الجمعة، 31 أكتوبر 2014

لماذا قال تعالى في قصة الغار ( فأنزل الله سكينته عليه ) ولم يقل عليهما ؟

السؤال : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

يقول الرافضي :


يقول تعالى{إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (40) سورة التوبة


الأسئلة 

1/ الآية تقول ألا تنصروه ، تنفي الآية إن يكون هناك أحد نصر رسول الله ، مع أن أبو بكر خرج معه إلى الغار ولكن القرآن لا يسمي ذلك نصراً أبدا بل ويؤكد أن ذلك لم يكن نصرا بقوله إلا تنصروه .

2/ الآية تقول إذ أخرجه الذين كفروا ، القرآن يصرح أن الذين كفروا لم يخرجوا أبو بكر ولكن أخرجوا الرسول فقط والقرآن لم يقل أخرجهما بل قال أخرجه ، وهذا يعني إن أبو بكر لم يكن مطاردا من قبل كفار مكة ولا يمثل على كفار مكة خطراً أبدا وأمره لا يهم لذلك لم يخرجوه ، وأن أبو بكر هو الذي تبع النبي ولم يتلقى من النبي دعوه بذلك .

3/ الآية تقول إذ يقول لصاحبه ، وهذا لفظ صاحبه ، يشبه تماما ذلك الفظ الذي آتي على لسان النبي يوسف وهو يقول يا صاحبي السجن ، يطلق على اثنين من الموجودين معه في السجن ب يا صاحبي مع إنهما كافرين ، وهذا يعني أن لفظ لصاحبه في الآية يخص وجود أبو بكر مع الرسول في الغار فقط وذلك لوجوده في الغار . ولا تعني تمجيده وتقديسه .

4/ تقول الآية لا تحزن ، هل إن حزن أبو بكر فيه لله رضى أم لا ، إن قلت فيه لله رضى قلت لك كيف ينهي الله عن شيء فيه لله رضا .

5/ الآية تقول إن الله معنا ، أراد الرسول أن يهدي من فزع وخوف أبو بكر وذكره إن الله موجود ومعنى معنا أن الله يرى وينظر لما يحدث ، ولا تعني الآية إن الله مع أبو بكر إذا شمل قول الرسول نفسه وأبو بكر لا بعد قول الرسول يجيب الله سبحانه عن هذا التساؤل ويقول فأنزل الله سكينته عليه ، انظر إلى الآية وهي تقول عليه أي على الرسول فقط وأخرجت أبو بكر ولم تشمله ولم تنزل عليه السكينة ، وإياك أن تقولي إن السكينة نزلت على أبو بكر كما في بعض تفاسير السنة بل نزلت على الرسول والدليل على ان السكينة في هذه الآية نزلت على الرسول هو سياق الآية في قوله وأيده بجنود لم تروها وهذا التأيد أشارة الى بداية الآية وهي تقول ألا تنصروه فهنا تكون السكينة نازله على الرسول بالدليل الذي ذكرناه .

6/ تقول الآية وأيده ، الآية مرة أخرى تخرج أبو بكر من الخير من التأييد ولم تشمله بذلك بل نزل التأييد على الرسول فقط مع إن أبو بكر كان معه ولكن لم يؤيده القرآن .

ويتضح لك إن القران لم يهتم في أبو بكر إذ كان مع النبي ولم يناله أي خير وهذا يؤكد انه ليس هو الخليفة المطلوب للأمة بعد الرسول ولو كان كذلك لشمله الخير الذي نزل على الرسول وكان أبو بكر معه وبجنبه ولكن لم يحصل على شيء من الخير .

فما هو الرد ؟ 


الجواب لفضيلة الشيخ حامد العلي حفظه الله : 

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : 

معنى ( إلاّ تَنْصُرُوُه ) .أيْ: إن تركتم نصره ، فالله تعالى ينصره ، كما نصره في موطن القلّة ، عندما كان في في الغار ومعه الصدّيق ، رضي الله عنه وأرضاه ، فكانوا اثنين فقط ، ومع ذلك نصره الله تعالى ، هذا هو المعنى ، وليس فيـه نفي النصرة ، فقد قال تعالى ( هُوَ الّذٍي أيّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالمُؤْمِنينْ ) ، فقد أثبت أن الله تعالى أيّـده بالمؤمنين أنصارا .

ثم يقال أيضا : أيُّ نُصرةٍ أعظم من أنْ يصاحبه الصديق في وقت المحنة ، والغربة ، والطلب من أعداءه لقتله، وفي زمن الخوف والشدة ؟!

ومعلوم عند العقلاء جميعا ، أنّ الإنسان لو كان مطلوبا ليُقتل فأراد أن يتخفّى ، فمن يقارنه في ذلك الوقت هو أعظم الناس نصرةً له وأشدّهم محبة له ، وهذا ظاهر لايخفى على عاقــل.

وقوله : ( إذْ أَخْرَجَه الّذِينَ كَفَرُوا ) .وقـد ذكر الضمير عائداً إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقـط ، لأنّ قصد الكفار بالأصل إخراج النبي صلى الله عليه وسلم ،لأنـّه قائد الدعوة ،

وأما أصحابُه ، فقد فكان الكـفّار يعذّبون الضعيف منهم ، ويكفّون عـن القوي الذي له منعه في قومه ، ولأنّ إخراج الصديق لايُوقف الدعوة ، بخلاف إخراج النبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّهم ظنّوا إنّ بإخراجه تتوقف دعوته ، لهذا قال ( إِذْ أَخْرَجَه).

فذكر الله تعالى إخراج النبي صلى الله عليه وسلم فقـط ، وفي ذلك أيضا منقبة للصديق ، فإنّه ـ رضي الله عنه ـ لم يُخرج ، ولم يُطرد ، ولكنه مع ذلك أخرج نفسه وآثر الهجرة وتعريض النفس للخطر نصرةً للنبي صلى الله عليه وسلم .

أمّا زعمه أن الصديق تبعه من غير رغبة من النبي صلى الله عليه وسلم ، فهذا ـ مع أنه خلاف الصواب بل النبي صلى الله عليه وسلم اختاره استجابةً لرغبة الصديق كما ثبت في الصحيح ـ لكنْ مع ذلك ، ما زعمه هذا الرافضي حجة عليه ، فهـو دليلٌ على فضل الصديق رضي الله عنه ، فإنـّه تبع النبي صلى الله عليه وسلم في حال الخوف والغربة ، وآثر أن يكون معه ،فيعرض نفسه للخطر ،وهـو يعلم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم هو هـدف الكفار ،وأنه غاية مقصدهـم بالشر والسوء .

أما الفرق بين قوله تعالى ( ياصاحبي السجن ) وقوله ( صاحبه ) فواضح جدا ، فإن يوسف عليه السلام أضافهما إلى السجن، ولم يضفهما إلى نفسه ، قال : يا من هما في السجن حتى صار السجن كأنه صاحبهما .

أما الصديق فقد أضافه الله تعالى إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقـال ( لصاحبه ) ولم يقل ( لصاحب الغار ).

وشتان بين الأمرين .

أما ما ذكره الرافضي من الحزن ،فهـو دليل على فضل الصديق ،فإنه حزن خوفا على النبي صلى الله عليه وسلم ،

وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم له عن الحزن ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن الحزن الذي كان دافعه الخوف على صاحب الدعوة ، ولكنّه أخبره بالبشارة التي تذهب الحزن فقال ( إنّ الله معنا ) .

أيْ : إن العاقبة ستكون لنا فسيزول حزنـك فلا تحزن.

وذلك مثل قوله تعالى (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) ، ومعلومٌ أن حزن المؤمن بأقوال الكفار الكفريّة ، وإشراكهم ، وصدّهم عن الدين ، أنّه مشروع ، لكنّ الله تعالى يطمئن نبيه صلى الله عليه وسلم أنّ الله تعالى الذي له العزّة جميعــا ، سينصرك ، ويجعل العاقبة لك. وذلك كما يقول القائد لجنده الخائفين عليه ، لاتحزنوا سيأتينا المدد ، ونحو ذلك .

وقول الرافضي ( أراد أن يهدّئ من خوف وفزع أبا بكر ) فيه حجّة عليه ، فيقال : فلماذا هو ـ أي الصديق ـ خائف على النبي صلى الله عليه وسلم ، إلاّ لأنه مؤمن برسالته ، ثم لماذا عرض نفسه للخوف أصلا باتباع النبي صلى الله عليه وسلم في موطن الخوف والطلب من أعدائه ، إذا لم يكن يؤمن برسالته ؟!

ففي هذا دليل واضح على إتباعه للنبي صلى الله عليه وسلم ، وحبّـه له ، وتضحيته من أجله ، خلافا لم تزعمه الرافضة .

وأيضا فظاهـر الآية أن قوله تعالى ( معنا ) أي معية النصرة ، لأن المقام مقام يستدعي النصرة ، وليس مجرد العلم والإحاطة والسمع والبصر .

وانظر إلى تناقض الرافضي في قوله إن النبي صلى الله عليه سلم أراد أن يهدّىء من خوف الصديق ، فقال له إنّ الله معنا ، ثم زعمـه أنها ليست معيّة النصرة ،وإنما السمع والبصر فحسب ، فلماذا إذن يقول له ( إنّ الله معنا ) وما فائدتها سوى أنها تدل على أن الله تعالى ناصرنــا ؟!!

والآية واضحة على أن المعيّة الإلهية شملت النبي صلى الله عليه وسلم والصديــق ،وصرفها عن هذا الظاهر تحكّم ومغالطة !


أمّا قوله ( فأنزل الله سكينته عليه ) فقد ذكر بعض المفسّرين ، أنّه الصديق ، قالوا : لأنّه هو الذي احتاجها ، أمّا النبي صلى الله عليه وسلم فلم تزل عليه السكينة ، ثم إنّه لم يكن خائفا فلم يحتج السكينة أصلا.

والأشهر أن الضمير عائد على النبي صلى الله عليه وسلم ، والسبب في قصر عود الضميـر عليه ، لأنّه القائد ،فإذا نزلت عليه السكينة في أوقات الشدّة ،انعكست على أتباعه ، ومعلومٌ أن الأتباع يثبتون بثبات قائدهم.

وتأمّل أن النبي صلى الله عليه وسلم طمأن أعظم أتباعه ـ وهو الصديق ـ أن الله معنا فهدأ من روعه ، ثم أنزل الله السكينة على النبي صلى الله عليه وسلم فظهر من حاله السكون التام ، فألقى ذلك على أعظم أتباعه مثل سكونه ، وفي هذا فائدة وهي التنويه بخطورة أثر القيادة على الأتباع . 

أما ذكر التأييد بالجنود لقائد الدعوة ، فلأنـّه هو كان هـدف الكفار ، وهـو مقصدهم بالقتل في الدرجة الأولى ، ولانّ تأييده بالجنود ، ينتفع بـه الأتباع تبعا .وذلك مثل قوله تعالى عن نوح ( وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) فقد نصره ونصره أتباعه ، ولكنْ ذكر نصره فقط ، لأنّه يشمل أتباعــه تبعا لـه .

ولأنّ سياق هذه الآيات من سورة التوبة ، من أوّلهـا ، في بيان أنّ محمدا صلى الله عليه وسلم منصورٌ لامحالة ، فحتّى لو ترك الناس كلّهم نصره ، فإنّ الله تعالى ينصر رسوله ويؤيده بالجنود ، فلهذا اقتصر الضميـر عليه .

أما آخر ما قاله الرافضي وزعمه ، أنّ القرآن لم ينوّه بالصديق في هذه القصة ، فكذبٌ واضح وظاهر ، فالآيات ذكرت الصديق في عدة مواضع : ـ


ثاني اثنين 

إذ هما في الغار

يقول لصاحبه 

لا تحزن 

إن الله معنا

وقد ذكره الله تعالى خمس مرات في سياق قصيـر ، وهذا من أعظم التنويه بفضله .

فذكره مرة في بيان أنّه كان رضي الله عنه ، مع النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكــن سواه معه في قوله ( ثاني اثنين ) ، أي كانا اثنين لم يكن معهما ثالث ، وهذا أقل ما يكون من العدد بعد الواحد ، ومع ذلك نصره الله تعالى، وفي ذلك بيان واضح على أنّه لو لم يكـن معه سوى واحد من الناس ينصره ، فسيكون الصديق وحده ، ولهذا أقامه الله تعالى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم ، في أعظم مقام فوقف وحده ناصراً للرسالة حتى جمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم على حرب المرتدين ، ثم أطفأ أعظم فتنة حدثت في الإسلام بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .

والثانية : في بيان أنّه كان معه في الغـار حيث الشدّة ، والخوف ، والموقف العصيـب ، لبيان منزلة الصديق ، وأنّ الله اختاره دون سواه لذلك المكان في ذلك الحدث التاريخي دون غيره .

والثالثة : أنه سماه : صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقــال ( لصاحبه ) ولم يقال صاحب الغار كما بيّنـا .

والرابعـة : أن الله تعالى جعل الذي يطمئن الصديق هو النبي صلى الله عليه وسلم نفسه في قوله ( لاتحزن ) .

الخامسة: ذكره أن الله تعالى معهما أي مع النبي صلى الله عليه وسلم والصديـق بالنصرة والتأييد.

وبهذا يتبيّن أنّ المغالطات التي أرادها الرافضي في غاية السخف والضعف ، وأنها انقلبت عليه ، وقد فهم الصحابة حكمة اختيار الله تعالى الصديق لصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف ، وأنّ ذلك أوضح دليـل على أن الصـدّيق رضي الله عنه ، أعظم أتباعه صلى الله عليه وسلم ، وأنه الذي سيحفظ الدين من بعده ، وهذا ما وقع حقا وصدقا ، وقد أجمعت الصحابة على فضل الصدّيق على من سواه ، وأحقيّته بالخلافــة واختاره الله تعالى لخلافة نبيه صلى الله عليه وسلم ، كما أختاره لصحبته في الغار ،ونوّه بذكره مع خيرته من خلقه صلى الله عليه وسلم ، نوّه بذكره في القرآن دون بقية الخلـق أجمعــين ، ورفع شأنه بوحي يتلى إلى يوم القيامة ، ورفع الله قدره ومقامه ،إلى أسنى مقام بعد النبيين في العالمين . 

فقد أعلى الله منزلته وإن كرهت الرافضة الحاقدة على ديـن المسلمين ، وحقدههم سيرتد عليهم وسيبوؤون بالخسران المبين ، كعادتهم في كل زمان وحين ، جعل الله عاقبة أمرهم الخزي والهوان ، وجعل العز والنصر والتمكين ، لأهل السنة أنصار الدين والله أعلى وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتاب الفوائد : ( فلما وقف القوم على رؤوسهم ، وصار كلامهم بسمع الرسول ، والصديق ، قال الصديق وقد اشتد به القلق : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلي ما تحت قدميه لأبصرنا تحت قدميه ،

فقال رسول الله : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ، لما رأى الرسول حزنه قد اشتد ، قوّي قلبه ببشارة (لا تحزن ان الله معنا ) . فظهر سر هذا الاقتران في المعية لفظا كما ظهر حكما ومعنى ، اذْ يقال رسول الله وصاحب رسول الله .

فلما مات ، قيل : خليفة رسول الله ، ثم انقطعت إضافة الخلافة بموته فقيل أمير المؤمنين فأقاما في الغار ثلاثا ، ثم خرجا منه ، ولسان القدر يقول لتدخلنّها دخولا لم يدخله أحد قبلك ،ولا ينبغي لأحد من بعدك .

فلما استقلا علي البيداء ، لحقهما سراقة بن مالك ، فلما شارف الظفر أرسل عليه الرسول سهما من سهام الدعاء ، فساخت قوائم فرسه في الأرض إلى بطنها ، فلما علم انه لا سبيل له عليهما ، أخذ يعرض المال علي من قد رد مفاتيح الكنوز ، ويقدم الزاد الي شبعان ( أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني ) .

كان تحفة (ثاني اثنين) مدخرة للصديق ، دون الجميع فهو الثاني في الإسلام ، وفي بذل النفس ،وفي الزهد ، وفي الصحبة ، وفي الخلافة ، وفي العمر ، وفي سبب الموت ، لأن الرسول مات عن أثر السم ، وأبو بكر سم فمات .

أسلم على يديه من العشرة : عثمان ، وطلحة ، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص .

وكان عنده يوم أسلم أربعون ألف درهم ، فأنفقها أحوج ما كان الإسلام إليها .

فلهذا أجلبت نفقته عليه : ( ما نفعنى مال ما نفعنى مال أبي بكر ) 

فهو خير من مؤمن آل فرعون ، لأن ذلك كان يكتم إيمانه ، والصديق أعلن به ، وخير من مؤمن آل ياسين ، لأن ذلك جاهد ساعة ، والصديق جاهد سنين .

عاين طائر الفاقة يحوم حول حب الإيثار ويصيح من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا ، فألقى له حب المال علي روض الرضا ، واستلقى على فراش الفقر ، فنقل الطائر الحب إلى حوصلة المضاعفة ، ثم علا على أفنان شجرة الصدق يغرد.

مبغضيه في قلوبكم من ذكره نار ، كلما تليت فضائله علا عليهم الصغار ، أتري لم يسمع الروافض الكفار ( ثانى اثنين اذ هما فى الغار) .

دُعي إلي الإسلام فما تلعثم ، ولا أبى وسار علي المحجة ، فما زلّ ، ولا كبا ، وصبر فى مدته من مدى العدى ، علي وقع الشبا ، وأكثر فى الإنفاق فما قلل حتى تخلل بالعبا 

تالله لقد زاد علي السبك فى كل دينار دينار (ثاني اثنين إذ هما فى الغار) ، من كان قرين النبي في شبابه ،من ذا الذي سبق إلي الإيمان من أصحابه ، من الذى أفتى بحضرته سريعا في جوابه ، من أول من صلي معه ، من آخر من صلى به ، من الذي ضاجعه بعد الموت فى ترابه ، فاعرفوا حق الجار ، نهض يوم الردة بفهم ، واستيقاظ ، وأبان من نص الكتاب معنى دق عن حديد الالحاظ .

فالمحب يفرح بفضائله ، والمبغض يغتاظ حسرة ، الرافضي أن يفر من مجلس ذكره ، ولكن أين الفرار ، كم وقى الرسول بالمال ، والنفس ، وكان أخص به فى حياته ،وهو ضجيعه فى الرمس ، فضائله جليلة وهى خلية عن اللبس .

ياعجبا !!من يغطى عين ضوء الشمس في نصف النهار ، لقد دخلا غارا لا يسكنه لابث ، فاستوحش الصديق من خوف الحوادث ، فقال الرسول ما ظنك باثنين والله الثالث ، فنزلت السكينة فارتفع خوف الحادث ، فزال القلق وطاب عيش الماكث فقام مؤذن النصر ينادى على رؤوس منائر الامصار ( ثاني اثنين اذ هما فى الغار ).

حبه والله رأس الحنيفة ، وبغضه يدل على خبث الطوية ، فهو خير الصحابة ، والقرابة والحجة على ذلك قوية ) انتهى 


=========

السؤال: لماذا قال الله تعالى : ( فأنزل الله سكينته عليه ) ، ولم يقل : ( عليهما ) ؟ 

الجواب :
الحمد لله
أولا :
الآية المقصودة في السؤال هي قوله تعالى : ( إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) التوبة/40.
وهي تتحدث عن قصة لجوء النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه إلى غار ثور ، وذلك في رحلة الهجرة إلى المدينة المنورة .
ولفهم المعنى الإجمالي للآية الكريمة ننقل كلام العلامة عبد الرحمن السعدي رحمه الله حيث يقول :
" أي : إلا تنصروا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فاللّه غني عنكم ، لا تضرونه شيئا ، فقد نصره في أقل ما يكون ( إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ) من مكة لمَّا همُّوا بقتله ، وسعوا في ذلك ، وحرصوا أشد الحرص ، فألجؤوه إلى أن يخرج ( ثَانِيَ اثْنَيْنِ ) أي : هو وأبو بكر الصديق رضي اللّه عنه ( إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ ) أي : لمَّا هربا من مكة لجآ إلى غار ثور في أسفل مكة ، فمكثا فيه ليبرد عنهما الطلب ، فهما في تلك الحالة الحرجة الشديدة المشقة حين انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما ، فأنزل اللّه عليهما من نصره ما لا يخطر على البال ( إِذْ يَقُولُ ) النبي صلى الله عليه وسلم ( لِصَاحِبِهِ ) أبي بكر لمَّا حزن واشتد قلقه : ( لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) بمعونته ونصره وتأييده ، ( فَأَنزلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) أي : الثبات والطمأنينة والسكون المثبتة للفؤاد ، ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) وهي الملائكة الكرام الذين جعلهم اللّه حرسا له ، ( وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى ) أي : الساقطة المخذولة ، فإن الذين كفروا قد كانوا على حرد قادرين في ظنهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم وأخذه حنقين عليه ، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك ، فخذلهم اللّه ولم يتم لهم مقصودهم ، بل ولا أدركوا شيئا منه " انتهى.
" تيسير الكريم الرحمن " (ص/337) 
ثانيا :
اختلف المفسرون في ضمير الغائب في كلمة ( عليه ) في قوله تعالى : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) على من يعود ، وذلك على قولين :
القول الأول : 
يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو " أشهر القولين " كما قال الحافظ ابن كثير رحمه الله حيث جرى عليه كثير من المفسرين ، كالطبري في " جامع البيان " (14/261)، والزمخشري في " الكشاف " (2/260)، وابن جزي في " التسهيل " (2/76)، والشنقيطي في " أضواء البيان " (7/397) 
والدليل عليه أن الضمير في قوله تعالى : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم قولا واحدا ، فهو الذي أيده ربه بالملائكة ، فيبعد أن يراد بالضمير الذي قبله في كلمة ( عليه ) غير النبي صلى الله عليه وسلم ، كي لا يحصل الانتقال في الضمائر .
يقول ابن كثير رحمه الله :
" ( عليه ) أي : على الرسول في أشهر القولين ، وقيل : على أبي بكر ، وروي عن ابن عباس وغيره ، قالوا : لأن الرسول لم تزل معه سكينة ، وهذا لا ينافي تجدد سكينة خاصة بتلك الحال ؛ ولهذا قال : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) أي : الملائكة " انتهى.
" تفسير القرآن العظيم " (4/155) 
القول الثاني : 
أنه يعود على أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهذا القول مروي عن الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنهما ولكن بإسناد ضعيف ، ومروي عن عن حبيب بن أبي ثابت من التابعين .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : 
" ( سكينته عليه ) على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه " انتهى.
رواه ابن أبي حاتم في " التفسير " (6/1801) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (30/87)، وعزاه الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " (7/9) للحاكم ، ولم نقف عليه في " المستدرك "، ورواه الآجري في " الشريعة " (ص/1807) ت عبد الله الدميجي – دار الوطن .
جميعهم من طريق علي بن مجاهد ، عن أشعث بن إسحاق ، عن جعفر بن أبي المغيرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس به . 
إلا أن الرواية عند الآجري من كلام سعيد بن جبير ، وليست من كلام ابن عباس .
وهذا إسناد ضعيف بسبب علي بن مجاهد ، قال فيه ابن معين : كان يضع الحديث . رغم أن أحمد بن حنبل قال فيه : كتبت عنه ، ما أرى به بأسا . انظر : " تهذيب التهذيب " (7/378) 
كما ورد في " التهذيب " عن يحيى بن الضريس قال : علي بن مجاهد لم يسمع من ابن إسحاق .
وعن حبيب ابن أبي ثابت قال : 
" نزلت على أبي بكر ، فأما النبي صلى الله عليه وسلم فكانت سكينته عليه قبل ذلك " انتهى.
" تفسير ابن أبي حاتم " (6/1801) قال : حدثنا أبي ، ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس وإبراهيم بن مهدي المصيصي والسياق لإبراهيم ، قالا : أخبرنا أبو معاوية ، ثنا عبد العزيز بن سياه ، عن حبيب ابن أبي ثابت .
واختار هذا القول جماعة من محققي المفسرين ، بل نسبه السهيلي في " الروض الأنف " (4/136) إلى أكثر أهل التفسير .
قال أبو جعفر النحاس رحمه الله :
" الأشبه على قول أهل النظر أن تكون تعود على أبي بكر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد كانت عليه السكينة ، وهي السكون والطمأنينة ؛ لأنه جل وعز أخبر عنه أنه قال : ( لا تحزن إن الله معنا ) " انتهى.
" معاني القرآن " (3/210)
وقال ابن العربي المالكي رحمه الله :
" قال علماؤنا : وهو الأقوى ؛ لأن الصِّدِّيق خاف على النبي صلى الله عليه وسلم من القوم ، فأنزل الله سكينته ليأمن على النبي صلى الله عليه وسلم ، فسكن جأشه ، وذهب روعه ، وحصل له الأمن " انتهى. 
" أحكام القرآن " (2/436) طبعة دار إحياء التراث .
وجاء في " مفاتيح الغيب " للفخر الرازي (16/53-54) ما نصه :
" ومن قال الضمير في قوله : ( عَلَيْهِ ) عائد إلى الرسول ، فهذا باطل لوجوه :
الوجه الأول : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر ؛ لأنه تعالى قال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) والتقدير : إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر لا تحزن . وعلى هذا التقدير : فأقرب المذكورات السابقة هو أبو بكر ، فوجب عَوْدُ الضمير إليه .
والوجه الثاني : أن الحزن والخوف كان حاصلاً لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه عليه السلام كان آمناً ، ساكن القلب بما وعده الله أن ينصره على قريش ، فلما قال لأبي بكر : لا تحزن : صار آمناً ، فصَرْفُ السكينة إلى أبي بكر ليصير ذلك سبباً لزوال خوفه أولى من صرفها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قبل ذلك ساكن القلب ، قوي النفس . 
والوجه الثالث : أنه لو كان المراد إنزال السكينة على الرسول لوجب أن يقال : إن الرسول كان قبل ذلك خائفاً ، ولو كان الأمر كذلك لما أمكنه أن يقول لأبي بكر : ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فمن كان خائفاً كيف يمكنه أن يزيل الخوف عن قلب غيره ، ولو كان الأمر على ما قالوه لوجب أن يقال : فأنزل الله سكينته عليه ، فقال لصاحبه : لا تحزن .
ولمَّا لم يكن كذلك ، بل ذكر أولاً أنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه : لا تحزن ، ثم ذكر بفاء التعقيب نزول السكينة وهو قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) علمنا أن نزول هذه السكينة مسبوق بحصول السكينة في قلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن تكون هذه السكينة نازلة على قلب أبي بكر " انتهى. 
وقد أجاب أصحاب هذا القول على استدلال الفريق الأول بعود الضمير في قوله تعالى ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يلي : 
" فإن قيل : وجب أن يكون قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) المراد منه أنه أنزل سكينته على قلب الرسول ، والدليل عليه : أنه عطف عليه قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) ، وهذا لا يليق إلا بالرسول ، والمعطوف يجب كونه مشاركاً للمعطوف عليه ، فلما كان هذا المعطوف عائداً إلى الرسول وجب في المعطوف عليه أن يكون عائداً إلى الرسول ؟
قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) إشارة إلى قصة بدر ، وهو معطوف على قوله : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وتقدير الآية : إلا تنصروه فقد نصره الله في واقعة الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه ، وأيده بجنود لم تروها في واقعة بدر .
وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط هذا السؤال " انتهى.
" مفاتيح الغيب " للفخر الرازي (16/53-54) 
ثالثا : 
على فرض ترجيح القول الأول ، فإن عود الضمير على النبي صلى الله عليه وسلم لا يعني عدم تنزل السكينة أيضا على قلب الصديق رضي الله عنه ، بل إن سياق الآية يدل على حصول السكينة لهما جميعا ، ولكنه عز وجل أفرد الضمير ليدل على وحدة الحال بين النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق ، وتوحد الشخصية التي تخاطب بضمير واحد .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" إذا حصل للمتبوع في هذه الحال سكينة وتأييد كان ذلك للتابع أيضا بحكم الحال ، فإنه صاحب تابع لازم ، ولم يحتج أن يذكر هنا أبو بكر لكمال الملازمة والمصاحبة التي توجب مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم في التأييد ، بخلاف حال المنهزمين يوم حنين ، فإنه لو قال : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُوله ) الفتح/26، وسكت لم يكن في الكلام ما يدل على نزول السكينة عليهم لكونهم بانهزامهم فارقوا الرسول ، ولكونهم لم يثبت لهم من الصحبة المطلقة التي تدل على كمال الملازمة ما ثبت لأبي بكر ، وأبو بكر لما وصفه بالصحبة المطلقة الكاملة ووصفها في أحق الأحوال أن يفارق الصاحب فيها صاحبه - وهو حال شدة الخوف - كان هذا دليلا بطريق الفحوى على أنه صاحبه وقت النصر والتأييد ، فإن من كان صاحبه في حال الخوف الشديد ، فلأن يكون صاحبه في حال حصول النصر والتأييد أولى وأحرى ، فلم يحتج أن يذكر صحبته له في هذه الحال لدلالة الكلام والحال عليها .
وإذا علم أنه صاحبه في هذه الحال ، علم أن ما حصل للرسول من إنزال السكينة والتأييد بإنزال الجنود التي لم يرها الناس لصاحبه المذكور فيها أعظم مما لسائر الناس ، وهذا من بلاغة القرآن وحسن بيانه ، وهذا كما في قوله : ( وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) التوبة/62 فإن الضمير في قوله : ( أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) إن عاد إلى الله : فإرضاؤه لا يكون إلا بإرضاء الرسول ، وإن عاد إلى الرسول : فإنه لا يكون إرضاؤه إلا بإرضاء الله ، فلما كان إرضاؤهما لا يحصل أحدهما إلا مع الآخر - وهما يحصلان بشيء واحد ، والمقصود بالقصد الأول إرضاء الله وإرضاء الرسول تابع - وحَّد الضمير في قوله : ( أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ ) 
وكذلك وحَّد الضمير في قوله : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) التوبة/40؛ لأن نزول ذلك على أحدهما يستلزم مشاركة الآخر له ، إذ محال أن ينزل ذلك على الصاحب دون المصحوب ، أو على المصحوب دون الصاحب الملازم ، فلما كان لا يحصل ذلك إلا مع الآخر وحَّد الضمير ، وأعاده إلى الرسول ، فإنه هو المقصود ، والصاحب تابع له .
ولو قيل : ( فأنزل السكينة عليهما وأيدهما ) لأوهم أن أبا بكر شريك في النبوة ، كهارون مع موسى حيث قال : ( سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ ) القصص/35، وقال : ( وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ . وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ . وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ . وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ . وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) الصافات/114-118، فذكرهما أولا وقومهما فيما يشركونهما فيه ، كما قال : ( فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) الفتح/26 
فلو قيل : ( أنزل الله سكينته عليهما وأيدهما ) لأوهم الشركة ، بل عاد الضمير إلى الرسول المتبوع ، وتأييدُه تأييدٌ لصاحبه التابع له الملازم بطريق الضرورة .
ولهذا لم ينصر النبي صلى الله عليه وسلم قط في موطن ، إلا كان أبو بكر رضي الله عنه أعظم المنصورين بعده ، ولم يكن أحد من الصحابة أعظم يقينا وثباتا في المخاوف منه . 
ولهذا قيل : ( لو وزن إيمان أبي بكر بإيمان أهل الأرض لرجح ) كما في السنن عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( هل رأى أحد منكم رؤيا فقال رجل أنا رأيت كأن ميزانا نزل من السماء فوزنت أنت وأبو بكر فرجحت أنت بأبي بكر ، ثم وزن أبو بكر وعمر فرجح أبو بكر ، ثم وزن عمر وعثمان فرجح عمر ، ثم رفع الميزان ) فاستاء لها النبي صلى الله عليه وسلم فقال : خلافة نبوة ، ثم يؤتي الله الملك من يشاء . 
وقال أبو بكر بن عياش ما سبقهم أبو بكر بصلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه " انتهى باختصار يسير . " منهاج السنة النبوية " (8/350353)
ويقول العلامة الآلوسي رحمه الله :
" في إنزالها على الرسول عليه الصلاة والسلام - مع أن المنزعج صاحبه - ما يرشد المنصف إلى أنهما كالشخص الواحد " انتهى.
" روح المعاني " (10/100) 
والله أعلم .

الإسلام سؤال وجواب


=================



الفخر الرازي يحطم شبة أن السكينة لم تنزل على أبي بكر في الغار

" ومن قال الضمير في قوله : ( عَلَيْهِ ) عائد إلى الرسول ، فهذا باطل لوجوه :
الوجه الأول : أن الضمير يجب عوده إلى أقرب المذكورات ، وأقرب المذكورات المتقدمة في هذه الآية هو أبو بكر ؛ لأنه تعالى قال : ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ) والتقدير : إذ يقول محمد لصاحبه أبي بكر لا تحزن . وعلى هذا التقدير : فأقرب المذكورات السابقة هو أبو بكر ، فوجب عَوْدُ الضمير إليه .
والوجه الثاني : أن الحزن والخوف كان حاصلاً لأبي بكر لا للرسول عليه الصلاة والسلام ، فإنه عليه السلام كان آمناً ، ساكن القلب بما وعده الله أن ينصره على قريش ، فلما قال لأبي بكر : لا تحزن : صار آمناً ، فصَرْفُ السكينة إلى أبي بكر ليصير ذلك سبباً لزوال خوفه أولى من صرفها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أنه قبل ذلك ساكن القلب ، قوي النفس .
والوجه الثالث : أنه لو كان المراد إنزال السكينة على الرسول لوجب أن يقال : إن الرسول كان قبل ذلك خائفاً ، ولو كان الأمر كذلك لما أمكنه أن يقول لأبي بكر : ( لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ) فمن كان خائفاً كيف يمكنه أن يزيل الخوف عن قلب غيره ، ولو كان الأمر على ما قالوه لوجب أن يقال : فأنزل الله سكينته عليه ، فقال لصاحبه : لا تحزن .
ولمَّا لم يكن كذلك ، بل ذكر أولاً أنه عليه الصلاة والسلام قال لصاحبه : لا تحزن ، ثم ذكر بفاء التعقيب نزول السكينة وهو قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) علمنا أن نزول هذه السكينة مسبوق بحصول السكينة في قلب الرسول عليه الصلاة والسلام ، ومتى كان الأمر كذلك وجب أن تكون هذه السكينة نازلة على قلب أبي بكر " انتهى.

وقد أجاب أصحاب هذا القول على استدلال الفريق الأول بعود الضمير في قوله تعالى ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) إلى النبي صلى الله عليه وسلم بما يلي :
" فإن قيل : وجب أن يكون قوله : ( فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ ) المراد منه أنه أنزل سكينته على قلب الرسول ، والدليل عليه : أنه عطف عليه قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) ، وهذا لا يليق إلا بالرسول ، والمعطوف يجب كونه مشاركاً للمعطوف عليه ، فلما كان هذا المعطوف عائداً إلى الرسول وجب في المعطوف عليه أن يكون عائداً إلى الرسول ؟
قلنا : هذا ضعيف ؛ لأن قوله : ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا ) إشارة إلى قصة بدر ، وهو معطوف على قوله : ( فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ ) وتقدير الآية : إلا تنصروه فقد نصره الله في واقعة الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا ، فأنزل الله سكينته عليه ، وأيده بجنود لم تروها في واقعة بدر .
وإذا كان الأمر كذلك فقد سقط هذا السؤال " انتهى.






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق