الأحد، 28 فبراير 2016

التشـيـــع عقيدة دينية ؟ أم عقدة نفسية للدكتور طه الدليمي






الفهرس
المقدمــة
بين يدي الكتاب
الفصل الأول : منشأ الأمراض والعقد النفسية
الفصل الثاني : الأمراض النفسية الجماعية
الفصل الثالث : دراسات في الشخصية الفارسي
الفصل الرابع : الأمراض والعقد النفسية في الشخصية الشيعية أو الفارسية
أهم الأمراض والعقد النفسية في (الشخصية الفارسية):
(1)عقدة النقص
(2)عقدة الحقد

(3)عقدة الثأر والانتقام
(4)عقدة الاعتداء (العدوانية)




المقدمــة
الحمد لله رب العالمين.
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين. وعلى آله.. أصحابه وأتباعه أجمعين. وبعد ..

ففي زمن الزيف..والضغط الاجتماعي.. والإرهاب الجسدي والفكري ..حين تلتمس الدنيا بعمل الآخرة.. ويبيع المرء دينه بعرض من الدنيا قليل - تقلب الحقائق.. وتغير المعاني.. وتبدل المفاهيم.. ويمسي الحق غريباً توضع على وجهه المشرق الجميل البراقع والحجب؛ فلا تكاد تتعرف عليه إلا بعد جهد جهيد.. وبحث وتنقيب، كمن يتطلب جوهرة ثمينة من خلل الغبار، ويتحسسها من بين الأوساخ والأتربة! فلا يرجع بها حتى ينعق الناعقون.. يصيحون به من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله يقولون: إنه لمجنون!.. وما هو بمجنون. ولكن الذين هانوا على ربهم يكذبون.

لا سيما مع شيوع (الثقافة المنبرية). ذلك أن أغلب ركاب المنابر (قصاصون) كان أسلافنا الأوائل يطردونهم من المساجد، وكانوا يحذرون منهم أشد التحذير. ولكن طال علينا الأمد، وكثر الدخان والدخن؛ فصعب التمييز على عامة الناس، لا سيما مع كون الساحة تكاد تخلو ممن يحاول السباحة ضد التيار، أو يرفع صوته، أو يحرك يده مشيراً إلى الانحراف الحاصل عن الاتجاه الصحيح.

فمن ذا الذي يصبر على مثل هذا ؟! وكيف ؟! ومتى يدرك الناس الحقيقة وسط هذا المحيط ؟!

في مثل هذه الأجواء الموبوءة.. لا بد لطلاب الحقيقة من أن يعيدوا دراسة القضايا - أو المشاكل الكبرى - بعقلية الناقد المتشكك الذيلايأخذالأمورعلى ظواهرها، أو كما يسمعها أو يقرأها مهما كان مصدرها – سوى قواطع الوحي وثوابت الدين- وأن يُخضعوا (المسلمات) الاجتماعية إلى الفحص وإعادة النظر من جديد.. وإلا استمر الخطأ يتكرر، والتأريخ يعيد علينا دورته - ويعيد نفسه - في كل جيل.

لا بد من قراءة جديدة للتأريخ والمجتمع. ومعايشة الواقع معايشة تقوم على الرصد والتحليل والتقييم ومراجعة المعلومات باستمرار.إضافة إلى إثارة الموضوعات الحية ومناقشتها مع ذوي الشأن والخبرة. كلذلك في ضوء الكتاب والسنة، والاطلاع على التجارب السابقة والمعاصرة، وما سطره الحكماء من العلماء العاملين، وليس الجامدين القابعين في بروجهم الذين يريدون من الله سبحانه (أن يضرب لهم الظالمين بالظالمين ويخرجهم من بينهم سالمين)[1]!.

أقول: لا بد من هذا للخروج بخلاصة صحيحة - أو أصح - تصلح لعلاج المشاكل الكبيرة، أو – على الأقل - تصلح لتفسيرها تفسيراً علمياً واقعياً بعيداً عن أوهام المخبولين، وخبالات الواهمين.

لقد كنت أقلب البصر في أنحاء هذا الواقع وأنا أفتش عن السر الكامن وراء ذلك الحقد الطائفي والممارسات المتخلفة المؤذية، والوقاحة الصفيقة في التعامل مع (الآخر)، مع انعدام الإحساس بقيمته وقيمه ومشاعره، وإسقاط النواقص الذاتية عليه؟ لماذا هذا العداء الوحشي الذي يلبس لبوس الدين؟ ومصادرة حق الآخر في العيش أو التعايش؟ والسعي الحثيث في محاولة تهميشه وإلغائه من الوجود بشتى الطرق: اتهامه والوقيعة به، أو مطاردته واعتقاله وتعذيبه إلى حدود - وبأساليب -لايبلغهاالعقل الإنساني ! أواغتياله وتصفيته جسدياً بكل الوسائل الممكنة...؟ لماذا هذه اللعنات التي تصب على تاريخنا ورموزنا علناً وعلى رؤوس الأشهاد؟! لماذا هذا التخريب والحركات الغوغائية المدمرة للذات وللغير؟ والعمالة المتكررة للغازي الأجنبي؟ ما هذا الفساد الخلقي الذي يمارس باسم الدين أو بلا اسم، والذي يتركز ويزداد كلما اقتربت من الحوزات والمؤسسات أو المعالم والرموز الدينية؟ ما هذا الكذب السمج والنفاق والتظاهر بغير الباطن بلا مبرر من إكراه ونحوه؟ وهذا اللؤم وإنكار الجميل وتوجيه الأذى للمحسن أولاًوقبل غيره؟ ما هذه الرايات السود التي تواصل التقدم من الشرق وبلا انقطاع منذ فجر التاريخ في أور سومر وإلى بغداد الأمس واليوم؟ وهذه الحروب التي لا تنتهي؟ ما هذا اللطم والنواح والتطبير وجلد الذات؟ وهذه الذلة والمسكنة والتباكي ودعوى الاضطهاد والمظلومية والمحرومية: أهي محرومية حقيقية؟ أم هي محرومية نفس جدباء لا تنبت كلأً ولا تمسك مطراً ؟

وأتلفت حولي وأنا أسأل وأتساءل، وأبحث وأبحث.. وشيئاً فشيئاً صارت تتكشف لي الحقيقة. ومع الرصد والتنقيب والتحليل، وتخزين الملاحظات وتسجيلها، وفحصها واختبارها، وتجميع النتائج وتركيبها لاستخلاص القواعد والأسس وتطبيقها على المفردات والجزئيات - ظهرت لي الحقيقة جلية. فإذا أنا أكتشف أن (التشيع عقدة وليس عقيدة). وما كان أعجب تلك اللحظة التي اكتشفت فيها هذه الحقيقة! وقد جاءتني عفواً على لسان أحد الأصدقاء، فكدت أصيح لحظتها قائلاً: وجدتها..! وجدتها..!

هذه هي الحقيقة المفقودة..!

وهذا هو التشخيص المطلوب..!

وإن هذا التشخيص ضروري كل الضرورة لعلاج المشكلة، وغيابه عن ذاكرة المهتمين بها هو السبب وراء فشل جميع المحاولات العلاجية، أو تأخرها في إحداث الأثر المطلوب، بصرف النظر عن درجة الفشل: أهي قريبة من الصفر؟ أم تحوم تحتعتبة النجاح.

كتبت أول ما كتبت في أمراض أو نفسية الشيعي عام 2002م. فكان أحد أبواب كتاب (لا بد من لعن الظلام) أسميته: (التشيع الفارسي بين الأمراض والعقد النفسية والانحرافات الفكرية والسلوكية). ثم رأيت بعد فترة قليلة أنه لا بد من التوسع في البحث، وإقامته على أسس أكثر علمية. لكن الشواغل حالت بيني وبين ذلك. منها ظروف الاحتلال وكثرة التنقل وعدم الاستقرار. وحين طالت المدة قررت – بالرغم من كل شيء – أن أجرد القلم وأبدأ البحث. لكنني ووجهت بقلة المصادر وشحة معلوماتها المطلوبة، ووجدت أفضل ما وقع في يدي منها هو كتاب (التخلف الاجتماعي.. سيكولوجية الإنسان المقهور) للدكتور مصطفى حجازي؛ فهو أقربها إلى موضوع البحث من حيث أن حجر الزاوية في (العقد الفارسية) – التي تسللت بالحث والعدوى الجمعية إلى الشيعة - هو الشعور العميق بالقهر والحرمان والعجز والاضطهاد إزاء قوى الطبيعة والمحيط الذي يعيش فيه. وهي معان متقاربة تشترك في تكوين أهم عقدة لدى (الفارسي) - والتي تشكل أساس كل عقده النفسية التي يعاني منها - ألا وهي (عقدة النقص). وهو ما دارت عليه موضوعات الكتاب؛ فاتخذته مرجعاً أساسياً من مراجع البحث[2].

كتبت الكتاب - أو البحث - بمنهاج المصلح الديني، الذي يبغي الإصلاح الاجتماعي، ويحاول وصف العلاج الناجع من خلال النظر في كتاب الله المسطور: القرآن الكريم - ومعه السنة النبوية المطهرة - وكتابه المنظور: الأنفس والآفاق، أو الواقع المشهود. ولقد ساءني جداً، وآذاني كثيراً ما وجدته في الساحة الدعوية من سطحية في التفكير، وغثائية وجمود في الطرح، وذهول عن القرآن والسنة والسيرة النبوية، وبُعدٍ منقطع عن الواقع، وغفلة حمقاء عن تجارب الأمم، وجهل معيب للتاريخ، وفقر مدقع في معرفة سنن الله في التغيير. لذا فإني أتناول هذا كله بالحديث، ولا أقتصر به على البحث العلمي الذي يتناول المسألة من جوانبها الموضوعية فقط. علماً أنك ستجد موضوعات منقولة عن كتاب (لا بد من لعن الظلام) بنصها أو بتصرف بسبب طبيعة البحث إذ هو عبارة عن امتداد للباب الأخير من الكتاب المذكور، اقتضت أهمية الموضوع وأصالته مني أن أتوسع فيه وأدرسه بعمق أكثر مما كان عليه.

إن هذا الكتاب محاولة أولية لدراسة هذا الموضوع الساخن جداً، والمهم جداً. ولا أدّعي أنني صاحب اختصاص في علم النفس ولا في الطب النفسي، وإن كنت قد درست هذه المادة في الكلية الطبية قبل عشرين عاماً. ولكن كانت دراسة أولية عامة فتحت لنا الطريق ولم تصل بنا إلى نهايته. حسبي أنني فتحت باب الموضوع، وكنت – ما علمت - أول من يلج دهليزه الشائك. والعارفون يعلمون أن صعوبات التأسيس غير صعوبات البناء (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا) (الحشر:10).

على أن لي ولعاً قديماً جداً بقراءة كتب علم النفس والتاريخ والاجتماع. ربما ساعدني ذلك كله على أن أتجرأ فأكتب هذه الدراسة مع دعوتي أهل الاختصاص أن يتبنوا هذا الموضوع، ويقولوا كلمتهم فيه.بشرط أن يكونوا ممن عاشوا الواقع واكتووا بناره وتقلبوا على مداه وأشواكه، لا ممن أتعبهم القعود على المكاتب المكيفة صيفاً وشتاء وهم يلهثون وراء الكتب يبحثون في طياتها عن الحقيقة بعيداً عن الواقع والأحداث.


الخميس

18/11/2004

الأنبار الصامدة







كآشف الحقآئق 24-03-11 01:15 PM


بين يدي الكتاب


من المشاكل الكبرى التي واجهت – وتواجه - سير ديننا ومسيرة مجتمعنا: مشكلة الشيعة والتشيع.

كم قال لنا (الحكماء) يوصوننا به قبل السفر ومعه وبعده: عليكم بالرفق فما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه. إياكم ومسائل الخلاف وحديث الاختلاف. بينوا للناس الحق وإياكم وذكرَ الباطل لئلا تُنَفروهم فتخسروهم، وبدل أن تلعن الظلام أشعل شمعة! قولوا لهم: إن عمر هو زوج أم كلثوم بنت علي، واذكروا لهم العلاقة الطيبة بين علي والصحابة إلخ... إلخ؟!

وحزمنا حقائبنا محشوة بهذه الوصايا، ورحنا ننفق منها بلا حساب، وزدنا عليها بما جادت به قرائحنا. بل صرنا (فقهاء) نُنَظِّر لهذا (الفقه) فنأتي منه بكل عجيب!.

لكننا كنا نقرأ القرآن فتقفنا منه آيات بينات، ونصطدم بالواقع فنعرف وننكر! وشيئاً فشيئاً صار بعض الوصايا لدينا في موضع الشك، وبدأنا نراجع الحساب لنرى من أين أُتينا فرأس المال يكاد يطير!.

واكتشفنا - بعد سلسلة من التجارب الفاشلة والناجحة التي مارسنا من خلالها دورنا في الرصد وتسجيل الملاحظات وتجميعها وتحليلها، ومتابعة الخطوات الناجحة من الفاشلة، ومحاولة إرجاع كل إلى أسبابه - اكتشفنا أن تلك (الوصفة) غير مكتملة العناصر من جهة، وأنها - من جهة أخرى - غير ناجعة في أغلب الحالات؛ لا بسبب عدم اكتمالها فحسب، وإنما لكونها مستوردة من محيط يختلف كثيراً عن المحيط الآخر

الذي يراد لها أن تطبق فيه دون مراعاة لجوانب الاختلاف. بل أستطيع أن أقول: إن أهم سبب وراء استمرار المرض وتفاقمه وانتشاره هو أن الدواء يجرب على مريضين يختلفان في أصل الداء، وإن بدت الأعراض في ظاهرها بينهما متشابهة.



الوصفة غير مكتملة العناصر

· أما عدم اكتمال عناصر (الوصفة) فأول دليل عليه أن دين الله قام علـى فضح الباطل وأهله والتنديد بهم وبيان سبيلهم وأساليبهم وأضاليلهم جنباً إلى جنب مع بيان الحق ومدح أهله والدعوة إليه. بل إن بيان الحق لا يتم إلا ببيان الباطل، وإن الثاني يتقدم على الأول في أصل القاعدة الصحيحة، وفي الذكر في مواضع كثيرة من القرآن الكريم. ويكفينا في ذلك قوله تعالى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) (الفاتحة:7،6)، وقوله: (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55)، وقوله: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) (البقرة:256).
فالقول بأن قضية كبيرة ومشكلة خطيرة كقضية (التشيع) يمكن علاجها بالإشارة والإيماء، دون وضعها على طاولة التشريح وعرض خباياها على الملأ لا يمكن أن يكون تعبيراً عن دعوة جادة محترمة لها هدف بعيد وبرنامج مدروس. إنما هو مجرد أحلام لا تليق إلا بمجموعة من البسطاء (الطيبين).



الدواء مستورد

· وأما السبب الأكبر القائم على كون الدواء مستورداً من محيط إلى محيط آخر مختلف فهو يجرب على مريضين مختلفين في أصل العلة أو الداء فهذا أعني به أمرين:

أولهما : أن هذه الأساليب تنفع في برنامج الدعوة الفردية، ولا تصلح أن تكون خطاباً مؤثراً في برنامج دعوة الإسلام الجماعية، التي تخاطب المجتمع كمجموع، وليس كأفراد منعزلين في دوائر ضيقة يعالجون بهذه الأساليب التي يمكن أن تؤتي ثمارها فيبدأ بالتغير بها بعض الأفراد يقلون أو يكثرون، دون أن يكتمل هذا التغيير في نهاية المطاف ببيان الحق من الباطل، ودون أن يؤثر ذلك ليحدث انعطافة في مسيرة المجتمع. إنما الذي يمكن أن يحدث هذه الانعطافة هو الخطاب الذي يتوجه إلى المجتمع ككل. وأُولى فقرات هذا الخطاب أن يكون صريحاً واضحاً في بيانه للحق وللباطل. وهكذا كانت دعوة الأنبياء عليهم السلام، بل كل الدعوات الناجحة على مر التأريخ.

المشكلة أن الكثيرين لا يدركون الفرق بين برنامج الدعوة الفردية ، وبرنامج الدعوة الجماعية. فيقعون في مطب المراوحة فوق موضع الخطوة الأولى، وفي الوقت نفسه تخدعهم بعض النجاحات المحدودة على المستوى الفردي، أو نجاحات أخرى كانت نتاج أساليب اقتربت عفوياً من الأسلوب الجماعي، فيخلطون هذا بذاك ويجعلونه كلاً دليلاً على صحة ما يذهبون إليه. وهذا يؤدي بهم إلى الفشل في نهاية المطاف؛ لنقلهم مضامين وأساليب المعالجة الفردية التي لا يجيدون سواها – هذا في أحسن الأحوال - إلى غير مجالها وهو المجال الجماعي. ولا شك أن العقلية الجمعية للمجتمع - وكذلك نفسيته وثقافته كمجموع - تختلف في كل ذلك عن أي فرد من أفراد المجتمع كلاً على حدة. وهذا يستدعي – بلا شك عند كل عاقل أدرك هذا الفرق الدقيق - اختلافاً في المؤثرات التغييرية سواء في الأسلوب أو المضمون. وقد شرحت ذلك مفصلاً في كتاب: (لا بد من لعن الظلام) في الفصل الأخير منه.

وثانيهما : تبين لنا بعد تلك التجارب الطويلة الفاحصة أن أدواء المجتمعات الشيعية تختلف في طبيعتها عن أدواء المجتمعات السنية. وهذا هو موضوع كتابـي هذا، الذي هو أحد أبواب الكتاب المذكور آنفاً استللته من هناك وأفردته هنا بتصرف أوسع، ودراسة أعمق.

إن (التشيع) عبارة عن مجموعة عقد وأمراض نفسية قبل أن يكون مشكلة عقيدية أو فكرية. إنه عقد نفسية أفرزت مشاكل عقيدية وسلوكية. أو هو مشاكل عقيدية وسلوكية كان لا بد لها أن تكون عن قصد وعمد بسبب انحرافات وعقد نفسية. ولهذا كان من الصعب علاجه علاجاً فكرياً مجرداً عن إدخال العنصر النفسي في معادلة العلاج.

إنه دين يشبه دين اليهود تماماً!

هل تستطيع أن تقول لي: لماذا لم يهتد اليهود وعلى يد أعظم الحكماء والحلماء صلى الله عليه وسلم ؟ ألخلل في البيان القرآني أو النبوي؟ كلا. فالله تعالى يقول عنهم:

(وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (البقرة:145).

إنها معاندة مع سبق الإصرار على المخالفة. فالمخالفة عندهم غاية. والسبب أمراض وعقد نفسية: (أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ).



ما خالف العامة ففيه الرشاد...؟!

وكذلك الحال مع الشيعة!. وإلا بم تفسر منهاجهم الذي يسيرون عليه في تعاملهم مع أهل السنة الذي لخصته الرواية التالية التي افتروها على سيدنا الإمام جعفر الصادق رحمه الله : (ما خالف العامة ففيه الرشاد)[1] ؟!. وأبسط وأوضح تطبيق له عندهم مخالفتهم الدائمة لنا في صومهم وفطرهم وعيدهم. سألني صديق: لماذا لا يعجلون فيسبقونا بيوم؟ قلت: خشيةً من احتمال أن نوافقهم! فهم لا يعلنون عن توقيتهم حتى يطمئنوا إلى إمكانية المخالفة. حتى غدا الأمر مما يتندر به وتحاك حوله الطرائف والنكت!. قيل: إن بعثياً شيعياً احتفل في يوم 8 نيسان بمناسبة مولد الحزب ، فقال له رفاقه: لقد تأخرت يوماً! فأجابهم: ألا تدرون أنني شيعي؟!.

وقد حاول الرئيس العراقي السابق أحمد حسن البكر أن يضع علاجاً لهذا الاختلاف

في الصيام والأعياد بأن طرح حلاً واقعياً على المرجع الشيعي أبي القاسم الخوئي قال له: سنوافقكم نحن في توقيتكم فلا نعلن عن صيام أو عيد حتى تخبرونا أنتم أولاً ! فرفض الخوئي هذا المقترح!

بماذا تفسر هذا الإصرار على المخالفة؟!

وصدق الله تعالى إذ يقول:

( وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُوا لا يَعْقِلُونَ * وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كَانُوا لا يُبْصِرُونَ) (يونس:42،43).



مرضى الوهم

وهكذا هم في جل مخالفاتهم ينطلقون من موقف نفسي يفرض عليهم خلافاً فكرياً أو فقهياً أو سياسياً إلخ...خذ مثلاً هذا الاعتقاد الراسخ والشائع لدى الشيعة بأن أهل السنة يكرهون (أهل البيت) ويسبونهم ويتنقصون منهم. هل هناك شاهد واحد وعلى مر العصور يؤيده ؟

حينما كنا صغاراً نلعب في الحارة كان من المعتاد أن نسمع أحياناً بعض الأطفال الشيعة - إذا انتابه الغضب لسبب أو لآخر - يصب جام غضبه فيسب الحسين أو العباس، هذا مع سب الرحمان جل وعلا! وكنا نقابل ذلك بالاستغفار، حتى إننا لنقول لذلكالطفلمستنكرين:لماذا (تكفر بالعباس …). لكنني لا أذكر – ولو مرةواحدة-أنني سمعت طفلاً سنياً يسب أحداً من (أهل البيت)عليهم السلام . ولا شك أن هذا راجع إلى التربية البيتية؛ فإن تصرفات الطفل وتصريحاته في الحارة أو الشارع تعكس ما يدور في بيته. وهذا يعني أن ذلك الطفل يرى أمه أو أباه إذا غضب تناول تلك الأسماء بلسانه.

وفي الوقت نفسه يتعبد جمهور الشيعة ببغض الصحابة وسبهم على اعتبار أنهم اغتصبوا الخلافة، واضطهدوا علياً وفاطمة إلخ ... فإذا واجهتهم بهذه الحقيقة جحدوا بها رغم استيقان أنفسهم لها! أحمد الوائلي لم يتردد ولم يتلعثم وهو يقول ويصرح على الملأ فيلقاءعلى إحدى القنوات الفضائية بالنفي المطلق لكون الشيعة يسبون الصحابة! وتحدى بكل صفاقة أن يأتيه أحد بدليل واحد عن عالم معتبر ، نال منهم في كتاب من كتبه! ( والله يشهد إنهم لكاذبون * اتخذوا أيمانهم جنة) !.

من أين جاء هذا الاعتقاد الوهمي والأمر على هذه الحال؟! فلا توجد أية مقدمة يمكن أن يُستند إليها للوصول إلى هذه التهمة الباطلة! التي ي ُحَمَّل أهل السنة مسؤوليتها صغاراً وكباراً، ولم تنفع محاولات العلماء والكتاب والخطباء - وهم يكيلون المدح كيلاً - في دفع التهمة أو التخفيف من آثارها. فتجد الواحد منا إذا ذكر علياً فلا أقل من أن يترضى عنه كما يفعل مع أبي بكر وعمر وبقية الصحابة، على أن البعض يضيف معها أو يستبدل بها عبارة (كرم الله وجهه) وهي عبارة اختص بها أهل السنة علياً دون باقي الصحابة. والبعض الآخر يستبدل بها كلمة: (عليه السلام) ولم يضفها أحد منا لأحد من الصحابة سوى علي. فضلاً عن تلقيبه بـ(الإمام) دون بقية الأصحاب. ناهيك عن التحدث بفضائله حتى خرجوا إلى الغلو! ومع كل هذا وغيره لا تزال التهمة تلاحقنا كالظل!

لو كان السبب شبهة فكرية لانحل الإشكال بالبيان، ولكنه علل وعقد نفسية تجعل أصحابها يصرون على التهمة مهما كانت فاقدة لأدلة الإثبات!



يسبوننا.. ويتهموننا..!

تأمّل هذه.. في صيف عام 1995 - وكنت آنذاك في الحلة - كنت يوماً في زيارة إلى مدينتي (المحمودية) فأخبرني بعض الأخوة أن بعض الحسينيات في المحمودية صارت تطعن في بعض الصحابة ومن خلال مكبرات الصوت، كذلك صاروا يسمعون هذا الطعن من قبل بعض المتحدثين الذين يقومون بما يسمى شعبياً بـ(ختم الفاتحة) أي مجلس العزاء أو المأتم الذي يقام بمناسبة وفاة أحدهم. وأن أحداً من أهل السنة لم يتحرك لامن المشايخ ولا من غيرهم. ذهبت إلى أحد شيوخ المساجد فلم تفلح محاولاتي معه في عمل أي شيء، وراحت جهودي أدراج الرياح ولم أستفد منه شيئاً. كان يضع أمامنا العقبات والمعوقات، ثم لا يفكر في كيفية تجاوزها. لكن – للأمانة - حمّلني كيساً من (الوصايا) و(الحكم) و(الآداب) خرجت من عنده أنوء بحمله حتى إذا صادفتني أقرب (بالوعة) لتصريف المياه القذرة ألقيته فيها ومضيت أتنفس الصعداء!!.

دخلت بعدها أحد المساجد فألقيت محاضرة عن فضل الصحابة والعلاقة الطيبة بينهم وبين علي و(أهل البيت)عموماً. وتطرقت إلى بعض البدع والمخالفات التي ترتكب باسم (أهل البيت)، وهم منها برءاء مثل سب الصحابة. ومثل دعائهم والاستغاثة بهم. ونبهت على أن هذا ليس دفاعاً عن الصحابة فحسب وإنما هو دفاع عن أهل البيت أيضاً الذين نحبهم ونجلهم. وكان أن قلت من ضمن ما قلت: لو أتاني أحدهم الساعة بحذاء علي لوضعته على رأسي وجعلته تاجاً أباهي به! لكن هناك بعض صور الحب - إضافة إلى حرمتها شرعاً - تسيء إلى علي رضى الله عنه نفسه: ما معنى أن تستغيث امرأة في حالة طلَق وتصيح قائلة: يا علي! يا علي؟! كيف يحضر علي امرأة متكشفة؟! أليس في هذا إساءة له؟ وتجد امرأة تنتفض وتصيح: أنا المهدي! وأخرى تصيح: أنا العباس، أنا العباس! … والناس يقولون: حضر (الإمام)! ويعتقدون أنه يتلبس جسد المرأة! كيف يعقل أم يجوز مثل هذا الهذيان؟! الإمام في حياته لا يستحل مس يد امرأة، فكيف بعد مماته يتلبسها؟!

ورجعت بعد بضعة أيام ليخبرني المؤذن أن مدير (الأمن) – بناء على تقارير كتبت إليه من الشيعة المحيطين بالمسجد - استدعاه ليحقق معه في شأن تهجم وطعن بـ(الإمام علي) صدر من خلال مكبرات المسجد! ولم يكتف المدير بقول المؤذن حتى أبلغه بوجوب حضوري أنا شخصياً إلى دائرة الأمن بتهمة التهجم على (الإمام علي). واستأت كثيراً لهذا، قلت: حقاً لقد هزلت! يستدعى أهل السنة بمثل هذه التهمة التافهة، بينما يُسب الصحابة على رؤوس المآذن ولا من ساكن يتحرك ولا (مسكون)!.



الحرب التي أوقد نارها أصحاب النار في إيران

ومرت بي مئات المواقف المشابهة، لم يكن أولها الحرب التي أشعلت نارها إيران: لقد أصر مُوقِدها (لع) على عدم إيقافها رغم كل الجهود والوساطات التي بذلها العراق! وكانوا يذبحون الأسرى في بعض ميادين المعارك ذبح الخراف! أما معاناة الأسير داخل أقفاص الأسر في إيران فقد فاقت الخيال! بعض الأسرى ربط كل طرف من أطرافه إلى سيارة انطلقت إلى جهة غير جهة السيارة الأخرى ومزقوه على هذه الصورة الوحشية البشعة! كما كان يفعل جدهم المجوسي (سابور) بالعرب حتى لقِّب بـ(سابور ذي الأكتاف)! ولم يكن هذا أبشع ما تعرض له الأسير العراقي في إيران (الإسلامية)!



الاحتلال الأمريكي للعراق

وكان آخر هذه المواقف التي مرت بي – والحبل على يد الجرار– ما رأيناه ولمسناه وذقنا الويلات منه على أرض الواقع بعد الاحتلال الأمريكي لبلدنا. لقد استقبل الشيعة في كل مكان في العراق قوات المحتل بالتهليل والترحيب. في حي الجزائر من مدينتنا المحمودية – مثلاً - خرجت نساؤهم إلى الشارع العام يزغردن وينثرن الحلوى على رؤوس الجنود الأمريكان! لقد كان الاحتلال هو العيد الأكبر الذي احتفلوا به كما لم يحتفلوا على مر التأريخ إلا على عهد غزو هولاكو لبغداد! وراحوا يعبرون عن فرحهم بنهب الدوائر والممتلكات العامة وحرقها وتدميرها ، كما فعلوا في حركتهم الغوغائية الخائبة على هامش الغزو الأمريكي للمنطقة سنة 1991 بعد انسحاب الجيش العراقي من الكويت، فتوهموا أن الحكومة قد سقطت،وأن الأمر قد قضي؛ فانطلقت غرائزهم وعقدهم النفسية من عُقُلها لتنعكس على الواقع سلباً ونهباً وتقتيلاً، وهدماً وتخريباً وتدميراً!

وهكذا كان ما كان في يوم الأربعاء الأسود 9/4/2003 الذي جعلوه يوم (عيد وطني) لهم! ومن أول يوم من أيام الاحتلال بدأوا حملتهم في اغتصاب مساجد أهل السنة حتى إنهم استولوا على ثلاثة مساجد لأهل السنة في مدينة بلد وهي مدينة شيعية صغيرة تكاد تضيع في وسط محافظة صلاح الدين (تكريت) ذات الأغلبية السنية الكاسحة!!! إضافة إلى بعدها الشاسع عن المناطق الشيعية، فتصور الصفاقة والاجتراء على أهل السنة وسماحتهم وسمو أخلاقهم! ثم راحوا – في الوقت نفسه - يشنون حملة تطهير عرقي ابتدأوها في محافظة البصرة في (أبي الخصيب) وغيرها من مدنها، امتدت إلى محافظة الحلة المجاورة للعاصمة بغداد! ورافق ذلك حملة تقتيل للشخصيات السنية المؤثرة، وإزاحة علنية سافرة عن المواقع المهمة في المجتمع، مع استهتار متخلف سمج بإعلان الشعائر الدينية الخاصة المصحوبة بالسب العلني لكبار الصحابة ورموز التأريخ العربي والإسلامي كالسلطان صلاح الدين الأيوبي الذي بدأوا حملتهم ضده من الأيام الأولى للاحتلال بالعبث بتمثاله الواقع قرب بوابة بغداد، في الساحة المقابلة للشارع المؤدي إلى مدينة الشعلة. وراحوا يغيرون أسماء الشوارع والساحات والمدارس والمستشفيات، ويرفعون عليها صور مراجعهم وخونتهم كالعميل الإيراني الأمريكي المزدوج المقبور محمد باقر الهكيم، دون أدنى اعتبار لوجود (الآخَر) ومشاعره!حتىلكأنهلا وجود له عندهم، أوأنه – على أحسن تقدير – لا يستحق الوجود.

ما هذا ؟!!! ولماذا ؟!!! ومن أين ؟!!!



أهل السنة لا يتحركون..! (الفتنة نائمة...)؟!!!

كل هذا وأهل السنة لا يحركون ساكناً! ولا يردون بالمثل. بل هم مشغولون بلملمة الجراح، والتفكير بكيفية التعامل مع المحتل ومواجهته دون إعطاء مساحة مناسبة للتفكير في موضوع الخطر الداخلي المتمثل بالشيعة! لقد كان الجميع – إلا من رحم – يعزف على وتر متهدل لربابة قديمة، أو ينقر على جلد متهرئ لدف مكسور: لا نريد أن نثير حرباً طائفية. لا فرق بين سني وشيعي. الكل إخوة: الدين واحد والعقيدة واحدة! الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.

هذا والفتنة مستيقظة (ع لى آخِر حبة) تنظر ببصر حديد، وتصول وتجول بمخالب وأنياب من حديد. وكنا نقول يومها ونحن نعيش هذه المهازل، ونسمع هذا الهذر، والأسى يملأ قلوبنا، والغصة تأخذ بحلاقيمنا: ما أشبه حالة أهل السنة بحال من قال الله تعالى فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا) (التوبة:49)!!. حتى بلغ السيل الزبى! ولم يعد في القوس منزع، ولا للحوادث من سبيل للتهرب والتأويل.

هذا.. وكنا نرى نشاطهم الإعلامي الدؤوب في التزوير ، وقلب الحقائق – والقناة اللاعراقية مثل سافر – ل يُظهروا الجلاد في صورة الضحية، والضحية في صورة الجلاد! وهم يصرخون: مظلومون.. مضطهدون.. نُقتل على الهوية.. ماذا فعلنا؟ ماذا جنينا؟ حتى جعلوا من (اللطيفية) قضية! ووحشاً مرعباً.. ما خرج واحد من دعاة الشيعة إلا شكى واشتكى، وحن وبكى، وأبكى من حوله وقال:اللطيفية! اللطيفية! إنهم يقتلوننا على الهوية! من أجل أن يجعلوا من هذه الأسطورة حقيقة راسخة لا تقبل النقاش في أذهان عامة الناس. متبعين في ذلك حيلة نفسية معروفة لدى كل أساطين السياسة تقوم على أساس أن العقل الجمعي للمجتمع يتشرب بمرور الزمن كل مقولة تكرر على مسامعه باستمرار مهما كانت باطلة، أو مجافية للعقل ومنطق الأشياء والأحداث! كما قال المسؤول الإعلامي لهتلر: اكذب اكذب حتى يصدقك الناس.

المشكلة أن أهل السنة ساكتون ، وإذا تكلموا فأكثرهم لا يجيد الرد ، ويلتزم وسيلة الدفاع لا الهجوم وإلقاء الجمرة في حضن الخصم، كما أنه يجهل تلك القاعدة النفسية لدى العقل الجمعي ليستثمرها الاستثمار الإيجابي الصحيح: اصدق اصدق حتى يصدقك الناس. وإلا فإن الحقيقة الصارخة أن القتل على الهوية هو الذي يمارسه الشيعة ضد أهل السنة على أوسع نطاق! بل الجهاز الحكومي الشعوبي بكل ثقله ودوائره يقوم بذلكعلى أكمل وجه. وما عداه فهي ردود أفعال لا توازي ما يقوم به الشعوبيون وذيول إيران في الجهاز الحاكم ومن ساندهم من الأحزاب الشيعية والدوائر الملتفة حول المراجع. بل لكل منهم – بلا استثناء - نصيبه من التقتيل والاغتيال على الهوية.



تكفيريون حتى العظم يتهمون الغير بالتكفير

ثم تعال معي لنفكر معاً في هذه الرغبة المحمومة، والإصرار العجيب على إلصاق تهمة التكفير والإرهاب بأهل السنة والجماعة؟! متخذين من اسم (الوهابية) ستاراً للوقيعة بالجميع. هل هناك ملة واقعة في مستنقع التكفير والإرهاب بكل أشكاله مثل الشيعة الاثني عشرية؟!! إنهم لا يكفرون منكر مبدأ (الإمامة) فقط ، وإنما يكفرون حتى الشيعة الإمامية الذين يختلفون معهم في (إمامة) البعض دون - أو مع - البعض! ويستبيحون دم المخالف من هؤلاء جميعاً بلا تفريق، ويجعلون ذلك من أعظم القربات إلى الله![2] فما لهؤلاء التكفيريين الإرهابيين حتى العظم واتهام الآخرين بالتكفير والإرهاب؟!

كل هذا (الواقع بمتناقضاته وعلاقاته المتداخلة، حرب إيران 1980-1988، معاملة إيران للأس ير العراقي، الحركة الغوغائية الطائفية 1991، التجربة الذاتية في الدعوة والتغيير، الاحتلال الأمريكي 2003 وتداعياته، وغيره وغيره كحال أهل السنة في إيران، ومعاناة إخواننا المأساوية في الأحواز) دفعني إلى أن أقوم بمراجعة شاملة للحساب، وأسترجع الحوادث، وأنظر إلى الواقع نظرة جديدة، وأقرأ التأريخ بإمعان. لأخلص إلى هذه النتيجة التي أفصحت عنها آنفاً وهي: أن (التشيع) عقدة قبل أن يكون عقيدة، وانحراف نفسي قبل أن يكون انحرافاً فكرياً أو سلوكياً. فمن لم يأخذ هذابالاعتباروالحسبان ذهبت جهوده سدى وهو يحاول العلاج، بل لن يجني في النهاية إلا

الشوك والتعب والخسارة الفادحة. وهذا ما نحن فيه! فهل من معتبر؟



صعوبات البحث ومعوقاته

هذا.. وقد واجهت أثناء البحث صعوبات جمة.

أكبر هذه الصعوبات أن كتب الطب النفسي وكتب علم النفس عموماً – على الأقل تلك التي اطلعت عليها - تركز على الأمراض النفسية الفردية، ولا تعطي اهتماماً كبيراً للأمراض الجماعية ، التي هي – ربما – أخطر أثراً، وأشد فتكاً. حتى الكليات الطبية: فقد درست في كلية الطب/جامعة بغداد الأمراض النفسية التي تتعلق بالأفراد، من حيث هم أفراد، ولم يكن هناك أدنى إشارة إلى الأمراض التي تتعلق بالمجموع، من حيث هو مجموع. وقد يكون السبب أن الطبيب في الواقع يتعامل مع أفراد وليس مع مجتمع أو مجموعٍ مريضٍ، إنما هذا من شأن علماء الاجتماع. وقد بحثت في المكتبات فلم أجد ما يروي الغليل أو يشفي العليل.

ولا بدليمن إعادة القول بأنني لست من المتخصصين في علم النفس، أو الطب النفسي، ولا علم الاجتماع. وإنما أنا مجرد قارئ لهذه العلوم من باب الثقافة العامة. هذا مع قلة المصادر التي تيسرت لي. وهذه إشكالية أرهقت كاهلي وأتعبتني في سيري وأنا أخوض عباب بحث وجدت نفسي ملزماً به، ولا بد لي من مواصلته حتى النهاية.

يحق للقارئ هنا أن يقوللي: ما دام الأمر على هذه الصورة، فما وجه هذا اللزوم؟ وما الذي أقحمك في هذا الموضوع؟ ومن الذي أباح لك الخوض في شأن ليس من اختصاصك؟

وأقول مجيباً: لو كان الباعث لذلك هو البحث العلمي المجرد لما كان لي من جواب. ولكن الأمر كما يقول المثل: (لا يحملك على المر إلا ما هو أكثر مرارة منه)! الواقع المر الذي نتجرع كؤوسه يوماً بيوم وساعة بساعة هو الذي أقحمني فيما أقحمني فيه. ولم أجد أحداً قد خاض غمار بحث هذا الموضوع الخطير من قبل، ولا أرى أن أحداً سيخوضه في المستقبل المنظور. ولذا وجدت نفسي ملجأً إلى أن أخوضه بنفسي رغم قلة الزاد ووحشة السفر. فأنا حين قمت بكتابة هذا الموضوع قمت به قيام المضطر، الذي كان عليه أن يتقدم لسد فراغ وجب أن يسد، وأداء واجب نكل عنه الآخرون الذين ما كان لهم أن ينكلوا عنه.

بيد أنني أطمع أن أكون قد أشرت إلى موضع هذا الداء الدوي، وعسى أن أكون قد فتحت الطريق أمام باحثين متخصصين مخلصين، يخرجون من رحم الواقع والمعاناة - وليس من بين الجدران الصماء، والمكاتب الخرساء - يوسعون البحث ويضيفون إليه، ويصححون ما يجدون فيه من خطأ، ويقوِّمون ما فيه من عوج في ظلال قوله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) (الحشر:10).



________________
[1] أصول الكافي 1/68 .
1 انظر مثلاً : أصول الكافي للكليني 1/373،181 ، ومصباح الفقاهة للخوئي 1/323-324.





كآشف الحقآئق 24-03-11 01:17 PM

الفصل الأول
منشأ الأمراض والعقد النفسية


أرى من المناسب هنا أن أتوقف قليلاً عند موضوع كيفية نشوء الأمراض النفسية.
مبدأ استعادة التوازن (Homeostasis)
من المبادئ المقررة في علم الفسلجة (أو علم وظائف الأعضاء) أن كل كائن حي يميل إلى الاحتفاظ بتوازنه الداخلي فيزيائياً وكيميائياً من تلقاء نفسه. فإن حدث ما يخل بهذا التوازن قام الجسم من تلقاء نفسه وبطريقة آلية بالعمليات اللازمة لاستعادة توازنه. من ذلك أن الجسم إذا ارتفعت حرارته زاد إفراز العرق، وإن زاد مقدار غاز ثاني أوكسيد الكاربون في الدم زادت سرعة التنفس للتخلص من الزيادة الضارة. فإن لم يفلح الكائن في إصلاح ما اعتراه من اضطراب، أو التعويض عما أصابه من نقص، أي فشل في استعادة توازنه العضوي مرض أو هلك.
إن مبدأ استعادة التوازن – كما يرى كثير من العلماء – لا يقتصر على تفسير السلوك الصادر عن دوافع وحاجات فسيولوجية، بل يصدق أيضاً على تفسير السلوك الصادر عن دوافع وحاجات نفسية اجتماعية. فإذا عزم الإنسان على إلقاء خطاب هام أمام الجمهور ظل متوتراً حتى يلقيه فيهدأ، وإن أهانه أحد لا تهدأ ثائرته حتى يرد على هذه الإهانة. كذلك الشخص الذي يشعر بالوحشة فإن التوتر الناشئ عن إحباط دافعه الاجتماعي يدفعه إلى التماس صحبة صديق. والذي يعاني شعوراً بالنقص يلجأ إلى التباهي والتفاخر تعويضاً عن نقصه. والطفل المحروم أو المضطهد أو المنبوذ يندفع إلى اللعب بطريقة خاصة تخفف عنه ما يكابده من توتر وقلق. فالطفل الذي يكره أباه أو أخاه يختار من لعبه دمية يفقأ عينها أو يلقيها على الأرض أو يحطمها أو يدفنها في التراب أو يغرقها في الماء. فوظيفة السلوك وغايته أياً كان نوع الدافع إليه هي الاحتفاظ بتوازنالفرد،أواستعادة هذا التوازن حين يختل بالعمل على إزالة التوترات أو خفضها،بغضالنظرعنالطريقةالتي تتم بها سوية كانت أم شاذة. وحين تكون الوسائل شاذة قد يؤدي ذلك بمرور الزمن إلى الإصابة بالأمراض والعقد النفسية، حين لا تؤدي تلك الوسائل إلى استعادة التوازن النفسي([1]).

وفي هذا يقول د. مصطفى حجازي: إن (وجود الإنسـان المتخلف يتلخص في وضعية مأزقية، يحاول في سلوكه وتوجهاته وقيمه ومواقفه مجابهتها، والسيطرة عليها بشكل يحفظ له بعض التوازن النفسي الذي لا يمكن الاستمرار في العيش بدونه. ولا يقف الإنسان المقهور مكتوف اليدين إزاء هذه الوضعية عسيرة الاحتمال؛ نظراً لكونها تزلزل التوازن الوجودي، بل يحاول أن يجابهها بأساليب دفاعية جديدة متعارضة جدلياً، أو متكاملة في تعارضها... والكثير من معتقدات الإنسان ال متخلف وانتماءاته وممارساته تبدو في النهاية كمحاولات دفاعية للسيطرة على وضعيته المأزقية، وإيجاد حلول معينة لها)([2]).

التوافق وسوء التوافق
التوافق حالة من التواؤم والانسجام بين الفرد وبيئته تبدو في قدرته على إرضاء أغلب حاجاته، وتصرفه تصرفاً يرضيه إزاء مطالب البيئة المادية والاجتماعية. ويتضمن قدرة الفرد على تغيير سلوكه وعاداته عندما يواجه موقفاً جديداً أو مشكلة مادية أو اجتماعية أو خلقية أو صراعاً نفسياً تغييراً يناسب الظروف الجديدة.
أقول: وهذا يستلزم أن يتحقق التوافق من خلال الاتجاهين: الخارجي والداخلي. الخارجي بالتواؤم مع البيئة، والداخلي بالتواؤم مع النفس الذي يحقق للفرد احترامه لذاته ، ورضاه عنها حين يكون التواؤم مع المجتمع منسجماً مع القيم التي يؤمن بها.
فإن عجز الفرد عن إقامة هذا التواؤم والانسجام بينه وبين بيئته بالشكل المطلوب قيل: إنه ((سيء التوافق)). ويبدو سوء التوافق في عجز الفرد عن حل مشكلاته اليومية على اختلافها عجزاً يزيد على ما ينتظره الغير منه، أو ينتظره هو من نفسه. إن هذا يولد توتراً داخلياً يعرض التوازن النفسي إلى الخلل، ويوقع الفرد في ما يسمى بـ((الأزمة النفسية))([3]).

الأزمات النفسية
ينشأ المرض النفسي عندما يصاب الفرد بأزمات نفسية جراء تعرضه إلى صعوبات وعقبات مادية ومعنوية تعوق سير دوافعه نحو أهدافها. فإن عجز عن التغلب عليها بطريقة سريعة مجدية، وإلا صار يعاني من ((أزمة نفسية)). وهي حالة انفعالية مؤلمة تنشأ من الإحباط الموصول لدافع أو أكثر من الدوافع القوية. وتقترن الأزمة عادة بحالة من التردد والحيرة والتوتر والقلق، إضافة إلى ما يترتب على إحباط الدوافع من شعور أليم بالنقص والخيبة والعجز، أو الشعور بالذنب والخجل والخزي والاشمئزاز، أو الشعور بالظلم والرثاء للذات، أو الشعور بالوحدة والاغتراب، أو شعور الفرد بفقد احترامه لنفسه.
يختلف سلوكالناسحيالمايعترضهممنصعوباتوعقبات ومشاكل اختلافاً كثيراً:
1. فمنهم من يمضي في التفكير والتقدير وبذل الجهد للخروج من المأزق، حتى وإن كان في حالة من التوتر الشديد.
2. ومنهم من يسارع إلى الاستسلام والتخاذل على الفور.
3. ومنهم من يضطرب ويختل ميزانه بعد محاولات تطول أو تقصر فإذا به قد أصبح نهباً للغضب أو الذعر أو الخزي وغير ذلك من المشاعر التي تنجم عن الفشل والإخفاق. وبدل أن يتجه بجهوده إلى حل المشكلة بأساليب واقعية سوية، إذا به يلجأ إلى أساليب وطرق معوجة أو ملتوية أو متطرفة في سبيل أن تنقذه مما يكابده من توتر وتأزم نفسي. فالشخص السوي إن فقد عمله جد في البحث عن عمل آخر، لكن غيره قد يثور على النظام الاقتصادي، أو ينسب فقد عمله إلى مؤامرات دبرت ضده، أو يعتقد أنه مضطهد، أو يأخذ في استجداء العون واستدرار العطف من غيره. أو يظل دون حراك يجتر أفكار الظلم. أو ينهار فيصاب بمرض نفسي أو عقلي([4]).

وصيد الإحباط
هو قدرة الفرد على احتمال الإحباط دون أن يلجأ إلى أساليب ملتوية لحل مشاكله، أي لاستعادة توازنه النفسي. فمن كان وصيد إحباطه مرتفعاً استطاع تحمل الإحباط والحرمان، واستطاع الصمود أكثر من غيره. والوصيد المرتفع من أهم علامات الصحة النفسية السليمة وقوة الأنا (وهي قدرة الفرد على مواجهة مشكلات الحياة ومتاعبها دون يأس أو فقدان للاتزان الانفعالي، أو في الثقة بالنفس، أو استغراق في المشكلة دون العمل على حلها).
ويتوقف وصيد الإحباط على وراثة الفرد إلى حد كبير، كما يتوقف أيضاً على ما يفرغه الفرد على الموقف من دلالة وأهمية نتيجة لخبراته السابقة، خاصة خبرات الطفولة. فالرئيس المستبد قد يكون مصدراً للضيق عند مرؤوسيه، لكنه يكون شيئاً لا يطاق في نظر مرؤوس كان أبوه يستبد به في طفولته. أي ليس المهم الموقف، بل كيفية إدراك الفرد للموقف.
ولكل إنسان حد معين لتحمل الإحباط والصدمات لا يلبث أن ينهار بعده مهما بلغ اتزانه النفسي. يعرف هذا الحد بـ ((نقطة الانهيار)) وعلى هذا الأساس تقوم عملية ((غسل المخ))[5] أو غسل الدماغ.

الحيل الدفاعية
إن لم يوفق الفرد إلى حل المشكلة التي تواجهه بطرق إيجابية واقعية، ظل في حالة من التوتر الانفعالي الموصول، ما يجعله يلجأ إلى أساليب ملتوية سلبية خادعة تخفف عنه بعض ما يكابده من تأزم نفسي، وتقيه مشاعر القلق والعجز والفشل والخجل والرثاء للذات وغيرها من المشاعر التي تنشأ عن إحباط دوافعه. فإذا به يتجاهل المشكلة أو يتناساها أو ينكرها أو يستصغرها أو يموه عليها أو يتنصل منها بإلقاء اللوم على غيره لا على نفسه. كل ذلك للخلاص مما يعانيه من القلق بدلاً من مواجهته. لذا تسمى هذه الأساليب الملتوية بالحيلالدفاعية؛لأنهاتدفععنالفردغائلةالقلق،وتهبه شيئاً من الراحة الوقتية، وإن تكن راحة وهمية حتى لا يختل توازنه النفسي.
وهذه الأساليب في حدودها المقبولة يلجأ إليها الجميع صغاراً وكباراً، الأسوياء وغير الأسوياء للتخفف من أزماتهم النفسية المستعصية، وفي حل مشكلاتهم اليومية العابرة الطارئة. وهي تعمل غالباً على مستوى لا شعوري، أي أن الفرد لا يكتسبها عن قصد، ولا يستطيع ضبطها وكفها بإرادته[6]. لكن حين تزيد هذه الأساليب عن حدودها المقبولة، وينطبع عليها الفرد تؤدي به إلى الوقوع في الأمراض النفسية أو العقلية، أو تتحول هي إلى مرض في ذاتها. أهم هذه الأساليب أو الحيل النفسية الدفاعية، كالتعويض الزائد والكبت والإسقاط والتماهي والنكوص والعدوان إلخ... يقول د. راجح: يتضح لنا مما تقدم أن الأمراض النفسية والأمراض العقلية ما هي إلا وسائل شاذة للتخلص من أعباء وأزمات نفسية لا سبيل إلى التخفف منها إلا بالتورط في هذه الأمراض[7].

الدوافع اللاشعورية
وحتى نزيدالأمروضوحاًنتوقفقليلاً عند ما يسمى في علم النفس بـ(الدوافع اللاشعورية)، لنرى من خلالها كيف تترسب المؤثـرات المحيطية في أعماق النفس البعيدة، وتتحول بمرور الزمن إلى قوى خفية قابعة في تلك الأعماق تتحكم في انفعالات الفرد وسلوكه وتصرفاته دون شعور منه، أو قدرة على تفسير ما يصدر منه بحيث يستطيع أن يربط بينه وبين تلك الدوافع أو القوى الخفية.

يقول د. أحمد عزت راجح: لا يشعر الإنسان دائماً بما يحفزه من دوافع شعوراً واضحاً صريحاً، أو يقوم بأعمال لا يعرف لماذا قام بها؟ فهو يستيقظ في الصباح على صوت الساعة الرنانة فيغسل وجهه وينظف أسنانه ويحلق ذقنه ويتناول الإفطار ويقرأ جريدة الصباح، كل أولئك وهو لا يفطن إلى طبيعة الدوافع التي تقوم وراء أعماله هذه، إذ لا سلوك بدون دافع. ومن الناس من يكتب خطاباً لكنه ينسى أن يلقيه في صندوق البريد فيظل الخطاب في جيبه أو على مكتبه أياماً. وقد يزل لسان الفرد وهو يتكلم فينطق بكلمة أو عبارة لم يقصد إليها، بل قد تكون عكس ما يريد؛ فتسبب له من الحرج الشيء الكثير. وقد ينسب هذه الزلة إلى السهو أو الغفلة أو التعب أو الانفعال إلى غير تلك من الأسباب التي يبعد أن تكون الأسباب الحقيقية لزلته. ومن الناس من يخاف عبور الشوارع أو رؤية الدم أو المكث في مكان مقفل أو من حيوان غير ضار
كالفأر أو الصرصار، وهو لا يعرف لذلك دافعاً أو سبباً. ومنهم من يسرف في غسل يديه كلما صافح شخصاً أو فتح باباً أو لمس كتاباً.

التنويم المغناطيسي Hypnosis
من أوضح الشواهد التي تدل على الدوافع اللاشعورية ظاه ـرة التنويم أو النوم المغناطيسي. وهو – كما يقول د. راجح – نوم صناعي يحدث عن طريق الاسترخاء الجسمي، وتركيز الانتباه في مجال ضيق من الأشياء أو الأفكار بإيحاء من المنوم... مما يتميز به تضخم قابلية النائم لإيحاء المنوم تضخماً شديداً: فإن وضع المنوم في يد النائم عود ثقاب وأوحى إليه أن وزن العود يزداد رويداً رويداً تخاذلت يد النائم حتى لا يستطيع حمل عود الثقاب، بل لو أوحى إليه بأنه كلب قام النائم فمشى على أربع وأخذ في النباح.
من خصائص هذا النوم أيضاً أن ينفذ النائم بدقة بعد استيقاظه ما أوحى إليه المنوم به، فلو كلفه المنوم القيام بعمل معين بعد استيقاظه بوقت محدد ككتابة خطاب إلى شخص معين، أو الذهاب إلى حجرة معينة أو ملء ساعة الحائط فإنه ينفذ هذا العمل المحدد دون أن تكون لديه عند استيقاظه أية ذكرى عما أوحى إليه به. من ذلك أنه أوحي إلى شخص أثناء نومه أن يقوم بالأعمال الآتية بعد مرور خمسة عشر يوماً: يخرج إلى الشارع ومعه مظلة يفتحها ويسير بها في الطريق مهما كان نوع الطقس، ثم يشتري شيئاً معيناً تافهاً لا حاجة له به. فلما كان اليوم المحدد والساعة المحددة شعر الشخص بشيء من الضيق وبدافع ملح إلى أداء ما أوحي إليه به ثم قام بتنفيذه. فلما سئل عن السبب في قيامه بهذه الأعمال؟ قال: أنه لا يعرف. وكل ما في الأمر أنه في الساعة المحددة من اليوم المعين طرأت على ذهنه فكرة القيام بهذه الأعمال، لكنه حين رأى أنها أعمال سخيفة عزم على أن لا ينفذها، غير أنه لم يستطع أن يقاوم الفكرة، وشعر أنه لو قام بأدائها تخفف مما يعانيه من ضيق وتوتر.
أمثال هذه الظاهرة تكفي وحدها للتدليل على وجود دوافع لا شعورية، بل تدل فوق ذلك على ما لهذه الدوافع من أثر جبري لا يقاوم.

دوافع خفية (لا شعورية) تحكم الفرد
الميزة الأساسية في هذه الدوافع أن الفرد لا يشعر بها مع أنها تحكم وتوجه مشاعره وسلوكه! ولذلك أسباب عديدة منها: أن طرق إرضائنا لدوافعنا الفطرية والمكتسبة ثبتت وأصبحت عادات نقوم بها دون أن ننتبه أو نفكر فيما يقوم وراءها من دوافع. فنحن نراعي العرف، ونحترم القوانين، وننتمي إلى جماعة، ونعبر عن آرائنا، ونتعاون مع الناس أو ننافسهم، ونعقد الصداقات.. كل أولئك دون شعور صريح بالدوافع التي تحملنا على هذه الأوجه المختلفة من النشاط. ومنها: أن أصول هذه الدوافع ذات تاريخ قديم لفه النسيان من عهد الطفولة فغطى على تلك الأصول. ومنها أن يكون الدافع ثقيلاً على نفس الفرد يجلب له القلق أو الخزي أو الذعر، أو يمس كرامته إن بدا له الدافع واضحاً في بؤرة شعوره؛ لذا فهو يعمى عن رؤيته، بل وينكره إنكاراً إن انكشف له. فمن العسير أو المحال أن تكاشف أُماً تسرف في العناية بطفلها بأن الدافع الحقيقي لإسرافها هذا هو كراهية تحملها في أعماق نفسها لطفلها، وهي كراهية لا تشعر بها. ومن العسير أو المحال أيضاً أن نفاتح أحد الزهاد المسرفين بما يحمله في أعماق نفسه من دوافع شهوية خفية هي أساس إسرافه هذا. وكم من معتدٍ أثيم لا يفطن إلى أن ما يدفعه إلى العدوان شعور عميق بالنقص.
وللدكتور علي الوردي في هذا الموضوع كلام أراه مناسباً لأن أضيفه هنا إذ يقول: إن الأبحاث النفسية الأخيرة تكاد تشير إلى أن الإنسان مسير في أغلب أعماله لا مخير، ففي أعماق النفس البشرية من العوامل الكامنة ما يكاد يشبه تلك الآلات المتنوعة المخفية في باطن الطيارة.
ولعلنا لا نغالي إذا قبلنا بأن العلماء اليوم يميلون إلى القول بـ ((الجبر)) في موضوع الشخصية البشرية. ولكن مما يجدر ذكره بهذه المناسبة أن مفهوم الجبر الذي يقولون به يختلف عن ذلك المفهوم الذي اصطلح عليه علماء الكلام في الإسلام. فهو ليس جبراً ميتافيزيقياً أو غيبياً. إنما هو بالأحرى جبر لا شعوري، قد انبعثت أسبابه من أعماق العقل الباطن.
إن الإنسان يسير بوحي العقل الباطن أولاً، ثم يأتي العقل الظاهر أخيراً لكي يبرر ما فعل، ويبهرجه ويطليه؛ فيظهر أمام الناس بالمظهر المقبول.
وقد يجوز لنا القول بأن الإنسان يعمل ثم يفكر. وهذا عكس ما كان القدماء يظنون به. فهو يندفع نحو شيء ثم يفكر به بعدئذ، كمثل ذلك الأعشى الذي داس على كلب من غير أن يراه، ثم قال: إني أريد أن أقتله.
لقد كان القدماء يعتقدون بأن الإنسان حيوان عاقل. والواقع أنه حيوان متحذلق. فهو متعاقل لا عاقل. يتظاهر بالتعقل، وهو في الحقيقة مجنون.. على وجه من الوجوه[8].

ويضرب د. الوردي مثالاً على ذلك فيقول: إذا أهانك رجل أو اعتدى عليك بحيث لم تستطع لظروف خاصة أن ترد الإهانة عليه، دخلت رغبة الانتقام آنذاك في عقلك الباطن، وبقيت هنالك كامنة تحاول الظهور والتنفيس عن ذاتها بشتى الصور والأساليب. فأنت تصبح إذن مسير من حيث لا تشعر برغبة مدفونة في أعماق نفسك. ولعلك قد تنسى حادثة الاعتداء؛ إذ هي ربما جرت في أيام صباك، وسحبت عليها الأيام ذيول النسيان. ولكنك تبقى رغم ذلك متأثراً بها تأثراً لا شعورياً. فلا تكاد ترى رجلاً آخر له شبه بذلك الذي أهانك أو اعتدى عليك حتى تشعر بكراهته والميل إلى الانتقام منه. فإذا سئلت عن سبب كراهتك له من دون معرفة سابقة له ربما كان جوابك: ((إنك تكرهه من الله)). إنك بذلك تنسب إلى الله ظلماً تقوم به أنت بتأثير عقلك الباطن الدفين[9].

عملية الكبت ودورها في إخفاء الدوافع
نعود إلى د. راجح ليقول: الكبت بمعناه العام هو استبعاد دافع أو فكرة أو صدمة انفعالية أو حادثة أليمة من حيز الشعور. وكبت الحوادث والصدمات يعني نسيانها. أما كبت الدافع فيعني إنكار وجوده، والعزوف عن التحدث عنه أو تذكره أو التفكير فيه، والرغبة في عدم مواجهته، ورفض الاعتراف به إن أصبح واضحاً في شعورنا. فمن الدوافع ما يؤذي نفوسنا أو يجرح كبريائنا واحترامنا لأنفسنا، ويسبب لنا القلق والألم والضيق إن ظل ماثلاً في شعورنا، كشعورنا بالنقص من عيب فينا، أو شعورنا بالذنب من جرم أتيناه، أو رغبتنا من الانتقام من صديق، أو كراهية الطفل لأبيه الذي يقسو عليه، أو خوفنا من الفشل، أو ارتيابنا من شخص نثق فيه، أو غيرتنا من منافس، أو ميلنا الجنسي إلى بعض محارمنا.. كل هذه دوافع نستبعدها من شعورنا، أي ننكر الاعتراف بوجودها حتى لا تكون مصدر إزعاج لنا.

من خصائص الدوافع المكبوتة
1. إنها قوى ليست خامدة، بل هي قوى فعالة وإن كانت كامنة، فهي تتحين الفرص للظهور. وقد تبدو سافرة صريحة في انفجارات الغضب، أو تبدو في صورة رمزية كفلتات اللسان وزلات القلم وغيرها من الهفوات. وتتضح صفتها الرمزية بوجه خاص في أحلام النوم وأعراض الأمراض النفسية.
وقف أستاذ جامعي يثني على سلفه فإذا به يقول أمام الحفل: (لا يسعني إلا أن أُهنئه على ((جموده)) في البحث)، بدل أن يقول: على ((جهوده)). وقال رجل لزوجته: إذا مات أحدنا قبل الآخر فسأتخذ الاسكندرية مقاماً لي). ومن زلات القلم ما كتبه رجل لآخر: (لقد كان لقاؤنا ((أنحس)) مناسبة لعقد الصفقة)، بدل أن يقول: ((أحسن)).

ويصرح علماء التحليل النفسي بأن كثيراً من الفتيات اللاتي يُضعن خاتم الخطبة ينتهي زواجهن بالطلاق أو الشقاق.. فضياع الخاتم رمز إلى رغبة مستخفية في عدم إتمام الزواج.

يحدثنا فرويد أن مكتبه كان يزخر بكثير من التحف الفنية القابلة للكسر، لكن لم يتفق له أن كسر شيئاً منها. وذات يوم إذا بحركة طائشة من ذراعه تطيح بالغطاء المرمري لمحبرة المكتب فتلقيه كساراً. يقول فرويد: إنه كان قبل الهفوة بقليل يطلع أخته على مجموعته الفنية الثمينة، فأُعجبت بها إلا هذه المحبرة التي قالت: إنها لا تنسجم مع سائر مع على المكتب. وما كاد يعود من نزهة له حتى نفذ ((القضاء)) في هذه المحبرة بعينها دون غيرها من التحف. ويعلق فرويد على ذلك: بأن حركة يده لم تكن طائشة كما وصفها، بل كانت حركة ماهرة مقصودة – لا شعورياً – إذ أنها حققت غرضاً في نفسه. والدليل على ذلك أنها تجنبت جميع الأشياء الثمينة المحيطة بالمحبرة.
والطفل الذي يحمل لأبيه كراهية لا شعورية إن أُتيحت له الفرصة أن يلعب بدمى وشخوص وأشياء مختلفة قد يختار واحدة منها يخال أنها الأب فيفقأ عينها، أو يلقيها على الأرض، أو يدفنها في التراب. إنه يعبر بلغة رمزية عن مشكلته حين عجز عن التعبير عنها بلغة صريحة. وهذا طفل في منتصف الثانية من عمره كانت أُمه تتركه وحده فترات طويلة، فكانت لعبته المفضلة التي يكررها مرات ومرات هي أن يمسك ببكرة عليها قطعة من الخيط فيقذف بها تحت السرير حتى تختفي، وهنا يصيح منزعجاً، ثم يجذبها إليه، وما إن يراها حتى يصيح فرحاً بعودتها مرحباً بظهورها. فالطفل في لعبته هذه يمثل بصورة رمزية مأساة يكابدها، ويجسم خبرة مؤلمة يعانيها، هي مأساة اختفاء المحبوب وعودته. وبذا يتخفف مؤقتاً من حالة القلق التي تسيطر عليه.
وشاب يعاني من حالة سخيفة لا يستطيع مقاومتها: سرقة اللعب والدمى والأشياء الصغيرة الخاصة بالأطفال الصغار مع أنه لا يحتاج إليها! وقد دل التحليل النفسي على أن هذا الشاب ينحدر من عائلة فقيرة، وكان محروماً في طفولته، بينما كان له جيران أغنياء كان أطفالهم يتمتعون باللعب بمختلف اللُّعب والدمى وهو ينظر إليهم بحسرة، ولا يستطيع مشاركتهم فيها.
2. إنها أقوى أثراً وأصعب ردعاً من الدوافع الشعورية؛ ذلك أنها دوافع مجهولة فلا تسمح للفرد بإرضائها إرضاءاً ملائماً، أو إرجاء إرضائها، أو توجيهها وجهة مناسبة، أو التحكم فيها وضبطها بالإرادة. فمن عرف دوافعه استطاع أن يتحكم فيها، ومن جهلها تحكمت هي فيه.
هذا زوج كان يثور ويغضب كلما عاونته زوجته على ارتداء ملابسه وهو يستعد للخروج. وكان يُدهش لثورته هذه من شيء تافه كهذا! وقد دل التحليل على أن سلوك زوجته هذا يذكره بسلوك أمه نحوه وهو صغير. فقد كانت أُماً صارمة تتدخل في شؤونه أكثر مما يجب؛ لذا كان يكرهها كرهاً شديداً. ومن هنا يتضح أن السلوك الصادر عن الكبت غالباً ما يكون سلوكاً غريباً أو شاذاً أو سخيفاً.
3. إن عملت الظروف على استفزاز هذه الدوافع واستثارتها بصورة موصولة زادت
شدة وضراوة وعنفاً بما يجعل الفرد عاجزاً عن ضبط سلوكه حتى إن أدرك أنه يتصرف تصرفاً غريباً؛ لذا يكون السلوك الصادر عنها قسرياً بالرغم من إرادة الفرد.
وبهذه الطريقة تحكم ((العقدة)) سلوك صاحبها. إنها – كما أسلفنا – استعداد مكبوت يقسر الفرد على ضروب شاذة من السلوك الظاهر والشعور والتفكير[10].


_____________________
(1) أصول علم النفس ص74-75 ، د. أحمد عزت راجح. بتصرف.

(2) التخلف الاجتماعي.. سيكولوجية الإنسان المقهور ، د. مصطفى حجازي ، ص8 .

(3)أصول علم النفس ، ص470. د. أحمد عزت راجح.

(4)أيضاً ،ص 447 ، 451.

5 أيضاً ، ص451-452.

6 أيضاً ، ص453.

7 أيضاً ، ص472.

8 خوارق اللاشعور ، ص34-35 ، د. علي الوردي.

9 أيضاً ، ص37. نشرت جريدة (الاتجاه الآخر) في عددها (261) بتاريخ (4/3/2006) تحت عنوان (بعد 28 سنة من العذاب.. مغربي ينتقم من مغتصبه) جاء فيه: قتل خياط مغربي في الأربعين من عمره في مدينة مكناس في وضح النهار مغربياً آخر كان قد اعتدى عليه في طفولته. وقالت الشرطة: إن القاتل تعرض سنة 1978 وعمره لا يتجاوز آنذاك 13 سنة لاعتداء جنسي من قبل القتيل الذي يشتغل في نقل البضائع؛ مما كرس لديه عقدة الإهانة، التي لم يزدها توالي السنين إلا تفاقماً؛ مما أجج لديه الرغبة في الانتقام. ومع بلوغ المتهم سن الرشد قرر مغادرة مكناس والاستقرار بمدينة أخرى للتخلص من فكرة الانتقام التي ما فتئت تلح عليه. واختفى المعتدي عن أنظار ضحيته، الذي ظل يبحث عنه طوال السنوات الماضية، قبل أن يلتقيا سنة 2005 بحي يقطنانه عدة مرات. ولم تفارق عقدة احتقار الذات الخياط، المتزوج والأب لأربعة أطفال، إذ ظل يثور لأتفه الأسباب، وتستفزه تعليقات أصدقائه. كما ظل يمنع أطفاله من مغادرة البيت خشية تعرضهم لمثل ما تعرض له في طفولته.

10أصول علم النفس ، ص106-116 ، د. أحمد عزت راجح ، بتصرف.





كآشف الحقآئق 24-03-11 01:17 PM

الفصل الثاني
الأمراض النفسية الجماعية
أقصد بالأمراض النفسية الجماعية الأمراض النفسية التي تشيع بين جماعة من الناس، يعيشون في محيط مشترك، وليست مقتصرة على فرد من الأفراد. قد تكون هذه الجماعة شعباً من الشعوب أو أمة من الأمم، أو تجمعاً أو طائفة يرتبط أفرادها برباط معين مشترك أو صفة أو وظيفة تميزهم عن غيرهم. وأرى أن بعض العوامل المثيرة للمرض – كالجغرافيا والفقر والحرب والإشاعة - لها تأثير يتعدى الفرد إلى الجماعة، ومن هنا ينشأ المرض النفسي الجماعي.
وكما أن للفرد شخصية مستقلة تمتاز بعقلية ونفسية خاصة، فكذلك المجتمع أو المجموع له شخصيته المستقلة التي تمتاز بعقليتها ونفسيتها الجمعية الخاصة، والتي تختلف عن شخصية الأفراد الذين يتكون منهم ذلك المجموع. وعلى هذا تختلف الشعوب في كثير من الصفات: في وجودها وعدمها، أو في درجة تمثلها. فهذا شعب ينزع إلى العقلانية وذاك ينزع إلى الخرافة، وهذا شعب كريم وذلك بخيل، وهذا يميل إلى العفو والسماحة، وهذا إلى الحقد والثأر والانتقام، وهذا نشط مثابر، وهذا خامل كسول إلخ... وقد تكون هذه الصفات مطلقة أو نسبية تظهر عند المقارنة.

التشخيص أساس العلاج
إن التعامل مع أي شخص لا يستقيم دون معرفة تامة بعقليته ونفسيته وأخلاقهوما الذي يثيره ويجذبه أو يزعجه وينفره؟ وهل هناك من فرصة أو مجال لعلاجه وكسبه؟ أم على قلوب أقفالها؟ ومن هنا قال الأطباء: التشخيص أساس العلاج.

كثير من الدعاة والمتحدثين يقع في تعميمات ساذجة ويطلق الأحكام ويعتمد القياس دون النظر إلى نواحي الاختلاف أو الفارق بين هذا المجتمع وتلك الطائفة وذلك الفرد وهذه الجماعة وغيرها من المجتمعات والطوائف والأفراد والجماعات الخ... أو دراسة شاملة عميقة لها من أجل الوصول إلى التشخيص الصحيح كي يكون تعامله أو علاجه قائماً على أساس علمي صالح للاعتماد. مثلهم كمثل طبيب يعالج مرضاً مستعصياً دون تركيز ودراسة معمقة لتأريخ سير المرض وتطوره، أو إجراء الفحوصات السريرية والمختبرية؛ فتفوته أمور في غاية الأهمية لا بد منها للوصول إلى التشخيص الضروري لتوصيف العلاج.

من ذلك أن بعض الأمراض التي تبدو (عضوية) المنشأ إنما هي في حقيقتها نفسية الأسباب،كأن تكون (هستيرية)، أي ليست حقيقية وإنما هي أعراض لمرض نفسي يتستر بتلك الأعراض لخوف المريض اللاشعوري من الإفصاح عن السبب الحقيقي،وإن كان هذا الخوف مترسباً في اللاوعي، أي كامناً في الأعماق بحيث لا يشعر به المريض نفسه.مثاله:شخص يتهرب من مسؤولية عائلته.هو يخاف من الإفصاح عن هذه الرغبة أو مواجهتها. فكيف يوفق بين تنفيذ رغبته في التهرب من المسؤولية وبين عدم الإفصاح عنها؟ هنا يكون المرض الهستيري هو الحل أو الحيلة النفسية التي تحقق لهذا الشخص التوفيق المطلوب وتوجد له العذر المقبول للتنصل من المسؤولية العائلية فيغدو
مريضاً يشكو من أعراض عضوية لكنها وهمية لا وجود لها.
إن هذا المريض لا يمكن أن يشفى من هذه الأعراض أو المرض الهستيري مهما بذل له الطبيب من مجهود أو، وصف له من علاج. لماذا؟! لأن العلاج خارج دائرة المرض بسبب الخطأ في التشخيص. فالمرض نفسي والعلاج عضوي. أي إن العلاج وجميع المحاولات الطبية لن تكون أكثر من قفز في فراغ. وإن طبيباً لا ينظر إلى المريض نظرة شمولية لا يمكن أن ينجح في توصيف العلاج مهما بذل من محاولات.

إن الساحة الدعوية أو الدينية تعج بمثل هذا الطبيب ممن يجيد الكلام عـن كثير من الموضوعات الفكرية والفقهية والروحية، لكنه لا يمتلك النظرة الشمولية، وليس عنده معرفة بالنفسية الإنسانية أفراداً وجماعات وشعوباً وقبائل وطوائف ومذاهب، ولا قابلية على تحويل هذه المعرفة إلى فعل إيجابي مؤثر، ولا خبرة ميدانية تجعله قادراً على توظيف ما عنده من مفاهيم ومعرفة في محلها المناسب.






كآشف الحقآئق 24-03-11 01:18 PM


الفصل الثالث
دراسات في الشخصية الفارسية

تمتاز الشخصية (الفارسية) بخصائص نفسية معينة، اتفق على ملاحظتها وذكرها الخاص والعام ممن تعامل مع الإيرانيين، وخبر حياتهم وأخلاقهم، وكيف أعدت، أو تعدت هذه الأخلاق إلى المتأثرين بهم والمتشيعين لهم، سوى أن العالِم يختلف عن غيره في عمق النظرة والقدرة على الرصد والتحليل، وربط الأسباب بالمسببات والنتائج بالمقدمات.

قام بدراسة هذه الشخصية عدد من العلماء، وثبتوا ملاحظاتهم العلمية في بحوث ميدانية، مدعومة بالأدلة الاستبيانية والشواهد التجريبية. ذكرت بعض هذه الدراسات في كتابي (لا بد من لعن الظلام)؛ فلن أذكرها هنا تفصيلاً مرة أخرى، تجنباً للإطالة والتكرار.
من هذه الدراسات:

1. (الشخصية الإيرانية ومكوناتها) للأمريكي جاك ميلوك([1]) ضمن كتاب (الثورة الإيرانية والتمدن الحديث). استخلصها – كما جاء في الدراسة - من:
أ‌. بحث تجريبي قام به الأستاذ (البروفسور) مارفن زونيس طبقه على ثلاثمائة شخصية إيرانية تمثل النخبة السياسية الممتازة في إيران، بغض النظر عن كون تلك الشخصيات داخل الحكم أو خارجه. من أجل التأكيد على صحة بعض الانطباعات الخاصة، وذلك بواسطة استبيانات أعدت بعناية لذلك الغرض.

ب‌. ودراسة مفصلة في سنة 1964 قام بها (معهد الإيمان والدراسات الاجتماعية) في جامعة طهران.

وجد الأستاذ زونيس – كما ذكر ميلوك - أن هناك أربع خصائص متميزة تنتصب قائمة كعلامات خاصة دالة على الشخصية الإيرانية والسلوك الإيراني. وهي:

أ. الإيمان بأن السلوك البشري تهيمن عليه المصالح الذاتية وحدها.
ب. سوء الظن أو الارتياب.
ج. القلق وعدم الاستقرار.
د. الاستغلال الشخصي للأفراد بعضهم البعض.

ونقل انطباع شاه إيران نفسه عن الشخصية الإيرانية بأنها مولعة بالنفاق والمراءاة، وبعدم الرغبة في العمل الجماعي، وبعدم الإحساس بوجود الآخرين. وتتمتع بضعف المبادئ.

2. بحث للفرنسي أدور سابيليه[2] بعنوان (إيران من الجانب الآخر) في كتابه (إيران مستودع البارود).

3. بحث قام به المؤرخ العراقي الأستاذ (البروفسور) عماد عبد السلام رؤوف، في مقدمة كتاب (الصراع العراقي الفارسي)، لنخبة من المؤرخين.

أهم الخصائص النفسية التي تميز الشخصية الفارسية
لقد تطرق هؤلاء العلماء إلى جملة من الخصائص النفسية، التي تميز الشخصية الإيرانية، أهمها:

· الغدر: بسبب شكوك الإيراني وعدم ثقته بالآخرين فليس لديه القدرة على الامتزاج. انه يبحث عن الأمان في الانعزالية عن الناس، أو بواسطة توجيه ضربته الأولى.

· الشك والارتياب وسوء الظن: فالشعور بعدم الأمان مغروس عميقا عند الإيرانيين. إن هذا الشعور بالارتياب يجعل الإيراني يعتقد بأنه ليس هناك شيء بنفس البساطة والاستفادة التي ربما يظهر عليها، وأنه لا يمكن قبول الأمور على أساس قيمتها السطحية أو الظاهرية.

· الوقاحة:في قطعة أدبية مشهورة في الأدب الفارسي ينصح أحد الحكام الإيرانيين من ذوي العقل الراجح ابنه حول الكيفية التي يتوجب على الابن اتباعها من أجل أن يكسب حياته في إيران قائلاً:
(لا تتخوف من سوء استعمالك للحق أو السلطة ولا من الإذلال أو تشويه السمعة والافتراء… وعندما يجري طردك خارج أحد الأبواب تعال وادخل بابتسامة من باب آخر… كن وقحاً ومتغطرسا وغبياً، لأنه من الضروري في بعض الأحيان التظاهر بالغباوة لأن في ذلك فائدة. حاول أن تقيم علاقات مع أولئك الذين يتبوأون مناصب عالية. اتفق في الرأي مع أي شخص بغض النظر عن ماهية رأيه، وذلك من أجل أن تجتذب تأييد عطفه الأكبر).

· الشعور بالتفوق أو الاستثنائية: الفذة التي لا مثيل لها. يصبح هذا الشعور مثل درع يحتمي وراءه الفرد ويخفي نفسه أثناء فترة التطور الثقافي السريع. وهذا يجعل الهوية الإيرانية قادرة على البقاء بالرغم من تعرضها لموجات مختلفة من الغزوات، وقادرة على امتصاص مؤثرات ثقافية كانت تواجهها بدون أن تغوص الهوية الإيرانية الذاتية إلى القعر. وعلى خلاف الشعوب الأخرى لم يمتزج الفرس بوشائج الصلة الوثيقة مع العرب حملة الراية الإسلامية، بل حافظ الفرس على شخصيتهم الذاتية حتى في ظل الإسلام. ففي مقابل المذهب السني الشائع بين العرب اخترعوا المذهب الشيعي. وعندما كان مجموع المسلمين يخضعون لسلطان الخليفة فان الإيرانيين اتخذوا من المذهب الشيعي ذريعة لمناهضة شرعية الخلافة باعتبار عدم جواز الإمامة إلا حصراً بسلالة علي. واستعان الفرس بالتكتل الشيعي لتحقيق مآربهم. إن الفرس مسلمون، ولكنهم يختلفون عن المسلمين الآخرين. ومن هذا المنطلق استطاعوا الاستمرار على تحصين أنفسهم ضد الانصهار.

· الكذب: إن المعنيين بدراسة إيران وشؤونها متفقون عموماً على الاستنتاج القائل بأن الارتياب وعدم الاطمئنان والتخفي الديني تحت مظهر كاذب هي مميزات الإيرانيين. حتى إن محمد رضا بهلوي قد ذكر هذه المميزات بصورة فظة وذلك بقوله: (ان الفرس يكذبون). وقد اشتكى الشاه السابق أيضاً من أن الكذب ذاته يجري تمجيده على أساس أنه فضيلة، مقتبساً في شكواه ما جاء في كتاب الشاعر الفارسي سعدي:
(إن الكلمات التي تخدعك وتضللك، ولكنها تسعد قلبك هي أغلى من الصدق.وتزيدفي قيمتها عن الشيء الذي يجعلك حزينا ويعكر مزاجك).
إن المثل القائل:
(احجب عن العيون ذهابك وذهبك ومذهبك) هو واحد من عدد كبير من تحذيرات شرعية مماثلة موجودة في الجعبة التجارية الفارسية.

· الملق والتلون والمداهنة: إن الملق والمداهنة والغش يجب أن تكون جميعا الأدوات التي يحتاجها الفرد لأجل أن يتقدم ويصعد إلى أعلى. لقد قال زعيم إيراني: إن الإيرانيين هم مثل الحرباء. إنهم يغيرون ألوانهم كل يوم وتتلون سياساتهم بما يتناسب مع ألوانهم المتغيرة. إن استعمال تعبيرا مثل:(إنني عبدك المطيع)أو(إنني التراب الذي تطأه قدماك) أو (دعني أقبل رجليك ألف مرة) هي جزء صغير من مفردات قياسية للغة اليومية التحادثية.

· المراوغة والخداع والباطنية: يرى الأجنبي في الفارسي مسلماً يمارس شعائر الدين غير أنه لا يمكن له أن يجزم بأنه من المؤمنين. وقد تعلم الناس أن لا يظهروا معتقداتهم بصورة علنية. وكانوا عند الضرورة لا يترددون في التظاهر بإنكارها ويلجأون إلى التحايل والمراوغات لخداع خصومهم. ولا يزال يوجد حتى الآن فئات يمكن اعتبارها مسلمة من الناحية الرسمية غير أن أفراد عوائلها يمارسون الطقوس الزرادشتية المتوارثة.

· الازدواجية: الثنائية عند الفارسي هي صفته المميزة ففي أعماق نفسه حماس منقطع النظير، ومشاعر أشبه ما تكون بالأعراض المرضية، أما في الظاهر فهو متحلل من كل ارتباطاته بالقيم والأعراف والتقاليد. متصوف في قرارة نفسه، مخاتل وماكر في تصرفاته الظاهرية.

· الطبيعة الإيحائية: يتأثر الفارسي كثيراً بالأساليب الإيحائية كالصور والتمثيل ،
ويندمج تماماً فيها، بحيث يبدو وكأنه يعيش ذاتياً الحالة المعروضة أمامه. في ليلة صافية الأديم وفي قرية صغيرة تقع جوار رضائية عرضت إحدى السينمات المتجولة فلماً غربياً على شاشة نصبت في الهواء الطلق. وعندما اختطف أحد أفراد العصابة بطلة الفلم بوحشية وأردفها على جواده سارع الحاضرون إلى امتطاء خيولهم واندفعوا لمطاردة الخاطف!

· الغطرسة واحتقار الغير: إن الفارسي إنسان متغطرس، وأكثر ميلاً من غيره لاحتقار الغريب فيما إذا اعتقد بأنه يحاول إخضاعه وإذلاله، أو أنه يتحاشاه عند الاقتضاء. والفارسي بطبيعته المتغطرسة لا يتردد في إظهار إعجابه بنفسه. وعندما يحس الفارسي بالسعادة يتظاهر دائماً بالمرارة والألم!

نظرة تحليلية في جذور الأمراض النفسية الفارسية
أما الأستاذ الدكتور عماد عبد السلام رؤوف فقد رصد صفات مرضية أخرى في الشخصية الفارسية. لكنه لم يكتف بالعرض أو التوصيف الخارجي، إنما غاص وراء الأسباب الكامنة لها، ووضع أيدينا على الجذور الضاربة في أعماق النفس (الفارسية). سيأتي لاحقاً تلخيص ما قاله بهذا الصدد. إلا أني سأقف قليلاً عند أهم ما رصده من صفات:

· الفرس أقل عدداً وأدنى حضارة: الفرس هم الوحيدون – من بين القوميات الفارسية الأخرى - الذين ليست لهم إمتدادات قومية خارج إيران.
لقد كانوا فعليا مجرد قومية وسط قوميات متعددة لكل منها تراثها وحضارتها ووطنها.
ولم يكن الفرس على مستوى حضاري مكافئ للحضارات الموجودة إلى الغرب منهم، لذا فقد اخذوا موقعهم كـ(متلق) للحضارة لا صانع لها فالديانة الزرادشتية لم تكن فارسية وإنما ميدية… بل إن اللغة الفارسية لم تكتب قط بأحرف فارسية وإنما بالمسمارية العراقية فالآرامية والعربية.
وامتد تأثير الحضارات العربية منذ قبل الإسلام وبعده إلى معظم مناحي الحياة الاجتماعية الفارسية وتركت آثارها واضحة في مجالات الفنون والعمارة فضلاً عن الإدارة والقوانين حتى عد الباحثون - ومنهم أكثر تعصبا للفرس - دولهم القديمة بأنها مجرد استمرار للدول الرافدينية.

·العدوانية والتوجس والشك:لقد أدرك الفرس أن تحقيق سيطرتهم على عدد كبير من القوميات يفوقهم بعضها عددا وحضارة ، لا يكون إلا بإخضاعها إلى ضغط تحد خارجي، وإثارة شعور التوجس لديها من خطر ما يأتي من الخارج. وكانالتحدي الحقيقي أمام الفرس هو ذلك التحدي القادم من غرب إيران أي من الوطن العربي.

· مركب الشعور بالنقص:إن إحسـاس الفرس بتخلفهم تجاه الفعل الحضاري الآتي من الغرب يتخذ وضعا حادا ينعكس على شكل رد فعل غير حضاري نحوه يستهدف تدمير الحضارة فيه، أو مكافأة تأثيره على الأقل، ولكن بالفعل العسكري وحده.

· (الفارسية) عقدة وعقيدة توسعية: وهكذا تحولت (الفارسية) من كونها إحدى قوميات (إيران) إلى عقيدة توسعية تعبر عن جيوبولوتيكية لا تحقق أغراضها إلا بالتوسع المستمر أكثر من تعبيرها عن إرادة أمة قومية بذاتها. وهذا ما يفسر ظهور سلالات حاكمة في إيران من غير الفرس التزمت بسياسة الفرس نفسها.

· عقيدة وعقدة عداء ضد العرب: لقدتحول مركب النقص الحضاري هذا على مر العصور إلى عقيدة راسخة معادية لكل الحضارات العربية أو التي وجدت في الأرض العربية. بل انه تحول في اللاوعي الفارسي إلى نزعة عدوانية مدمرة لكل فكرة بل قيمة تأتي من هذا الاتجاه.

· اللؤم ونكران الجميل: ولما لم يكن هذا الغرب يمثل إلا مصدر إشعاع للحضارة، لا خطرا ماديا حقيقيا فإن العقلية الفارسية تعودت أن تنظر إلى هذه الحضارة بعين واحدة. إنها تتأثر بها لأنها مضطرة إلى ذلك لنقص في مستواها الحضاري، وتعاديها في الوقت نفسه لأنها تمثل خطراً يهدد سيطرتها على القوميات العديدة التي تحيط بها، فلقد اعتنق الفرس الإسلام كسائر شعوب المشرق لكنهم حاربوه من داخله، وتعلموا الآداب العربية لكنهم حاربوها بما تعلموه منها، وكتبوا بالحرف العربي لكنهم شنوا حرباً على اللغة العربية نفسها[3].

· المسكنة والشعور بالاضطهاد : إن التاريخ لم يسجل أية أعمال عدائية قام بها العرب ضد إيران بل العكس دائماً. وعلى الرغم من ذلك فان الفرس كانوا يصورون أي عدوان يقومون هم به على الأمة العربية بأنه (دفاع عن النفس) ، حتى اصبح هذا قانوناً ثابتاً في السياسة الخارجية الفارسية في مختلف مراحل التاريخ. ومعنى هذا أنهم إن لم يجدوا خطرا حقيقياً يهدد بلادهم من الغرب فإن عليهم أن يوحوا إلى شعوبهم بمثل هذا الخطر)[4].


_________________
(1) جاك ميلوك باحث أقدم في جامعة (الدفاع الوطني الأمريكية) شغل منصب نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الوزير في الوزارة نفسها، ورئيس البعثة الدبلوماسية الأمريكية في طهران. وهو اختصاصي في الشؤون السياسية والاقتصادية لمنطقة الشرق الأدنى الآسيوية.

2 باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط والقضايا الإسلامية والساحة الإيرانية. كان صديقاً للشاه والدكتور مصدق.

3حدثني أحد الدارسين في النجف، قال: كنا في حوزة النجف سنة 2002 نحضر درساً في جامع الراس. سأل واحد منا الشيخ يوماً: إن مادة درس العربية صعبة جداً؟ مشيراً إلى كتاب (قطر الندى). فأجابه: إن هذه العلوم قد ألفها أبناء العامة؛ لذلك تراها صعبة معقدة مثلهم. قال: ألا يوجد عندنا علماء يؤلفون لنا مصنفات أسهل؟ فقال الشيخ متحسراً: مع كل الأسف لم يخرج فينا نحن الشيعة إلى الآن أحد يصنف لنا كتاباً في اللغة العربية!.علماً أن الكتب المعتمدة لتدريس اللغة في مدارس الحوزة هي: التحفة السنية، قطر الندى، شرح ابن عقيل.

[4]الصراع العراقي الفارسي ، ص11-17 ، المقدمة.






كآشف الحقآئق 24-03-11 01:19 PM


الفصل الرابع الأمراض والعقد النفسية في الشخصية الشيعية أو الفارسية
من خلال هذه البحوث والتحليلات العلمية، ومن خلال المعرفة الذاتية، والخبرة الميدانية المكتسبة من المعاملة الطويلة الأمد مع (الشخصية الفارسية) متمثلةً بكل شعوبي أو رافضي أو متشيع بتشيع الفرس- وإن كان في أصله عربياً هاشمياً - يمكن استخلاص جملة من الأمراض والعقد النفسية المكونة لتلك الشخصية التي نطلق عليها اسم (الشخصية الفارسية).

سأتناول في هذا الفصل أهم هذه الأمراض والعقد، بمزيد من التحليل وضرب الأمثلة الواقعية، لمعرفة أصلها ومنشئها وعلاقتها ببعضها. وأرجو أن لا يفوتن القارئ اللبيب أني لا أقصد أن هذه الأمراض - منفردةً - مقتصرةٌ على الشخصية الفارسية أصلاً، فلا يمكن أن يصاب ببعضها غير (الفارسي) أو المتشيع فارسياً، فرداً كان أم جماعة. فقد تجد شخصاً – وهذا كثير – مصاباً بعقدة النقص أو عقدة الاضطهاد أو غيرها من العقد، بل قد تجد مجتمعات تعاني من مثلها. إنما أقصد أن المجتمع (الفارسي) كمجموع مصاب بهذه العقد مجتمعة. فهذه العقد من مميزات (الشخصية الفارسية) وحدها، التي تطبع المجتمع الإيراني في عمومه بطابعها، وسائر المجتمعات الشيعية التي تأثرت به دون غيرها من الشعوب والمجتمعات الأخرى، على الأقل القريبة منها. وقد تجد شخصاً فارسي الأصل لا يعاني – كفرد - من واحدة من هذه العقد، لكنه حين يكون في موقف يعبر به عن المجموع - أو يكون حقيقة مع هذا المجموع - فإنه يتصرف تصرفاً آخر يتوافق مع التركيبة النفسية الجمعية المعقدة. أي يتصرف طبقاً لنفسية الجمهور، وليس النفسية الفردية التي هو عليها وحده منعزلاً عن ذلك الجمهور الذي ينتمي إليه. وهذا كما يتصرف شخص يعاني فردياً من عقدة الهزيمة ضمن مجموع لا يعاني من هذه العقدة،فإنشخصيته تذوب في ذلك المجموع، وتختفي تصرفاته المريضة وتستبدل بها تصرفات أخرى لا تمت إلى عناصر شخصيته الأصلية بصلة. والعكس صحيح.

العلاقة بين النفسية (الفارسية) والشيعية
إن الرفض أو التشيع الفارسي دين اخترعه الفرس للتنفيس عن أحقادهم وعقدهم أولاً، وتحقيق أغراضهم ومطامعهم ثانياً. لكنهم ستروا سوأته برقاعة (التشيع) ليروج على الناس، ويجد له بينهم آذاناً صاغية.

ومن الطبيعي أن كل فكرة أو مبدأ ينتشر - حين ينتشر - وهو يحمل معه أخلاق أصحابه وعقليتهم ونفسيتهم، ومناهج تفكيرهم، وطرائق سلوكهم وتعبيرهم. ولا يمكن أن ينتشر مجرداً عن ذلك. فالعرب حين خرجوا إلى العالم بدينهم حملوا معهم أخلاقهم وروحهم ومناهجهم وطرائقهم. ولم يقتصر تأثر العالم بهم على دينهم فقط، بل تجاوزه إلى لغتهم وأساليب معيشتهم وأزيائهم وآداب مائدتهم. فانتشر الإسلام، وانتشر معه الوفاء بالوعد، والالتزام بالعهد، والعفو، والسماحة، والصدق، والعدل، وحرية التعبير عن الرأي، والعقلية المنضبطة بالدليل، البعيدة عن الخرافة، القائمة على العلم المؤسس على التجربة، والمتحرر من الفلسفة.

الشيء نفسه حصل حينما اندفع الفرس بدينهم المحرف (التشيع الفارسي). فإنهم نشروا معه أخلاقهم وأفكارهم، أو عقائدهم المسبقة، وعقليتهم الخرافية، ونفسيتهم المعقدة، بل وألسنتهم المعوجة،وأزياءهم، وطعامهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وتواريخهم، ومشاعرهم، وشعائرهم، وطقوسهم، وفلكلورهم؛ فتجد جمهور المتدينين بدينهم مصاباً بالعقد والأمراض، ومتصفاً بالأخلاق، ومتمتعا بالعقلية الفارسية نفسها، على تفاوت في درجات الإصابة وظهور الأعراض شدةً وضعفاً. حتى إنها قد تزيد عند البعض من غير الفرس عنها في الفارسي المصاب بها أصلاً !مثلهم كمثل المسيحية حين خرجت من أرض العرب ووصلت إلى روما، ارتدت إلينا صليبية تحمل أحقاد الرومانيين وعقدهم وخرافاتهم وعقائدهم، وأخلاق الأوربيين ورذائلهم منسوبة زوراً إلى المسيح و(العذراء). وهكذا تحول جمهور المسيحيين - دون أن يشعروا - إلى صليبيين، أو متدينين بدين آخر غير الذي خرج منهم أولاً، وهم يحسبون أنهم لا زالوا على دين المسيح.
إن الأوربي حين صار مصدر الديانة وانتقلت عاصمة المسيحية إلـى (رومـا) و(القسطنطينية) صار يصدر إلينا أخلاقه وعقائده وعقليته ونفسيته هو باسم (المسيحية).
الشيءنفسه حصل للإسلام حين خرج من أرض العرب إلى بلاد فارس، ثم صار يصدر إلينا من (قم) و(مشهد) باسم (التشيع لأهل البيت) . فانتقلت معه أخلاقه وعقائده وعقليته ونفسيته تحت هذا المسمى. فكل من تشيع بتشيع الفرس ينبغي أن ننظر إليه على أنه يحمل تلك العناصر، وأنه مصاب بالأمراض الفارسية نفسها. فإذا أردنا أن نصف له علاجاً فمن خلال هذه النظرة لنصل إلى التشخيص السليم الذي على أساسه يمكن توصيف العلاج الناجع له. أما التشخيص الذي نقطع به نحن - والذي أنا في صدد بيانه وتحليل جذوره ووضع الوصفة المناسبة له في هذا الكتاب- فهو أن الرفض أو التشيع الحالي عبارة عن أمراض وعقد نفسية، قبل أن يكون انحرافات عقيدية أو فكرية وسلوكية، وأن التعامل الناجح مع المتشيعين بهذا التشيع – وهم جمهور الشيعة وعامتهم - ينبغي أن ينبني على هذا التشخيص أو الأساس مهما بدا سوداوياً أو تشاؤمياً - كما قد يحلو للبعض أن يسميه - لكنه الواقع والحقيقة التي يجب علينا أن نعترف بها ونواجهها بشجاعة مهما كانت مرة أو كريهة المنظر، وإلا أخطأنا في توصيف العلاج.

(الفارسية) ظاهرة وليست عرقاً
من الحقائق المهم ذكرها أن النفسية الفارسية المعقدة، والسلوك المنحرف المنعكس عنها ليس مختصا بالفرس حصراً، فلا يمكن أن يصاب بها غير الفارسي أصلاً. إنما هي عقدة مرضية تصيب كل من تأثر بها، وظاهرة اجتماعية توجد في كل مجتمع تقبَّل جراثيمها، وإن لم يكن فارسياً في عنصره، أو إيرانيا في بيئته ومنشئه.

(الفارسية) وباء يمكن أن ينتقل بالحث والعدوى، فيصيب أجناساً أخرى عاشرت الفرس وتأثرت بهم. أو أفراداً عاشوا بينهم، لا سيما من وصل منهم إلى رأس السلطة في إيران؛ لأنه يجد نفسه مضطراً إلى أن تتمثل فيه جميع الأمراض والعقد النفسية الفارسية، وإلا لن يتمكن من ضم تلك الأشتات المختلفة من العناصر والشعوب التي تقطن الهضبة الإيرانية تحت جناحيه.

عقدة النقص وعقدة الاضطهاد وأثرهما في تكوين النفسية الفارسية أو الشيعية
يستطيع الدارس للشخصية الفارسية أن يرصد عقدتين كبيرتين، هما الأساس في كل الانحرافات النفسية التي تعاني منها تلك الشخصية. هاتان العقدتان هما:
1. أحداهما(عقدة النقص) التي تمثل الأصل والمنبع والأساس.
2. والثانية(عقدةالاضطهاد)التي نتجت عن العقدة الأولى، وساندتها في ولادة العقد الأخرى،وصبغت النفسية الفارسية بصبغتها، حتى صارت طابعاً لها، ونقطة دالة تجعلك لا تخطئ أبداً في تشخيصها ومعرفتها. فعقدة النقص هي الأصل الكامن، وعقدة الاضطهاد هي اللون والعلامة الظاهرة.

إن الشعور المزمن بالنقص ينعكس عند الشخص الفارسي - وسليله الشيعي - رد فعل سلبي مؤذٍ ومخرب، يتجه إلى البيئة التي تحيط به بعنصريها: الطبيعة والإنسان. فهو خائف متوجس يشعر بالغربة والقهر من الطبيعة المحيطة، والشعور نفسه ينعكس باتجاه البشر المحيطين به. وهذا معنى قول الخبير الأمريكي جاك ميلوك السالف الذكر: (إن الشعور بعدم الأمان مغروس عميقا عند الإيرانيين. وأكثر من ذلك فإنه لا يمكن الوثوق من الطبيعة ولا الاعتماد على المخلوق البشري. إن هناك توقعات بحصول التضليل والخداع في مكان ما. وهكذا يجد الفرد الإيراني نفسه داخل دائرة مليئة بالمرارة).

وعلى هذا الأساس - إذا أردنا أن نفهم نفسية الشيعي - علينا أن ندرس نفسية الإنسان الاضطهادي أو المقهور. إن (عقدة النقص) في أعماق النفس تنعكس في الخارج على شكل شعور طافح بالقهر والحرمان، ودعوى عريضة بالظلم والاضطهاد. وقد وجدت خير من قام بهذه الدراسة – كما نوهت سابقاً – هو الدكتور مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي.. مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور). علماً أنه يستعمل أحياناً مصطلح (التخلف) و(الإنسان المتخلف)، بدل (القهر) و(الإنسان المقهور) من حيث أن الشعور بالقهر أو الاضطهاد ينعكس تخلفاً في الفعل والممارسة. وفي ذلك يقول: (إن سيكولوجية التخلف من الناحية الإنسانية تبدو لنا على أنها أساساً سيكولوجية الإنسان المقهور)[1].

حيلة (الإسقاط) وأثرها في التركيبة النفسية الشيعية
الإسقاط – كما عرفه العلماء[2] - عملية نفسية ينسب الشخص من خلالها - ويحوِّل إلى غيره - صفاته هو أو مشاعره أو رغباته أو نزواته أو أفكاره التي لا يرغبها ويخجل من الوعي بكونها جزءاً من ذاته. فهو يتهرب لا شعورياً منها بطردها عن نفسه أولاً، ثم إلصاقها بالغير، أو اتهامه بها ثانياً، كنوع من تبرئة الذات أو الدفاع السلبي عنها. إنه عبارة عن تخلص من كل ما هو سيء في الذات باتهام الآخرين به. فهي عملية أو حيلة نفسية دفاعية مزدوجة. وتتخذ مظهرين:
1. نسبة النقص الذاتي إلى الغير
2. لوم الغير على ما نلقاه من صعوبات وفشل، وما نقع فيه من أخطاء.
يلعب الإسقاط دوراً كبيراً في حياة الشيعي النفسية. وهو عميق الأثر فيها إلى حد (العقدة)! ولا أراني مخطئاً علمياً إذا أطلقت عليه عندهم مصطلح (عقدة الإسقاط). لم أر أحداً أو جماعة بنيت حياتهم على (الإسقاط) كالشيعة! فهم أكثر الناس اتهاماً للآخرين بعيوبهم وذنوبهم، كما أنهم أكثرهم إلقاء بتبعة أخطائهم وجرائمهم، وما يحصل لهم من مصائب ومصاعب على غيرهم!
خذ مثلاً سب الصحابة وتكفيرهم، كيف ينعكس لدى الشيعة اتهاماً لنا بكره (أهل البيت)؟! والتهمة ثابتة في حقهم ثبوتاً قطعياً مطلقاً. أما نحن فبريئون منها إلى حد الصفر المطلق. ومع ذلك فالأمر عندهم على العكس!
أحد معارفي داهمت بيته دورية للحرس الوطني، فأخرج لهم هويات الأحوال المدنية الخاصة بأولاده الأربعة: علي وحسن وحسين وحمزة. فكان مصيره الضرب والشتم والإهانة.
- لماذا؟!
- لأنك سميتك أولادك بهذه الأسماء كرهاً لأهل البيت!
- كيف؟!
- سميتهم كذلك من أجل أن تسبهم وتبصق عليهم وتضربهم، تشفياً بأهل البيت!!!
انظر إلى أحدهم – وهو من أكثر الشيعة اعتدالاً كما يقال – كيف تنقلب في رأسه الأمور ليقول: (يحدث المأزق الكبير في دوائر الدولة والأحزاب والمؤسسات العسكرية، حيث يلتقي المتعلمون من الطائفتين.. الشيعي الذي انسلخ عن طائفيته بسبب تعلمه، والسني الذي اتصل بالطائفية بسبب صلته بالسلطة. وهنا تبدو الفروق مكشوفة في ممارسة كل منهما لعمله في الدولة. إن الشيعي لا يفكر في أن يحجز وظيفة لشيعي آخر. وقد لا يفهم معادلة كهذه على الأغلب. أما السني فإنه متحفز ومهيأ للعب دور كامل مستمد من تمذهب الدولة.
قد يضاف سبب آخر.فبعض الشيعة ممن ينتبهون إلى فعل الطرف الآخر في مؤسسات الدولة قد يحاولون فعل شيء مماثل. لكنهم سيصطدمون بتقاليد الدولة، وبالاضطهاد الرسمي. أو إنهم يقعون فريسة الخوف من أن يتهموا بالطائفية. إن العلماني الشيعي يتقبل أية تهمة سوى هذه. قد يتفاخر بخروجه على الإسلام، وبإلحاده وارتكاب المعاصي. قد يفاخر بماركسيته ووجوديته ونازيته وبعثيته، وبشذوذه وغرامياته، لكنه عند التهمة الطائفية يقف مذعوراً. وقد يتحول إلى الضد لإثبات الضد)[3].

وأنا أقف هادئاً - لا مذعوراً – أمام هذه العقلية الإسقاطية، التي قلبت الأمور كلها إلى الضد لإثبات الضد؛ لأني أعرف على أي وتر تعزف. ولك – حتى تعود الأمور إلى نصابها – أن تقلبها مرة أخرى. وعندها تتبين الحقيقة.
هذا والكاتب صاحب النص السابق كان السكرتير الصحفي لصدام، ويعرف – قبل غيره – أن أغلب الصحفيين المقربين من الرئيس الراحل – إن لم يكونوا كلهم – من الشيعة. وسيأتي توضيح مختصر بهذا، ومن فم الكاتب لا غيره[4].

وقف مقتدى عند المقام الموهوم بـ(السيدة زينب) في دمشق في شباط 2006 ليذم المقاومة، ويقول دون حياء: (الإرهابيين حبيبي فجروا لهم دبابة دبابتين وصاروا مقاومة. كذابين. عملاء).
واقلب تعدل!
وهكذا...
وصدق الشاعر إذ يقول:



من كانَ يصنعُ ما يقولُ فحيلتي فيهِ قليلهْ
_____________________________________________
1التخلف الاجتماعي ، ص8 ، الدكتور مصطفى حجازي.
2 راجع موضوع (مصطلحات مهمة في علم النفس والأمراض النفسية) ، آخر الكتاب.
3 الشيعة والدولة القومية في العراق 1914-1990 ، حسن العلوي ، ص267 ، دار الثقافة للطباعة والنشر ، إيران – قم.
4 انظر لاحقاً - في هذا الفصل - عقدة اللؤم ونكران الجميل.





كآشف الحقآئق 24-03-11 01:19 PM


أهم الأمراض والعقد النفسية في (الشخصية الفارسية):

(1)
عقدة النقص
ثمة فرق بين ((الشعور بالنقص)) و((عقدة النقص)). (فالشعور بالنقص حالة نفسية يدركها الفرد إدراكاً مباشراً ويعترف بها. وليس من الضروري أن يكون بالفرد نقص كي يتملكه هذا الشعور... ويرى ((آدلرAdler)) مؤسس مدرسة علم النفس الفردي أن الشعور بالنقص من أقوى الدوافع لدى الإنسان لأن غريزة السيطرة هي أقوى الغرائز. كما يرى أن الفرد يحاول أول الأمر التعويض عن نقصه، فإن فشل التعويض الناجح لجأ إلى التعويض الوهمي، كأن يهرب من مواجهة نقصه إلى أحلام اليقظة، يعوض في خيالاتها عما به من نقص كما يشاء، أو يصاب بمرض نفسي يتخذه عذراً وجيهاً عن عجزه ونقصه، لأنه لو لم يكن مريضاً لم يعرف العجز إليه سبيلاً، بل لتفوق على غيره. وهكذا يعفيه الاحتماء بالمرض من لوم الناس ولوم نفسه.

أما عقدة النقص فاستعداد لا شعوري مكبوت، أي لا يفطن الفرد إلى وجوده، وينشأ من تعرض الفرد لمواقف كثيرة متكررة تشعره بالعجز والفشل، وقلة الحيلة. ومتى اشتدت وطأة هذا الشعور على الفرد مال إلى كبته أي إلى إنكار وجوده، بل وإلى عدم الاعتراف بما لديه من عيوب فعلية. غير أن كل ما يذكّره بالنقص يحمله على الفور وبطريق تلقائية على الدفاع عن نفسه بأن يستجيب بعنف. والسلوك الصادر عن عقدة النقص يتسم بما يتسم به كل سلوك صادر عن الكبت، فغالباً ما يكون سلوكاً غريباً غير مفهوم، هذا إلى طابعه القسري. من ذلك العدوان والاستعلاء والزهو الشديد والتظاهر بالشجاعة والإسراف في تقدير الذات. وقد يبدو في صور متكلفة سخيفة كمحاولة استرعاء الاهتمام والانتباه بالتفاخر الكاذب والتباهي الزائف والاختلاق والكذب أو التأنق غير المحتشم في الملبس أو التحذلق في الكلام أو التطرف في كل ما يقول ويفعل)[1].

منشأ عقدة النقص عند الفرس
لقد وضع الدكتور عماد عبد السلام رؤوف يده على أصل العلة في النسيج النفسي للشخصية الفارسية حين قال متسائلاً : (فما هي إذن الأسباب الثابتة لهذا الصراع الطويل عبر المراحل التاريخية المتعاقبة؟) ثم أجاب بقوله: (إن الإجابة على هذا السؤال تكمن في وضع إيران الجغرافي - السياسي نفسه).
ويمكن تلخيص ما قاله البروفسور عماد عن هذا الوضع بثلاث نقاط رئيسة هي:
1. الفرس لا يشكلون سوى أقلية بالنسبة لمجموع الأقليات القومية الأخرى التي تستوطن الهضبة الإيرانية (عامل جغرافي).
2. إن لهذه القوميات جميعاً - باستثناء الفرس- امتدادات واسعة خارج حدود إيران نفسها (عامل جغرافي).
3. الرغبة في السيطرة على بقية القوميات المتباينة، وشدها باتجاه الدولة المركزية في الداخل (عامل سياسي).

ولكنهم كانوا أقل عدداً وأدنى حضارة من أن يستطيعوا ممارسة دورهم هذا في شد هذه القوميات وتجميعها تحت سيطرتهم. لذا فقد كان الفعل السياسي والعسكري الفارسي على الدوام أكبر من حجمهم الحقيقي.
إن الرغبة في السيطرة - من قبل الفرس في قلتهم العددية وتدنيهم الحضاري - على شعوب تفوقهم عددا وحضارة، ولها امتدادات خارجية، هو الذي أنتج عندهم ذلك الشعور العميق بالنقص، والذي ترسخ بمرور الزمن وتراكم المعاناة حتى صار عقدة لا تفارقهم. مثلهم كمثل شخص جاءت به ظروف الحياة ليقود فريقاً من الرجال يفوقونه في تحضرهم وتحصيلهم العلمي وقوتهم ووجاهتهم، فإذا لم يكن متماسكاً نفسياً تولد عنده شعور بالنقص تجاههم. فإذا تكرر الموقف نفسه - بصورة أو بأخرى - نشأت عنده عقدة النقص.
وبما أن تحقيق رغبة الفارسي في هذه السيطرة بالوسائل الطبيعية غير ممكن، فإن ذلك جعله يجنح دوماً إلـى أساليب ملتوية وحيل غير مألوفة يوازن بها هذا الفرق في التفوق، ويصل بها إلى هدفه من السيطرة.

لقد ترسخت هذه الأساليب الملتوية والحيل الشاذة على مر الدهور وكر العصور حتى صارت جزءا من شخصيته وسمة أو طابعا يدمغ تلك الشخصية. أي تحولت إلى عقد نفسية متأصلة، ممتدة الجذور عميقاً عميقاً في نفس الفارسي.

عقدة الدخالة
أما من صار على رأس السلطة في إيران فلا بد أن يتقمص تلك الشخصية ويصاب بتلك العقدة النفسية، وإن لم يكن فارسياً في أصله وعنصره؛ وإلا فقد زمام السيطرة على دفة الحكم. وكما أن رجلاً جاءت به الأقدار ليكون حاكماً أو شيخاً لقبيلة غير قبيلته لا يمكن له أن يقود القبيلة بتقاليد وأعراف غير تقاليدها وأعرافها، وإنما عليه - لكي يستمر في قيادتها - أن يتقمص روحها وشخصيتها، ويتمثل سلوكها، ويعبر عن أمالها وتطلعاتها، وإلا رفضته وفقد السيطرة على قيادها. بل إن هذا الحاكم أو الشيخ عادة ما يكون متطرفاً في كل ذلك إلى الحد الذي يتفوق فيه على ابن القبيلة الأصيل؛ لأن عقدة الشعور بالغربة أو الدخالة كثيراً ما تدفع الدخلاء إلى هذا التطرف أو التصرف ليغطوا به على هذا الشعور الذي لن يشفوا منه مهما تطرفوا، وكيف تصرفوا ! كذلك فعل كل حاكم إيراني من أصل غير فارسي. إنه يحكم إيران بروحية الفرس ونفسيتهم وأعرافهم وتقاليدهم، وقد يتطرف في سلوكه وعدوانيته فيتفوق على مثيله الفارسي على قاعدة (ملكي أكثر من الملك). كما فعل الصفويون ومن لف لفهم. وإلى هذا المعنى أشار البروفسور عماد عبد السلام رؤوف بقوله: (ومع أن سلالات غير فارسية حكمت إيران في بعض العهود إلا أن سياستها لم تكن لتختلف عن السياسة الفارسية التقليدية التي ذكرنا. فالافشاريون والزنديون والقاجاريون مثلا وهم ليسوا فرساً لم يكونوا ليصبحوا (شاهات) لإيران لو لم يلتزموا (بالعقدة الفارسية) فيحذون حذو أسلافهم في معاداة الأمة العربية[2].
وعلى هذا الأساس فإن (الفارسية) قد تتمثل في شخص عربي في أصله؛ فيكـون بلاءاً أكثر من الفارسي نفسه. وهنا يمسي التفريق بين عالم أو فقيه أو عربي وآخر فارسي - يحمل كلاهما العقيدة والعقدة نفسها - بلاهة وحمقاً[3].

العجمي والمستعجم
إن هذا يدعونا إلى الحذر من العربي أو العراقي المصاب بـ(العقدة الفارسية) أكثر من الفارسي أو الإيراني نفسه ؛ لأن الأول يزيد على الثاني بكونه يعاني من عقدة (الدخالة) التي تجعل من عدوانيته وحقده أكثر تطرفاً وحدة. بل قد نجد فارسياً بريئاً من هذا المرض إلى الحد الذي نعتبره فيه عربيا في لغته وروحه وديانته، فمن أحب العرب وتكلم بلسانهم فهو عربي.
خلاصة القول: أن العجمي والمستعجم طينة واحدة. هذا إن لم يكن المستعجم أكثر شراً وأضل عن سواء السبيل. ومن هنا قال من قال: (إذا استعجم العربي فاقتلوه)؛ لأن العربي المستعجم شر من العجمي نسباً وأصلاً !

عقدة النقص أصل كل العقد النفسية في الشخصية الشيعية
هذه العقدة الخبيثة هي أصل كل العقد في نفسية الفارسي، أو الشيعي الذي انخلع من أصله وصار متشيعاً تشيعاً فارسياً يحمل عقائد الفرس وعقدهم، ويسعى – شاء أم أبى - في خدمة أغراضهم، وتحقيق أهدافهم.
فتجد أن عقدة النقص هي وراء (عقدة الشك) والتوجس والخوف الدائم من خطر ما يأتي من الخارج.
ووراء (عقدة الغدر) تلك السجية الملازمة للفارسي وأخيه الشيعي؛ لأن الضعيف لا يتوقع سنوح الفرصة ثانية فهو يضرب ضربته عند أول فرصة.
ووراء (عقدة الخداع) والمراوغة ؛ لأن عقدة الشك توحي إليه بأن الكل يريد خداعه؛ فهو يقوم بمخادعتهم مقابلة بالمثل.
ووراء (عقدة الكذب) والدجل (الشعار القومي للفرس)، فهو دائم الادعاء بأن جيرانه يبيتون الاعتداء عليه، وأن خطراً ما قادماً من هذا الاتجاه وذاك من أجل إثارة الخوف لدى الآخرين وتجميعهم حوله.
وهذا أنتج – إضافةً إلى ذلك – (عقدة العدوان) ، و(عقدة الاضطهاد) والمظلومية .
فهو يعتدي وفي الوقت نفسه يدّعي أنه معتدى عليه.
وفي المقابل تجد (عقدة الاستخذاء) والتذلل والمسكنة، قد نتجت عن عقدة النقص والشعور بالدونية، التي تجعله - في حال ضعفه - ذليلاً متملقاً متمسكناً.
و(عقدة الحقد) الفارسي المجوسي نابعة من عقدة النقص. إن الحقد هو القوة الضاغطة التي لا يستطيع بدونها تجميع عناصره المشتتة، وسوقها باتجاه واحد.
وهكذا تتسلسل النتائج فتظهر لنا (عقدة الانتقام) والرغبة الجامحة في الثأر.
ومن عقدة الحقد والعدوان والاضطهاد والرغبة في الثأر والانتقام نتجت (عقدة التخريب).
كما أنها منبع (عقدة التحلل الخلقي) والفساد الاجتماعي؛ فالناقص الدوني لا يتماسك أمام المغريات أو الشهوات.
وهذا كله تسبب في وجود (عقدة الذنب).
وبسبب الاعتياد على إتيان النقائص ترسخت عنده (عقدة الصفاقة).
ولنقصه تراه شديد الالتصاق بطائفته، متعصباً لها أشد التعصب (عقدة التعصب).
والحاجة إلى تعويض النقص تلجئ صاحبها إلى المبالغة في تصوير كل ما يتعلق بالذات من قوة وملكية وأماني وأحلام ورموز وتاريخ وقصص وأساطير حتى ينطبع الذهن بطابع الخرافة، ويصير صاحبه خرافياً (العقلية الخرافية).
والحاكم الناقص يتأله على شعبه، والشعب المتخلف يطيع حاكمه إلى حد التأليه (تأليه الحاكم).

وعقدة النقص هي السبب في نشوء (عقدة السيد) أو عقدة الاستكبار والتعالي. فهو يتظاهر بالقوة الفارغة، ويزيد من مظاهرها كي يغطي على نقصه (عقدة الاستعراض). ومثاله كبر عمامة السيد (مقوار المخنث).
وكذلك (عقدة اللؤم) ونكران الجميل : فلنقصه ، وشعوره بالحاجة يقبل الإحسان من الغير، لكنه للسبب نفسه يتنكر لإحسانه، بل يتوجه بالأذى إلـى المحسن كي لا يذكره بنقصه وحاجته. إن الدونية أو عقدة الشعور بالنقص تجعل صاحبها يستجيب سلبياً أو عكسياً تجاه المؤثرات الخارجية الإيجابية، ويتعامل بلؤم مع من يحسن إليه؛ لأنه يرى فيه شبحاً مزعجا يذكره بـ(دونيته) ونقصه. فـ(الدوني) شخص متناقض: فهو يقبل الإحسان لحاجته إليه، لكنه يشعر بالكراهية تجاه من يحسن إليه ، وينـزعج من رؤيته ويتمنى الخلاص منه، بل يسعى في الكيد له وإزاحته من أمامه.

وما لم نفهم هذه العقدة عند العجمي والمستعجم فإن إحساننا يذهب هباء، ولا يصل بنا إلى النتيجة الطبيعية المتوقعة لتلك المقدمة. بل لا نجني من ورائه إلا المتاعب.

لقد كان هذا نصيب العرب على مر التاريخ جزاء إحسانهم إلى الفرس الذي تمثل بدينهم ورسالتهم التي حملوها إليهم – وهو أعظم إحسان- وبحضارتهم العظيمة. لكن العقلية (الفارسية) تعودت أن تنظر إلى هذه الحضارة بعين واحدة. إنها تتأثر بهـا لاضطرارها إلى ذلك؛ بسبب النقص الذي تعاني منه في مستواها الحضاري، وتعاديها في الوقت نفسه؛ لأنها تمثل خطراً يهدد سيطرتها وكيانها.

كل الشعوب التي اعتنقت الإسلام تحتفظ بالجميل للعرب وتحترمهم وتقدمهم. إلا العجم فمع ادعائهم الإسلام يشعرون بالحقد والكراهية تجاه من حمله إليهم لا سيما الصحابة وخصوصاً الفاروق عمر رضي الله عنه الذي كان أول ضحية لحقدهم ودونيتهم وغدرهم.

وهكذا.. فما من عقدة يعاني منها الشيعة إلا وترجع في أصلها وتكونها إلى عقدة النقص، التي تولدت جراء الوضع الجغرافي – السياسي الذي ذكرناه من قبل.


___________________
1 أصول علم النفس ، ص118-119 ، الدكتور أحمد عزت راجح. ولا حاجة بي إلى التنبيه إلى أن هذه التفاصيل السلوكية موجودة ، وتلاحظ بوضوح على (الشخصية الفارسية).
[2] الصراع العراقي الفارسي ، المقدمة ، ص18 .
2إن هذا يشبه النظرة التفكيكية عند البعض ممن ينسب العلماء الفرس الذين ظهروا في العصر العربي الإسلامي إلى الحضارة الفارسية، متناسياً أن هؤلاء هم نتاج الحضارة العربية، وليس الفارسية التي انتهت واندثرت. وغافلاً عن كون الحضارة منسوبة إلى قومية أو فكرة معينة لا يعني خلوها من العناصر الأخرى التي امتزجت بها ففقدت خصائصها الأصلية، أو ضعفت هذه الخصائص بذوبانها أوتأثرها بعناصر الحضارة الجديدة. إن كثيراً من كبار علماء أمريكا وأوربا هم من العرب، لكن الحضارة التي يشاركون في بنائها هناك ليست عربية. إنهم نتاج الحضارة الغربية، ولولا احتضان هذه الحضارة لهم لما وصلوا إلى ما وصلوا إليه من مراتب في سلم العلم والإنجاز الحضاري.






كآشف الحقآئق 24-03-11 01:23 PM


(3)
عقدة الثأر والانتقام
مر بنا كيف ترسخت عقدة النقص في النفسية الفارسية، وكيف أنتجت هذه العقدة عقدة أخرى مدمرة هي عقدة القهر أو الاضطهاد. والمقهور بسبب عدم قدرته على تنفيس شحنته بمقابلة الأذى بالأذى، والرد بالمثل على من أساء إليه، يضطر إلى كبت هذه الشحنة، فإذا طال الزمن تراكمت الشحنات بعضها على بعض، وتغلغلت في (اللاشعور)، لتتولد عنها عقدة أخرى أكثر خطورة وتدميراً متى ما وجدت لها طريقاً للتنفيس أو الانفجار، هي عقدة الثأر والانتقام، الممتزجة بعقدة الحقد التي تولدت بالآلية نفسها، وتؤدي وظيفتها كالوقود الذي يغذي نار الثأر ودوافع الانتقام دون انقطاع. هذه هي نفسية (الفارسي) التي انتقلت بالحث والعدوى إلى المتشيع بتشيعه: نفسية ثأرية لا تهدأ أبداً، ولا تقر ما لم تنتقم ممن ترى أنه تسبب لها بالأذى أو الإهانة.

تغريدة الشيعة
ولأن الأمر متعلق بعقدة، والعقدة لا يمكن علاجها بالانسياق وراء نزواتها أو متطلباتها؛ لذلك لا ترى (الفارسي) تهدأ نفسه مهما لبى نداء عقدته فانتقم وأغرق في الانتقام! وهكذا تجد كلمة (الثأر) كثيرة التداول في قاموس الشيعة. انظر إلى شعاراتهم الأسطورية الخارجة عن العقل والشرع: خذ مثلاً شعار (يا لثارات الحسين!) الذي يرددونه في مسيراتهم، ويعلقونه على راياتهم، وينصبونه في المواسم فوق دورهم، ويترجمونه في ممارساتهم، التي ظهرت سافرة بعد الاحتلال. وقد أسسوا في العراق منظمة أسموها (ثأر الله). وهي إحدى منظماتهم الحاقدة التي تمارس القتل ضد أهل السنة، والشيعة المتحولين، وتتابع الضباط والطيارين العراقيين الذين حاربوا إيران ودفعوها عن وطنهم، بعد أن اعتقلت الآلاف من هؤلاء، مستغلة الانفلات الأمني الذي حصل بعد الاحتلال مباشرة، وجلبتهم إلى إيران. وهناك في الأحواز سجن كبير تبلغ مساحته (5000 م2) وضع فيه هؤلاء المختطفون، الذين يتعرضون بشكل دوري إلى تصفيات وإعدامات بالعشرات. ويجري هذا بصمت مطبق من جميع العالم، الذي ربما لا يعلم شيئاً عما يجري من جرائم وحشية بحق هؤلاء الأبرياء!
أما السفاح موسى الصدر مؤسس منظمة (أمل) فقد أعلن في يوم (18/2/1974) أنهم "جماعة الانتقام"! وهكذا تجد هذه الكلمة هاجساً يراود نفوسهم، وتغريدة تتردد على ألسنتهم، في كل زمان ومكان.

الغليان والتعبئة النفسية الدائمة
مما يفسر هذه النفسية الثأرية قول الدكتور مصطفى حجازي: (الإنسان المقهور في حالة تعبئة نفسية دائمة استعداداً للصراع. نلاحظ ذلك في حالة التوتر العام الذي يبدو جلياً على محياه وفي حركاته. فلأقل الأسباب نجد العدوانية اللفظية تنفجر في سيل من الشتائم والسباب. كما أن الخطاب اللفظي سرعان ما يتدهور إلى المهاترة والتحدي والوعيد. فالانفعالية العاطفية تطغى على الحوار والعلاقة. والعقلانية سرعان ما تطمس، مما يقود إلى انهيار التفكير المنطقي ويحجب وضوح الرؤية ويشل القدرة على تفهم الآخرين، أو على تقدير الواقع بالموضوعية الضرورية. تطغى الانفعالات دونحدود تقيدها، طامسة ملَكة النقد. وهكذا لا يتمكن الإنسان المقهور من الاستمرار في جدل هادئ. زمن المنطق والعقلانية قصير جداً في تفاعله مع الآخرين. سرعان ما يحس بانعدام إمكانية التفاهم فتغشى بصيرته موجة من الانفعال. من الكلام يتدهور الحوار إلى السباب, ثم إلى التهديد, ثم يمر بسرعة إلى الاشتباك الذي يلغي كل تمييز. وتأخذ الأمور شكلاً قطعياً (إما شر كلها, أو خير كلها). وأحياناً ينفذ التهديد، باستخدام العضلات أو السلاح، بسهولة مذهلة (في فورة غضب). وذلك أن هناك إحساساً دفيناً بانعدام فعالية اللغة اللفظية وأسلوب الإقناع، فيتحول الأمر بسرعة إلى الحسم السحري (العضلي أو الناري) من خلال الإخضاع)[1].

عقيدة المهدي المنتظر
تأمل عقائدهم كيف تعبر عن عقدهم وأمراضهم!
من العقائد التي اخترعها الفرس تعبيراً وتنفيساً عن عقدة الحقد والثأر والانتقام عقيدة (المهدي المنتظر) ذات الطبعة والطبيعة الفارسية. اقرأ مثلاً هذه الروايات وتأمل كيف يتوجه هذا الحقد ضد العرب! وكيف أن (المهدي) الشيعي في حقيقته ماهو إلا فارس أحلام يلاعب أخيلة الفرس، يأتيهم في يوم من الأيام لينتقم لهم من العرب: يروي النعماني عن محمد الباقر (ع) أنه قال: (لو يعلم الناس مـا يصنع القائم إذا خرج لأحب أكثرهم أن لا يروه مما يقتل من الناس. أما إنه لا يبدأ إلا بقريش فلا يقبل منها إلا السيف ولا يعطيها إلا السيف حتى يقول كثير من الناس ليس هذا من آل محمد، لو كان من آل محمد لرحم)([2]).

ويروي محمد حسن الطوسي ومحمد باقر المجلسي أن المهدي إذا خرج (يبهرج سبعين قبيلة من قبائل العرب)([3]).

ويروي المجلسي عن جعفر الصادق (ع) أنه قال: قال لي أبي: (لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام يبايع الناس على كتاب جديد على العرب شديد وقال: ويل لطغاة العرب من شر قد اقترب)([4]).

ويروي النعماني وغيره عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (يقوم القائم بأمر جديد وكتاب جديد وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا السيف لا يستتيب أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم)([5]).

وعن أبي عبد الله (ع): (ما بقي بيننا وبين العرب إلا الذبح وأومأ بيده إلى حلقه)([6]).

وعن أبي جعفر (ع) قال : (يذبحهم والذي نفسي بيده كما يذبح القصاب شاته، وأومأ بيده إلى حلقه)([7]).

حدثني صديق لي طبيب كان ضابطاً مجنداً في جبهة القتال أيام الحرب مع إيران، عن مجموعة من الأسرى العراقيين الذين شاهدهم مذبوحين بالحراب ذبح الخراف، والمنظر البشع الذي انطبع في ذهنه عن وجوههم التي تجمدت على قسماتها تعابير الرعب التي ارتسمت عليها جراء تلك الطريقة الوحشية في القتل والانتقام!

وصدق والي خراسان الأمير الأموي نصر بن سيار رحمه الله تعالى حين قال في أسلافهم الذين كانوا على عهده:

قومٌ يدينون ديناً ما سمعتُ بِهِ عن الرسولِ ولا جاءت به الكتبُ
إن كنتَ تسألُني عن أصلِ دينِهمُ فإنّ دينَهمُ أن تقتلَ العربُ

وقد أفاض شيخ معاصر من شيوخ الفرس هو الشيخ القمي علي الكوراني في كتابه (عصر الظهور) الحديث عن المجازر التي سيقوم بها مهدي المجوس عند ظهوره خصوصاً في العراق الذي سيتخذ منه قاعدة لانطلاقه وعاصمة لملكه كما كان من قبل، ويلحقه من جديد بدولة فارس وإمبراطوريتها القادمة في أوهامهم! واستشهد لكلامه بروايات عديدة، فيقول:
عن الإمام الباقر عليه السلام قال " إن رسول الله صلى الله عليه وآله سار في أمته باللين، كان يتألف الناس. والقائم يسير بالقتل. بذلك أمر في الكتاب الذي معه، أن يسير بالقتل ولا يستتيب أحدا. ويل لمن ناواه " البحار ج 52 ص 353 . والكتاب الذي معه هو العهد المعهود إليه من رسول الله بإملائه صلى الله عليه وآله وخط علي (ع) وفيه كما ورد " اقتل ، ثم اقتل ، ولا تستتيبن أحدا ". وعن الباقر عليه السلام قال " يقوم القائم بأمر جديد، وقضاء جديد، على العرب شديد. ليس شأنه إلا السيف. ولا يستتيب أحدا، ولا تأخذه في الله لومة لائم " البحار ج 52 ص 354 ، والأمر الجديد هو الإسلام الذي يكون قد دثره الجبابرة وابتعد عنه المسلمون، فيحييه المهدي عليه السلام ويحيي القرآن، فيكون ذلك شديدا على العرب الذين يطيعون حكامهم وطغاتهم ويعادونه ويحاربونه عليه السلام .. وتذكر بعض الأحاديث أن الأمر يصل أحيانا إلى إبادة فئة بكاملها. وعن الإمام الصادق عليه السلام قال " ثم يتوجه إلى الكوفة فينزل بها، ويبهرج دماء سبعين قبيلة من قبائل العرب " غيبة الطوسي ص 284، أي يهدر دماء من التحق من هذه القبائل بأعدائه والخوارج عليه… ويذكر بعض الروايات، البحار ج 52 ص 377 ، نوعا آخر من عمليات التصفية الكبيرة هذه (والرواية فيها إبادة مدينة في العراق بكاملها يقول الكوراني عنها) ولا بد أن تكون تلك المدينة كلها من الكافرين أو المنافقين المعادين له عليه السلام حتى يأمر بقتل رجالها. ولا بد أن تثير هذه التصفيات الواسعة موجة رعب في داخل العراق وفي العالم ، وموجة تشكيك أيضا... بل ورد أن بعض أصحابه الخاصين عليه السلام يدخلهم الشك والريب من كثرة ما يرون من تقتيله لمناوئيه، فيفقد أحدهم أعصابه ويعترض على المهدي عليه السلام، فعن الإمام الصادق عليه السلام قال " يقبل القائم حتى يبلغ السوق، فيقول له رجل من ولد أبيه: إنك لتجفل الناس إجفال النعم، فبعهد من رسول الله صلى الله عليه وآله أو بماذا ؟ قال وليس في الناس رجل أشد منه بأسا، فيقوم إليه رجل من الموالي فيقول له: لتسكتن أو لأضربن عنقك. فعند ذلك يخرج القائم عليه السلام عهدا من رسول الله صلى الله عليه وآله " البحار ج 52 ص 387. ومعنى من ولد أبيه أنه علوي النسب[8].

بعد الاحتلال (الصليبي – المجوسي) للعراق
وقد تجسمت عقدة الثأر والانتقام جلية لكل ناظر بعد الاحتلال الثلاثي (الصليبي- اليهودي- الفارسي) للعراق، وخصوصاً حين استلمت قائمة السيستياني الحكم في العراق، التي أفتى بدخول النار في حق كل من لا ينتخبها. لقد ارتكبت من المجازر، ومارست من التعذيب السادي الوحشي ما تقشعر له الأبدان! وقد حازت هذه الحكومة الشعوبية بامتياز براءة اختراع القتل بالمثقاب الكهربائي المعروف بـ(الدْرَيل) حتى أطلق عليها البعض اسم (حكومة الدريل)!
وإليكم لقطة مصغرة جداً لا ترى إلا بالمجهر الضوئي عن أساليب الشيعة الوحشية في القتل، وقد ارتكبوا مثلها وما هو أبشع منها عشرات الآلاف من الجرائم التي تعبر أصدق تعبير عن عقدة الثأر والانتقام المتأصلة في نفوسهم الخربة:
في حي أبو دشير في الدورة، وفي يوم (11/12/2005) الساعة العاشرة مساءاً، قامت قوة تابعة لوزارة الداخلية الصولاغية([9]) باعتقال أحد عشر شاباً من أهل السنة. وفي صباح اليوم التالي – وبعد مضي 8 ساعات فقط ! - عثر على جثث أربعة منهم وقد أذاقوهم - قبل أن تفيض أرواحهم البريئة وهي تشكو إلى باريها ظلم العباد وخراب البلاد - صنوف العذاب والتنكيل، ومثلوا بهم تمثيلاً بشعاً. وها هي صورهم البشعة المشوهة بالجروح والملطخة بالدماء أمامي منشورة في جريدة البصائر التي تصدرها هيئة علماء المسلمين. لقد ثقبت وجوههم ورؤوسهم بالدريل، وقلعت عين واحد منهم، وآثار الضرب المبرح على أجسادهم، وقد تم كيّ بعضهم بالمكواة الكهربائية، واستخدمت الحبال لتعليقهم بالسقف وشنقهم، ثم أنهوا هذا المشهد (الترفيهي) بإطلاق الرصاص على رؤوسهم. وألقوا بجثثهم في مكان ليس بعيداً من دورهم، بالقرب من المقر الذي تتخذه تلك المليشيات وكراً لها ، وتركوا معها كتابات تنضح بالتشفـي والشهوة المحمومة بالانتقام: (هذا مصير كل سني قذر)([10])!!! وأدناه صور الضحايا:

http://i51.tinypic.com/24xl11f.jpg

http://i54.tinypic.com/2ahv7zt.jpg


وصدق الله تعالى إذ يقول:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ * إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * الْغَفُورُ الْوَدُودُ * ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ * فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ * هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ * هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ).



ثم يقول أصدق القائلين في ختام السورة التي بعدها:
(وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً) (الطارق:11-17).
ونحن بالانتظار.


(1) التخلف الاجتماعي ، ص184.
(2) الغيبة ص233.
(1) الغيبة ، ص475 ، بحار الأنوار ، 52/333.
(2) البحار 52/135.
(3) الغيبة ص233، البحار 52/354.
(4) الغيبة للنعماني ، ص236 ، بحار الأنوار ، 52/349.
(5) الغيبة ، ص284.
(1)عصر الظهور ، ص180-184 ، علي الكوراني.
(2)نسبة إلى الإيراني باقر جبر صولاغ وزير الداخلية.
(1) وقعت هذه الحادثة قبل أن تنفلت الوحوش الشيعية تماماً من عقالها، وتصبح جرائمها أبشع ، وأشد وعلى المكشوف ! رحم الله تلك الأيام.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق