مقدر بن مجاهر. ويزعم بعض نسابتهم أن مقدرا ليس بجد لهم، وإنما وضع ذلك أولاد بوكامل.


وكانت رياستهم لعهدهم في يغمراسن وما قبله في أولاد عيسى بن عبد القوي بن حمدان، وكانوا ثلاثة: عمر بن مهدي وعطية وطراد. واختص مهدي بالرياسة عليهم ثم ابنه سيف بن مهدي ثم أخوه عمر بن مهدي وأقطع يغمراسن يوسف بن مهدي ببلاد البطحاء وسيرات، وأقطع عنتر بن طراد بن عبسي قرارة البطحاء وكانوا يقتضون أتاواتهم على الرعايا ولا يناكرهم فيها. وربما خرج في بعض خروجه واستخلف عمر بن مهدي على تلمسان وما إليها من ناحية المشرق.


وفي خلال ذلك خلت مجالاتهم بالقفر من ظعونهم وناجعتهم، إلأ أحياء من بطونهم قليلي العدد من الجوثة وفليتة وما لف وغفير وشافع وأمثالهم فغلب عليهم هنالك المعقل، وفرضوا عليهم أتاوة من الإبل يعطونها ويختارونها عليهم من البكرات. وكان المتولي لأخذها منهم من شيوخ المعقل أبو الريش بن نهار بن عثمان بن عبيد الله، وقيل علي بن عثمان أخو نهار. وقيل إن البكرات إنما فرضها للمعقل على قومه بن عامر جميل لأجل مظاهرة له على عدوه، وبقيت للمعقل عادة إلى أن تمشت رجالات من زغبة في نقفر ذلك، وغدروا برجال المعقل ومنعوا تلك البكرات.


(أخبرني يوسف) بن علي ثم غانم عن شيوخ قومه من المعقل أن سبب البكرات وفرضها على زعمة كما ذكرناه. وأما سبب رفعها فهو أن المعقل كانوا يقولون غرامتها إدالة بينهم. فلما دالت لعبيد الله الدولة في غرامتها جمع ثوابة بن جوثة قومه وحرضهم على منعها فاختلفوا واحتربوا مع عبيد الله ودفعوهم إلى جانب الشرق وحالوا بينهم وبين أحيائهم وبلادهم. وطالت الحرب ومات فيها بنو جوثة وابن مريح من رجالاتهم. وكتب بنوعبد اللة إلى قومهم من قصيدة:


بني معقل إن لم تصرخوناعلى العدو فلا بد لكم تذكرماطرالنا


قتلنا ابن جوثة والهمام بن مريــح على الوجه مكبوب وذامن فعالنا


فاجتمعوا وجاءوا إلى قومهم وفرت أحياء زغبة، واجتمع بنو عبيد الله وإخوانهم من ذوي منصور وذوي حسان، وارتفع أمر البكرات من زغبة لهذا العهد. ثم حدث بين يغمراسن وبينهم فتنة هلك فيها عمر بن مهدي ووانزلوهم عن التلول والأرياف من بلاد عبد الواد إلى القفر المحاذي لأوطان بني توجين على المهادنة والمصاهرة، فصاروا لهم حلفاء على بني عبد الواد. ومن عجز منهم من الظعن نزل ببسائط البطحاء. وسارت بطونهم كلها من شبابة ومجاهر وغفير وشافع ومالف وبورحمة وبوكامل ونزل محيسن بن عمارة وأخوة سويد بضواحي وهران فوضعت عليهم الأتاوات والمغارم، وصاروا من عداد الرعايا أهل الجباية، وولي عثمان بن عمر أمر الظعون من سويد. ثم هلك وقام بأمره إبنه ميمون وغلب عليه أخوه سعيد واستبدّ.


وكان سويد وبين بني عامر بن زغبة فتنة اتصلت على الأيام، وثقلت وطأة الدولة الزيانية عليهم. وزحف يوسف بن يعقوب إلى منازلة تلمسان، وطال مقامه عليها فوفد عليه سعيد بن عثمان بن عمربن مهدي شيخهم لعهده فأتى مجلسه وأكرم وفادته. ثم أجمع قتله ففرّ ولحق بقومه، وأجلب على أطراف التلول وملك السرسو قبلة بلاد توجين، ونزعت إليه طائفة من عكرمة بني يزيد وعجزوا عن الظعن، وأنزلهم بجل كريكرة قبلة السرسو ووضع عليهم الأتاوة. ولم يزل كذلك إلى أن هلك يوسف بن يعقوب واتصل سلطان آل يغمراسن.


ولما ولي أبوتاشفين بن موسى بن عثمان بن يغمراسن استخلص عريف بن يحيى لديه صحابة كانت له معه قبل الملك. ثم آسفه ببعض النزعات الملوكية. وكان هلال مولاه المستولي عليه يغص بما كان عريف منه، فنزع عريف بن يحيى إلى بني مرين ملوك المغرب الأقصى، ونزل على السلطان أبي سعيد منهم سنة عشرين وسبعمائة، واعتقل أبوتاشفين عمه سعيد بن عثمان إلى أن هلك في محبسه قبيل فتح تلمسان، ولحق أخوه ميمون بن عثمان وولده بملك المغرب، وأنزل عريف بن يحيى من سلطان بني مرين أكرم نزل وأدنى مجلسه وأكرم مثواه. ثم اتخذه ابنه السلطان أبو الحسن من بعده بطانة لشوراه ونجيا لخلواته. ولم يزل يحرضهم على آل زيان بتلمسان. ونفس ميمون بن عثمان وولده عريف رتبته عند السلطان أبو الحسن فنزعوا إلى أخيه أبي علي بتافيلات فلم يزالوا بها إلى أن هلك ميمون.


ثم تغلب السلطان أبو الحسن على أخيه أبي علي، وصارأولاد ميمون في جملته.


وزحف السلطان أبو الحسن إلى تلمسان يجر أمم المغرب، وأحجر على زيان بتلمسان، ثم اقتحمها عليهم عنوة وابتزهم ملكهم، وقتل السلطان أبا تاشفين عند شدونه، وبعث كلماتة في أقطار المغرب الأقصى والأدنى إلى تخوم الموحدين من أندلس، وجمع كلمة زناتة واستتبعهم تحت لوائة. وفر بنو عامر من زغبة أولياء بني عبد الواد إلى القفر كما نذكره. ورفع السلطان أبو الحسن قوم عريف بن يحيى بمحلته على كل عربي في إيالته من زغبة والمعقل. وكان عقد سمعون بن سعيد على الناجعة من سويد. وهلك أيام نزول السلطان بتاسالة سنة إثنتين وثلاثين[وسبعمائة] قبل فتح تلمسان.


وولي من بعده أخوه عطية هلك لأشهر من ولايته بعد فتح تلمسان فعقد السلطان لونزمار بن عريف على سويد وسائر بني مالك، وجعل له رياسة البدو حيث كانوا من أعماله، وأخذ الصدقات منهم والأتاوات فعكفت على هيئة أمم البدو واقتدى بشوراه رؤساؤهم. وفر ابن عمه المسعود بن سعيد ولحق ببني عامر، وأجلبوا على السلطان بدعاء جزارشبة إبنه أبي عبد الرحمن، فجمع لهم ونزمار وهزمهم كما نذكره. وسفر عريف بين السلطان أبي الحسن وبين الملوك لعهده من الموحدين بأفريقية وبني الأحمر بالأندلس والترك بالقاهرة. ولم يزل على ذلك إلى أن هلك السلطان أبو الحسن.


(ولما تغلب) السلطان أبو عنان على تلمسان كما سنذكره رعى لسويد ذمة الانقطاع إليه، فرفع ونزمار بن عريف على سائر رؤساء البدو من زغبة وأقطعه السرسو وقلعة ابن سلامة وكثيراً من بلاد توجين. وهلك أبو عريف بن يحيى، فاستقدمه من البدو وأجلسه بمكان أبيه من مجلسه جوار أريكته ولم يزل على ذلك. وعقد لأخيه عيسى على البدو من قومه، ثم بن عبد الواد بعد ملك السلطان أبي عنان عادت لهم الدولة بأبي حمو موسى بن يوسف بن عبد الرحمن بن يحيى بن أبي يغمراسن من أعياص ملوكهم.


وتولى كبر ذلك صغير بن عامر وقومه لما لهم مع آل زيان من الولاية، وما كان لبني مرين فيهم من النقمات، فملكوا تلمسان ونواحيها، وعقدوا على سويد لميمون بن سعيد بن عثمان. وتال لونزمار بن عريف، ورأى الترهب والخروج عن الرياسة، فبنى حصنأ بوادي ملوية من تخوم بني مرين ونزل به وأقام هنالك لهذا العهد. وملوك بني مرين يرعون له ذمة اختصاصه سلفهم فيؤثرونه بالشورى والمداخلة في الأحوال الخاصة مع الملوك والرؤساء من سائر النواحي، فتوجهت إليه بسبب ذلك وجوه أهل الجهات من الملوك وشيوخ العرب ورؤساء الأقطار.


ولحق أخواه أبو بكر ومحمد بقومهم فمكروا بالميمون ودسوا عليه من قتله غيلة من ذويهم وحاشيتهم واستبدوا برياسة البدو. ثم لما نصب بنو حصين بن زيان ابن عم السلطان أبي حمو للملك كما نذكره ورشحوه للمنازعة سنة سبع وستين وسبعمائة هبت من يومئذ ريح العرب، وجاش مرجلهم على زناتة ووطئوا من تلول بلادهم بالمغرب الأوسط ما عجزوا عن حمايته، وولجوا من فروجها ما قصروا عن سده، ودبوا فيها دبيب الظلال في الفيوء، فتملكت زغبة سائر البلاد بالأقطاع عن السلطان طوعاً وكرهاً رعياً لخدمته، وترغيباً فيها وعدة وتمكينأ لقوته حتى أفرجت لهم زناتة عن كثيرها، ولجأوا إلى سيف البحر.


وحصل كل منهم في الفلول على ما يلي موطنه من بلاد القفر. فاستولى بنو يزيد على بلاد حمزة وبني حسن كما كانوا من قبل، ومنعوا المغارم، واستولى بنوحسين على ضواحي المدينة أقطاعاً والعطاف على نواحي مليمانة، والديالم على وزينة، وسويد على بلاد بني توجين كلها ما عدا جبل ونشريس لتوعره بقيت فيه لفة من توجين رياستهم لأولاد عمر بن عثمان من الجشم بني تيغرين كما نذكره، وبني عامر على تاسالة وميلانة إلى صيرور إلى كيدزة الجبل المشرف على وهران.


وتماسك السلطان بالأمصار وأقطع منها كلميتو لأبي بكر بن عريف، ومازونة لمحمد بن عريف ونزلوا لهم عن سائر الضواحي فاستولوا عليها كافة. وأوشك بهم أن يستولوا على الأمصار. وكل أول فإلى آخر، ولكل أجل كتاب، وهم على ذلك لهذا العهد.


ومن بطون سويد هؤلاء بطن بنواحي البطحاء يعرفون بهبرة ينسبهم الناس إلى مجاهد بن سويد، وهم يزعمون أنهم من قوم المقداد بن الأسود، وهم بهذا من قضاعة. ومنهم من يزعم أنهم من تجيب إحدى بطون كندة والله أعلم. ومن ظواعن سويد هؤلاء ناجعة يعرفون بصبيح، ونسبهم إلى صبيح بن علاج بن مالك ولهم عدد وقوة وهم يظعنون بظعن سويد ويقيمون بمقامهم.


(وأما الحرث بن مالك) وهم العطاف والديالم فموطن العطاف قبلة مليانة، ورياسة ظعونهم لولد يعقوب بن نصربن عروة من منصور بن أبي الذئب بن حسن بن عياض بن عطاف بن زيان بن يعقوب وابن أخيه علي بن أحمد وبنيه، ومعهم طائفة من براز إحدى بطون الأثبج. وأقطعهم السلطان مغارم جبل دراك وما إليه من وادي شلب. وحال بينهم وبين موطن سويد ونشريس ولهم بلاد وزينة في قبلة الجبل رياستهم في ولد إبراهيم بن رزق بن رعاية من مزروع بن صالح بن ديلم، والسعد بن العبّاس بن إبراهيم منهم لهذا العهد. وكانت من قبل لعمه أبي يحيى بن إبراهيم. وتقبض عليه السلطان أبو عثمان بإشارة عريف بن يحيى وأغرى به وهلك في محبسه.


(وفيهم بطون كثيرة) منهم بنو زيادة بن إبراهيم بن رومي والدهاقنة أولاد هلال بن حسن وبنو نوال بن حسن أيضاً، وكلهم إخوة ديلم بن حسن وابن عكرمة من مزروع بن صالح، ويعرفون بالعكارمة . وهؤلاء العطاف والديالم أقل عدداً من سويد وأولياؤهم في فتنتهم مع بني عامر لمكان العصبية من نسب مالك، ولسويد عليهم اعتزاز بالكثرة. والديالم أبعد مجالاً منهم في القفر، ويحاذيهم في مواطنهم من جانب التلول بطن من بطون الحرث يعرفون بغريب نسبهم إلى غريب بن حارث، حي حلول بتلك المواطن يطلبهم السلطان في العسكرة، ويأخذ منهم المغارم، وهم أهل شاة وبقر. ورياستهم في أبناء مزروع بن خليفة بن خلوف بن يوسف بن بكرة بن منهاب بن مكتوب بن منيع بن مييث بن محمد الغريب، وهو جدهم بن حارث. وترادفهم في رياستهم على غريب أولاد يوسف، وهم جميعاً أولاد بني منيع وسائر غريب من الأحلاف شيوخهم أولاد كامل، والله مالك الخلق والأمر.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق