السبت، 27 أغسطس 2016

من أخبار الحجاز ونجد في تاريخ الجبرتي وثيقة تاريخية سعودية مغربية مهمة د.عبدالله بن سعد الرويشد




هذا الكتاب من تأليف الأستاذ المصري الفاضل محمد أديب غالب، وهو كتاب تاريخي قيم، وسفر نفيس يحدثنا عن أخبار الآباء والأجداد وتضحياتهم الخالدة وملاحمهم المجيدة التي كانت وما زالت أناشيد للزمن والتاريخ، وأهمية هذا الكتاب تبدو من عنوانه، وقد طبع بإشراف دار اليمامة للبحث والترجمة، وهو استقصاء لكل ما كتبه المؤرخ المصري الكبير عبدالرحمن بن حسن الجبرتي في تاريخه (العجائب والآثار في التراجم والأخبار)، وهو أربعة مجلدات ضخمة وهذا المؤلف الذي عنونت به بحثي هذا الذي أقدمه للقارئ الكريم يتحدث عن حوادث وأخبار وتاريخيات تتعلق بالحجاز ونجد، وقد ظهرت الطبعة الاولى لهذا الكتاب عام 1395هـ الموافق 1975م، وهو جزء واحد، ويتكون من مائتين وسبعة وسبعين صفحة، وقد أهداه مؤلفه الكريم إلى القائد البطل الملك فيصل بن عبدالعزيز - رحمه الله - وذلك قبيل انتقال جلالته إلى جوار ربه، وذلك في اليوم 13 من ربيع الأول عام 1395هـ الموافق 25 من آذار عام 1975م بقليل، وقدم للكتاب شيخ الأدباء، وأديب العلماء في بلادنا الشيخ حمد الجاسر - رحمه الله- ويقول أستاذنا الجاسر في المقدمة (إن الجبرتي يكتب عن الدعوة الإصلاحية أي دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب كتابه المؤرخ المنصف، ولا يقلل هذا كلمات نابية تخللت بعض نصوصه نرى، عدم صحة نسبتها إليه ولن نقول مع القائلين: إنه كان يتخذ منها تقية، وقد صرح في مواضيع كثيرة برأيه تصريحا لا مواربة فيه، وما كتبه هذا المؤرخ المنصف وصرح به في أحرج أوقات تلك الدعوة، وأشدها بلاء عليها، وفي عنفوان سيطرة أعدائها وانتصارهم وقوتهم يعتبر موقفاً رائعاً لهذا المؤرخ).
ويقول الأستاذ المؤلف: إن هذه المادة الملخصة من تاريخ الجبرتي من أخبار الجزيرة العربية من أقوال وصور وأعمال في موضوع واحد تعبّر أبلغ تعبير عن إعجابنا الشديد بهذه الثمرة المباركة التي كانت نتيجة طيبة لهذه الدعوة الإصلاحية السلفية، وتبعث في نفوسنا الآمال القوية بأن تكون تلك الدعوة قادرة على حمل الأمانة لحماية العقيدة الإسلامية وأصحابها وتطهيرها من مختلف العناصر الدخيلة التي كانت سائدة آنذاك في مختلف ميادين الاعتقاد وأنها ستصبح في يوم من الأيام أداة قوية لمقاومة الشر والفساد تحقيقا لقوله تعالى {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ} وأخيراً حسبي أن يؤدي هذا الجهد المبسط الى ما يكمل بعض الدارسين والباحثين على ضوء مقتضيات الحاضر وآمال المستقبل.
والمؤرخ المصري الكبير الجبرتي - رحمه الله - كان معاصراً لحاكم مصر محمد علي باشا وابنه ابراهيم باشا وحروبهما مع السلفيين من آل سعود وآل الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأهل نجد، فقد ولد عام 1167هـ وتوفي عام 1240هـ ففي الفصل الأول من الكتاب يتحدث المؤلف عن الجبرتي ومكانته بين المؤرخين، وهو ملخص بحث للدكتور أحمد عزت عبدالكريم رئيس الجمعية المصرية للدراسات التاريخية ألقاه في مؤتمر الدراسات التاريخية الذي دعت إليه الجمعية آنفة الذكر عام 1974 ميلادي عن المؤرخ المصري المميز العلامة عبدالرحمن بن حسن الجبرتي، أما الفصل الثاني من الكتاب فهو ملخص لأخبار الجبرتي المتصلة بالحجاز ونجد، وتتعلق بحوادث عام 1099 هجري و1102هـ و1103هـ و1106هـ و1110هـ و1116هـ و 1119هـ و 1121هـ و 1125هـ و 1130هـ و1131هـ و 1133هـ و 1135هـ و 1138هـ و1156هـ و 1161هـ و 1162هـ و 1181هـ الى 1184هـ و 1187هـ و 1190هـ و 1192هـ الى 1195هـ و1197هـ الى 1203هـ و 1205هـ و1208هـ و1213هـ الى 1220هـ و1223هـ الى 1230هـ و1232هـ إلى 1235هـ.
أما الفصل الثالث فهو تراجم لبعض أمراء الحج والعلماء بالحرمين الشريفين. وفي حوادث عام 1217هجرية يتحدث الجبرتي عن انتشار الدعوة السلفية وفي حوادث عن انتشار الدعوة السلفية وفي حوادث عام 1218هـ يتحدث الجبرتي عن استيلاء السلفيين على مكة المكرمة، وتولية الشريف عبدالمعين، وفي حوادث عام 1220هجرية الموافق عام 1805ميلادية ينقل عن الجبرتي أخبار استيلاء السلفيين على المدينة المنورة، وفي حوادث عام 1224هـ ينقل عن الجبرتي ورود مرسوم لمحاربة السلفيين، وفي حوادث عام 1228هـ ينقل عن الجبرتي أنباء عودة العساكر المصرية إلى جدة ومكة، وخروج محمد علي الى الحجاز، وفي حوادث عام 1229هـ أخبار عن إلقاء محمد علي القبض على الشريف غالب، وفي حوادث عام 1230هـ أخبار عن عودة محمد علي إلى مصر من الحجاز، وفي حوادث عام 1232هـ أخبار عن سفر ابراهيم باشا إلى الحجاز لمحاربة السلفيين، وفي حوادث عام 1233هـ ينقل عن الجبرتي أخبار استيلاء إبراهيم باشا على بلدة شقراء والدرعية، وفي حوادث عام 1234هـ ينقل عنه أخبار وصول الإمام عبدالله بن سعود الى مصر وسفره لدار السلطنة بتركيا وإعدامه هناك- رحمه الله- وغفر له وأسكنه فسيح جناته، وفي حوادث عام 1235هـ ينقل وصول إبراهيم باشا إلى مصر، ومعه بعض الأسرى السلفيين من أسرة آل سعود وأسرة آل الشيخ محمد بن الوهاب رحمهم الله جميعاً.
ومما سجله الموّرخ الجبرتي - رحمه الله - كتابا أرسله الأمير سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود في عهد والده الإمام عبدالعزيز إذ كان الأمير سعود هو قائد الجيش السعودي الذي دخل مكة المكرمة وحكمها عام 1218هـ إلى عام 1228هـ فقد سلم الكتاب ومعه أوراق لشيخ الركب المغربي أي رئيس الحجاج المغاربة أثناء أول حج للأمير بعد الحكم السعودي للحجاز، وتتضمن هذه الأوراق الدعوة الإسلامية والعقيدة السلفية الصحيحة ومحاربة الشرك والوثنية ومحاربة الرجوع إلى القبور والأضرحة وعبادتها من دون الله كما يعمله الجهلاء، ومحاربة هذه البدع وغيرها هي دعوة وعقيدة شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب -رحمه الله - وهذه هي مبادئ الإمام عبدالعزيز بن محمد آل سعود، ومبادئ ابنه سعود قائد الجيش السعودي والحاكم الجديد لأم القرى، وهذا دستور الدولة السعودية الذي أسست وبنت ملكها ودولتها على الدين، وعلى الإسلام نعم على تنفيذ كتاب الله وسنة رسوله كما جاء بها رسول الإسلام محمد عليه الصلاة والسلام.
وإليك أيها القارئ الكريم هذه الوثيقة التاريخية الخالدة بنصها حرفيا كما ذكرها المؤرخ المصري المنصف عبدالرحمن الجبرتي في كتابه المشهور الآنف الذكر وهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
وبه نستعين، الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.. من يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فقد غوى، ولا يضر إلا نفسه، ولن يضر الله شيئاً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيراً، أما بعد فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}. وقال تعالى: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}، فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله- صلى الله عليه وسلم- وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا، وترك البدع والتفرق والاختلاف، وقال تعالى: {اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ}. وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}. والرسول- صلى الله عليه وسلم- قدأخبرنا أن أمته تأخذ ما أخذ القرون قبلها، شبرا بشبر وذراعا بذراع. وتثبت في الصحيحين وغيرهما عنه- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه) وقالوا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال (فمن)؟ وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: (من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي).
إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها: الإشراك بالله والتوجه إلى الموتى، وسؤالهم النصر على الأعداء، وقضاء الحاجات، وتفريج الكربات، التي لا يقدر عليها إلا رب السموات والأرض، وكذلك التقرب اليهم بالتودد وذبح القرابين، والاستغاثة بهم في كشف الشدائد، وجلب الفوائد، إلى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، الله يصرف جميعها، لأنه سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك، ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا، كما قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصا لوجهه، وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم إلى الله زلفى، ويشفعوا لهم عنده، وأخبر انه لا يهدي من هو كاذب كفار وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللّهَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأخبر أن من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك به، وذلك ان الشفاعة كلها لله كما قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ}؟. وقال تعالى {فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ}، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا}، وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ } فالشفاعة حق، ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ}. فإذا كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود، وآدم فمن دونه تحت لوائه - لا يشفع إلا بإذن الله، لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجدا فيحمده بمحامد يعلمه إياهم ثم يقول: ارفع رأسك، وسل تعط، واشفع تشفع، ثم يجد له حلا فيدخله الجنة، فكيف بغير الأنبياء والأولياء؟ وهذا الذي ذكرناه لا يتخالف فيه أحد من علماء المسلمين، بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم، ومن سلك سبيلهم، ودرج على مناهجهم، وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء والشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها، والصلاة عندها واتخاذها أعيادا، وجعل السدنة والنذور لها، فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي- صلى الله عليه وسلم- أمته وحذر منها، كما في الحديث عنه- صلى الله عليه وسلم- انه قال:(لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان). وهو - صلى الله عليه وسلم- حمى جناب التوحيد أعظم حماية، وسد كل طريق يؤدي الى الشرك، فنهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه كما في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضا: انه بعث علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وأمره ألا يدع قبرا مشرفا إلا سواه ولا تمثالا إلا طمسه، ولهذا قال غير واحد من العلماء: (يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول- صلى الله عليه وسلم-. فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر الى ان كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه، بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله- صلى الله عليه وسلم- وإجماع السلف الصالح من الأمة.. متمثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ} فمن لم يجب الدعوة بالدعوة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } وندعو الناس الى إقامة الصلوات في الجماعات على الوجه المشروع، وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهى عن المنكر كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} فهذا هو الذي نعتقده وندين لله به، فمن عمل ذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا، وعليه ما علينا، ونعتقد أيضاً أن أمة محمد- صلى الله عليه وسلم- المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة، وأنه لا تزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك).انتهت الوثيقة التاريخية..
ويقول المؤرخ المصري الجبرتي: إن كان كذلك.. فهذا ما ندين لله به نحن ايضا، وهو خلاصة لباب التوحيد، وما علينا من المارقين والمتعصبين، فقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان) والحافظ المقريزي في (تجديد التوحيد) والإمام البدسي في (شرح الكبرى) و(شرح الحكم)؟ لابن عباد، وكتاب (جمع الفضائل وقمع الرذائل) وكتاب (مصايد الشيطان) وغير ذلك.
والإمام سعود بن عبدالعزيز - رحمه الله - قد طلب العلم على يد شيخ الإسلام الإمام محمد بن عبدالوهاب، فهو عالم بعلوم الشريعة متبحر فيها من تفسير وحديث وفقه وتوحيد، ولقد سررت جدا جدا لتلك الشهادة السلفية الحقة التي كتبها الأديب المصري الكبير أحمد حسن الزيات أيام قيام الملك عبدالعزيز - - رحمه الله- بزيارة مصر عام 1365 - 1946م إذ قال في مجلة الرسالة مجلة الأدب الرفيع (من بوادي نجد منبت العرار والخزامى ومهب الصبا ومسرى النعامى فاحت عطور الإسلام والعروبة من جديد، وباحت الرمال الصامتة بسرها المكنون منذ بعيد، وهبت نفحات الإسلام على آل الشيخ وآل سعود، فجددوا ما رث من حبل الدين، وجمعوا ما شت من شمل العرب، وتهيأت الفرصة مرة أخرى لشريعة الله لتري الناس كيف بسطت ظلال السلام والوئام والأمن على أشد بقاع الارض ضلالة وجهالة وفتنة، وتجلت في طويل العمر عبدالعزيز فضائل العرب الأصيلة، فمثل شاعريتها في رفاهة حسه وأريحيتها في سماحة نفسه، وحميتها في صرامة بأسه، فهو في دينه النقي الخالص، وفي خلقه السري، الصحيح دليل ناهض على أن الجزيرة لم تعقم بعد أنصار الدعوة، وأبطال الفتوح ولا يضيرها أن تتباعد فترات الإنجاب ما دامت تنجب في القرن الأول ابن الخطاب وفي القرن الأخير ابن سعود.
والملك عبدالعزيز كالخليفة عمر من القادة المصطفين الأخيار الذين خلقهما الله سبحانه وتعالى، ليؤيدوا رسالة، أو يجددوا دعوة، أو يوحدوا أمة، ولقد اصطفاه الله من آل سعود ليكشف على يديه ما ادخر في هذه الأرض المقدسة المجهولة من ثراء وليعود العرب بنعمة الله عليهم أمة واحدة ذات عزة وسطوة.. والعرب والمسلمون على اختلاف المذاهب، وتباين الأجناس، وتنائي الديار يولون وجوههم كل يوم خمس مرات شطر المملكة السعودية، لأنها صلتهم بالسماء، ورابطتهم في الأرض ومناداتهم في الحياة.
وابن سعود هو مليك الوطن المشترك، وامام القبلة الجامعة، لذلك أوتي محاب القلوب وطواعية النفوس، فله في كل صدر عربي مكانة، وفي عنق كل مسلم ذمة، ولقد كان استقباله في مصر يوم الخميس الماضي تعبيرا شعبيا قويا عن هذه المعاني التي تجول في كل خاطر، وتتمثل في كل ذهن: كان استقباله استقبالا رائعا لم تشهد الكنانة مثله لزعيم أو فاتح لأن العواطف التي حشدت هذه الالوف المؤلفة في طريق الموكب الملكي على أطورة الشوارع وطنوف العمائر، وفي أفواه الازقة ونوافذ البيوت، كانت شيئاً آخر غير الفضول الذي يسوق الناس في مثل هذا اليوم ليشهدوا ضخامة الحشد، وفخامة الجند، وروعة السلطان، إنما كان استقبالا روحيا طبيعيا فيه الحب والاعجاب, وفيه التجلة والإكبار، وفيه معنى أسمى من كل أولئك، وهو شعور كل مصري بأنه يستقبل فرعا من أصله، وعزيزا من أهله، وقد أعجبني تعليق لطيف للاستاذ المؤلف غالب على المقال الذي نشره الأستاذ الكبير أحمد حسن الزيات بمناسبة زيارة الملك عبدالعزيز - رحمه الله - إلى القاهرة يقول المؤلف بالحرف الواحد ترجمة وتعريفا بجلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن فيصل بن تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود من آل مقرن من ربيعة بن مانع من ذهل بن شيبان: ملك المملكة العربية السعودية الأول ومنشئها وأحد رجالات الدهر العظام، ولد في الرياض بنجد ودولة آبائه في ضعف وانحلال وبعد انتصاراته على آل الرشيد والهاشميين أعلن سنة 1351هـ الموافق 1932ميلادية توحيد الأقطار الخاضعة له وتسميتها المملكة العربية السعودية وكان موفقا ملهما محبوبا من شعبه شجاعا بطلا انتهى به عهد الفروسية في شبه الجزيرة العربية توفي بالطائف سنة 1373هـ الموافق 1953م ودفن في الرياض على الطريقة السلفية والبعيدة عن المراسيم المعروفة.
والكتاب في جملته وثائق من التاريخ للدعوة السلفية ولأحوال الحجاز ونجد ولانتصارات الدولة السعودية، ولا يستغني عنه باحث أو مؤرخ يعنى بدراسة أحوال الدعوة السلفية وأئمتها في ذلك العهد مما سجل الجبرتي أخباره في كتابه التاريخي الكبير، وللمؤلف الفضل كل الفضل فيما أجهد فيه نفسه بجمع هذه الأخبار والتراجم لعلماء مصريين أقاموا في الحجاز أو وفدوا عليه، ولعلماء حجازيين كان لهم أثر على الثقافة العربية الإسلامية فضلا عما قام به المؤلف من التعليقات المفيدة على ما دونه الجبرتي والترجمة للأعلام الذين ذكرهم وكتابة بيان تفصيلي لغوي بمدلول بعض الاصطلاحات التركية التي كانت شائعة إبان العهد العثماني واستعملها الجبرتي في تاريخه. إن جهد المؤلف في هذا الكتاب جهد كبير يقابل بالشكر الجزيل والتقدير العظيم.
وما توفيقي إلا بالله

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق