الجمعة، 25 ديسمبر 2015

تقرير سويسري عن جرائم “بن زايد” .. الحصيلة المُرّة لحقوق الإنسان في الإمارات




تقرير سويسري عن جرائم “بن زايد” .. الحصيلة المُرّة لحقوق الإنسان في الإمارات

في تقارير ودراسات, أخبار رئيسية 14 ديسمبر,2015



نشر موقع SwissInfo السويسري التابع لهيئة الإذاعة والتلفزيون السويسرية تقريراً مفصلاً بعنوان “الحصيلة المُرّة لأوضاع حقوق الإنسان في الإمارات”، سلط من خلاله الضوء على الأوضاع الحقوقية المتدهورة والانتهاكات المتواصلة من قبل السلطات الإماراتية.

ويقول التقرير في مقدمته عن الإمارات بأن المعروف عن هذه الدولة الخليجية التي تشكلت في عام 1971 من سبع إمارات توحّدت فيما بينها أنها متقدّمة اقتصادياً، ومستقرّة سياسياً، ومزدهرة اجتماعياً فضلاً عن انفتاحها عن العالم، وتحولها إلى ساحة تجارية دولية تربط بين غرب الكرة الأرضية وشرقها.

وبالفعل، كان هذا هو الواقع حتى بدايات عام 2011 حين اندلعت ثورات الربيع العربي في كل من تونس ومصر، ثم لحقت بهما كل من ليبيا واليمن وسوريا، وعندها تراءى لأصحاب القرار في الإمارات أن هذه الثورات “تهدّد وحدتها ووجودها، ومن ثمّ عملت على محاصرتها وإجهاضها”، كما يرى مراقبون وباحثون.

في معرض رصدها لبداية هذا التحول، تقول صفوة عيسى، رئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان، وهي منظمة غير حكومية يوجد مقرّها بجنيف، في حديث إلى swissinfo.ch: “لقد حدث انقلاب في سياسات دولة الإمارات سنة 2011 عندما طالبت مجموعة من الإماراتيين بإجراء إصلاحات داخل الدولة، وهؤلاء كانوا من داخل النخبة الحاكمة، وأساسا ممن يُعرفون بمجموعة الإصلاح (نسبة إلى “جمعية الإصلاح والتوجيه الإجتماعي” المحظورة حاليا)، ومعهم فئات أخرى من الليبراليين”.

وبدلا من أن تختار دولة الإمارات تعديل ساعتها وفقا لتطلعات الأجيال الصاعدة، من خلال إدخال اصلاحات محسوبة ونسبية مثلما فعلت ولا تزال المملكة العربية السعودية وقطر والكويت، كان الرد الحكومي عنيفا وسريعا حيث تحرّكت أجهزة الأمن الإماراتية فاعتقلت في البداية مجموعة صغيرة تشمل خمسة أشخاص ثم وسّعت حملتها لتصل إلى 94 شخصا، من بينهم 13 إمرأة بتهمة “التآمر على أمن الدولة”، ورافقت تلك الحملة عمليات سحب لجنسيات بعض الأفراد، وصدور أحكام بالسجن تزيد عن عشر سنوات، فضلا عن تفاقم ظاهرة الإختفاء القسري، والسجون السرية.

وترى السيدة عيسى أن هذا الرد العنيف من طرف السلطات على مطالب الإصلاح يعود إلى “كون دوائر صنع القرار في الإمارات كانت مُحاطة بشخصيات من خارج الإمارات، ليست بالضرورة ديمقراطية، ولها حقد دفين على تيار سياسي وإيديولوجي بعينه”، على حد قولها.

فالنخبة الحاكمة في هذا البلد، ودائما وفقا لنفس المصدر: “ترى أن هذه الثورات تؤثّر على وضع الإمارات وتهدّد وحدتها. هذا فضلا عن أن هذا البلد يشغّل عمالة أجنبية بأعداد كبيرة جدا، تتشكل من مصريين وسوريين وغيرهم، وبعضهم ينتمي إلى بعض الإتجاهات السياسية والفكرية التي تُعاديها الدولة المضيفة”. وهكذا أصبح كل مقيم أو وافد يناصر الثورات العربية أو أي توجّه من التوجهات الإصلاحية هدفا مشروعا للمضايقات والمحاصرة ولمختلف أنواع الإنتهاكات.
الإعتقال التعسفي والتعذيب

في السنوات الأخيرة، كانت تقارير المنظمات الدولية المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان مثل المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان (مقره جنيف)، ومنظمة هيومن رايتس ووتش، ومنظمة العفو الدولية، بالإضافة إلى وثائق آليات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان والمقررين الدوليين تعجّ بحالات انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات.

ففي تقريره ( A/HRC/30/29 )، المُوجّه إلى الدورة الثلاثين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة (مقره جنيف) المؤرخ في 17 أغسطس 2015، أبرز السيد بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة المضايقات التي يتعرّض لها المدافعون عن حقوق الإنسان في العديد من البلدان، وذكر من بينها الإمارات، حيث أشار بالتحديد إلى قضيّة أسامة النجار، وهو مواطن إماراتي أصبح ضحية للمضايقات والإعتقال بعد لقائه مع السيدة غابريلا كنول، المقررة الخاصة المعنية بإستقلال القضاة والمحامين، خلال الزيارة التي قامت بها إلى دولة الإمارات في شهر فبراير 2014.

ووفقا للبلاغات التي قدمتها آلية الإجراءات الخاصة ( A/HRC/30/27) الموجهة إلى مجلس حقوق الإنسان يوم 4 سبتمبر 2015، فقد “ألقي القبض على السيد أسامة النجار دون مذكّرة توقيف يوم 17 مارس 2014، وتمّ استجوابه وتعذيبه لمدّة أربعة ايام في مركز احتجاز سرّي تابع لأمن الدولة” الإماراتي.

وفي 2 يوليو 2015، وبمناسبة مرور الذكرى الثانية لصدور الحكم ضد 94 ناشطا سياسيا إماراتيا، بتهمة التآمر على أمن الدولة وصلت فيها العقوبات المسلطة على الموقوفين إلى 15 عاما سجنا، أصدرت ثماني منظمات حقوقية دولية تنشط في جنيف بيانا مشتركا دعت فيه حكومة الإمارات إلى “الإفراج الفوري عن جميع الذين سُجنوا جراء هذه المحاكمة غير العادلة وجميع معتقلي الرأي”، كما طالب الموقعون على البيان سلطات أبوظبي بـ “فتح تحقيقات مستقلة في مزاعم التعذيب والمعاملة القاسية واللاإنسانية والمُهينة”، وحثوها أيضا على “التصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الإختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب”.
الإختفاء القسري والسجون السرّية

في التقرير الذي أعده الفريق العامل المعني بحالات الإختفاء القسري (A/HRC/30/38 ) المؤرخ في 10 اغسطس 2015، والمرسل إلى مجلس حقوق الإنسان، أورد الفريق العامل بعض الإحصاءات ذات الصلة بهذا الموضوع حيث أشار إلى وجود 65 حالة اختفاء، لم تنجح حكومة الإمارات بتوضيح سوى حالتيْن فقط منها. وبالرغم من تقدم الفريق العامل بطلب للقيام بزيارة للتحقيق إلى دولة الإمارات منذ فترة إلا أنه لم يتّصل بأي ردّ على طلبه حتى الآن.

عن هذه الحالات، تقول رئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان في حديثها إلى swissinfo.ch: “يتعلّق الإختفاء القسري بأشخاص يقع اعتقالهم بشكل علني وتفتّش بيوتهم، ثم يختفون لأشهر، فلا تستطيع عائلاتهم الإتصال بهم، ولا يعرفون مكان تواجدهم، كما لا يُمكن لأي محام أن يزورهم”.

في السياق، شملت القرارات التي اعتمدتها الدورة التاسعة والستون والسبعون والحادية والسبعين لمجلس حقوق الإنسان للفريق العامل بشأن الإعتقال التعسفي حالات عدّة من دولة الإمارات العربية المتحدة منها حالة خليفة ربيعة النجدي، و13 حالة أخرى مثل صالح فرج ضيف الله، وأحمد محمود طه، ومدحت محمد مصطفى العاجز، وأحمد جعفر،…

بشكل عام، يُودع هؤلاء المعتقلون في سجون سريّة لا يُعرف مكانها أو ما يدور فيها. وفي إطار تنكيلها بمعارضيها، توظّف السلطات الإماراتية لإدارة هذه المعتقلات “حراسا نيباليين يحتجزون المعتقلين بالأشهر، ويتعرّضون داخلها إلى التعذيب الوحشي، ويُحرم فيها المعتقل من زيارة الأقارب كما يحرم لفترة من الطعام، ويُجبر على الإقامة في ظروف سيئة جدا، وكلّها حالات من التشفّي والإنتقام”، وفقا لرئيسة المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان.

فعلى سبيل المثال، يُورد تقرير المركز الدولي للعدالة وحقوق الإنسان حالة ناصر بن غيث الذي لايزال مُحتجزا في سجن سرّي. وهو اقتصادي وأكاديمي معروف عمل مستشارا اقتصاديا وقانونيا في المجال العسكري، وحُوّل بعد اعتقاله إلى مكان مجهول. وكذلك الحال بالنسبة لأحمد محمد الملاّ وعبد الله الحلو،…
للمرأة نصيبها من الإنتهاكات

لم تسلم المرأة من التنكيل كذلك. فقد اتضح أن العديد من الإمارتيات كُنّ ضحية لردود أفعال انتقامية تقوم بها أجهزة الأمن تجاه زوجات وبنات المعتقلين. ومن ذلك حرمانهنّ من الحصول على جواز سفر أو منعهن من التنقل إلى خارج البلاد. كما يمنعن من زيارة أقاربهن في السجون أو الحصول على مرتباتهم، وذلك وفقا لتقارير منظمة هيومن رايتس ووتش التي حاولت في الفترة الماضية تنظيم مؤتمر صحفي حول هذا الموضوع في الإمارات فمُنعت من ذلك.

ونقلا عن بيان أصدره المركز الدولي للعدالة حقوق الإنسان في 25 نوفمبر الماضي “اعتقل جهاز الأمن الإماراتي يوم الخميس 19 نوفمبر 2015 الشقيقتيْن أمينة وموزة محمد العبدولي وأخوهما مصعب محمد العبدولي، وتمّ اقتيادهم إلى مكان مجهول”. ويضيف البيان أنه “أثناء عملية الاعتقال لم يعلم المحتجزون بالتهم الموجّهة إليهم، وإن كان من المرجّح أن يكون الأمر متعلقا بوالدهم الذي قتل خلال مواجهات في سوريا”.

في هذا الإطار، أعدّ المركز تقريرا حول الإنتهاكات التي تتعرّض لها المرأة في الإمارات ووجّهه إلى لجنة مقاومة التمييز ضد المرأة بالأمم المتحدة، التي أخذت الأمر على محمل الجد وضمّنت تقريرها الأخير “توصيات لدولة الإمارات تدعوها فيها إلى عدم انتهاك حقوق النساء المدافعات عن حقوق الإنسان وإلى حرية المرأة في العمل السياسي وأن تتوقّف كل أشكال التضييق والمحاصرة عن المرأة التي يُوجد زوجها رهن الإعتقال أو التي تنشط في المجال الحقوقي أو السياسي”.

ووفقا لتقارير صادرة عن أبرز المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، تواصل سلطات كل من سجني الرزين والوثبة في أبو ظبي معاملة السجناء السياسيين معاملة قاسية ولاإنسانية ومهينة على الرغم من النداءات الدولية المتكرّرة للإقلاع عن ذلك. وفي هذا الصدد، قال جو ستورك، نائب مدير قسم الشرق الأوسط بمنظمة هيومن رايتس ووتش: “هناك أدلّة قوية على أن لدى الإمارات منشأة خارج مدينة أبو ظبي، حيث تعذّب قوات الأمن المعتقلين، وتُبقي موقعهم سرّيا. وأي اعترافات تصدر عن هذا المقرّ ينبغي اعتبارها غير مقبولة وغير موثوقة”.
تسويق هنا.. و”جائزة نوبل” هناك

رغم هذه الإنتهاكات المفزعة لحقوق الإنسان في دولة الإمارات العربية المتحدة، نجحت أبو ظبي في تجديد عضويتها بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للفترة المقبلة (2016- 2018). وفي هذا الصدد، عبّرت صفوة عيسى الناشطة الحقوقية الدولية عن الأسف “لمواصلة الأمم المتحدة منح ثقتها إلى هذا البلد، خاصة بعد أن توجّهت له آليات هذه المنظمة بانتقادات لاذعة بسبب الإنتهاكات التي يتعرّض لها مواطنوه”.

في الأثناء، من المحتمل أن تكون صعوبة الوصول للمعلومة حول ما يحدث في هذا البلد الخليجي قد لعبت دورا في التعتيم عما يحصل فعلا داخله، حيث لا تسمح الحكومة بزيارة المراقبين الدوليين، وتمنع الناشطين من إبلاغ صوتهم إلى الخارج، بل تمّ منع المقرّرة الخاصة باستقلال القضاء التابعة للأمم المتحدة من مقابلة بعض المواطنين وعدد من المنظمات التي لا ترضى عنها الجهات الحكومية خلال زيارة سابقة قامت بها إلى الدولة، وقبل المغادرة طالبت المقررة من السلطات السماح لها بزيارة السجون لكنها مُنعت من ذلك أيضا.

على صعيد آخر، نجحت دولة الإمارات في الفترة الأخيرة حسبما يبدو في التسويق لنفسها على أنها “حصن لبقية الدول ضد الإرهاب”، حيث وقّعت في موفى نوفمبر الماضي على اتفاقية مع الإتحاد الاوروبي في مجال محاربة الإرهاب. وعلى الجهة المقابلة، ردّت المنظمات الحقوقية الدولية على ما رأت فيه “تجاهلا لأوضاع حقوق الإنسان” في هذا البلد الخليجي بترشيح الحقوقي الإماراتي أحمد منصور لنيل جائزة مارتين انالز، التي تُعتبر بمثابة “جائزة نوبل” في المجال الحقوقي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق