الثلاثاء، 18 نوفمبر 2014

الدولة الأموية نموذجا لتشويه التاريخ الإسلامي


الدولة الأموية نموذجا لتشويه التاريخ الإسلامي 


بقلم / أسامة إبراهيم سعد الدين



ادعى بعض المؤرخين أن بني أمية أرهقوا البلاد وظلموا العباد ، وهذا الإدعاء من جملة اللغط الكثير الذي أثير حول بني أميه ، وفيه مبالغة شديدة . 

ولعل بعضهم قد قارن بين خلافتهم وبين الخلافتين الراشدة والعباسية فظنوا أنها لم تقدم أي تطور للحياة الإسلامية بمفهومها الحضاري ، غير تلك الفتوحات التي امتدت شرقا وغربا . 
وبالغ بعض مؤرخينا المعاصرين والمتأثرين بالنظرة الاستشراقية في تفسير أحداث التاريخ الإسلامي فاعتبروها دولة مغتصبة للخلافة ، مَتوقة للزعامة ، قامت دعائمها قوية وطيدة بعد أن شردت آل البيت وأبعدتهم عن الحياة السياسية ثم حولت الخلافة إلى ملك عضوض يتوارث . والأنكى من ذلك أن يذهب بعض هؤلاء ( المؤرخين ) إلى الاعتداء على خلفاء تلك الدولة بالتشريح والتجريح لمواقفهم وأفعالهم تجاه الأمة الإسلامية ، كمعاوية بن أبي سفيان ـ رضي الله عنه ، وابنه يزيد بن معاوية وعبد الملك بن مروان .. وغيرهم . ثم يقفون عند عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ ويعدونه النقطة الوحيدة المضيئة في تلك البقعة الزمنية المظلمة ، ناسين أو جاهلين أدوار الخلفاء الآخرين في نشر الإسلام وإعلاء كلمته في أنحاء الدنيا . 
ولنا مع هؤلاء وقفه بسيطة بما يسمح به المقام ..
إذا نظرنا إلى الخلافتين السابقة واللاحقة لخلافة بني أمية لوجدنا الآتي .
الخلافة الراشدة وهي تلك الفترة السابقة لعهد بني أمية فهي فترة ربانية بحق لما فيها من ولع بالدين وحب للعلم وشغف بالدراسة وزهد في الدنيا فرعاياها تلاميذ مدرسة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأعظم بها من مدرسة !
وخلفاؤها أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ وكم يتشوق الناس لتلك الخلافة . 
والخلافة العباسية . وهي اللاحقة لعهد بني أمية ، امتازت تلك الخلافة وعصرها بالبحث العلمي والنهضة العلمية والأدبية وذلك بعد أن اتسعت رقعة الدولة الإسلامية شرقا وغربا ، وحدث الامتزاج بين الحضارات القديمة ليبرز في النهاية الحضارة الإسلامية بصورتها الرائعة وبريقها الأخاذ وفي تلك الخلافة تم تدوين التاريخ وكتابته ، وإن كانت إرهاصاته بدأت في نهاية عهد بني أمية إلا أن حركة التأليف والتأريخ ظهرت بوضوح في ذلك العصر . 
ويكفينا أن نعرف أن تاريخ بني أمية قد كتب في عهد بني العباس ( ألد أعدائهم ) فكان في هذا نظرة مجحفة ظالمة لهم . 
ومن هنا نجد أن لكل حقبة من التاريخ مزاياها الخاصة . 
فدولة رائدة عادلة صنعتها يد النبي ـ صلى الله عليه وسلم وساسها خيرة أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ ، ثم دولة فتوحات ثم دولة حضارية بالمعنى المادي والمعنوي .
فما الثانية إلا نتيجة للأولى وما الثالثة إلا خلاصة المرحلتين الأولى والثانية . 

وما كتبه الحانقين على هذه الدولة في عصرنا الحاضر مستمد من مصدرين . 

الأول : كتابات المستشرقين الحاقدين على الإسلام وتاريخه وحضارته . وخاصة دولة بني أمية التي أدخلت الإسلام بلادهم حتى كادت أن تدخل باريس من الغرب وحاصرت القسطنطينية وأخذت كثيرا من ملك الدولة البيزنطية من جهة الشرق . 

الثاني : الروايات الشيعية الملفقة والموجودة في بعض كتب التاريخ . كتلك الروايات التي نقلها الطبري عن أبي مخنف ذلك الشيعي الكذاب وغيرها كثير .

وكيف لهم يجهلون قدر تلك الدولة العظيمة التي اتسعت رقعتها من الصين شرقا إلى جنوب فرنسا غربا ، كل هذا تحت خلافة واحدة تعلي كلمة التوحيد وتدافع عنه وتنشر الإسلام في كل مكان فإن كان لبعض خلفائها هنات ، فلا نقف عندها لنحلل ونعطي الأمر أكثر مما يستحق ، ونذهب نعمم ونقول للناس بأنهم كانوا ظالمين ومعتدين ، فهذا خطأ بين وخطب فادح . 

وهذه النظرة المغلوطة للتاريخ الإسلامي وأحداثه قد بدت جلية واضحة في القرن الماضي حيث العلمانية تطبق ذراعيها على عالمنا الإسلامي ، وحيث الصحوة الإسلامية التي لاحت بوادرها في الأفق ، وراحت تعيد البعث في الأمة من جديد لتعود سيرتها الأولى كما كانت في عهدها الأول ( خير أمة أخرجت للناس ) . مما يشي بأنه حقد على الإسلام لا حقد على بني أمية .


===============

يكفيهم تأريخ مشرف أنهم وحدوا الامة وبلدانها وسارعوا في عملية الفتح الاسلامي وحققوا مجدا للتأريخ العربي الاسلامي لم يحققه غيرهم في التأريخ العربي الاسلامي 0؛ لله دركم من رجال 0

============


من المؤسف ما نلاحظه هنا من اتهام وقدح وذم لطارح الموضوع وشرق البعض منه غصة في حلوقهم لمجرد محاولة إيضاح بعضاً من الأحداث المغيبة عن ذاكرة الأمة وتاريخها ......
حقائق طمستها أيدي العابثين والحاقدين من أعداء للإسلام تلقفها منهم بعضاً من ذوي المآرب الضيقة من مذهبية حمقاء أو شعوبية عوجاء .....
تاريخنا الإسلامي العربي الخالد تعرض لحملات تشويه ظالمة لم ينجو منها حتى عهد الخلفاء الأربعة ومن أكثر من تعرض للظلم والتشويه هم بنو أمية حتى أصبح الناشئة من أبناء العرب والمسلمين يرون فيها صوراً أكثر بشاعة من النازية !!!! ولأن تاريخ أي أمة هو ذاكرتها الحية التي تستلهم منها دروس ومعاني العزة والكبرياء وأسهل طريقة لمحو هذه الذاكرة تشويه حقائقها وطمس معالمها لينفصل الحاضر عن الماضي .
أما لماذا هذا الهجوم على الدولة الأموية فمن المعلوم أن هذه الدولة هي التي نشرت الإسلام في آفاق الأرض وفتحت الفتوح شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً استطاعت في تسعين عاماً فقط أن تفتح معظم بلاد العالم القديم وتدقّ أبواب القسطنطينية وتسيطر على البحر المتوسط الذي كان بحيرة رومانية، وتقضي على البيزنطيين في الشمال الإفريقي الذي عجز من كانوا قبلها عن فتحه وتفتح الأندلس حتى ما وراء جبال البرانس وتتوغل في الهند الشمالية وتسيطر على منطقة ما وراء النهر، وتزحف على آسيا الوسطى وغيرها وكان لها جيوشها في البر وأساطيلها في البحر فهل من فعل ذلك لم يكن هدف حكامها سوى الجواري والغلمان كما ادعى البعض هنا !!!
في عهد الأمويين أنشأ أول جيش منظم هدفه ضبط الأمن والنظام في الداخل وإثارة الجهاد في الخارج وهم أول من عرَب الدولة وسكت النقود العربية في عهدهم وأقيم جهازاً حكومياً منظماً .
قليل من الإنصاف في حق قوم لم يدعوا لأنفسهم العصمة !!!
وقليل من التحرر من ربقة التعصب والحقد يا من تدعون للوحدة وأنتم أبعد ما يكون عنها !!!

=============
بنو أمية والكتابات المتحيزة

توطئة :قامت دولة بني أمية في المشرق عام الجماعة سنة41هـ (661م) وعاشت تواجه عدداً من المشكلات حتى انتهت سنة(132هـ/ 750م) ..
أسسها أموي هو معاوية بن أبي سفيان (41 - 60هـ) وسقطت
- وهي لا تزال فتية - على عهد أموي آخر هو مروان بن محمد (127 - 132هـ).
ويكاد يجمع المؤرخون على أن مؤسس الدولة عظيم من عظماء العرب وداهية من دهاتهم .. ويكادون يجمعون كذلك على أن مروان بن محمد الذي سقطت الدولة في عهده عظيم كذلك، وأنه - لولا تكالب عوامل السقوط وبزوغ دعوة آل العباس - لكان قادراً على قيادة السفينة، وأنه كان كفئاً بارعاً .
وبين هذين الرجلين العظيمين - مع اختلاف في درجة العظمة بينهما - تتابع خلفاء بني أمية الأربعة عشر .. فكان منهم عظماء كبار، وبناة دول من طراز نادر، مثل: عبد الملك بن مروان (65 - 86هـ)، والوليد بن عبد الملك (86 - 96هـ)، وعمر بن عبد العزيز (99 - 101هـ)، وهشام بن عبد الملك (105 - 125هـ) …
وتكاد فترة حكم هؤلاء الذين يكاد الإجماع ينعقد على عظمتهم
- حتى من بعض خصومهم - تغطي ثلاثة أرباع الفترة الزمنية للحكم الأموي في المشرق .. فهي بالتحديد تنتظم سبعاً وسبعين سنة من حكم بني أمية الذي يبلغ إحدى وتسعين سنة !!.
فلماذا سقطت هذه الدولة الشابة الفتية إذن؟
ـ إن هذا السؤال كان ـ وما زال ـ يلح على مؤرخي الإسلام، ولعله ليس من المبالغة القول : إن كثرة طرح السؤال فيما يتعلق بالدولة الأموية دليل ـ في حد ذاته ـ على نوع من الاندهاش والحيرة لدى جمهور المؤرخين إزاء هذا العمر القصير، والسقوط السريع لدولة الفتوحات العظيمة؛ التي حفلت بعظماء كبار من طراز معاوية وعبد الملك وعمر بن عبد العزيز !!
إن أية مقارنة تاريخية بين شخصيات الدولة وأعمالها، شخصيات عدد من الدول التي طال عمرها أضعاف الدولة الأموية وأعمالها
ـ كذلك ـ سوف تكشف لنا أن الأمويين لم يكونوا أقل من غيرهم، إن لم يكونوا أفضل منهم، سواء في نوعية الشخصيات الحاكمة، وإمكاناتهم الخلقّية والنفسية والفكرية والتزامهم بالإسلام، أم في الأعمال العامة الحربية والسلمية التي قامت بها كل دولة من هذه الدول.

فالفاطميون ـ كمثال ـ كان حكامهم في المغرب أربعة عشر خليفة، وهو نفس عدد خلفاء بني أمية، وقد كانت صراعاتهم في أغلبها مع المسلمين، وكانت امتداداتهم الحربية على الأرض الإسلامية نفسها، وإنه لمن التجاوز مقارنة شخصيات خلفائهم ـ من ناحية أعمالها الخارجية والداخلية والتزامها بالإسلام ـ بخلفاء بني أمية ، وبالأعمال التي قام بها بنو أمية في الداخل والخارج .. ومع ذلك فقد عاش الفاطميون يحكمون مصر أكثر من قرنين (358 ـ 567هـ) !! وحكموا المغرب أكثر من ستين سنة ...
فكيف وقع هذا التفاوت بين عُمْر الأمويين والفاطميين مع ما تميز به كل منهم ؟!!
إنه ليبدو لي ـ كفريضية أطرحها في باب تفسير التاريخ ـ أنه لا تطابق بالضرورة بين أعمال الدول وبين عظمتها ... وإن سقوط الأمويين السريع ليس دليلاً على عدم جدارتهم ، كما أن امتداد أعمار بعض الدول ليس دليلاً ـ بالضرورة ـ على أهليتها للبقاء...!!
وربما يرى كثير من دارسي التاريخ أن ميزان الأمويين في التاريخ ـ على قصر عمرهم ـ لا يقل عن ميزان العباسيين مع طول عمرهم (132 ـ 656هـ) !!
وبالتالي فإننا يجب أن نبحث عن الأسباب الحقيقية التي أودت ببني أمية ، دون أن نحمل أفكاراً ثابتة مسبقة ضدهم، أو أن نكون قد تأثرنا بتلك الكتابات الشائعة التي ذهبت تعالج تاريخ بني أمية، وهي منتمية أصلاً لموقف فكري عقدي أو سياسي أو عاطفي مناهض لهم !!
في البداية أحب أن أقول: إن المؤرخ الموضوعي هو (محام) عن الحقائق التي ينتهي إليها من خلال معايشته للوقائع وفحصها ...

وحتى لو كان دفاعه حارًّا ، فهذا لا يؤخذ عليه (من ناحية المبدأ) لا سيما بالنسبة لقوم كبني أمية ظل تاريخهم هدفاً للتجني والافتراء والازدراء خلال القرون الخمسة التالية لسقوطهم على الأقل ، وهي قرون خصومهم العباسيين.. كما ظل تاريخهم هدفاً للغمط والازدراء من الفاطميين ومن آل البيت والهاشميين ومن الخوارج ومن بني بويه ومن عملائهم المأجورين كأبي الفرج الأصفهاني صاحب كتاب (الأغاني) وغيرهم ... .

فإذا جاءت مدرسة تاريخية معاصرة ـ على هذا النحو ـ تكشف اللثام عن هذا الظلم ، وتقدم للأمة الصفحة الحقيقية ـ بكل ألوانها وأطيافها ـ لدولة إسلامية لم تعش إلا تسعين عاماً [وهو ما يساوي أعمار ثلاثة حكام من الجبارين المعاصرين الذين دمروا كل شيء إيجابي في أوطانهم المحدودة !!] [وبالمناسبة فإن المستنصر الفاطمي الذي أكلت مصر في عهده لحوم الكلاب والحمير وبيعت لحومها في الأسواق حكم ستـّين سنة!!] ... ومع ذلك استطاعت هذه الدولة (الأموية) ـ في هذا الزمن الوجيز ـ أن تفتح معظم بلاد العالم القديم ، وتدقّ أبواب القسطنطينية ، و تسيطر على البحر المتوسط الذي كان بحيرة رومانية ، وتقضي على البيزنطيين في الشمال الإفريقي الذي عجز من كانوا قبلها عن فتحه ، وتفتح الأندلس حتى ما وراء جبال البرانس ، وتتوغل في الهند الشمالية ، وتسيطر على منطقة ما وراء النهر ، وتزحف على آسيا الوسطى وغيرها.
إذا جاءت مدرسة تـَفْعَلُ هذا دون أن تـُخفي الأخطاء ... فهل تُلام هذه المدرسة (وأنا واحد منها) ؟ وهل تستحق أن يُقال عنها كما قال عنِّي الشيخ (القرضاوي) : (إنني أغالي غلواً غير مقبول ، وأنصبُ نفسي محامياً عن تاريخ بني أمية كله بأخطائه وخطاياه) ؟ !
إنني لا أعتقد أنني ـ وهذه المدرسة ـ نستحق اللوم أو نستحق هذه الصفات (فحاشا لله أن ندافع عن الأخطاء والخطايا) ؛ بل إنني أعتقد أنَّ هذا الموقف الذي نتبناه إنصاف جاء متأخراً عدة قرون لبعض صفحات (تاريخنا المفترى عليه!!).
لنتذكر هنا ما يقوله العقاد :
حق الأمانة على المؤرخ في هذه المرحلة من التاريخ الإسلامي أن يراجع بينه وبين ضميره طائفة من الحقائق البديهية ، قبل أن يستقيم له الميزان الصادق لتقدير الرجال بأقدارهم وتقويم المناقب والمآثم بقيمتها.

ومن الحقائق البديهية تواطؤ الزمن على إقرار ما قيل وتكرر ، وطال وقوعه في الأسماع ، حتى لتكاد تنفر من تغييره لو عرض لها شيء من التغيير ، وحتى لتكاد تعجز عن النفاذ إلى الحقيقة لو رغبتْ في ذلك التغيير لسبب من الأسباب ، وقلما تعرض هذه الأسباب لمن لا يعْنيهم تمحيص ما يقال في الساعة الراهنة ، فضلاً عما يقال ويعاد منه مئات السنين .

ومن الجدير بالذكر ـ أيضاً ـ في هذا المقام ـ أنَّ الموازين العاطفية لا تحكم وقائع التاريخ ، وبالتالي فالقول بأن المسلمين جميعاً ـ كما يقول البعض ـ يتحيزون للإمام عليِّ وذريته هو قول صحيح إذا كان التحيز دينياً وعاطفياً ، ونحن مع المسلمين جميعاً في هذا ، فنحن نحب آل البيت أكبر من معاوية والأمويين مئات المرات ...
لكنّ هذا الحب الديني والوجدانيّ لا يمنعاننا (ما دمنا في مقام الإنصاف التاريخي) أن نحكم بالعقل المجرد ، وبالمنهج الموضوعي المحايد ، كما يحكم القاضي العادل على أقربائه لحساب أعدائهم (اعدلوا ولو كان ذا قربى).


د.عبد الحليم عويس
=================
معاوية في الميزان الصحيح

لقد كان خروج العرب من الجزيرة العربية وسيطرتهم على أكثر أرجاء الإمبراطوريتين الرومانية والفارسية ملزماً بضرورة مواجهة التحديات الجديدة بآليات تسمح بالسيطرة عليها، وهذا ما أدركه (معاوية رضي الله عنه في الشام، وأبصره (الخليفة عمر) وسكت عنه، فالبيئات الجديدة?تختلف عناصرها وتتنوع ميول شعوبها، وتتعدد موروثاتها الثقافية ودياناتها، وبالتالي تتباين عاداتها وأنماط حياتها، ومن ثـَمَّ كما يقول (أستاذنا الدكتور/ محمد حلمي أحمد في كتابه عن الخلافة والدولة في العصر الأموي ص123، طبع مصر1974) اقتضى الموقف مواجهة الحاجات والمشكلات الجديدة في مواطنها، وفي ضوء ظروفها المباشرة، وهذا لا يمكن أن يكون إلا بإقرار نظام (اللاّمركزية)، فقد مضى الزمن الذي كان عمر يقول فيه: (لا أريد أن يحول الماء بيني وبين المسلمين في شتاء أو صيف، إن شئتُ أن أركب ظهر ناقتي إليهم فعلت)!!

فلقد قضى تنوع المذاهب السياسية والميول العنصرية على الخلفاء بأن يكتفوا في معالجة المشكلات التي تنشأ عن تحركات هذه المذاهب والميول بالإشراف اليقظ في مقر الحكومة المركزية بدمشق، وإلا فكيف يستطيع الخليفة أن يتدخل تدخلاً مباشراً في مواجهة الشيعة والخوارج والموالي والبربر في العراق وفارس والشمال الإفريقي والأندلس، (والطريقة المثلى) المناسبة للتحديات الجديدة هي اتباع (اللامركزية) (والواقعية الملتزمة بالثوابت) في مواجهة هذه التحركات، وذلك على العكس من مركزية الدولة ومثاليتها في عصر عمر رضي الله عنه!!

ولقد بقى الإمام علي رضي الله عنه واقفاً عند مستوى (المثالية الراشدية) وملتزماً بنظام (المركزية العمرية) متجاهلاً لحقيقة أساسية اعترف هو بها لأحد محاوريه، وهي أن (عمر بن الخطاب) كان يحكم ناساً في مستوى (عليّ بن أبي طالب) رضي الله عنهما أما هو (أي عليّ) فقد جاء في ظروف مختلفة، فهو يحكم ناساً مختلفين انفتحوا على العالم القديم وتغيرت أساليبهم وبساطتهم [كما اعترف هو] ... لكن الإمام الورع عليا رضي الله عنه بدلاً من تقدير هذا التطور ومواجهته بما يلائم بقى عند مستوى المثالية والمركزية، مع أن أقرب الناس إليه وأخلصهم له قد نصحوا له... وطالبوه بالإيمان (باللامركزية) وأن يترك (معاوية) على الشام، وهو الوالي الذي سبق توليته والتسليم بقدرته وكفايته من قبل الخليفين الراشدين (عمر وعثمان) رضي الله عنهما إلا أنه رفض رفضاً لم يقبله كثير من المحيطين به، وكثير من المؤرخين... وبمثل هذا وهو الذي أوشكت الأمة الوقوف عند (المثالية والمركزية) فشل عبد الله بن الزبيررضي الله عنه كلها على أن تبايعه، لكنه أضاع بمنهجه هذا كل شيء في عدة أيام!!..

وعلى العكس من ذلك كان موقف معاوية مختلفاً، فقد كان مستوعباً للظروف، قادراً على مواجهتها بأكثر الطرق مرونة وسياسة، وذلك في مقابل هذا الموقف ... السياسي (الجامد الحازم) للإمام عليّ رضي الله عنه...

كان معاوية بحق (كما وصفه ابن الطقطقا صاحب الفخري) داهية من الدهاة، ومن أوفر الناس حظاً بأساليب السياسة، وكان عاقلاً في دنياه، قوياً، حسن التدبير، حكيماً، فصيحاً، بليغاً، يحلم في موضع الحلم، ويشتد في موضع الشدة، إلا أن الحلم كان الغالب على طبعه، كريماً باذلاً للمال، محباً للرئاسة شغوفاً بها، وهو يُفضَّل على أشراف رعيته، فلا يزال أشراف قرش من أمثال عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عمر، وعبد الرحمن بن أبي بكر، وبعض آل أبي طالب، يفدون عليه بدمشق فيكرمهم ويقضي حوائجهم، ولا يزالون يحدثونه أغلظ الحديث، ويجابهونه أقبح مجابهة، وهو يداعبهم تارة، ويتغافل عنهم أخرى، ولا يعيدهم إلا بالجوائز السنيّة والصلات الجمّة!!

وكان معاوية إلى جانب ذلك أرحب أفقاً، وأبعد مدى من المحيط الذي حوله، وكانت تطلعاته تتجه إلى قيام دولة إسلامية يسودها الرخاء والعدل، وينتهي فيها سيل الدماء إلى الأبد؛ لذلك اجتهد أن يقيم صرح دولته على أركان، أهمها: التغيرات في بنية النظام السياسي، وتنظيم الإدارة، وتحقيق التوازن القبليّ، وتأمين ولاية العهد، وإخضاع المعارضة، والإحسان إلى كبار الشخصيات الإسلامية من الصحابة وأبنائهم، خاصة بنو هاشم، وتوطيد الأمن في العالم الإسلامي، فاختار من أجل ذلك أكفأ الرجال في الإدارة والسياسة ليساعدوه في إدارة الدولة، وتحقيق الاستقرار فيها ومباشرة أمور الدولة بنفسه من أجل رعاية مصالح المسلمين، هذا بالإضافة إلى اتجاه معاوية لفتح العالم، معتمداً على مواهبه السياسية، حيث كان على درجة عالية من الذكاء والمرونة يعاونه في ذلك مجموعة من القادة الممتازين، ومنهم (الحجاج) مع مآخذنا عليه وبغضنا له (انظر بتصرف عمر العقيلي: خلافة معاوية بن أبي سفيان، صفحات 15، 16، 17).

وتأكيداً لما قلناه من وجود مؤيدين له من المسلمين نشير مرة أخرى إلى نجاح معاوية الساحق الذي لم يستطعه غيره في السيطرة على أهل الشام وتعلقهم به تعلقاً عميقاً (انظر الطبري والمسعودي وغيرهما)، كما أنه وجد تأييداً من اليمانيين وغيرهم... ولهذا فمع أنه دُون الإمام عليّ رضي الله عنه في الفروسية والحرب (كما يقول فيليب حتـّى وآخرون معه)، فإنه لم يستطع أحد من معاصريه أن يتقدمه في مضمار الإدارة والتنظيم الحربي، فلقد أوجد من أهل الشام مادة حربية لتأليف جيش درَّبه، فكان أول جيش منظم في الإسلام، وقد طهّّره من آثار العصبية القبلية المتخلفة عن العهود السابقة، واستخدمه لضبط الأمن والنظام في الداخل وإثارة الجهاد في الخارج، ثم تناول الإدارة الحكومية فألغى كثيراً من مظاهرها التقليدية وأنشأها على الأساس البيزنطي السابق، وأقام جهازاً حكومياً منظماً، وأنشأ مجتمعاً إسلامياً جديداً، وينسب إليه المؤرخون فضل السبق في وضع ديوان الخاتم، وأنه أول من اهتم بأمر البريد الذي صار في أيام عبد الملك مصلحة راقية تربط أجزاء الدولة المترامية الأطراف. (انظر فيليب حتّي وآخرون: تاريخ العرب، ص: 255، طبع: دار غندور).

وفي مجال التطبيق نشير إلى الحقيقة المؤسفة التي شاعت بين المؤرخين، فبينما كان معاوية على هذا النحو من المرونة وجذب الناس والحنكة السياسية... فإن الإمام علياً كان ينطلق من مبدأ ضرورة تطبيق ما يرى أنه (الحق) مهما تكن الظروف غير مواتية (دون أن يخشى في الله لومة اللائم).

وحتى لو كانت النتائج السيئة شبه مرئية للعيان، ويحتاج التطبيق إلى صبر وكياسة... أو لأن التطبيق بهذه الصورة صالح عند التمكن والتوحُّد والحياة البسيطة مثل زمن الراشدين، أما في الفتن، وفي كثير من الظروف فالأمة تحتاج إلى تدرج وأناة... وقد صبر الرسول عليه الصلاة والسلام على كثير من الأذى في مكة دون مقاومة، كما قبِل شروطاً مجحفة في صلح الحديبية تجاوباً مع الظروف وإيماناً بالتخطيط البعيد وسلامة العاقبة...

لكن الإمام علياً رضي الله عنه رفض كل النصائح التي وجهت إليه داعية إياه إلى الأخذ بالتدرج... ولهذا فعندما أشار عليه المغيرة بن شعبة بإبقاء معاوية على الشام لاعتبارات عملية، ولأنه وُلِّي من قِبل الخليفتين الراشدين اللذين سبقاه... رفض بقوة نصائح المغيرة التي تتلخص في قوله لعليّ (رضي الله عنهما): "يا أمير المؤمنين، إن أردت أن يستقيم لك الأمر فاستعمل طلحة على الكوفة، والزبير على البصرة، وابعث بعهد معاوية على الشام حتى تلزمه الطاعة، فإذا استقرت لك الخلافة فأدرها كيف شئت برأيك".

وعندما علم عبد الله بن عباس بنصيحة المغيرة لعليّ بإبقاء معاوية على الشام ذهب إليه وأشار عليه بتثبيت معاوية والأخذ برأي المغيرة في هذه الظروف بخاصة، وعمد إلى إغرائه على قبول ذلك بقوله له: إنَّ عليَّ أن أقْلـَعَهُ من مَنْزِلهِ بعد أن تستقِرَّ الأمور... يا أمير المؤمنين أنت رجلٌ شجاع، لكنك لست بصاحب رأي في الحرب، أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الحرب خُدْعة؟" فقال عليِّ: بلى... فقال ابن عباس: أما والله لئن أطعتني لأصدرنهم بَعد وِرْد، ولأتركنّهم ينظرون في دُبر الأمور لا يعرفون ما كان وجهها في غير نُقصان عليك ولا إثم لك، فقال عليِّ: يا ابن عباس لستُ من هَناتك ولا من هنات معاوية في شيء، فقال ابن عباس لعليِّ: أَطِعْنِي والحَقْ بِمَالِكَ بِينْبُع، وأغْلِق بابَك عليك، فإن العرب تمور وتضطَرب ولا تجد غيركَ، فإنك والله لئن نهضت مع هؤلاء اليوم ليُحَملِنَّكَ الناسُ دَمَ عُثمانٍ غداً... فأبى عليٌّ قبول ما أشار عليه به ابن عباس (رضي الله عنهما)...

وكان ما كان بعد ذلك من تطور الأمور على النحو المعروف خلال السنوات الخمس التالية التي سميت (سنوات الفتنة)، لكنها انتهت بنهاية أسيفةٍ يحزن لها كل مسلم بالنسبة للإمام علي رضي الله عنه... لكنها -على الطرف الآخر- انتهت بوصول معاوية إلى منصب الخلافة الذي لم يكن يطمح إليه، أو يعتقد أنه جدير به بالنسبة لمكانة الإمام عليّ وغيره من علْية الصحابة.

لكن هذه السنوات الخمس بخاصة وما قبلها حين كان والياً أثبتت أنه(رجل دوَلة وصانع حضارة).

وقد أشار إلى هذه الحقيقة الإمام ابن تيمية في الجزء الثالث من منهاج السنة... حين قال: "لم يكن من ملوك الإسلام في زمان ملك من الملوك خيراً منهم في زمن معاوية إذا نسبت أيامه إلى أيام من بعده، وإذا نسبت إلى أيام أبي بكر وعمر ظهر التفاضل" كما أخرج البخاري في التاريخ الكبير عن همام بن منبه أنه قال: "سمعت ابن عباس يقول: ما رأيت أحداً أخلق للملك من معاوية، إن كان ليرد الناسُ منه على أرجاء وادٍ رحب، ولم يكن كالضيّق الخضخض الحصر (أي قليل الخير)!!

د.عبد الحليم عويس

===========


الأمويون: إنجازاتهم وتاريخهم المشوه 
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=94630

الأمويون : دولة الفتوحات

الدكتور عبد الحليم عويس
http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=163070


ملف أثر التشيع و الشيعة في كتابة التاريخ

http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=168038

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق