الثلاثاء، 25 أكتوبر 2016

بيان بطلان دعاوى أهل مؤتمر الشيشان



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه.
أما بعد:
فإني قد اطلعتُ على بعض ما جرى في مؤتمر الشيشان الذي عنوانه: "من هم أهل السنة".
 والذي عُقِد في الشيشان، وحضره عدد كبير من أنحاء العالم من الأشاعرة والظاهرية والماتريدية، بتأريخ الحادي والعشرين من ذي القعدة عام 1437هـ.
سأناقش أهم ما ورد من أقوالهم في هذا المؤتمر.
1-قالوا في (ص1): "...وفي ظل محاولات اختطاف لقب (أهل السنة والجماعة) الشريف من قبل طوائف من خوارج العصر والمارقين الذين تُسْتَغل ممارساتهم الخاطئة لتشويه صورة الدين الإسلامي، انعقد المؤتمر العالمي لعلماء المسلمين إحياء لذكرى الشيخ الشهيد الرئيس أحمد حاج قديروف رحمه الله تحت عنوان: (من هم أهل السنة والجماعة؟! بيان وتوصيف لمنهج أهل السنة والجماعة اعتقادا وفقها وسلوكاً، وأثر الانحراف عنه على الواقع)، برعاية كريمة من فخامة الرئيس رمضان أحمد قديروف حفظه الله، وحضور رفيع لفضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر، والمفتين، وأكثر من مئتي عالم من علماء المسلمين، من أنحاء العالم".
أقول: نعم، هناك طوائف اختطفت هذا اللقب الشريف؛ لقب (أهل السنة والجماعة)، من خوارج العصر وغيرهم، ومنهم الأشاعرة الذين خالفوا أهل السنة من قرون في عقائدهم ومناهجهم، بل خالفوا الإمام أبا الحسن الأشعري الذي يلتصقون به وبأهل السنة، ويشاركهم الماتريدية في هذا الاختطاف.
وهذه عقيدة أهل السنة التي أوردها أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" (290-297)، أسوقها للقراء الكرام، ولأهل هذا المؤتمر.

قال -رحمه الله-: "هذه حكاية جملة قول أصحاب الحديث وأهل السنة.
جملة ما عليه أهل الحديث والسنة الإقرار بالله وملائكته وكتبه ورسله وما جاء من عند الله وما رواه الثقات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يردون من ذلك شيئاً، وأن الله سبحانه إله واحد فرد صمد لا إله غيره لم يتخذ صاحبة ولا ولداً وأن محمداً عبده ورسوله، وأن الجنة حق وأن النار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور.
وأن الله سبحانه على عرشه كما قال: (الرحمن على العرش استوى) ([1]) وأن له يدين بلا كيف كما قال: خلقت بيدي وكما قال: بل يداه مبسوطتان وأن له عينين بلا كيف كما قال: تجري بأعيننا وأن له وجهاً كما قال: (ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام).
وأن أسماء الله لا يقال أنها غير الله كما قالت المعتزلة والخوارج، وأقروا أن الله سبحانه علماً كما قال: (أنزله بعلمه) وكما قال: (وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه).
وأثبتوا السمع والبصر ولم ينفوا ذلك عن الله كما نفته المعتزلة، وأثبتوا لله القوة كما قال: (أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة).
وقالوا أنه لا يكون في الأرض من خير ولا شر إلا ما شاء الله، وأن الأشياء تكون بمشيئة الله كما قال عز وجل: (وما تشاؤن إلا أن يشاء الله) وكما قال المسلمون: ما شاء الله كان وما لا يشاء لا يكون.
وقالوا أن أحداً لا يستطيع أن يفعل شيئاً قبل أن يفعله أو يكون أحد يقدر أن يخرج عن علم الله أو أن يفعل شيئاً علم الله أنه لا يفعله.
 وأقروا أنه لا خالق إلا الله وأن سيئات العباد يخلقها الله وأن أعمال العباد يخلقها الله عز وجل وأن العباد لا يقدرون أن يخلقوا شيئاً.
وأن الله سبحانه وفق المؤمنين لطاعته وخذل الكافرين ولطف بالمؤمنين ونظر لهم وأصلحهم وهداهم ولم يلطف بالكافرين ولا أصلحهم ولا هداهم ولو أصلحهم لكانوا صالحين ولو هداهم لكانوا مهتدين.
 وأن الله سبحانه يقدر أن يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن لا يصلح الكافرين ويلطف بهم حتى يكونوا مؤمنين ولكنه أراد أن يكونوا كافرين كما علم وخذلهم وأضلهم وطبع على قلوبهم.
 وأن الخير والشر بقضاء الله وقدره ويؤمنون بقضاء الله وقدره خيره وشره حلوه ومره ويؤمنون أنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله كما قال، ويلجئون أمرهم إلى الله سبحانه ويثبتون الحاجة إلى الله في كل وقت والفقر إلى الله في كل حال.
ويقولون أن القرآن كلام الله غير مخلوق([2]) والكلام في الوقف واللفظ من قال باللفظ أو بالوقف فهو مبتدع عندهم لا يقال اللفظ بالقرآن مخلوق ولا يقال غير مخلوق.
ويقولون أن الله سبحانه يرى بالأبصار يوم القيامة كما يرى القمر ليلة البدر يراه المؤمنون ولا يراه الكافرون لأنهم عن الله محجوبون قال الله عز وجل: كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون وأن موسى عليه السلام سأل الله سبحانه الرؤية في الدنيا وأن الله سبحانه تجلى للجبل فجعله دكاً فأعلمه بذلك أنه لا يراه في الدنيا بل يراه في الآخرة.
ولا يكفرون أحداً من أهل القبلة بذنب يرتكبه كنحو الزنا والسرقة وما أشبه ذلك من الكبائر وهم بما معهم من الإيمان مؤمنون وإن ارتكبوا الكبائر، والإيمان عندهم هو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله وبالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن ما أخطأهم لم يكن ليصيبهم وما أصابهم لم يكن ليخطئهم.
 والإسلام هو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله على ما جاء في الحديث والإسلام عندهم غير الإيمان.
ويقرون بأنه الله سبحانه مقلب القلوب.
ويقرون بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنها لأهل الكبائر من أمته وبعذاب القبر، وأن الحوض حق والصراط حق والبعث بعد الموت حق والمحاسبة من الله عز وجل للعباد حق والوقوف بين يدي الله حق.
ويقرون بأن الإيمان قول وعمل يزيد وينقص([3]) ولا يقولون مخلوق ولا غير مخلوق، ويقولون: أسماء الله هي الله([4])، ولا يشهدون على أحد من أهل الكبائر بالنار ولا يحكمون بالجنة لأحد من الموحدين حتى يكون الله سبحانه ينزلهم حيث شاء، ويقولون: أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم.
 ويؤمنون بأن الله سبحانه يخرج قوماً من الموحدين من النار على ما جاءت به الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 وينكرون الجدل والمراء في الدين والخصومة في القدر والمناظرة فيما يتناظر فيه أهل الجدل ويتنازعون فيه من دينهم بالتسليم للروايات الصحيحة ولما جاءت به الآثار التي رواها الثقات عدلاً عن عدل حتى ينتهي ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يقولون كيف ولا لم لأن ذلك بدعة.
ويقولون أن الله لم يأمر بالشر بل نهى عنه وأمر بالخير ولم يرض بالشر وإن
كان مريداً له.
ويعرفون حق السلف الذين اختارهم الله سبحانه لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم ويأخذون بفضائلهم ويمسكون عما شجر بينهم صغيرهم وكبيرهم، ويقدمون أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علياً رضوان الله عليهم ويقرون أنهم الخلفاء الراشدون المهديون أفضل الناس كلهم بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
ويصدقون بالأحاديث التي جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه ينزل إلى السماء الدنيا فيقول هل من مستغفر كما جاء الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ([5])
 ويأخذون بالكتاب والسنة كما قال الله عز وجل: فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ويرون اتباع من سلف من أيمة الدين وأن لا يبتدعوا في دينهم ما لم يأذن به الله.
ويقرون أن الله سبحانه يجيء يوم القيامة كما قال: وجاء ربك والملك صفاً صفاً، وأن الله يقرب من خلقه كيف يشاء كما قال: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد.
ويرون العيد والجمعة والجماعة خلف كل إمام بر وفاجر.
 ويثبتون المسح على الخفين سنة ويرونه في الحضر والسفر.
 ويثبتون فرض الجهاد للمشركين منذ بعث الله نبيه صلى الله عليه وسلم إلى آخر عصابة تقاتل الدجال وبعد ذلك.
ويرون الدعاء لأئمة المسلمين بالصلاح وأن لا يخرجوا عليهم بالسيف وأن لا يقاتلوا في الفتنة ويصدقون بخروج الدجال وأن عيسى بن مريم يقتله.
ويؤمنون بمنكر ونكير والمعراج والرؤيا في المنام وأن الدعاء لموتى المسلمين والصدقة عنهم بعد موتهم تصل إليهم.
ويصدقون بأن في الدنيا سحرة وأن الساحر كافر كما قال الله وأن السحر كائن موجود في الدنيا.
ويرون الصلاة على كل من مات من أهل القبلة برهم وفاجرهم وموارثتهم.
ويقرون أن الجنة والنار مخلوقتان.
وأن من مات مات بأجله وكذلك من قتل قتل بأجله.
وأن الأرزاق من قبل الله سبحانه يرزقها عباده حلالاً كانت أم حراماً.
 وأن الشيطان يوسوس للإنسان ويشككه ويخبطه.
وأن الصالحين قد يجوز أن يخصهم الله بآيات تظهر عليهم.
وأن السنة لا تنسخ بالقرآن.
وأن الأطفال أمرهم إلى الله إن شاء عذبهم وإن شاء فعل بهم ما أراد.
 وأن الله عالم بالعباد عاملون وكتب أن ذلك يكون وأن الأمور بيد الله ويرون الصبر على حكم الله والأخذ بما أمر الله به والانتهاء عما نهى الله عنه وإخلاص العمل والنصيحة للمسلمين.
 ويدينون بعبادة الله في العابدين والنصيحة لجماعة المسلمين واجتناب الكبائر والزنا وقول الزور والعصبية والفخر والكبر والإزراء على الناس والعجب.
ويرون مجانبة كل داع إلى بدعة والتشاغل بقراءة القرآن وكتابة الآثار والنظر في الفقه مع التواضع والاستكانة وحسن الخلق وبذل المعروف وكف الأذى وترك الغيبة والنميمة والسعاية وتفقد المأكل والمشرب.
فهذه جملة ما يأمرون به ويستعملونه ويرونه.
 وبكل ما ذكرنا من قولهم نقول وإليه نذهب وما توفيقنا إلا بالله وهو حسبنا ونعم الوكيل وبه نستعين وعليه نتوكل وإليه المصير".
وقرر هذا الإمام عقيدة أهل السنة في كتابه "الإبانة".
وإني لأرجو الله أن يوفق هؤلاء المؤتمرين من أنحاء العالم إلى الرجوع إلى عقيدة أهل السنة والجماعة، وعلى رأسهم الصحابة الكرام وأئمة الإسلام؛ لأن هذه العقيدة انطلقت من نصوص واضحة وجلية من كتاب الله وسنة رسوله –صلى الله عليه وسلم-.

2- وقالوا في (ص1):
"وقد خَلُص المؤتمر إلى الآتي:
"اعتماد كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وثيقة أساسية للمؤتمر.
أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية في الاعتقاد، وأهل المذاهب الأربعة الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة في الفقه، وأهل التصوف الصافي علماً وأخلاقاً وتزكيةً على مسلك الإمام الجنيد وأمثاله من أئمة الهدى.
 وهو المنهج الذي يحترم دوائر العلوم الخادمة للوحي، ويكشف بحق عن معالم هذا الدين ومقاصده في حفظ الأنفس والعقول، وحفظ الدين من تحريفه والعبث به، وحفظ الأموال والأعراض، وحفظ منظومة الأخلاق الرفيعة".
أقول: إن قولكم : "اعتماد كلمة فضيلة الإمام الأكبر شيخ الأزهر وثيقة أساسية للمؤتمر".
يلزمكم بالأخذ بما قرره أبو الحسن الأشعري في كتاب "مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين" .
فقد أثنى شيخ الأزهر على الإمام أبي الحسن الأشعري.
ونص على كتابه "مقالات الإسلاميين".
وقد أوردتُ نصَّ كلام هذا الإمام –أي: الأشعري- في أول هذا المقال فتذكر ذلك.
ومما نُقل عن شيخ الأزهر الشيخ أحمد الطيب قول المتحدث عن مؤتمر الشيشان:
"ولفت الإمام الأكبر إلى أن مفهوم "أهل السُّنَّة والجماعة" الذي كان يدور عليه أمرُ الأمَّة الإسلامية قرونًا متطاولة - نازعته في الآونة الأخيرة دعاوى وأهواء، لَبِسَتْ عِمَامَتَهُ شكلًا، وخرجت على أصوله وقواعده وسماحته موضوعًا وعملًا، حتى صار مفهومًا مضطربًا، شديد الاضطراب عند عامة المسلمين، بل عند خاصتهم ممن يتصدرون الدعوة إلى الله، لا يكادُ يبِينُ بعضٌ من معالِمِه حتى تَنْبَهِم قوادِمه وخَوَافِيهِ، وحتى يُصبِحَ نَهْبًا تتخطَّفُه دعواتٌ ونِحَلٌ وأهواء، كلُّها ترفع لافتة مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، وتزعم أنها وحدَها المتحدث الرسمي باسمه.. وكانت النتيجة التي لا مفرَّ منها أنْ تمزق شمل المسلمين بتمزق هذا المفهوم وتشتُّتِه في أذهان عامتهم وخاصتهم، مِمَّن تصدَّروا أمر الدعوة والتعليم، حتى صار التشدُّد والتطرُّف والإرهاب وجرائم القتل وسَفك الدِّماء".
أقول:
1-إن شيخ الأزهر يريد بأهل السنة والجماعة الأشعرية والماتريدية والصوفية ومن سار على نهجهم.
والذي يعرف الكتاب والسنة اللذين أمر الله المختلفين أن يحتكموا إليهما ، فقال عزّ وجل: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا).
يعرف أن الحق في كل مواطن الاختلاف العقائدية والمنهجية إنما هو مع الطائفة المنصورة، التي نصَّ عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، حيث قال: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق، لا يضرهم من خذلهم، حتى يأتي أمر الله وهم كذلك".
جاء بهذا أحاديث متواترة.
هذه الطائفة الكريمة إنما هم أهل الحديث، ومن التزم منهجهم وعضَّ عليه بالنواجذ.
 والأشعرية والماتريدية ليسوا منهم، بل هما ضد أهل الحديث.
فالأشعرية في واد، ومنهج وعقيدة أهل الحديث القائمان على الكتاب والسنة في واد آخر.
وهاك شهادات عدد من كبار أئمة السنة من جملة خمسة وأربعين عالماً من فحول أئمة السنة([6]) أن الطائفة المنصورة والفرقة الناجية هم أهل الحديث، وعلى رأسهم:
1- الإمام عبد الله بن المبارك  الثقة الجواد الثبت المجاهد الذي حاز خصال الخير، (ت181هـ).
2-والإمام الجليل يزيد بن هارون أبو خالد الواسطي الثقة المتقن العابد، (ت206هـ).
3-الإمام الجليل علي بن عبد الله بن جعفر المديني الثقة الثبت أعلم أهل عصره بالحديث و علله، (ت234هـ)
4-ومنهم إمام أهل السنة الصابر المجاهد الثقة الحافظ الحجة الإمام أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، (ت241هـ).
5-ومنهم جبل الحفظ وإمام الدنيا الثقة أمير المؤمنين في الحديث محمّد بن إسماعيل البخاري، (ت256هـ)
6-ومنهم الإمام الثقة الحافظ أبو جعفر أحمد بن سنان الواسطي، (ت259هـ).
7-الإمام الجليل الثقة الحافظ أحد الأئمة محمّد بن عيسى بن سَوْرَة السلمي الترمذي صاحب (الجامع)، (ت279هـ).
كلهم فسروا قول النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتواتر: "لا تزال طائفةٌ من أمَّتي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَن خذلهم ولا مَن ناوأهم (وفي رواية : خالفهم) حتَّى تقوم الساعة (وفي لفظ : حتَّى يأتيَ أمرُ الله) وهُم على ذلك):
بأن المراد بهذه الطائفة هم أهل الحديث، وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق حتى تقوم الساعة".
ولم يخالفهم في ذلك أحد من أئمة الإسلام والفقه والحديث، ولا يخالفهم إلا من لا يُعْتَدُّ بقوله من أهل البدع.
وقد وافق هؤلاء الأئمة على قولهم أئمة الحديث والفقه والتوحيد والسنة على امتداد التأريخ إلى يومنا هذا
8-ومنهم الإمام الجليل الفقيه المفسر الثقة محمد بن جرير الطبري، (ت310هـ)
9-ومنهم الحافظ أبوبكر عمرو بن أبي عاصم الضحّاك بن مخلد الشيباني، (ت287هـ)، في كتابه (كتاب السنة).
2- وقوله:([7]) "نازعته في الآونة الأخيرة دعاوى وأهواء، لَبِسَتْ عِمَامَتَهُ شكلًا، وخرجت على أصوله وقواعده وسماحته موضوعًا وعملًا، حتى صار مفهومًا مضطربًا، شديد الاضطراب عند عامة المسلمين، بل عند خاصتهم ممن يتصدرون الدعوة إلى الله، لا يكادُ يبِينُ بعضٌ من معالِمِه حتى تَنْبَهِم قوادِمه وخَوَافِيهِ...الخ
أقول: في هذا الكلام نظر.
فمنازعة أهل الأهواء لأهل السنة قديمة.
ومن ذلك منازعة الأشعرية لأهل السنة في هذا العنوان وما حواه، مع وضوح بعدهم عن أهل السنة وعقائدهم ومنهجهم.
يوضح ذلك مخالفتهم الواضحة لأهل السنة، ومنهم أبو الحسن الأشعري الذي صرّح بعقيدة أهل السنة في "المقالات الإسلامية"، وقد تقدّم نقل ما قرره عن عقيدة أهل السنة في هذا البحث، فارجع إليه.
فانتساب الأشعرية إلى أهل السنة باطل، وكذا انتسابهم لأبي الحسن الأشعري باطل، فليتقوا الله في أنفسهم وفي أتباعهم، وليرجعوا بجد إلى عقيدة أهل السنة والجماعة الثابتة عنهم ثبوت الجبال.
3- وقوله([8]) عن الجماعات المختلفة: "كلُّها ترفع لافتة مذهب أهل السُّنَّة والجماعة، وتزعم أنها وحدَها المتحدث الرسمي باسمه".
أقول: نعم، إن هذه الدعاوى موجودة فعلاً.
ولا تثبت منها إلا دعوى جماعة واحدة وهي دعوى الطائفة المنصورة التي نصَّ عليها رسول الله –صلى الله عليه وسلم-.
ويؤيد دعوى هذه الطائفة النبيلة كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وشهادات الأئمة العدول التي أسلفناها، فيحق لهذه الطائفة أن تتحدث باسم أهل السنة والجماعة.
ومن أشد الفرق منازعة باطلة لأهل السنة هي الفرقة الأشعرية.
فليتقوا الله وليدعوا الدعاوى الباطلة التي يدينها كتاب الله وسنة رسوله ومنهج السلف الصالح.
4-وقوله: "وكانت النتيجة التي لا مفرَّ منها أنْ تمزق شمل المسلمين بتمزق هذا المفهوم وتشتُّتِه في أذهان عامتهم وخاصتهم، مِمَّن تصدَّروا أمر الدعوة والتعليم، حتى صار التشدُّد والتطرُّف والإرهاب وجرائم القتل وسَفك الدِّماء".
أقول: إن أهل السنة والجماعة لمن أشد الناس محاربة لهذا التفرق والتمزق، مع دعوتهم الحارة لجميع الفرق الضالة إلى الرجوع إلى الكتاب والسنة.
وهم من أشد الناس محاربة لمصادر التطرف والإرهاب الذين هم مصادر جرائم القتل وسفك الدماء.
ومصادر القتل وسفك الدماء ...الخ هم الروافض وأصدقائهم الدواعش وغيرهم، الذين انطلقوا من منهج سيد قطب، بل ومن تربية الروافض، وهم (أي الدواعش) من ألد أعداء السلفيين أهل السنة والجماعة، فهم يكفرون السلفيين ويستحلون دماءهم في العراق وسوريا وغيرهما.
فليفهم هذا شيخ الأزهر وليدع الغمغمة في الكلام، وليتق الله وليصدع بالحق.
قال الناقلون: "وأوضح الإمام الأكبر أن "أهل السُّنَّة والجماعة"، حسب منهج التعليم بالأزهر، الذي تربَّيت عليه، ورافقني منذ طفولتي حتى يومنا هذا، إنما يُطلق على أتباعِ إمامِ أهل السُّنَّة أبي الحسن الأشعري، وأتباع إمام الهدى أبي منصور الماتريدي، وأهل الحديث، ولم يخرج عن عباءة هذا المذهب فُقَهَاء الحنفيَّة والمالكية والشافعية والمعتدلين من فقهاء الحنابلة، وهذا المفهوم بهذا العموم الذي يَشمَلُ علماء المسلمين وأئمتهم من المتكلمين والفقهاء والمحدِّثِين وأهل التصوف والإرشاد، وأهل النحو واللغة أَكَّدَهُ قُدماء الأشاعرة أنفسهم منذ البواكير الأولى لظهور هذا المصطلح بعد وفاة الإمام الأشعري.
ثم هو ما استقرَّ عليه الأمر عند جمهرة علماء الأمة عبر القرون التالية، وهذا هو الواقع الذي عاشته الأمَّة لأكثر من ألف عام، حيث عاش الجميع في وحدةٍ جامعةٍ استوعبت التعدُّد والاختلاف المحمود، ونبذت الفرقة والخلاف المذموم، مضيفًا أن الإمام أبا الحسن الأشعري الذي لُقب بأنه إمام أهل السُّنَّة والجماعة وُلِد بالبصرة سنة 260هـ، وتوفى ببغداد سنة 324هـ جاء مذهبه وسطًا بين مقالات الفِرَق الأخرى؛ كالمعتزلة والمجسمة والجبرية والخوارج والمرجئة، وقد اعتمد فيه على القرآن والحديث وأقوال أئمة السلف وعلمائهم، وكان الجديدُ في مذهبه هو المنهج التوفيقي الذي يمزج بين الإيمان بالنقل واحترام العقل".
أقول: إن عدّ شيخ الأزهر المتكلمين وأهل التصوف والأشاعرة([9]) من أهل السنة لمن الأباطيل الواضحة الجلية، يفضحه تأريخ هاتين الطائفتين ومواقف أهل السنة من هاتين الطائفتين الضالتين.
وهاك بعض أقوال أئمة السنة في ذم الكلام وأهله.
قال الإمام ابن قدامة في "تحريم النظر في كتب الكلام" (ص41-42):
"قَالَ الإِمَام أَحْمد لَا يفلح صَاحب كَلَام أبدا وَلَا يرى أحد نظر فِي الْكَلَام إِلَّا فِي قلبه دغل
وَقَالَ الإِمَام الشَّافِعِي مَا ارتدى أحد بالْكلَام فأفلح
وَقَالَ حكمي فِي أهل الْكَلَام أَن يضْربُوا بِالْجَرِيدِ وَيُطَاف بهم فِي العشائر والقبائل وَيُقَال هَذَا جَزَاء من ترك الْكتاب وَالسّنة وَأخذ فِي الْكَلَام
وَقَالَ أَبُو يُوسُف من طلب الْعلم بالْكلَام تزندق
وَقَالَ أَبُو عمر بن عبد الْبر: أجمع أهل الْفِقْه والْآثَار من جَمِيع أهل الْأَمْصَار أَن أهل الْكَلَام أهل بدع وزيغ لَا يعدون عِنْد الْجَمِيع فِي طَبَقَات الْعلمَاء وَإِنَّمَا الْعلمَاء أهل الْأَثر والمتفقهة فِيهِ
وَقَالَ أَحْمد بن إِسْحَاق الْمَالِكِي أهل الْأَهْوَاء والبدع عِنْد أَصْحَابنَا هم أهل الْكَلَام فَكل مُتَكَلم من أهل الْأَهْوَاء والبدع أشعريا كَانَ أَو غير أشعري لَا تقبل لَهُ شَهَادَة ويهجر ويؤدب على بدعته فَإِن تَمَادى عَلَيْهَا استتيب مِنْهَا". انتهى.


وهاك أقوال بعض العلماء في أهل التصوف:
قال الإمام أبو الحسن الأشعري في كتابه "مقالات الإسلاميين" (ص288-289):
"هذه حكاية قول قوم من النساك
1-                وفي الأمة قوم ينتحلون النسك يزعمون أنه جائز على الله سبحانه الحلول في الأجسام وإذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا.
2-                 ومنهم من يقول أنه يرى الله سبحانه في الدنيا على قدر الأعمال فمن كان عمله أحسن رأى معبوده أحسن.
3-                ومنهم من يجوز على الله سبحانه المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا وجوزوا مع ذلك على الله - تعالى عن قولهم - أن نلمسه.
4-                 ومنهم من يزعم أن الله سبحانه ذو أعضاء وجوارح وأبعاض لحم ودم على صورة الإنسان له ما للإنسان من الجوارح تعالى ربنا عن ذلك علواً كبيراً.
5-                وكان في الصوفية رجل يعرف بأبي شعيب يزعم أن الله يسر ويفرح بطاعة أوليائه ويغتم ويحزن إذا عصوه.([10])
6-                وفي النساك قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات وتكون الأشياء المحظورات على غيرهم من الزنا وغيره مباحات لهم.
7-                وفيهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله سبحانه ويأكلوا من ثمار الجنة ويعانقوا الحور العين في الدنيا ويحاربوا الشياطين.
8-                 ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين".([11])
فهذا موقف الإمام أبي الحسن من الصوفية وعقائدهم وافتراءاتهم على الله وعلى دينه.
ولعل أبا الحسن لم يستوعب ضلالات الصوفية التي سبقته، وكم زاد متأخروهم من الضلالات الكبرى، وسنذكر بعضها فيما يأتي من هذا البحث إن شاء الله.
ولا بد من التعليق على هذه العقائد الخطيرة التي يدين بها الصوفية الضلَّال.
فأقول: حاصل ما ذكره الإمام أبو الحسن عن الصوفية وعقائدهم الباطلة:
1-             القول بحلول الله في الأجسام-تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً-.
2-             وأنهم إذا رأوا شيئاً يستحسنونه قالوا: لا ندري لعله ربنا، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
3-             ومنهم من يقول: إنه يرى الله سبحانه في الدنيا...الخ
ولعل هذا القول ناشئ عن اعتقاد هذا الصنف أن الأولياء أفضل من الأنبياء.
فلم يدَّعِ أحد من الأنبياء أنه رأى الله في الدنيا.
قال الله تعالى عن موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ).
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تَعَلَّمُوا أَنَّهُ لَنْ يَرَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ حَتَّى يَمُوتَ".
        أخرجه مسلم في "صحيحه" حديث رقم (169)، وأحمد في "مسنده" (5/433)، والترمذي في "جامعه" حديث (2235).
وأهل السنة يؤمنون بأن الله يرُى في الآخرة، يراه المؤمنون.
4-             ومنهم من يُجوِّز على الله سبحانه المعانقة والملامسة والمجالسة في الدنيا، وجوَّزوا على الله أن نلمسه في الدنيا.
وهذا كله من الاستخفاف بالله، وعدم الإيمان بما ورد في الكتاب والسنة، كما في الآية الكريمة، وكما في الحديث السابق، وكما في قوله -صلى الله عليه وسلم- عن الله (حِجَابُهُ النُّورُ لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ".
أخرجه مسلم في صحيحه حديث (179)، وابن ماجه في "سننه" حديث (195)، وابن حبان في "صحيحه" حديث (266).
5-             ومنهم من يزعم أن الله سبحانه ذو أعضاء ولحم ودم على صورة الإنسان، وهؤلاء من أخبث أنواع المجسمة.
6-             ومن الصوفية قوم يزعمون أن العبادة تبلغ بهم إلى منزلة تزول عنهم العبادات ..الخ
فجَمَعَ هؤلاء القوم من الصوفية القول بسقوط التكاليف عنهم وبين الإباحية الملحدة.
7-             ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم أن يروا الله في الدنيا ويأكلوا من ثمار الجنة...الخ، ولا يبعد أن هذا الاعتقاد ناشئ عن اعتقادهم بأنهم أفضل من الأنبياء، فهم لا يحاربون الشياطين كما يزعمون.
وإنما هم من أولياء الشياطين.
8-             ومنهم من يزعم أن العبادة تبلغ بهم إلى أن يكونوا أفضل من النبيين والملائكة المقربين، وهذا من الإلحاد والضلال البعيد.
وهؤلاء هم سلف ابن عربي الملحد، ومن إلحاده قوله:
              مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ
فهذا مخالف لما دلَّ عليه الكتاب والسنة من أن الرسل أفضل من الأنبياء، وأن أفضل الرسل أولو العزم، وأفضل أولي العزم محمد –صلى الله عليه وسلم- خاتم النبيين والمرسلين.
وبعد، فما هو موقف أهل مؤتمر الشيشان من هذه الأصناف من الصوفية؟
 وما هو موقفهم من الفرق الصوفية المتأخرة الغارقة في الشركيات وفي وحدة الوجود؟

مواقف أهل السنة وعلمائها من الصوفية وزعمائها، ومنها:
- أولاً: ما ذكره الشعراني في كتاب الطبقات (1/ 13 - 14)، حيث ذكر:
1 - أنهم نفوا أبا يزيد البسطامي من بلده سبع مرات.
2 - وذكر أنه وقع لذي النون المصري مثل ذلك، ويزعم الشعراني أنه وشوا به إلى بعض الحكام وحملوه من مصر إلى بغداد مغلولاً مقيداً , ويؤخذ من كلامه أنهم كانوا يعتقدون فيه أنه زنديق , والذين عاملوه هذه المعاملة هم علماء الأمة وفقهاؤها وإن طعن فيهم الشعراني.
3 - ذكر أنهم قتلوا الحسين الحلاج وقطعوا يديه ورجليه.
وهو معروف بأنه زنديق يقول بالحلول ووحدة الوجود ومعروف بالسحر والشعوذة واتفقت عليه كلمة العلماء.
4 - قال: وشهدوا على الجنيد أنه كان يقرِّر علم التوحيد، ثم إنه تستر بالفقه واختفى.
5 - وذكر أنهم أخرجوا الحكيم الترمذي إلى بلخ حين صنَّف كتاب علل الشريعة وكتاب ختم الأولياء فأنكروا عليه بسبب هذين الكتابين , وقالوا: فضلت الأولياء على الأنبياء، وأغلظوا عليه فجمع كتبه كلها وألقاها في البحر فابتلعتها سمكة ثم لفظتها بعد سنين. هكذا يقول الشعراني!.
6 - وذكر عدداً آخرين من زعماء الصوفية يُطردون من بلدانهم لما فيهم من الضلال، منهم أبو بكر النابلسي وأبو الحسن الشاذلي، أخرجوه وجماعته من المغرب إلى الإسكندرية لأنهم اتهموه بالزندقة.
والذين يعاملون زعماء الصوفية هذه المعاملة التي ذكرها الشعراني هم علماء الإسلام وفقهاؤه.
- ثانياً: ويؤكد هذا ما قاله ابن الجوزي في (تلبيس إبليس):
1 - أن ذا النون هجره علماء مصر ورموه بالزندقة وكان من المنكرين عليه الإمام عبد الله بن عبد الحكم المالكي.
2 - وقال: وأُخرج أبو سليمان الداراني من دمشق وقالوا إنه يزعم أنه يرى الملائكة.
3 - وشهد قوم على أحمد بن أبي الحواري أنه يفضل الأولياء على الأنبياء فهرب من دمشق إلى مكة.
4 - وذكر عن أبي يزيد البسطامي أنه يقول: لي معراج مثل معراج النبي صلى الله عليه وسلم فأخرجوه من بسطام.
فهذه مواقف أهل السنة من الصوفية الأوائل إلى عهد الشاذلي.
- ثالثاً: ومواقف ابن تيمية وابن القيم والذهبي وابن حجر وشيوخه وتلاميذه، والإمام المقري في اليمن، وغير هؤلاء من أهل السنة من الصوفية المتأخرين، ولا سيما أتباع ابن عربي، مثل مواقف علماء السلف وفقهائهم من الصوفية وزعمائها الأوائل.
وليرجع من شاء إلى (الفرقان بين أولياء الشيطان وأولياء الرحمن)، و (الفرقان بين الحق والباطل)، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، و (إغاثة اللهفان) و (مدارج السالكين) لابن القيِّم، و (الميزان) للذهبي، و (تنبيه الغبي) للبقاعي -أحد تلاميذ الحافظ ابن حجر- جمع فيه أقوال العلماء في أهل وحدة الوجود.
وأنا أسألكم: هل هذه الطرق الصوفية القائمة الآن مثل التيجانية والميرغنية والسهروردية والقادرية والجشتية والرفاعية والشاذلية والبرهانية وغيرها من الطرق الكثيرة، هل هم على عقيدة أهل السنة ومنهجهم؟! وهل هذه القبور المقدَّسة في مشارق العالم الإسلامي ومغاربه التي يُعتقد في أهلها أو في كثير منهم أنهم يعلمون الغيب ويتصرفون في الكون ويستجيبون الدعاء ويكشفون الكربات، هل هي قائمة على كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ومنهج السلف الصالح؟. ألا تعلمون أن أهم أسباب هذه البلايا في العالم الإسلامي إنما هم الصوفية؟.
أرى أنه من الواجب عليكم أن تتركوا مثل هذه الأساليب التي تقوم على التلبيس وأن تسلكوا مسلك الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في محاربة الشرك ومظاهره ووسائله، وفي الجهر بالنصيحة لهذه الأمة، وتحذيرها من خطر الصوفية وعقابيلها، وأن تهتفوا بهم وبالأمة جميعاً إلى العودة إلى الكتاب والسنة وما كان عليه الصحابة الكرام وتابعوهم بإحسان، ذلكم هو الطريق النافع للأمة والذي يخلصها من الأوضاع المهلكة التي يعيشونها والتي من أعظم أسبابها الفكر الصوفي وعقائده ومناهجه، (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً).
قول الصوفية بوحدة الوجود:
وسأضرب مثالين لطائفتين من طوائف الصوفية:
الأولى: الطائفة التيجانية.
1 - قال صاحب جواهر المعاني (1/ 255) نقلاً عن شيخه التيجاني: " .. اعلم أن أذواق العارفين في ذوات الوجود أنهم يرون أعيان الموجودات " كسراب بقيعة " الآية. فما في ذوات الوجود كله إلا الله سبحانه وتعالى تجلى بصورها وأسمائها وما ثَم إلا أسماؤه وصفاته فظاهر الوجود وصور الموجودات وأسماؤها ظاهرة بصورة الغير والغيرية، وهي مقام أصحاب الحجب الذين حجبوا بظاهر الموجودات عن مطالعة الحق فيها، والظاهر المحض إنما هو وجود الحق وحده في كل شيء".
2 - وقال صاحب الجواهر (2/ 91 - 92) عن الشيخ التيجاني في شرح حديث باطل: "وتحقيق ما في هذا الحديث هو ما قلناه أولاً وهو أن جميع المخلوقات مراتب للحق يجب التسليم له في حكمه وفي كل ما أقام خلقه لا يعارض في شيء، ثم حكم الشرع من وراء هذا يتصرف فيه ظاهراً لا باطناً ولا يكون هذا إلا لمن عرف وحدة الوجود فيشاهد فيها الوصل والفصل، فإن الوجود عين واحدة لا تجزؤ فيها على كثرة أجناسها وأنواعها ووحدتها لا تخرجها عن افتراق أشخاصها بالأحكام.
والخواص وهي المعبر عنها عند العارفين أن الكثرة عين الوحدة والوحدة عين الكثرة فمن نظر إلى كثرة الوجود وافتراق أجزائه نظره عيناً واحدة على كثرته، ومن نظر إلى عين الوحدة نظرة متكثر بما لا غاية له من الكثرة، وهذا النظر للعارف فقط لا غيره من أصحاب الحجاب وهذا لمن عاين الوحدة ذوقاً لا رسما وهذا خارج عن القال ومعنى الفصل والوصل، فالوحدة هي الوصل والكثرة هي الفصل" أ.هـ
3 - وحدة الوجود ووحدة الأديان:
أ- قال التيجاني: "واعلم أن حضرة الحق سبحانه وتعالى متحدة من حيث الذات والصفات والأسماء والوجوه.
والوجود كله متوجه إليه بالخضوع والتذلل والعبادة والخمود تحت سلطان القهر وامتثال الأمر والمحبة والتعظيم والإجلال.
فمنهم المتوجه إلى صورة الحضرة الإلهية نصاً جليّا في محو الغير والغيرية.
ومنهم المتوجه إلى الحضرة العليَّة من وراء ستر كثيف، وهم عبدة الأوثان ومن ضاهاهم فإنهم في توجههم إلى عبادة الأوثان ما توجهوا لغير الحق سبحانه وتعالى، ولا عبدوا غيره لكن الحق سبحانه وتعالى تجلى لهم من تلك الستور بعظمته وجلاله وجذبهم بحسب ذلك بحكم القضاء والقدر الذي لا منازع لهم فيه وهذا هو التوجه إلى الله كرهاً، يقول سبحانه وتعالى: (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً .. ). الآية.
فالوجود كله متوجه إلى حضرة الحق سبحانه وتعالى بصفة ما ذكرنا فرداً فرداً وأن الكفار والفجرة والمجرمين والظلمة، فهم في ذلك التخليط الذي خالفوا فيه نصوص الشرع وصورة الأمر الإلهي فإنهم في ذلك ممتثلون لأمر الله تعالى ليسوا بخارجين عن أمره ومراده إلا أنهم خرجوا عن صورة الأمر الإلهي ظاهراً وغرقوا فيه باطناً" جواهر المعاني وبلوغ الأماني (1/ 239).
نماذج من كتاب: (الخلاصة الوافية الظريفة في شرح الأوراد اللازمة والوظيفة للطريقة التيجانية الشريفة)
تأليف: محمد سعد الرباطابي التيجاني.
1 - الطريقة التيجانية أخذها شيخها وإمامها أحمد التيجاني عن سيد الوجود صلى الله عليه وسلم (ص/5) حاشية.
2 - ويقول محمد سعد الرباطابي التيجاني عن شيخ الطريقة أحمد التيجاني: "ورضي الله تعالى عن بهجة الأخيار ومعدن البركات والأسرار قطب الأقطاب وغوث الأغواث القطب المكتوم والكنز المطلسم قدوتنا وشيخنا وإمامنا ختام الأولياء وممدهم الشيخ أحمد بن محمد التيجاني الشريف الحسني وعن أصحابه المنتسبين إليه ومحبيه أجمعين" (ص/ 3).
أقول: فهل هذه العقيدة التي يؤمن أهلها بالأقطاب والأغواث والكنوز المطلسمة منبثقة من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟!
وهل يعرف الناس وظيفة الغوث والقطب وأن من منها التصرف في الكون؟!
3 - ويقول عن كراماته -أنها كثيرة شهيرة لا يحصرها العد ولا تستقصى-:
ومن لي بحصر البحر والبحر زاخر        ومن لي بإحصاء الحصى والكواكب
ومن أعظم كراماته رضي الله عنه رؤيته لذات سيد الوجود وعلم الشهود سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً دائماً بحيث لا يغيب عنه طرفة عين ويسأله صلى الله عليه وسلم عن كل أمر يبدو له ويشاوره صلى الله عليه وسلم في كل شيء دقَّ أو جلَّ " (ص/ 12 - 13).
أقول:
فهل هناك مسلم أو عاقل يصدِّق هذه الدعاوى العريضة؟!
4- ويقول عن علمه: وكان رضي الله عنه يقول: لو سألني سائل أربع سنين وأنا أملي عليه وهو يكتب لم يفرغ يعني من غير تأمل، ولا يستغرب ذلك وقد قال له صلى الله عليه وسلم: كل ما أمليت فأنت مترجم عني".
فهل يصدق هذا الرجل إذا قال إن ميزانه الكتاب والسنة؟!
وهل يقول مثل هذا الكلام عاقل فضلاً عن إنسان يدعي أعلى مراتب الولاية؟!.
5 - ويقول: الرباطابي التيجاني: "وتولى سيدنا وشيخنا القطبانية العظمى في شهر المحرم 1214 من هجرة سيد المرسلين وهو مقيم بفاس، وهذا من خرق العادة وفي اليوم الثامن عشر من شهر صفر الخير من السنة المذكورة بلغ مقام الختم والكتم الخاصين بختم الولاية المحمدية الخاصة.
6 - ويقول: "قال الشيخ رضي الله عنه: إن جميع الأولياء يدخلون في زمرتنا ويأخذون أورادنا ويتمسكون بها إلى يوم القيامة حتى الإمام المهدي المنتظر إذا قام في آخر الزمان الخ.
يأخذها ويكون من خلفاء الشيخ رضي الله عنه الوارثين لعلومها وأسرارها وقد نوه سيدنا الشيخ رضي الله عنه كثيراً بفضلها ولم يقل ذلك إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " (ص/ 38).
ويشيد الرباطابي بفضائل هذه الطريقة.
فمن هم هؤلاء الأولياء الذين يدخلون في زمرتهم ويأخذون أوراده؟ وهل الأولياء كلهم تيجانية؟ ومن هو هذا المهدي المنتظر الذي يأخذ بطريقة أحمد التيجاني ويترك الكتاب والسنة، ويكون خليفة للتيجاني لا خليفة خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
الظاهر أنه يريد بهذا المهدي المنتظر صاحب السرداب الذي ينتظر الروافض قيامه.


2- المثال الثاني: الفرقة الميرغنية.
قال محمد عثمان الميرغني الشهير بالختم وهو مؤسس الطريقة الختمية- قال في [النور البراق] (ص124-125):
وكنتُ عين وجود القدس في أزلٍ         يسبِّح الكون تسبيحاً لإجلالي
فالعرش والفرش والأكوان أجمعُها         الكُلُّ في سعةٍ مستهلَكٌ بالي
وكلُّ فضلٍ سما للكون مرتفعـــــــــــــا          فإنما هو من منِّي وإفضالي

فهذا الميرغني الضال يدَّعي أنَّه هو الله في الأزل وأنَّ الكون يسبِّح لإجلاله وتعظيمه وأنَّ كلُّ فضلٍ يوجد في الكون فإنَّما هو من منِّه وإفضاله!!!
فهذا أطغى من فرعون؛ ففرعون يدَّعي أنَّه إله مصر (!) وهذا الضال الملحد يدَّعي أنَّه هو الله ... !! تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وقال المسمى بجعفر الصادق نجل محمد عثمان الميرغني (ص:80):
مقامي فوق الفوق في درج العلا         وما شئته في الكون كان بهمتي
وأمري على كل الخلائق نافذ           وكل الورى من أمر ربي رعيتي
فلي المنصب الأعلى وحكمي ماضي     بكل أراض الله في كل بقعة
وإسمي مكتوب على ساق عرشه        وفي اللوح مثبوت فأتقن عبارتي
لفي خاطري من عالم الغيب جملة      ولو ظهرت يوماً تُحير فكرةِ
تراودني نفسي بإظهار بعضها            ويمنعها عقلي مناما ويقظةِ
فلله في أمري شؤون عجيبة             تدق على الأفهام معنى وصورةِ
لما وسعت رق الطروس لأنها            عزيزة وصف لا تحد لكثرةِ
ولو كان هذا العصر ياخلي قابلاً       لقلت كلاماً ليس يفهم لدقةِ
ولكنني أخفي أموراً كثيرة               جواهر لفظ لا تباع ببخسةِ
ولكنني أرجو بكتمان سره               حناناً وتوفيقاً لأهل مودةِ
أبى الله أن أحكي غوامض سره                 لحيرت أهل الصحو والسكر جملةِ
ولو يأذن الرحمن إفشاء بعضها           لسطر أهل العصر ألف صحيفةِ
ولو أنها حلت على بحر مالح            لعاد هناك البحر ماء عذوبةِ
ولو أنها حلت على قصر شامخ        لعاد هناك القصر حالاً رميدةِ
ولو أنها حلت على غصن بانةٍ          لعاد قضيب البان يزهو بخضرةِ
ولو أنها حلت على الرمل والحصى      لكانت تناجيني بأفصح كلمةِ
فاعجب لهذا التأله والسيطرة على الكون! واعجب لهذه الأكاذيب والدعاوى العريضة والإلحاد الواسع!
ثم ألا يذكر هذا الجاهل أن الله تعالى قال لرسوله صلى الله عليه وسلم: (ليس لك من الأمر شيء)؟
أما وقف هذا الجاهل الضال على قول الخضر لموسى عليهما السلام لما رأيا طيراً يأخذ بمنقاره من البحر: " والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر"؟! [البخاري/ كتاب التفسير، حديث:4726].
أما سمع بقول الله تعالى: (فلا تزكوا أنفسكم)؟! أما سمع بالحكمة التي قال صاحبها: (من قال أنا عالم فهو جاهل)؟! وهل ادعى نبي من الأنبياء أن علمه بهذا الحجم العظيم؟! وأن له هذه التأثيرات؟!
وقال أيضاً في (ص:68):
صفوف السالكين وراء بابي     إليهم أملأ الكاس وأُعلي
إذا ما جاء كل الخلق فيضاً     أنا ميزابهم أعطي وأخلي
مدادي ليس تحصره طروس     وفيضي فائض إكرع وملي
رأيت العرش والكرسي جميعاً    وما في اللوح من خط وشكل
جميع عوالم الدنيا أراها                  كخردلة وذا من فضل فضلي
بلاد الله في حكمي وطوعي    أقدم من أشا والقول قولي
ولو أني إذا ألقيت سري        على صخر لعاد الصخر رملي
ولو أني إذا ألقيت سري        على ميت مشا ينطق ويملي
ولو أني إذا ألقيت سري        على بحر حلا من ريق تفلي
ولو أني إذا ألقيت سري        على نار الورى خمدت لفعلي
مريدي لا تخف الله حسبي      عطاني رفعة من قبل قبلي
مريدي لا تخف إشرب وغني    وافعل ما تشا أعطي وخلي
انظر إلى هذا الضال المتألِّه الذي جعل نفسه نِدًّا لله في العلم والقدرة والعظمة والتصرف في الكون.
وانظر إلى هذا الأفاك المتأله الذي يبيح لمريديه انتهاك حرمات الله فيشربون الخمر ويفعلون ما يشاءون، أليست هذه إباحية؟!.
أقول:
إن هذه الطائفة الصوفية الموسومة بالميرغنية يُعد أهلها بالملايين في السودان، ومصر، فما موقف أهل مؤتمر الشيشان من هذه الطائفة وغيرها من الطوائف الصوفية المنتشرة في العالم كمصر والسودان والمغرب العربي، والهند، وباكستان؟
أرجو أن يوفقوا لنقدها والوقوف إلى جانب أهل السنة في بيان ضلالها الخطير والتحذير الجاد منها.
كتبه
ربيع بن هادي عمير المدخلي
25 محرم 1438هـ



([1]) الأشعرية يخالفون الكتاب والسنة وأهل السنة وأبا الحسن الأشعري في إثبات صفة استواء الله على عرشه وغيرها من صفات الله العظيمة، ويؤمنون بالصفات السبع، وهي: الحياة، والإرادة، والقدرة، والعلم، والسمع، والبصر، والكلام؛ لأنه دل عليها العقل، فاعتمادهم في إثبات هذه الصفات على العقل لا على الأدلة من الكتاب والسنة.
([2]) والأشعرية يخالفون كتاب الله وسنة نبيه، ويخالفون أهل السنة والجماعة، وأن القرآن كلام الله وأنه يتكلم كما شاء ومتى شاء، ويقولون: كلام الله نفسي قائم بالنفس من غير حرف ولا صوت، قال صاحب [الزُّبَد]:
كَلامُهُ كَوَصفِهِ القَدِيمِ               لم يُحْدِثِ المسموعَ للكَلِيمِ
([3]) والأشاعرة يخالفون الكتاب والسنة وأهل السنة، ويقولون: الإيمان هو الاعتقاد بالقلب. وهذا قول الجهمية. انظر [مجموع الفتاوى] (20/86).
([4]) قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في [مجموع الفتاوى] (6/206 – 207): وَأَمَّا الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّ " الِاسْمَ لِلْمُسَمَّى " كَمَا يَقُولُهُ أَكْثَرُ أَهْلِ السُّنَّةِ فَهَؤُلَاءِ وَافَقُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَالْمَعْقُولَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} وَقَالَ: {أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} . وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " {إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا} " {وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ لِي خَمْسَةَ أَسْمَاءٍ: أَنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَد وَالْمَاحِي وَالْحَاشِرُ وَالْعَاقِبُ} " وَكِلَاهُمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ.اهـ
([5]) والأشاعرة يخالفون أهل السنة في إثبات أن الله ينزل كل ليلة إلى السماء الدنيا، كما هو ثابت في الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
([6]) انظر بقية أسماء هؤلاء الأئمة في المجلد العاشر من "مجموع رسائل وفتاوى ربيع بن هادي" من (ص661-705).
([7]) أي: شيخ الأزهر.
([8]) أي: شيخ الأزهر.
([9]) أي: المخالفين لأهل السنة.
([10]) قول هذا الصوفي: "إن الله يغتم ويحزن إذا عصوه" قولٌ في غاية الضلال.
([11]) ولقد تأسى ابن عربي بقول هؤلاء الصوفية فقال:
مَقَامُ النُّبُوَّةِ فِي بَرْزَخٍ ... فُوَيْقَ الرَّسُولِ وَدُونَ الْوَلِيِّ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق