الأحد، 21 يناير 2018

الفصحى والعاميات.. صراع أم توافقات؟! مطالعات في الحالة المصرية (1/ 2)

2017-12-24

نبيل عبد الفتاح

الصراع اللغوي بين الفصحى والعامية، يشكل واحدًا من الظواهر اللغوية والاجتماعية والثقافية الممتدة في المجتمع المصري، وهي تعبر عن بعض التناقضات بين اللغة الكتابية واللغة الشفاهية، بين غالب الخطابات المكتوبة أو السرديات، وبين الخطابات الشفاهية في الاتصال اليومي والمعيشي، بعض السرد الروائي والقصصي الذي يتداخل مع بعض من اللغة العامية، وكذلك الأمر بالنسبة للخطابات الشفاهية السياسية، بها بعض من الفصحى، وبعض من العامية لاعتبارات تتصل بسعي السياسي للتأثير والتعبئة للمخاطبين بها، أيًا كانت شرائحهم الاجتماعية ومدى حظوظهم من التعليم والثقافة والملكات اللغوية، وهي ظاهرة تاريخية وسياسية ولغوية لا سيما منذ تأسيس نظام يوليو 1952، في عديد عهودها من جمال عبد الناصر والسادات ومبارك حتى في أعقاب الانتفاضة الجماهيرية في 25 يناير 2011 والمراحل الانتقالية الأولى، والثانية، والثالثة التي لا تزال مستمرة حتى الآن!

الثنائية اللغوية الفصحى والعامية، تبدو في بعض الأحيان ضدية الطابع حيث لا يمكن استخدام الثنائية في الكتابات الأكاديمية في العلوم الاجتماعية، وفي أحيان أخرى تشير إلى بعض التوافق والتداخل بين كليهما، في بعض من لغة السرد والشعر العامي، وفي النصوص المسرحية، والقصص، وفي لغة السياسي وخطاباته.

الصراع بين اللغة الفصحى والعامية يعود إلى مطالع النهضة المصرية منذ منتصف القرن التاسع عشر، وطيلة القرن العشرين، وممتدة، فهي إشكالية تاريخية ومستمرة إلى الآن، ويمكن رصد معالمها الرئيسة والتوترات المصحوبة على الصراع فيما بين كلا اللغتين على النحو التالي:
1- في عام 1868 كتب رفاعة رافع الطهطاوي كتاب "أنوار توفيق الجليل من أخبار توثيق بني إسماعيل"، ذهب فيه إلى "إنَّ اللغة المتداولة المُسماة باللغة الدارجة التي يقع بها التفاهم في المعاملات السائرة لا مانع أن يكون لها قواعد قريبة المأخذ تصنف بها كتب المنافع العمومية، والمصالح البلدية.. "وكلا التعبيرين الآخيرين المنافع العمومية، والمصالح البلدية يشيران إلى لغة الكتابة الرسمية. (انظر الباحث عدنان أبو شعر في مقاله الفصحى في مواجهة العامية (Majles.Aulkah.net) أي استخدام أجهزة الدولة للغة العامية في مكاتباتها ووثائقها، وعملها الداخلي وفي علاقاتها مع الجمهور.
ويرصد بعض الباحثين -عدنان أبو شعر في مقالة سابق الإشارة إليه- التطورات التاريخية للدعوى إلى استخدام اللغة العامية بديلاً عن اللغة العربية الفصحى، وعلى رأس هؤلاء المستشرقين الألماني "ولهلم اسبيتا" مدير دار الكتب المصرية، الذي ذهب في كتابه "قواعد العربية العامية في مصر" إلى أن الكتابة بالفصحى لا تؤدي إلى نمو وتطور الأدب. ثم تلاه المستشرق الألماني كارل فولرس مدير دار الكتب المصرية الذي جاء بعد "ولهم اسبيتا"، الذي كتب كتاب "اللهجة العربية الحديثة"، والذي طالب باستخدام اللغة العامية، واستعمال الحروف اللاتينية في كتابتها، وهو ما تبناه بعض كبار المفكرين المصريين فيما بعد. ثم دعا اللورد دوفرين الوزير البريطاني عام 1882 إلى استخدام العامية وعدم استخدام الفصحى في تقرير له لوزير الخارجية البريطاني بهدف تشجيع اللهجة العامية المصرية.

الواضح أن وراء الدعوة إلى استخدام العامية وهجر اللغة الفصحى، كان يقف وراءه بعض من المستشرقين الأوروبيين إلى حد الدعوة إلى صياغة أبنية نحوية، وقواعد للغة العامية، ثم إلى كتابتها بالحروف اللاتينية، على نحو يشير إلى محاولة إيجاد بعض من المشابهة بين العامية المكتوبة بالحروف اللاتينية، وبين اللغات اللاتينية، وهى حالة نفسية مصدرها الحالة الكولونيالية، ونزعة الاستعلاء الاستعماري الرامية إلى إعادة صياغة لغة من هم في وضعية الاستعمار وتحت الاحتلال الأجنبي.

يمكن القول أيضًا مع حسن النوايا أن بعضهم توقف أمام ظاهرة الجمود اللغوي في الفصحى وعدم حركيتها في التعبير الأدبي الحديث، ومن ثم ذهب إلى أن الحل يكمن في حيوية اللغة العامية وتطورها، ومن ثم هي أقرب إلى لغة الكتابة الأدبية في الرواية والقصة القصيرة والمسرح. لم يتناول بعضهم أثر حالة الاستعمار في إعاقة اللغة العربية عن التطور ضمن أسباب أخرى. يلاحظ أيضًا أن الإدارة الاستعمارية البريطانية كانت تأخذ بأسلوب الإدارة غير المباشرة لمستعمراتها، وتترك بعض نخب البلاد المستعمرة الموالين لها، أن يديروا من خلالها شئون الإدارة اليومية والحكم، وذلك على عكس الاستعمار الفرنسي، وأسلوب الإدارة المباشرة، وفرض اللغة الفرنسية قسرًا في التعليم والإدارة والوثائق والمكاتبات الرسمية، وهي نزعة كولونيالية اقتلاعية للغة البلاد المستعمرة وشعوبها على نحو ما تم في الجزائر وتونس والمغرب -رغم بعض المقاومات من خلال الدين واللغة العربية- حيث كانت حالة الجزائر واقتلاع اللغة العربية، علامة دامية ثقافيًا على إدانة هذا النمط الكولونيالي البغيض.
إن الطابع الاستعماري وراء الترويج إلى اللغة العامية في مصر، يبرز أيضًا في دعوات ويلكوكس الذي نشر عام 1926 رسالة "سوريا ومصر وشمال أفريقيا تتكلم البونية لا العربية" ودعا لأن تكون اللغة العامية المصرية هي اللغة السائدة في التعليم لمدة عشر سنوات. ثم قام القاضي الإنجليزي "سلدن ولمور" عام 1926، وزميل له فيليوت أستاذ اللغات الشرقية بجامعة كامبريدج في كتاب لهما بالإنجليزية "المقتضب أو الوجيز في عربية مصر"، والذي دعيا فيه إلى أن يكون العامية بديلاً عن الفصحى، ووضع قواعد تسهل تعليم الأولى.
7- قامت الحكومة البريطانية بدعم هذه الدعوة، ومن ثم شجعت على صدور جرائد باللغة العامية، حيث صد منها عام 1900 سبع عشر صحيفة. (وفق عدنان أبو شعر في مقاله الفصحى في مواجهة العامية).
لا شك أن تشجيع الحكومة والإدارة الاستعمارية البريطانية في مصر، تشير إلى البُعد الكولونيالي في بعض مرامي هذه الأطروحة اللغوية الشكل والسياسية المضمون والمرامي. من ناحية أخرى محاولة لقطع بعض الروابط العضوية بين اللغة العربية الفصيحة، وبين حركة الحياة والكتابة والتفكير لصالح العامية، ومن ثم بناء بعض من الحوائط الثقافية بين العربية، وبين البُعد الديني الذي يستخدم في المقاومة ضد الاستعمار ولو على الصعيد النفسي الجمعي.
8- من المصريين كان أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد الذي طالب بتمصير اللغة العربية، وكتب عددا من المقالات في صحيفة الجريدة عام 1913، ودعا لاستعمال اللغة العامية بديلًا عن اللغة العربية الفصحى، وذلك لإنهاء ازدواجية اللهجة عند المصريين، وهي جزء من تطلعات بعض أدباء القومية المصرية، إلى تمصير لغة الكتابة والمشافهة والحياة.
9- ذهب المفكر الكبير سلامة موسى إلى "ضرورة توحيد اللغة واتخاذ العامية، انطلاقًا من أن اللغة الحية التي يستخدمها الناس في المجتمع لا بد أن تكون قادرة على تطوير لا تجميد الكلام".
10- ذهب شبلي الشميل إلى "استبعاد العربية والعامية معًا واتخاذ لغة أجنبية لتدريس العلوم الحديثة والتأليف فيها، بهدف إحيائنا علميًا وثقافيًا واقتصاديًا. في هذا السياق جاءت دعوات كتابة العربية بالحروف اللاتينية، ومنهم في لبنان سعيد عقل، وأنيس فريحة".
11- ودعا أيضًا المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون عام 1929 إلى "أنه لا حياة للغة العربية إلا إذا كتبت بحروف لاتينية"، وتحمس لهذه الفكرة عبد العزيز فهمي.
(انظر في هذا الصدد موسوعة ويكبيديا https://arz.m.wikipedia.org.wiki,...)
12- ومن دعاة العامية مصطفى صفوان عالم النفس اللاكانى ذائع الصيت، الذي ترجم عطيل إلى العامية المصرية، وبيومي قنديل في كتابه حاضر الثقافة في مصر، الذي اعتبر اللهجة المصرية الحديثة، هي المرحلة الرابعة والأخيرة من اللغة المصرية القديمة العلامات سابقة السرد في الدعوة إلى العامية وتصعيدها، واتخاذها لغة للكتابة والمشافهة، تشير إلى أننا إزاء إشكالية تاريخية بامتياز ومستمرة، وإن خفتت بعض الأصوات الداعية لرفع هذه الازدواجية. نستطيع القول إن هذه الدعوات السابقة، كانت جزءًا من عمليات تاريخية واجتماعية وثقافية لتكوين القومية المصرية الحديثة، في إطار الدولة/ الأمة والسعي للتنظير للتمايز عن الميراث التركي/ العثماني ومحمولاته الثقافية والعرقية والدينية، وإلى قيادة الحركة القومية الدستورية للاستعمار البريطاني حركة التحرر من نير، ومن ثم كان بعض دعاة العامية من المثقفين والمفكرين المصريين، هم من المبشرين والمؤسسين للفكرة والحركة القومية المصرية الحديثة.

===========

مطالعات في الحالة المصرية (2/2)

كان الدافع الثقافي وراء الدعوة للعامية وتأصيلها ووضع قواعد لها، هو محاولة سعت إلى رفع الازدواجية اللغوية، بين الخطابات الشفاهية اليومية، والكتابية والسعي إلى تجسير الفجوات بين لغة النخبة الكتابية الفصيحة، وبين لغة الجمهور العامية، وهي نزعة بواعثها كامنة في تبني بعض هؤلاء الدعاة لمفهومي "التطور" و"التقدم" المستعار من المرجع السوسيو- فلسفي الأوروبي، الذي كان يحركهم في إنتاجهم الفكري.

ثمة أسباب أخرى تمثلت في أن بعضا من هذه الدعوات ارتبط بعضها بإحياء النزعة الفرعونية، -في سياقات عديد من الاكتشافات الأثرية المهمة آنذاك- إزاء دعوات العروبة، وامتداد النزعة القومية المصرية إلى مجال النحت والتصوير الفني. بعض التوترات بين الفصحى والعامية، ظهرت في المسرح المصري، لا سيما الكوميدي وعلى رأسهم نجيب الريحاني في مسرحياته الممصرة عن الفرنسية، وفي مسرحيات علي الكسار، في مواجهة بعض المسرحيات ذات اللغة الفصحى التي كان يقدمها بعض المسرحيين المصريين الآخرين كجورج أبيض ويوسف وهبي وزكي طليمات وفتوح نشاطي في مسرحياتهم التاريخية. أكدت السينما أيضًا حركية اللغة العامية في كتابة القصص وسيناريوهات الأفلام.

كانت اللغتان الفصحى والعامية متداخلتين حينا، ومتمايزتين في عديد من الأحيان في لغة الإذاعة وبرامجها، وظهر عديد من الصحف والمجلات باللغة العامية، من مثيل مجلات البعكوكة، ونصف كلمة لمأمون الشناوي والفكاهة التي رأس تحريرها فكري أباظة في العشرينيات. ورائد الكتابة بالعامية عبد الله النديم الذي أصدر مجلتي "النديم" و"الأستاذ" في أواخر القرن التاسع عشر.

هناك أيضًا بعض المقالات التي كتبها بالعامية حسين شفيق المصري في مجلتي
"الإثنين" و"الدنيا"، وكتب رواية بالعامية اسمها "الحاج درويش وأم إسماعين" في الثلاثينيات. وكتاب "مذكرات عربجي" الذي قيل إن سليمان نجيب كتبه، ويذكر فتحي غانم في مقال له أن فكري أباظة هو صاحب هذا الكتاب. هناك أيضًا ما كتبه المستشار عثمان صبري "شبابنا في أوروبا"، و"رحلة في النيل"، ونشر عام 1965 كتابه "أبجدية مصرية جديدة" بعد وفاته بعديد السنوات.
في هذا الإطار يمكن ذكر رواية مصطفى مشرفة "قنطرة الذي كفر" و"مذكرات طالب بعثة" للويس عوض التى كتبها في الأربعينيات وفقدها ثم وجدها سنة 1964، ثم نشرها في كتاب.

هناك أيضًا التمدد الكبير للغة العامية لدى بديع خيري، وبيرم التونسي، بل وبعض أغاني أحمد شوقي، والسلسلة الذهبية في شعر العامية المصرية من بيرم إلى فؤاد حداد، وصلاح جاهين، وعبد الرحمن الأبنودي، وأحمد فؤاد نجم، وسيد حجاب إلى عديد من شعراء العامية من السبعينيات إلى الآن.

ما ذكرناه سابقا لا يعدو أن يكون محض أمثلة على الصراع والتنافس والتوتر بين الفصحى والعامية التي استمرت في ظل نظام يوليو 1952. في تقديري المتواضع أن ذلك يعود أيضًا إلى عديد من الأسباب لا سيما في أعقاب ثورة يوليو 1952، يمكن طرح بعضها فيما يلي:

1- تطور القومية المصرية في طورها التسلطي الذي يمكن أن نطلق عليها القومية التسلطية، وطابعها الجماهيري، وسطوة مفهوم "الثقافة الجماهيرية"، وفي ظله بعض الشعبوية في أيديولوجيا النظام والإعلام وتمددها في بعض ثنايا العمل الثقافي والإعلامي على نحو أدى إلى موقف سياسي حاضن للغة العامية في عديد المجالات التي ترمي إلى التعبئة السياسية والاجتماعية في المسرح الكوميدي، وفي الغناء، وفي الشعر العامي.

2- تدهور النظام التعليمي ومناهجه عمومًا، وفي اللغة العربية وآدابها خصوصًا، وعلى نحو مستمر لا سيما منذ عقد الستينيات، وحتى الآن، ويعود ذلك إلى ما يلي:

أ- تراجع الذائقة اللغوية والأدبية لبعض مؤلفي مناهج اللغة العربية، وإعادة إنتاجهم لأنماط من النصوص النثرية والشعرية المقررة على الطلاب، التي تتسم بالصعوبة التي تدفع غالب الطلاب إلى الصد عن اللغة الفصحى، وعدم اختيار النصوص التي تفتح الأبواب أمام التلاميذ والطلاب إلى عشق اللغة والبلاغة.

ب- الطابع النقلي في العملية التعليمية التي تعتمد على الحفظ والاستظهار في الاختبارات المختلفة في اللغة العربية وغيرها من المواد المقررة.

ج- الربط بين العملية التعليمية في درس اللغة العربية الفصيحة بالدين والعقيدة -على أهمية ذلك- إلا أن ذلك أدى إلى تديين اللغة، والبلاغة العربية.

د- سطوة اللغة العامية في أجهزة الإعلام المرئية والمسموعة، وفي الأغاني والمسرحيات الكوميدية وغيرها، وفي السينما، وهو ما أثر سلبًا على تعلم اللغة العربية وآدابها لدى الطلاب.

هـ- استخدام اللغة العامية لدى المدرسين والمدرسات في التعليم العام، بل لدى بعض أساتذة الجامعات، لا سيما في الكليات التي تدرس العلوم الاجتماعية، في كليات الآداب والعلوم السياسية والتجارة، بل ووصل الأمر إلى كلية الحقوق.

3- حركية اللغة العامية المصرية وتطورها وتمددها، وفي ذات الوقت جمود ران على اللغة العربية الفصيحة، من حيث البنيات النحوية، والمفردات المواكبة لانفجار المفردات والمفاهيم والنظريات والمصطلحات في الفلسفة وثورة الألسنيات ومناهجها ونظرياتها ومصطلحاتها في ظل الثورات التقنية الثانية والثالثة، حتى الرابعة الرقمية بامتياز، مع بطء سياسة التعريب على الرغم من الجهود المشكورة للمجمع اللغوي المصري، والمجامع اللغوية العربية.

4- بعض من الفوضى في استراتيجية الترجمة عن اللغات الأجنبية على نحو أدى إلى بعض من الفوضى الاصطلاحية، وعدم الدقة والركاكة اللغوية، لا سيما في مجال العلوم الاجتماعية، وذلك لبعض من الجمود في القاموس العربي الفصيح.

1- من هنا نستطيع القول إن هناك صراعات وفجوات وتوترات بين اللغة الفصيحة والعامية في مصر، على الرغم من بعض الجهود لتجسير الفجوة، دعا إليها بعض المثقفين والمبدعين المصريين، وعلى رأسهم توفيق الحكيم ودعوته ويوسف إدريس إلى اللغة الثالثة أو الوسيطة بين العربية الفصيحة الرصينة، واللغة العامية في مفرداتها الفصيحة والتي تبدو كأنها عامية لدى بعض الكتاب والإعلاميين.

2- هيمنة اللغة الإعلامية الميسرة، لا سيما في الكتابات الصحفية، في لغة الأعمدة الصحفية وصياغة الأخبار، والمقابلات، والتحقيقات الصحفية مع المصادر المختلفة.

3- تزايد الصراع مع تردي وتراجع مستوى اللغة الإعلامية عمومًا، لا سيما "التلفازية" أو المرئية، وميلها الغلاب إلى العامية مع الأجيال الجديدة من معدي ومقدمي البرامج المرئية المصرية، الفضائية، وفي الأقنية المرئية الرسمية.

4- استخدام العامية في عناوين الصحف الخاصة و"المستقلة" لا سيما في نهاية عقد التسعينيات، وفي العقد الماضي، وحتى الآن لجذب القراء.

5- تراجع الملكات والقدرات اللغوية بل والإملائية لغالبية الأجيال المتتالية من الصحفيين والصحفيات.
6- في السرد الروائي والقصصي ثمة تراجع في بعض مستويات اللغة ومجازاتها، والتداخل بين الفصحى الرديئة في مستواها البلاغي والعامية، لدى بعض الكتاب والكتابات.

السؤال لا يزال مطروحًا: هل ثمة صراع أم توافق؟
الصراع لا يزال مستمرا ويتمدد، وثمة خفوت في دعوات تطوير اللغة الفصيحة، وتمدد اللغة العامية، بعض التوافق يتحقق في بعض الأعمال السردية الإبداعية، التي تكتب باللغة الفصيحة المتطورة، مع دمج بعض من اللغة العامية المحلية في بعض مكونات بنية السرد الروائي، والقصصي، وهو أمر إيجابي.

من ناحية أخرى ثمة تدهور في الكتابة والحديث الشفاهي باللغة العربية الفصيحة لصالح عامية تفتقر إلى الدراسة العميقة، وإلى قاموس متجدد يحدد في دقة مفرداتها ومعانيها ودلالاتها.

لا تزال الدعوة إلى لغة ثالثة بين العربية الفصيحة والعامية، تمتلك بعضا من الوجاهة والصلاحية، مع ضرورة إيلاء عناية خاصة لتطوير اللغة العربية الفصيحة، وهي تتطور وتتجدد عبر الزمن ولغتنا تطورت منذ نهاية القرن التاسع عشر، وطيلة عقود القرن الماضي، وذلك على الرغم من الآثار السلبية لسعي بعض قوى الإسلام السياسي، وبعض الدعاة السلفيين إلى تديين اللغة وفرض أنماطها اللغوية الدينية الموروثة لتغدو لغة الخطابات الدينية، التي كانت قد تطورت مع اجتهادات بعض الإصلاحيين الإسلاميين الليبراليين، من الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي، ومصطفى المراغي، ومحمد عبد الله دراز، ومحمود شلتوت وعبد المتعال الصعيدي، وعبد الحميد بخيت وآخرين، وتراجعت لغة الخطاب الديني مع هيمنة الإسلام السياسي والسلفي الجهادي والراديكالي.

أستطيع القول إن الصراع بين الفصحى والعامية، يعود في بعض جوانبه إلى مشكلات التطور التقني والعلمي والثقافي والاجتماعي، بل والسياسي في مصر والعالم العربي، فثمة تزايد في فجوات التخلف التاريخي بيننا وبين الدول الغربية، وبعض دول آسيا الناهضة، في التقنية والعلوم الطبيعية، على نحو يساعدها على تطوير لغاتها من خلال الاكتشافات التقنية والعلمية ومن ثم تسمية هذه الاكتشافات واصطلاحاتها، من ناحية أخرى استعارة ودمج المفردات والاصطلاحات الجديدة في قلب لغاتها أو عبر اللغة الإنجليزية، ومن ثم يؤدي ذلك إلى حيوية بعض هذه اللغات. التخلف العلمي المصري والعربي، يسهم في إعاقة تطور اللغة العربية الفصحى، لا سيما في ظل ظاهرة تديين اللغة ذات الأبعاد السياسية، ناهيك ببعض الجمود الذي ران على جهود اللغويين وابتعاد بعضهم عن متابعة التطورات العلمية والنظرية في مجال اللغويات والألسنيات التي أدت إلى تطورات نظرية في مجالات العلوم الاجتماعية قاطبة.
ثمة حاجة ملحة إلى مناقشة أكثر عمقًا للصراع بين الفصحى والعاميات في حياتنا اليومية والفكرية واللغوية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق