الأربعاء، 23 ديسمبر 2015

من يدفع أجرة الزمَّار في موزمبيق؟


2015-12-21
عبدالله المفلح
بقلم: عبدالله المفلح
ملاحظة: يمكنك أن تضع مكان "موزمبيق" اسم البلد الذي تشاء. لكن ينبغي التنبه إلى أن أي تشابه في الواقع بين الحال الموزمبيقي وحال البلد الذي ستضع اسمه هو تشابه غير مقصود، أنت وحدك من يتحمل نتيجته.

"من يدفع أجرة الزمَّار؟" هو كتاب للمؤلفة الإنجليزية فرانسيس ستونر سوندرز، عن الحرب الباردة الثقافية التي كانت تجري في السر بين القطبين العالميين الولايات المتحدة الأمريكية الرأسمالية، والاتحاد السوفييتي الشيوعي قبل سقوطه وتفككه. في هذا الكتاب كشفت سوندرز وبالوثائق كيف استطاعت وكالة الاستخبارات الأمريكية بجناحها الثقافي تجنيد آلاف المثقفين والمفكرين والكتَّاب والأدباء، من خلال المؤتمرات والمعارض العالمية، ومن خلال دعمها وتمويلها لمهرجانات ثقافية وفنية وموسيقية ودور نشر. كانت هذه المؤتمرات والمعارض والفعاليات مجرد غطاء خارجي للاستقطاب والتجنيد تقوم به منظمة سادت ثم بادت كان اسمها منظمة الحرية الثقافية. وقد وقع في فخ هذه المنظمة الكثير من الأسماء المشهورة جداً، ومنهم نجومٌ ساعدهم تعاونهم مع وكالة الاستخبارات الأمريكية ومؤسساتها الثقافية، على الفوز بجائزة نوبل!
وبالمناسبة فإن تلك الوثائق تكشف أيضاً عن تلقي مجلات ومؤسسات عربية تمويلاً من وكالة الاستخبارات الأمريكية، ومنها مجلتي شعر وحوار، التي كان يرأس تحريرهما توفيق صايغ ويوسف الخال، ويكتب فيهما الشاعر السوري أدونيس!
حيثما وُجِد مالٌ وُجِد زمَّار. ومن الطبيعي أن يفرض صاحب المال على الزمَّار اللحن الذي يعجبه.
هذا صحيح في كل مكان وزمان. ليس فقط في أوروبا حيث كان الصراع الأمريكي السوفييتي على أشده، بل وفي بلاد العرب كذلك. بل وفي موزمبيق...
لا يوجد بلدٌ واحد ليس لرأس المال دورٌ في توجيه إعلامه، وهذا أمر مفهوم ومقبول نوعاً ما حين يكون رأس المال من داخل البلد ولا يخضع لأجندات خارجية، لكنه لا يكون طبيعياً حين يكون رأس المال آتٍ من الخارج، ويتم استخدامه في الداخل من خلال المثقفين والكتَّاب المواطنين (وليس الوطنيين)، للضغط على حكومة بلدهم لإخضاعها لرؤية صاحب رأس المال الخارجي!
في بلادنا العربية من المحيط إلى الخليج يعلم الجميع أن الجرائد لا تستطيع الحياة من دون الدعم الحكومي المباشر وغير المباشر، ولا تسلم من هذا ولا حتى البلاد العربية الديموقراطية، كالكويت ولبنان.
 من يتابع تفاصيل المشهد بدقة بعد الربيع العربي يلحظ أن هناك رأس مال جديد وكثيف بدأ يدخل الاسواق في البلدان الكبرى، كمصر وموزمبيق مثلاً. هذا المال الجديد يهدف للسيطرة على المشهد الثقافي والإعلامي وإخضاعه لرؤية وأجندة صاحب رأس المال. بمعنى آخر يُستخدم لما يمكن تسميته "الضبط الثقافي والإعلامي" الذي يعمل على غسيل أدمغة الناس، من خلال تقنيات التدجين والكذب والخداع والتمويه والدعاية المعروفة.
فكما يعلم الجميع هناك مؤسسات ضبط اجتماعي وديني تقوم به هيئات رسمية، وضبط أمني تقوم به الداخلية، وضبط ثقافي وإعلامي، من المفترض أن تقوم به وزارة الإعلام والأجهزة الرسمية وغير الرسمية التابعة لها، لكنه اليوم يُضبط على نوتة رأس المال القادم من الخارج...
نجح رأس المال هذا بشكل فعَّال في مصر، حيث شارك الإعلام بقوة في عملية الانقلاب العسكري وجَعلَه يبدو أمام الكثيرين كما لو أنَّه ثورة شعبية. وهي لعبة انطلت ليس فقط على البسطاء والسذج بل وعلى المثقفين والكتَّاب. ولا يغير من حقيقة هذا النجاح انكشاف الملعوب فيما بعد وتراجع الكثير من هؤلاء المثقفين والكتَّاب.
لسوء الحظ أننا لا نستطيع نقل أي بيانات أو معلومات أو أسرار حول هذه الموضوع لخطورته الشديدة. ومن طبيعة أنظمة الحكم في البلاد العربية وفي موزمبيق (وهي ما يهمنا)، أنها متكتمة جداً فيما يخص هذا النوع من القضايا، التي تتعلق بأطراف في الخارج، لأسباب أمنية وسياسية لا تخفى...
الحل الوحيد لمن يريد اكتشاف الحقيقة أن يعمل مثلي، يراقب عن بعد ويستقرئ ويربط ويحلل شبكة العلاقات الشخصية والعملية والبيزنس والزيارات والأجندات المتقاطعة. وخير موضوع يساعدك على فهم ما يجري هو موضوع الإخوان المسلمين والموقف منهم. فهذا الموضوع مر بشكل دقيق جداً، أي يشكل اليوم أولوية ملحة بالنسبة لصاحب رأس المال، مما يدفعه لتحريك رأس ماله من هناك وهناك بشكل سريع وملحوظ. بطبيعة الحال ستواجهك الكثير من الاتهامات بالأخونة أو التعاطف مع الإخوان أو العمالة لقطر أو تركيا، وهذه هي حيلة عملاء المعزَّب كلما أثار أحدٌ بعض الاستفهامات أو الشكوك أو الاستغراب حيال ما يجري. والآن ولمن يريدون اكتشاف الحقيقة مثلي ولا يهمهم كثيراً اتهام البعض لهم بالأخونة، ولا يخشون حملات الترهيب والترغيب، ويتحملون السباب والشتائم القذرة التي سيطلقها ضدهم كلاب المعزَّب في كل مكان يصله بصاقهم (وأنتو بكرامة)، لنسأل بعض الأسئلة:  
ما معنى أن يتم إنشاء مركز دراسات في دولة شقيقة لموزمبيق، وعلى يد إعلامي موزمبيقي معروف يعمل في تلك الدولة الشقيقة لموزمبيق ويسكن فيها، يكون الهدف من المركز جمع أكبر عدد من الكتَّاب الاستئصاليين المعروفين بعداوتهم للإسلاميين، وعلى الأخص الإخوان المسلمين، ثم استكتابهم للتركيز فقط على نقد الإخوان المسلمين، وليس داعش والنصرة أو أمريكا أو إسرائيل أو إيران؟!
الإخوان ليسوا ملائكة وليس على رأسهم ريشة، بل من الواجب والمهم انتقادهم، لكنهم أيضاً ليسوا شياطين، وهم بالقطع أقل سوءًا من الدواعش والصهاينة والأمريكان والإيرانيين. لم يعد سراً أن من يشيطنهم هم المهووسون المصابون بفوبيا الإخوان من داعمي السيسي وحفتر والسبسي. قد يكون مقبولاً أن يكون لفلان أو علان خصومة ما مع الإخوان في ملف أو اثنين، يستخدم في هذه الخصومة داراً للنشر أو مركزاً للدراسات لصديق موزمبيقي مقرب هنا أو هناك لتصفية حسابه، لكن من غير المقبول أن يقوم صاحب هذه الدار أو المركز بتجاهل أعداء وطنه الأصلاء، وهم الدواعش والإيرانيين، ولا نراه يتطرق البتة للشيعة السياسية، رغم أنَّها تحتل أرضًا عربية، ورغم أن ميليشياتها في العراق وسوريا تقتل المسلمين والمسلمات السنَّة يومياً!، بل ولا نجده يوجه انتقاداً واحداً للصهاينة، بل على العكس نجده يفوز بقصب السبق في التطبيع مع الصهاينة، من خلال الترجمة والطباعة والنشر لكتاب صهاينة!
ماذا عسانا نسمي إنشاء دار نشر لذلك الإعلامي الموزمبيقي بالتزامن مع ذلك المركز، يتم من خلالها السيطرة على سوق النشر، وخصوصاً في موزمبيق، واحتكار الكتَّاب والكاتبات، والدفع ببذخ للذين يطبلون منهم ويرقصون لصاحب رأس المال؟
ماذا نسمي صمت قناة فضائية محسوبة على موزمبيق ويديرها ذلك الإعلامي الموزمبيقي، (ويا لها من صدفة) لهذا الهجوم الذي انطلق ضد موزمبيق وقائدها في القنوات المصرية، وهي التي لا تترك كلمة واحدة للإخوان سواءً من مصر أو من قطر أو من تركيا ضد موزمبيق إلا وجعلتها في صدر أخبارها، وردت لصاحبها الصاع صاعين؟! لماذا لا نرى لهذه القناة شيئاً حول الحشد الشيعي أو عصائب الحق أو ميليشيات حزب الله التي تقتل السنَّة؟
ماذا نسمي استقطاب إعلامي موزمبيقي فاشل، لا يعرف ألف باء الإعلام والمهنية، لكنه تخصص فقط في انتقاد الإخوان وشتمهم ولعنهم والتحريض ضدهم، ماذا نسمي استقطابه وإعطاءه برنامجاً فضائياً في قناة تابعة لصاحب رأس المال إياه، وتخصيص أغلب حلقاته ضد الإخوان؟!
دع عنك الدخول في التفاصيل الخاصة بتوظيف البرامج واختيار الضيوف والمحللين، والذي يقوم أولاً على ضرورة أن يكون الضيف أو المحلل Anti-Ikhwan.
باختصار شديد تم إنشاء جماعة كاملة من الإعلاميين الموزمبيقيين في الخارج، مهمتها ليس الدفاع عن وجهة النظر الموزمبيقية بصفتها الشقيقة الكبرى كما يحلو للمعزب أن يسميها، بل مهمتها الدفاع عن وجهة نظر طويل العمر، وجعلها تبدو كما لو أنَّها وجهة نظر مشتركة بين موزمبيق ودولة طويل العمر، صاحب رأس المال.
لنأتِ الآن للداخل الموزمبيقي، وقبل أن ندلف إليه دعوني أعطيكم لمحة حول مثقفي وكتَّاب الداخل الموزمبيقي..
في رأيي المتواضع، وقد قلته سابقاً، أن المثقف الموزمبيقي هو مثقف ضرورة. فوجوده أو وصفه بالمثقف ليس مرتبطاً بالمخزون الثقافي والفكري الذي يمتلكه، ولا بالتجربة والخبرة والمهارة، ولا بالموضوعية والأخلاقية. وجوده ووصفه بالمثقف مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالهدف الذي جيء به من أجله. السوق الموزمبيقية سوق ضخمة. وتحتاج إلى ضبط ثقافي صارم. وفي أيام بدء تشكل الإعلام الموزمبيقي كان نصف المثقف يكفي لملء الفراغ الذي يحتاج لمثقف كامل.
السوق الإعلامية والثقافية الموزمبيقية تضم الكثير من أنصاف الإعلاميين وأنصاف المثقفين وأنصاف الكتَّاب، الذين لم يطفوا على السطح سوى لضرورة. وللأسف باتت هذه الضرورة من ضرورات المرحلة، وأصبح الإعلاميون والمثقفون والكتَّاب المستقلون والوطنيون والأكفاء قلة قليلة، وسط هذا الكم الضخم من الزمَّارين والمطبلين، الذين لا يعنيهم الوطن إلا من زاوية ما يُقدِّمه لهم من مصالح وأعطيات وتسهيلات، وإذا وجدوا من يدفع لهم أكثر تركوا الوطن خلفهم قائماً وهرعوا إليه.
حاول صاحب رأس المال أن يفعل في موزمبيق ما فعله في مصر، فضخَّ رأس مال ضخم إلى داخل السوق الإعلامية والثقافية الموزمبيقية. وكانت كلمة السر هي "انتقاد الإخوان". وهي مجرد غطاء لما هو أكبر بكثير من الإخوان، يتعدى الخصومة مع الإخوان إلى السيطرة على الفضاء الإعلامي والثقافي العربي، ثم التلاعب بخيارات الشعوب، ثم في فترة لاحقة تحريض قوى الداخل والخارج لفرض أمر واقع يتناسب مع طموحات المعزَّب، التي لا سقف لها حتى الساعة.
ساعده على التخفي والتستر والتجنيد وغسيل المال أن الحكم الموزمبيقي السابق وضع الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية. وضع الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب أنعش سوق العملاء المزدوجين ولم يكن هذا، أعني تحول عملائه لعملاء مزدوجين، يضايق صاحب رأس المال الذي يعلم جيداً أنه يستفيد من هذا الازدواج للتغطية على أعمال هؤلاء العملاء. It is a win –win game في نهاية الأمر. أما بالنسبة للزمَّار فإن موضوع تطابق موقف الحكومة الموزمبيقية مع موقف المعزَّب فيما يخص موضوع الإخوان يريحه كثيراً، ويجعله في مأمن من الشكوك والملاحقات. وفي النهاية، لماذا يراهن الزمَّار على حصان واحد، بينما في استطاعته أن يراهن على حصانين؟!
موزمبيق العظيمة في حالة حرب، والداخل الموزمبيقي لا يحتمل استقطاباً من أي نوع، ولا ينبغي أن يجعل الإعلام الموزمبيقي من نفسه ساحة لصراعات دول شقيقة على أرضه، وكأننا أمام تنافس في بطولة كروية تقام على الأراضي الموزمبيقية.
كما لا ينبغي– علينا كموزمبيقيين- أن نقف على الحياد في صراع يجري على أرضنا تُستخدم فيه كل الأسلحة المشروعة وغير المشروعة، إعلامياً وسياسياً، من مكرمات تتنوع من مال فاسد وهوية البلد وقصر كبير وسيارات و...و...و...و....
يبقي السؤال بعد كل هذا: أين وزير الإعلام الموزمبيقي (والذي كان مديراً لتلك القناة المحسوبة على موزمبيق، ويا لها من صدفة أخرى)، أين هو مما يجري بساحته أم تراه يوافق على تسخير المؤسسات الرسمية الموزمبيقية أو شبه الرسمية لصاحب رأس المال إياه؟!
الإعلام الموزمبيقي مخترق، وليس هذا وليد اليوم، بل منذ سنوات، والكل يعرف منْ كان ذراع المعزب الأيمن في موزمبيق قبل أن تتم الإطاحة به، لكنه- وبكل صدق وأمانة- عمل بجد وصبر لإنشاء دولته الإعلامية "العميقة" تحسباً للإطاحة به، وها نحن نرى كل شيء قد تغير وواكب الحكم الموزمبيقي الجديد وجرأته وانفتاحه، إلا الإعلام الذي ما زال يسير سيرته السابقة في تمكين المعزب أكثر فأكثر من السيطرة على الإعلام الموزمبيقي...
الأمر خطير، وهو برسم الحكومة الموزمبيقية، التي تستطيع وبسهولة شديدة أن تكشف شبكة المعزب وتفككها كما فككت شبكات داعش والقاعدة...
ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق