السبت، 27 ديسمبر 2014

جواب احاديث المتعة

قصّة نكاح المتعة:

* نكاح المتعة أو النّكاح المؤقّت أو النّكاح لأجل، من الأنكحة التي كانت مشهورة قبل الإسلام،"وخاصة في مكة؛ التي كانت تؤمّها وفود العرب للحجّ، وتنطلق منها قوافل التجارة إلى بلاد الشام واليمن وفارس؛ فكان الحجاج يستمتعون بنساء يفدن إلى مكة لهذا الغرض، وكان التجّار يستمتعون في أسفارهم بنساء في البلاد التي كانوا يقصدونها مدة بقائهم فيها". فلما جاء الإسلام شرع الزّواج الدّائم وبيّن أحكامه، ورغّب فيه، وحرّم الزّنا والسّفاح، وأبطل أكثر الأنكحة التي كانت في الجاهلية.

* شكا بعض الصّحابة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) العزوبة أثناء خروجهم للغزو، واستأذنوه في الإختصاء، فأذن لهم في النّكاح لأجَل في حال الضّرورة، ونهاهم عن الإختصاء. 
في الصّحيحين عن ابن مسعود (رضي الله عنه) قال: " كنّا نغزو مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس لنا نساء فقلنا ألا نستخصي؟ فنهانا عن ذلك ثمّ رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثّوب إلى أجل، ثمّ قرأ عبد الله: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحَرِّمُواْ طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين }".
وقد جاء سبب الرّخصة صريحا في الأثر الذي أخرجه ابن عبد البرّ عن سهل بن سعد قال: " إنّما رخّص النبيّ (صلى الله عليه وسلم) في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة، ثمّ نهى عنها ".
وفي هذا دلالة على أنّ الرّخصة إنّما كانت للحاجة مع قلة الشيء.

* لمّا فتحت خيبر ووُسِّع على المسلمين من المال ومن السّبي، نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله) عن المتعة، وكان ذلك من تمام شكر نعمة الله على التوسعة بعد الضيق.
عن علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) "أنّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية". البخاري ومسلم.
وهذا النّهي ورد أيضا في كتب الشّيعة؛ ففي (الاستبصار) مثلا عن علي (عليه السّلام) أنّه قال: "حرّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم خيبر لحوم الحمر الأهلية ونكاح المتعة" (الإستبصار: 03/142).

* ثم لمّا عاد الصّحابة إلى سفرة بعيدة المدة وهي غزوة الفتح (عام أوطاس) وشقّت عليهم العزوبة أذن لهم في المتعة، وكانت لثلاثة أيام فقط دفعا للحاجة، ثم نهاهم، وحرّمها تحريما مؤبّدا.
عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: " رخّص رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عام أوطاس في المتعة ثلاثا، ثم نهى عنها". (رواه مسلم).
وعن الرّبيع بن سبرة الجهني عن أبيه (رضي الله عنه) أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) قال: ( يا أيّها الناس إنّي قد كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النّساء، وإنّ الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء فليخلّ سبيله، ولا تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئا ). (رواه مسلم).
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) أنّ النبي (صلى الله عليه وسلم) لمّا خرج نزل ثنية الوداع فرأى مصابيح، وسمع نساء يبكين فقال: (ما هذا؟) قالوا: يا رسول الله نساء كانوا تمتعوا منهنّ أزواجهن، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (هدم -أو قال: حرّم- المتعةَ: النكاح، والطلاق، والعدّة، والميراث). (رواه ابن حبان في صحيحه، وقال ابن حجر في الفتح: وله شاهد صحيح عن سعيد بن المسيّب أخرجه البيهقي).

* بلغ هذا النّداء النبويّ جلّ الصّحابة، فامتنعوا عمّا نهى عنه نبيّ الهدى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وبقي نفر قليل منهم لم يبلغهم التّصريح بالحرمة إلى الأبد؛ منهم: ابن عبّاس، وابن مسعود، وجابر بن عبد الله، ومعاوية، وعمرو بن حريث (رضي الله عنهم). 

* ثمّ لمّا كانت خلافة عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه)، وبلغه أنّ بعض النّاس لم يبلغهم التّحريم، وكان منهم عمرو بن حريث، وقصّته: أنّه قدم من الكوفة فاستمتع بمولاة، فأتي بها عمر وهي حبلى، فسألها، فقالت: استمتع بي عمرو بن حريث، فسأله، فأقرّ بذلك.
لمّا بلغ عمر أنّ بعض النّاس لم يبلغهم التّحريم المؤبّد للمتعة، وكان منهم من لا يزال يعتقد أنّها تباح في السّفر وفي حال الضّرورة، قام خطيبا في النّاس، فقال: "إنّ رسول الله rأذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرّمها. واللهِ لا أعلم أحدا يتمتّع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون أنّ رسول الله أحلّها بعد إذ حرّمها".
فعن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قال: لما ولي عمر بن الخطاب؛ خطب الناس فقال: "إنّ رسول الله (صلى الله عليه وسلّم) أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها، والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة، إلا أن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون أنّ رسول الله أحلها بعد إذ حرمها " (سنن ابن ماجة: كتاب النكاح).
ويتبيّن من هذا أنّ عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) إنّما حرّم ما حرّمه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأقام الحجّة على من لم يبلغه التّحريم.
وعلى هذا يُفهم قول جابر بن عبد الله (رضي الله عنه): " كنّا نستمتع بالقبضة من التّمر والدّقيق الأيام على عهد رسول الله rوأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ".
فمقصود جابر (رضي الله عنه)بقوله (كنّا) أي: الذين لم يبلغهم التّحريم، أو الذين ظنّوا أنّ المتعة تباح في السّفر والضّرورة، وتمنع لغير ذلك.
ولو كان عمر إنّما نهى عن متعة النّساء من عند نفسه، لخالفه الصّحابة في ذلك كما خالفوه عندما نهى عن متعة الحجّ.

انتهى المسلمون جميعا عن نكاح المتعة، ووقع الإجماع على تركه، ولم يبق من الصّحابة من يشكّ في حرمة المتعة تحريما مؤبّدا غير عبد الله بن عبّاس (رضي الله عنه)، الذي بقي متمسّكا بإباحتها للضّرورة؛ فكان يفتي أنّها إنّما تكون للضّرورة، وهي كالاضطرار إلى الميتة ولحم الخنزير.
عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النّساء فرخص، فقال له مولى له: إنّما ذلك في الحال الشّديد وفي النساء قلّة أو نحوه. فقال ابن عباس: نعم. (رواه البخاريّ).
ولا غرابة أن يخفى على ابن عبّاس تحريم المتعة تحريما مؤبّدا، فقد خفي عليه تحريم ربا الفضل مع اشتهار تحريمه بين الصّحابة.

كان الصّحابة يستنكرون فتوى ابن عبّاس في إباحة المتعة للضّرورة:
فهذا عليّ بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول لابن عبّاس: "إنّك رجل تائه، نهانا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)". (مسلم: باب نكاح المتعة وبيان أنه أبيح ثم نسخ ثم أبيح ثم نسخ واستقر تحريمه إلى يوم القيامة).
وهذا عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) أتي فقيل له إن ابن عباس يأمر بنكاح المتعة، فقال ابن عمر: سبحان الله! ما أظنّ ابن عباس يفعل هذا، قالوا بلى إنه يأمر به، قال: "وهل كان ابن عباس إلا غلاما صغيرا إذْ كان رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)"، ثم قال ابن عمر: "نهانا عنها رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وما كنا مسافحين". (مصنف عبد الرزاق).
وهذا عبد الله بن الزّبير، قام بمكة فقال: إنّ ناسا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة يعرّض برجل، فناداه فقال: إنّك لجلف جافّ، فلعمري لقد كانت المتعة تفعل على عهد إمام المتقين يريد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فقال له ابن الزبير: فجرّب بنفسك، فوالله لئن فعلتها لأرجمنك بأحجارك. (رواه مسلم).

وقد روي عن عبد الله بن عبّاس (رضي الله عنه) أنّه رجع عن رأيه في آخر الأمر:
أخرج الترمذي بسنده إلى ابن عبّاس أنَّه قال: "إنما كانت المتعة في أوّل الإسلام، كان الرّجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوّج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه وتصلح له شيئه، حتى إذا نزلت الآية {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ}[المؤمنون:6]، قال ابن عباس: فكلّ فرج سواهما فهو حرام".
وأخرج البيهقي عن ابن شهاب قال: "ما مات ابن عباس حتى رجع عن هذه الفتيا".

انعقاد الإجماع على حرمة نكاح المتعة:
أجمع الصّحابة والتّابعون ومن بعدهم على حرمة متعة النّساء، واشتهر تحريمها عن الأئمّة الأعلام أبي حنيفة ومالك والشّافعي وأحمد، ونقل تحريمها عن الباقر والصّادق، وروى البيهقي عن جعفر بن محمد (عليه رحمة الله) أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه.
وقد روت كتب الشّيعة نفسها عن الإمام جعفر الصّادق (عليه رحمة الله) أنّه سئل عن المتعة فقال: "ما يفعله عندنا إلا الفواجر". (وسائل الشّيعة: 21/30).

* أجمعت كافّة المذاهب الإسلامية عدا الإمامية الإثنا عشرية على حرمة نكاح المتعة، ونقل إجماع الأمّة على حرمتها: الجصّاص والمازري، والخطّاب، والقاضي عياض، وغيرهم. 

نقل الزّيديّة أيضا إجماع أئمّة أهل البيت على حرمة نكاح المتعة:
جاء (تحريم المتعة من كتاب الرّوض النّضير): قول المؤيد بالله: أخبرنا أبو العباس الحسني قال: أخبرنا عبدالعزيز بن إسحاق قال: أخبرنا أحمد بن منصور الحري، أخبرنا محمد بن الأزهر الطائي، أخبرنا إبراهيم بن يحيى المزني عن عبدالله بن الحسن عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام، قال: حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتعة من النساء يوم خيبر، وقال: (لا أجد أحداً يعمل بها إلاَّ جلدته)، ولعل قوله: (لا أجد أحداً)، من قول علي (عليه السلام).
وأما الباقر وولده الصادق فنقل في الجامع الكافي عن الحسن بن يحيى بن زيد فقيه العراق أنه قال: "أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كراهية المتعة والنهي عنها".
وقال أيضا: "أجمع آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أنَّه لا نكاح إلا بولي وشاهدين وصداق بلا شرط في النكاح".
وقال محمد - يعني ابن منصور -: سمعنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن علي وابن عباس وأبي جعفر - يعني الباقر - وزيد بن علي وعبد الله بن الحسن وجعفر بن محمد عليهم السلام أنهم قالوا: (لا نكاح إلاَّ بولي وشاهدين). (تحريم المتعة من كتاب الرّوض النّضير).
قال يحيى بن الحسين (ت298هـ): "حدثني أبي عن أبيه أنه سئل عن نكاح المتعة؟ فقال: لا يحلّ نكاح المتعة، لأنّ المتعة إنما كانت في سفر سافره النبيّ (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، ثم حرّم الله ذلك على لسان رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، وقد روي لنا عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام بما قد صحّ أنّ رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) نهى عنه. وأمّا من أحتج بهذه الآية ممن استحل الفاحشة من الفرقة المارقة في قول الله عز وجلّ: {فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن} (24)، فالاستمتاع هو الدخول بهنّ على وجه النكاح الصّحيح، وإيتاؤهنأجورهنّ فهو إعطاؤهن مهورهن إلا ما وهبن بطيب من أنفسهن، والتراضي فهو التعاطي". (الحكام في الحلال والحرام: 01/351-352).
وفي مجموع زيد (عليه رحمة الله): عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي عليهم السلام قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نكاح المتعة عام خيبر).

شبهات وردود:
الشّبهة الأولى: آية الاستمتاع:
قال الله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتم بِهِ مِنْهُن فَآتُوهُن أًجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } (النساء: 24). 
الجواب:
1. قوله تعالى: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فآتُوهُنّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضةً }: هذا شطر من آية، يتبيّن المقصود منه بقراءة تمام الآية وما قبلها ما بعدها، قال جلّ وعلا: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاء سَبِيلاً{22} حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً{23} وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً{24} وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{25} يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{26} وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً{27}}.
فسياق الآيات كلّها حديث عن الزّواج الدّائم. والآية ليس فيها حديث عن زواج المتعة، إنما الحديث فيها عن الاستمتاع في الزواج الدائم.
2. الآية تتحدّث عن النّكاح الذي يكون معه إحصان: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً{24}}.
ومن المعلوم في مذهب الشيعة أنّ زواج المتعة لا يحصّن المرأة ولا الرّجل: 
روى الكليني عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا إِبْرَاهِيمَ (عليه السلام) عَنْ رَجُلٍ إِذَا هُوَ زَنَى وعِنْدَهُ السُّرِّيَّةُ والْأَمَةُ يَطَؤُهَا تُحْصِنُهُ الْأَمَةُ وتَكُونُ عِنْدَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا ذَلِكَ لِأَنَّ عِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ عَنِ الزِّنَا. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَةٌ زَعَمَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا؟ فَقَالَ: لَا يُصَدَّقُ. قُلْتُ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ مُتْعَةً أَ تُحْصِنُهُ؟ قَالَ: لاَ،إِنَّمَا هُوَ عَلَى الشَّيْ‏ءِ الدَّائِمِ عِنْدَهُ. (الكافي: 07/178. قال المجلسي: موثّق).
3. الاستمتاع في اللغة معناه الانتفاع، ولم يأتِ في القرآن إلاّ بهذا المعنى، كما في قوله تعالى: { رَبََنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا ببَِعْضٍ وَّبَلَغْنَا أَجَلَنَا الذِي أَجَّلْتَ لَنَا } (الأنعام: 128). وكما في قوله: { أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا } (الأحقاف: 20)، وقوله {فَاسْتَمْتَعُوابِخَلاَقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاَقِهِمْ } (التوبة: 69).
قال الشريف المرتضى من أعلام الإمامية في كتابه (الانتصار) ما نصه: " وفي أصحابنا من استدل على أن لفظة "استمتعتم" تنصرف إلى هذا النكاح المؤجّل دون المؤبد بأنه تعالى سمّى العوض عليه أجرًا ولم يسمّ العوض على النكاح المؤبد بهذا الاسم في القرآن كله بل سماه نحلا وصداقا وفرضا، وهذا غير معتمد لأنّه تعالى قد سمّى العوض عن النكاح المؤبد في غير هذا الموضع بالأجر في قوله تعالى {َلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ }وفي قوله عز وجل: { فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ }" (الانتصار: ص112) .
4. الأجر في الآية هو المهر كما في قوله تعالى: { فَانكِحُوهُنَّ بِإذْنِ أَهْلِهِنّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ } (النساء: 25)، وقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ }. ومعلوم أنّ زواج المتعة عند الشيعة لا يشترط فيه إذن الأهل.

الشّبهة الثّانية: حديث "متعتان":
قال عمر (رضي الله عنه): " متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، متعة الحج ومتعة النساء ".
الجواب:
عمر بن الخطّاب (رضي الله عنه) لا يجرؤ على أن يُحرّم أو يحلل في دين الله، وإنما حرم متعة النّساء لأنّها كانت على عهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) ثمّ حرمها إلى الأبد؛ يوضّح هذا ما رواه ابن ماجة عن ابن عمر قال: لما ولي عمر بن الخطاب؛ خطب الناس فقال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحدا يتمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة إلا أن يأتيني بأربعة شهداء يشهدون أنّ رسول الله أحلها بعد إذ حرمها " (سنن ابن ماجة: كتاب النكاح). 
لذلك فإنّ عليا وسائر الصحابة رضوان الله تعالى عليهم وافقوه على نهيه عن نكاح المتعة. ولعلّنا نكتفي بهذا لنترك مناقشة نكاح المتعة لجلسة خاصّة فيما بعد إن شاء الله.
أمّا متعة الحجّ فإنّ عمر (رضي الله عنه) لم ينه عنها نهي تحريم، وإنّما نهى عنها مؤقتا لمصلحة رآها خالفه غيره من الصحابة كعمران بن حصين وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس وغيرهم، فكان (رضي الله عنه) يريد إرشاد الناس إلى ما هو أفضل، والنهي هنا هو نهي أولوية للترغيب في القِران بدل التمتع بالعمرة إلى الحج، وحتى لا يخلو بيت الله الحرام من المعتمرين باقي أيام السّنة، ولأن التمتّع كان من السهولة بحيث تُرك الاعتمار في غير أشهر الحج، ولهذا أراد عمر ألاّ يخلوا بيت الله من المعتمرين فنهاهم عن التمتع على سبيل الإختيار لا على التحريم، وإلا فقد ثبت عن عمر إباحته: فعن ابن عباس (رضي الله عنه) قال: سمعت عمر يقول: "والله إني لا أنهاكم عن المتعة، وإنها لفي كتاب الله، وقد فعلها رسول الله (صلى الله عليه وآله) -يعني العمرة في الحج- " (سنن النسائي مع شرح الحافظ وحاشية السندي: كتاب الحج: باب القران: رقم 2719). وعن الصُّبي بن معبد في جزء من الحديث أنه قال لعمر: إني أحرمت بالحج والعمرة، فقال له عمر: " هديت لسنة نبيك (صلى الله عليه وآله) ". (سنن النسائي مع الشرح: كتاب الحج: باب التمتع: رقم 2736).

الشّبهة الثّالثة: حديث جابر (رضي الله عنه):
روى مسلم في صحيحه عن جابر (رضي الله عنه) قال: " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث ".
الجواب: 
جابر بن عبد الله (رضي الله عنه) يتحدّث عمّن خفي عليهم المنع من نكاح المتعة بعد الفتح، وظنّوا بقاء إباحتها في السّفر والغزو. ومن المعلوم أنّ الأحاديث لا تبلغ جميع الصحابة رضوان الله عليهم، وزمن الصديق (رضي الله عنه) كان زمن حرب لأهل الردة، وتثبيت للجزيرة، وخلافته كانت قصيرة (30 شهرا)، فلما استقر الأمر لعمر (رضي الله عنه)، بيّن هذا الحكم وأظهره لمن خفي عليه. فأذعن المسلمون جميعا لذلك، وقبلوا قوله، وامتنعوا عن المتعة. وأقرّوا تحريمها إلى الأبد، إلا ما روي عن ابن عبّاس (رضي الله عنه)، وقد روي عنه أنّ رجع هو الآخر عن قوله.

=====================

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه

 عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر رضي الله عنه حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه في شأن عمرو بن حريث، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج.

قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلاً من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يَخْفَ على ابن مسعود رضي الله عنه حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية، وأيضاً ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقاً.
والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.ا.هــــ والعلم عند الله تعالى

================


نكاح المتعة في عهد أبي بكر وعمر!!

 صورة فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
فضيلة الشيخ د عبد الحي يوسف
الأستاذ بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الخرطوم
السؤال: 
أشكر شبكة المشكاة، وجعل الله هذا العمل في موازين حسناتكم، عندي سؤال: أرجو شرح حديث وارد في صحيح مسلم ص 1023 - 1405:

وحدثنا الحسن الحلواني حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال عطاء: قدم جابر بن عبد الله معتمراً، فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياء، ثم ذكروا المتعة، فقال: نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر. انتهي.

فكيف كان النهي عن زواج المتعة في عهد رسول الله؛ والظاهر في الحديث أنه استمر حتى عهد سيدنا عمر رضي الله عنه؟

الجواب: 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.

فإن نكاح المتعة قد دلت على تحريمه نصوص السنة واتفق على ذلك أهل العلم ولم يبق مخالف في حرمته سوى الروافض، أما النصوص الدالة على حرمته فهي كثيرة، منها:

1ـ حديث علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عام خيبر عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية. متفق عليه

2ـ عن سبرة الجهني رضي الله عنه أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة، قال: فأقمنا بها خمسة عشر، فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء.. إلى أن قال: فلم أخرج حتى حرَّمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي رواية: أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. رواه مسلم

3ـ إجماع العلماء على تحريمه وقد نقل ذلك غير واحد منهم. قال ابن المنذر رحمه الله: جاء عن الأوائل الترخيص فيها، ولا أعلم اليوم أحدا يجيزها إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله. وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض. وقال الخطابي: تحريم المتعة كالإجماع إلا عن بعض الشيعة، ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى علي، فقد صح عن علي رضي الله عنه أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال: هي الزنا بعينه.

وقد كانت المتعة مرخّصا فيها أول الإسلام ثم نُهي عنها. روى الترمذي رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية }إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم{ قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام. وروى مسلم عن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قال: رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها بالحجارة.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يرخِّص في المتعة؛ لكنه رجع عن ذلك ونفاه وبيّن مراده بقوله: والله ما بهذا أفتيت وما هي إلا كالميتة لا تحل إلا للمضطر. روى ذلك عنه البيهقي وأبو عوانة ووكيع. قال الحافظ رحمه الله في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع: فهذه أخبار يقوي بعضها بعضا.

قال الإمام الشوكاني رحمه الله بعد أن ساق الروايات التي تفيد إباحته عن بعض الصحابة رضي الله عنهم: وعلى كل حال فنحن متعبَّدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد، ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به. كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح {أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثاً ثم حرمها، والله لا أعلم أحداً تمتع وهو محصن إلا رجمته} وبهذا يُعلم أن نكاح المتعة حرام لدلالة النص والإجماع، وابن عباس رضي الله عنهما لا يُستغرب رجوعه عن فتواه فقد أُثر عنه ذلك في رجوعه عن القول بأنه لا ربا إلا في النسيئة، فلا يحل لمسلم أن يستند إلى ابن عباس في قول قد ثبت رجوعه عنه.

وأما الحديث الوارد ذكره في السؤال فقد أجاب عنه الإمام الشوكاني رحمه الله تعالى فقال: وقد أجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم لم يبلغه - يعني جابرا رضي الله عنه - النسخ حتى نهى عنها عمر، واعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل، وكذلك يحمل فهم غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر أن ينهى ولهم الموافقة، وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد.ا.هــــ يعني بحديث سبرة قول النبي صلى الله عليه وسلم {يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء وإن الله قد حرَّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء فليخلِّ سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} رواه مسلم، ولا يستغرب أن يخفى على بعض الصحابة نسخ إباحة نكاح المتعة؛ ونظير ذلك قول عائشة رضي الله عنها {كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن} رواه مسلم وأبو داود والنسائي. قال النووي رحمه الله تعالى: ومعناه أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جدا حتى أنه صلى الله عليه و سلم توفى وبعض الناس يقرأ خمس رضعات ويجعلها قرآنا متلوا لكونه لم يبلغه النسخ لقرب عهده فلما بلغهم النسخ بعد ذلك رجعوا عن ذلك وأجمعوا على أن هذا لا يتلى.ا.هــــ


وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد المعاد) فإن قيل: فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنه قال: كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و أبي بكر رضي الله عنه حتى نهى عنها عمر رضي الله عنه في شأن عمرو بن حريث، وفيما ثبت عن عمر أنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما: متعة النساء، ومتعة الحج. قيل: الناس في هذا طائفتان: طائفة تقول: إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها، وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون، ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح، فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده، وقد تكلم فيه ابن معين ، ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه، وكونه أصلاً من أصول الإسلام، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به. قالوا: ولو صح حديث سبرة لم يَخْفَ على ابن مسعود رضي الله عنه حتى يروي أنهم فعلوها ويحتج بالآية، وأيضاً ولو صح لم يقل عمر: إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها، بل كان يقول: إنه صلى الله عليه وآله وسلم حرمها ونهى عنها، قالوا: ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقاً. والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة، ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم متعة النساء، فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه، فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر، وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها، وبالله التوفيق.ا.هــــ والعلم عند الله تعالى

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق