الاثنين، 23 يناير 2017

المرأة في المنظور الإسلامي ... بعض القضايا -- د. زينب رضوان


مقدمة:
يعد وضع المرأة في أي مجتمع أحد المعايير الأساسية لقياس درجة تقدمه ولذلك فان تخلفها ينعكس أثره مباشرة على تفكير الرجل ومسلكه وبالتالي يشكل واحدا من أهم العوائق الحضارية التي تعرقل التنمية. 

وقد أسهمت الشرائع السماوية في التخفيف عن المرأة ورفع المظالم التي كانت تحيق بها، وجاء التشريع الإسلامي حيث قضى على مبدأ التفرقة بين الرجل و المرأة في القيمة الإنسانية ومنحها من الحقوق المادية والروحية ما رفع مكانتها إلى مرتبة لم تصل إلى مثلها في أرقى الأمم الحديثة... وجاءت تلك المكانة تطبيقا لمبادئه الأساسية في تنظيم المجتمع وهي مبادئ الحرية والمساواة والعدالة والتكافل الاجتماعي. 

يقع هذا الكتاب في ثلاثة فصول يدور الفصل الأول منه حول مبدأ المساواة في الإسلام و يتطرق في الفصل الثاني حول الطلاق وحضانة الطفل ليصل في الفصل الثالث ليتحدث في موضوع الشبهات حول مكانة المرأة ، وفيما يلي أجزاء الكتاب بشيء من التفصيل: 

الفصل الأول: مبدأ المساواة في الإسلام: 

جاء التشريع الإسلامي تصحيحا عادلا لمكانة المرأة في المجتمع، حيث قضى على التفرقة بينها وبين الرجل وكفل لها مساواة تامة معه، يقول سبحانه وتعالى ( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها ) وكلمة زوج الواردة هنا - على إيجازها - عظيمة الدلالة على المساواة المطلقة ، فكلمة زوج في اللغة العربية تعني نصفين يطابق كل منهما الآخر تمام المطابقة بحيث يصنعان معا شيئا واحدا ، لذا فان القران الكريم ذكر المرأة على أنها زوج الرجل لا زوجة الرجل ، نقرأ قوله تعالى ( فاستجبنا له ووهبنا له يحيى وأصلحنا له زوجه ) كما وردت بصيغة الجمع ( وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) ، كما حمل الإسلام كلا من الرجل و المرأة مسئولية عمله ( ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون ) . 

المساواة بين الرجل و المرأة في الحياة العامة: فقد قرر القران للمرأة أهلية تامة في جميع التصرفات المدنية والاقتصادية والشخصية، فجعل لها الحق في الإرث والهبة والوصية والدين وتملك العقار والتعاقد والتكسب والمصالحة والتقاضي، فللمرأة المتزوجة في الإسلام ثروتها المستقلة عن زوجها ولا يجوز له أن يأخذ من مالها شيئا ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا ) ولا يحل للزوج أن يتصرف في أموالها إلا إذا أذنت له ووكلته في إجراء عقد نيابة عنها. هذه المنزلة في الإسلام لم يصل إلى مثلها بعد أحدث القوانين في الأمم الديموقراطية، حيث تقرر قوانين الأمم الغربية أن تحمل المرأة بمجرد زواجها اسم زوجها وعائلته وتفقد اسم عائلتها، وكل ذلك يرمز إلى فقدان الشخصية المدنية للزوجة واندماجها في شخصية زوجها وهو ما لا يعترف به الإسلام. 

ولقد أعطى الإسلام حقوقا كثيرة للمرأة منها: 

حق التعليم: فلم يعطها الحق في طلب العلم فقط بل جعله فريضة واجبة عليها، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة ) كما أوجب على أمهات المؤمنين تعليم الذكور والإناث ما يتلى في بيوتهن، وقد قامت السيدة عائشة بدور كبير في هذا المجال، ومن شهيرات العصر الأموي زوجة الوليد بن عبد الملك التي اشتهرت بالفصاحة والبلاغة، كما بلغت المرأة في العصر العباسي مبلغا عظيما ...تنظم الشعر وتناظر الرجال في عهدي الرشيد والمأمون، كما مارست المرأة القضاء فقد تولت أم الخليفة المقتدر العباسي رئاسة محكمة استئناف بغداد. 

المشاركة في القتال: فقد قادت السيدة عائشة أم المؤمنين المسلمين يوم الجمل، وكانت عائشة حفيدة أبى بكر الصديق تناضل الرجال بالسهام والنبال، كما ساوى الإسلام بين الرجل و المرأة في نصيبهما من غنائم الحرب. 

حق المشاركة السياسية: حيث كانت المرأة تشارك وتحضر مجالس الحاكم، وتراجعه في قراراته، واعترافا بشخصية المرأة في نطاق الدولة أخذت منها البيعة مستقلة عن الرجل ، نقرأ قوله تعالى ( يا أيها النبي إذ جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ويأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن أن الله غفور رحيم ) 

المساواة أمام القانون: ساوت الشريعة الإسلامية بين الرجل و المرأة في العقوبة ( فالسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) وفي التوبة، وفي الحد و أقامته ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) وفي واجب العمل الصالح. 

المساواة في حق العمل: حيث مارست المرأة في الإسلام وجوه النشاط السياسي والاجتماعي والعلمي والمدني والاقتصادي والنضالي المختلفة. 

* حقوق الرجل و المرأة في الحياة الزوجية: 

أولا : حق الزوجة: 

الحق في اختيار الزوج: فعن النبي صلى الله عليه وسلم ( لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا تنكح البكر حتى تستأذن ) 

2) عقد الزواج: وهو عقد رضائي يقوم على الإيجاب والقبول 

3) حقوق الزوجة بعد العقد: أوجب الإسلام على الرجل أن يقدم للمرأة التي يريد الاقتران بها قدرا من المال ( و آتوا النساء صدقاتهن نحلة ) وهو حق خالص لها ليس لأبيها وليس لها أن تساهم به في منزل الزوجية، ويجب على زوجها توفير المسكن والملبس والمأكل والمشرب لها، وإكرامها وحسن معاشرتها. 

ثانيا: حق الزوج: 

فحق الزوج على زوجته الطاعة في غير معصية وان تحفظه في ماله ونفسها، وواجب المرأة تجاه زوجها يتمثل في القوامة ( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم ) ومعنى القوامة هنا القيام على الأمر والمال ورعاية الأمور. 

الفصل الثاني: الطلاق وحضانة الطفل: 

حق الرجل في الطلاق: جعل الإسلام الطلاق من حق الرجل بسبب ما انفق من أموال لإتمام الزواج وما سينفقه مرة ثانية إذا تزوج ، وهو ملزم بإعطاء مطلقته مؤخر المهر ومتعة الطلاق وان ينفق عليها مدة العدة ، وإذا توفي زوجها أثناء العدة فهي ترثه ، وان ينفق عليها أثناء الحمل والعدة – إذا كانت حامل حتى تضع - وإذا كان الطلاق وقع قبل الدخول بالزوجة فأوجب الإسلام على الزوج أن يقدم نصف المهر لها ( وان طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم ) 

حق المرأة في الطلاق: فقد أجازت الشريعة أن تنص المرأة في عقد الزواج على أن يكون لها حق إيقاع الطلاق وقتما شاءت، فإذا لم تنص على ذلك وكرهت حياتها، أباح الإسلام الخلع وذلك بان تعطي الزوج ما أخذته منه باسم الزوجية. 

حق الزوجين في الحضانة: فإذا حدث أن افترق الوالدان و بينهما طفل فالأم أحق به، وسببه أن للأم ولاية الحضانة و الرضاع. 

شروط الحاضنة: فإذا لم تتوافر في الأم تلك الشروط سقطت عنها الحضانة وهي: 

العقل – البلوغ – القدرة على التربية – ألا تكون متزوجة بأجنبي عن الطفل، فإذا كانت متزوجة بعم الطفل مثلا فلا تسقط الحضانة. 

تخيير الصغير بعد انتهاء الحضانة: إذا بلغ الصغير سبع سنين أو سن التمييز ، فان اتفق الأب والحاضنة على إقامته عند واحد منهما أمضى الاتفاق، وان اختلفا خير الصغير فمن اختاره منهما فهو أولى به. 

الفصل الثالث: شبهات حول مكانة المرأة: 

ميراث المرأة: وهي من الشبهات التي يرون فيها دلالة على تدني مكانتها بالنسبة للرجل باعتباره على النصف منه، فالإسلام حين أعطى هذا الحق نقض تقليد العرب قبل الإسلام الذي يقصر الميراث على الرجال المقاتلين وحدهم فيضع مبدأ توريث المرأة ، ويعتبر جعل ميراث المرأة نصف الرجل نوع من التوازن العادل بين الحقوق والوجبات فالرجل هو المكلف بجميع الأعباء المالية ونفقات الأسرة، أما المرأة فمرفوع عنها تلك التبعات المالية. 

تعدد الزوجات: فقد كان تعدد الزوجات أمرا شائعا، فالزواج في الجاهلية كان مباحا بغير عدد كذلك التوراة فيها الإباحة لغير عدد محدد، وجاء الإسلام الذي واجه الموضوع بتشريع متدرج تحوطه شروط تجعل إباحته في النهاية حالة استثنائية لها مبرراتها ويصبح التعدد محصورا في الحالات التي تكون فيها الزوجة إما عاقرا أو مريضة، أما إذا كان الأمر خلاف ذلك فللزوجة حق الطلاق، وللزوجة الجديدة التي لم تعلم وقت زواجها بان زوجها متزوج من أخرى حق الطلاق. 

المرأة وتولي القضاء: فالسبب في عدم تولي المرأة هذا المنصب يتعلق بالمجتمعات التي قلصت دور المرأة وحقوقها في الإسلام، فقد تولت أم الخليفة المقتدر العباسي منصب رئيس محكمة استئناف بغداد، ووصلت المرأة لرئاسة محكمة النقض وهي أعلى مرتبة في السلك القضائي. 

شهادة المرأة: جعل الدين الإسلامي شهادة الرجل تعادل شهادة امرأتين وقد أوضح سبحانه وتعالى السبب في ( أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الآخر ) وقد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادة المرأة الواحدة إذا كانت ذات ثقة، ففيما أخرجه البخاري أن عقبة بن الحارث تزوج ابنة يحيى بنت أبى أهاب فجاءت امرأة فقالت لقد أرضعتكما فسأل النبي فقال كيف؟ وقد قيل؟ ففارقها عقبة فنكحت زوجا غيره. فوضع المرأة في الشهادة كوضع الرجل وإذا منع الأخذ بشهادتها في بعض الشئون أمر لم يرد به نص صريح من قران أو سنة، وان شهادة الرجل تساوي شهادة امرأتين في سورة البقرة جاء بشان الدين لأجل واشتراط المرأتين أن تذكر إحداهما الأخرى، وهو يعني أنها امرأة أمية وسيلتها في استعادة ما سبق حفظه هو الذاكرة فإذا تغير الوضع تغير الحكم بالضرورة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق