الخميس، 6 مارس 2014

فقه المصالح والمفاسد

 فصل في تغيير الفتوى ، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد 

الشريعة مبنية على مصالح العباد 

هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به ; فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد ، وهي عدل كلها ، ورحمة كلها ، ومصالح كلها ، وحكمة كلها ; فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور ، وعن الرحمة إلى ضدها ، وعن المصلحة إلى المفسدة ، وعن الحكمة إلى البعث ; فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل ; فالشريعة عدل الله بين عباده ، ورحمته بين خلقه ، وظله في أرضه ، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها ، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون ، وهداه الذي به اهتدى المهتدون ، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل ، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام [ ص: 12 ] على سواء السبيل . 

فهي قرة العيون ، وحياة القلوب ، ولذة الأرواح ; فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة ، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها ، وحاصل بها ، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها ، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم ، وهي العصمة للناس وقوام العالم ، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا ، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها ; فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم ، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة . 

ونحن نذكر تفصيل ما أجملناه في هذا الفصل بحول الله وتوفيقه ومعونته بأمثلة صحيحة . 

ابن القيم 

=======================

فقه المصالح والمفاسد

مدخل:

(الشريعة مبناها على تحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها ومن ثم يجب على الدعاة مراعاة المصالح والمفاسد في الدعوة بما يحقق أعلا المصالح ويدرأ أعظم المفاسد).

قال ابن القيم رحمه الله: (والشريعة مبناها وأساسها يقوم على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد, وهي عدل كلها, ورحمة كلها, ومصالح كلها, وحكمة كلها فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور, وعن الرحمة إلى ضدها, وعن المصلحة إلى المفسدة, وعن الحكمة إلى البعث, فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل)(1).
وهذه قاعدة من أعظم القواعد العاصمة بإذن الله لمسيرة الدعوة والداعية من المزالق، والمخاطر، والانحراف غلوًا أو تقصيرًا، وفي الوقت نفسه من أعظم القواعد لاستمرار الدعوة وسلامتها.
ولذلك نفصل الكلام عنها بشيء من التفصيل في الكلمات الآتية:
* أهمية هذه القاعدة للدعاة:
إن مراعاة فقه الموازنة بين الصالح والمفاسد من الأمور المهمة التي ينبغي لكل داعية أن يتعلمها خاصة في هذا الزمان, لعظم الحاجة إليها, ولأن الدعاة فيها بين إفراط وتفريط, فطائفة لم تعتد بالمصالح الراجحة فخالفت بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم, وطائفة تساهلت في اعتبار المصالح وتوسعت في استعمالها على حساب النصوص الشرعية الواضحة فلم تراع (فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد) ووفق الله طائفة فتوسعت بين هاتين الطائفتين فعملت (بفقه الموازنة بن المصالح والمفاسد) في ضوء نصوص الكتاب والسنة مراعية في ذلك الأصول والضوابط الشرعية مستفيدة من فهوم العلماء المحققين من سلف الأمة
ضابط تحديد المصلحة والمفسدة:
ينبغي التنبه إلى أن المراد بالمصالح والمفاسد ما كانت كذلك في حكم الشرع لا ماكان ملائماً ومنافراً للطبع, ولا يكون تقريرها وفق أهواء النفوس في جلب مصالحها العادية ودرء مفاسدها العادية(2).
من الذي يحدد المصلحة والمفسدة؟
ثم النظر في تقدير المصالح والمفاسد وتقريرها والترجيح بينها يحتاج إلى:
1-  تقوى لله صادقة. 2- وتبصرة علمية نافذة. 3- معرفة بالواقع واسعة, ليتمكن الداعية من تحقيق مقصود الشريعة التي (جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها, وتعطيل المفاسد وتقليلها وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين, وتحصل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما, وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما)(3).
وعلى هذا يتأكد أن:
1- أن تحديد المصلحة من المنظور الشرعي لا المنظور العقلي المجرد, أو الهوى أو نحو ذلك.
2- أن الذي يحدد المصلحة هو العالم الشرعي المتصف بالصفات السابقة من التقوى والعلم, وإدراك الواقع.
وهذا كلام أحسب أنه من النفائس.
* ضوابط الموازنة بين المصالح والمفاسد:
إن الدعاة إلى الله وهو يعيشون واقع الدعوة ويحملون همومها قد يرون في واقع الحياة العملي تصادماً بين حكمين شرعيين على نحو يعجز معه المكلف عن الجمع بينهما, فيضطر إلى اختيار أحدهما وإعطائه الأولوية التنفيذية.
وهذا التقديم كتقديم حكم على آخر في عالم الامتثال لا يكون عشوائياً, بل يجب أن يكون وفق ضوابط, وهي بمثابة قوانين يستنير بها المكلف في ترجيح حكم على آخر ليخرج من الزحمة التي وقع فيها.
وإذا استحضرنا كثرة التزاحمات التي يقع فيها المسلم في عصرنا أدركنا أهمية الضوابط في حياتنا العملية, ويمكن تصنيفها إلى ما يلي:
الضابط الأول: الأكثر مصلحة أولى بالتقديم من الأقل مصلحة.
إذا تزاحمت مصلحتان لزم المكلف الحفاظ على المصلحة الراجحة والتضحية بالمصلحة المرجوحة, فيما إذا عجر عن الجمع بينهما وصيانتهما معاً.
وليس معنى هذا أن المصلحة المرجوحة التي أهدرت, لم تعد مصلحة, ولكن معناه أن المكلف لم يتمكن من الجمع بينهما وبين المصلحة الراجحة, فضحى بها مضطراً لأن الشرع والعقل يحكم بلزوم الحفاظ على المصلحة العليا, ولو أدى إلى تفويت الأدنى.
والمصلحة المفوتة في هذه الحال لم تعد مطلوبة, لذا فإن تركها لأجل تحصيل المصلحة الراجحة, لا يعتبر تركاً لمطلوب شرعي(4).
ومن النصوص الدالة على هذا الضابط:
1- قال تعالى: (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين)(5).
روى مسلم من حديث النعمان بن بشير قال: كنت عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أسقي الحاج, وقال آخر: ما أبالي أن لا أعمل عملاً بعد الإسلام, إلا أن أعمر المسجد الحرام, وقال آخر: الجهاد في سبيل الله أفضل مما قلتم, فرجهم عمر وقال:  لاترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو يوم الجمعة, ولكن إذا صليت الجمعة دخلت فاستفتيه فيما اختلفتم فيه, فأنزل الله تعالى:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ.....)(6).
ففي هذه الآية يبين الله تعالى أن أعمال الحج من العمارة والسقاية والرفادة والسدانة, لا تساوي الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيل الله فالإيمان بالله والجهاد في سبيل إعلاء كلمته, أعظم درجة عند الله من أعمال الحج, وما عظم ثواب الإيمان والجهاد على ثواب الحج, إلا بسبب كثرة منافعهما, وهنا بيان لأن كل ما ذكر من الأعمال الصالحة إلا أن عند الموازنة بقدر الأكثر منفعة. وقد يكون هذا وقت وهذا في وقت. وهكذا.
2- قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفضيل الجهاد وتقديمه على التطوع بالنوافل في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم عن سلمان رضي الله عنه: (رباط بوم خير من صيام شهر وقيامه, وإن مات فيه جرى عليه عمله الذي يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان)(7).
وهذا التقديم الشرعي للعمل بناء على كثرة المنفعة فيه, يتمشى مع طبيعة الإنسان التي تميل إلى الأكثر منفعة.
قال العز بن عبد السلام: (واعلم أن تقديم الأصلح فالصالح... مركوز في طبائع العباد... فلو خيرت الصبي الصغير بين اللذيذ والألذ لأختار الألذ, ولو خير بين الحسن والأحسن لأختار الأحسن, لا يقدم الصالح على الأصلح إلا جاهل بفضل الأصلح أو شقى متجاهل لا ينظر إلى ما بين المسرتين من تفاوت)(8).
لذلك تتابعت أقوال العلماء على هذا الضابط:
قال ابن القيم: (وقاعدة الشرع والقدر تحصيل أعلى المصلحتين وإن فات أدناهما)(9), وقال العز بن عبد السلام: (إذا تعارضت المصلحتان وتعذر جمعهما فإن علم رجحان إحداهما قدمت)(10).
وقال بدران أبو العينين بدران: (التعارض بين المصالح يوجب الموازنة بينهما فإن ثبت أن إحداهما أهم من الأخرى لزم إهدار المهم محافظة على الأهم)( 11).
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
1- أن السهر بعد العشاء ذريعة إلى تفويت قيام الليل, فإن عارضه مصلحة راجحة كالسهر في العلم ومصالح المسلمين لم يكره(12).
2 – وفيها: تأخير الحد لمصلحة راجحة, إما من حاجة المسلمين إليه, أو من خوف ارتداده ولحوقـه بالكفار, وتأخير الحد لعارض أمر وردت به الشريعة كما يؤخر عن الحامل والمرضع, وعن وقت الحر والبرد والمرض فهذا لمصلحة المحدود, فتأخيره لمصلحة الإسلام أولى(13).
ومن الأمثلة في تطبيق هذه القاعد في الدعوة إلى الله تعالى:
1-  لو تزاحمت وسيلتان أحدهما أكثر نفعاً من الأخرى ككلمة وعطية لعدد قليل من الناس, أو درس علمي مستمر لا شك أنه يقدم الدرس, مع عدم إهمال الأخرى.
2-  عند تزاحم عملين لدى داعية من الدعاة كأن يواصل عمل في الإغاثة, أو يتركه لخطبة وهو لا يجيدها, في تطبيق هذه القاعدة أن يواصل عمله الذي يجيده ولا يتركه لعمل آخر يقوم به غيره.
3- عند تعارض تربيته لأولاده مع وعظه العام وبخاصة إذا كان يتطلب سفراً بعيداً عن أهله فتطبيق هذه القاعدة أنه يترك السفر ويجتهد في تربية أولاده.
* الضابط الثاني: الأكثر مفسدة أولى بالدرء من الأقل مفسدة.
إذا تزاحمت مفسدتان أو سيئتان بتعبير شيخ الإسلام ابن تيمية, ارتكب أخفهما بدفع أشدهما, وهذا الدرء للمفسدة الكبيرة باحتمال الصغيرة – كما يقول العز بن عبد السلام – طبيعة بشرية(14) لذا فقد اعتبر التشريع الإلهي هذه الطبيعة البشرية في كثير من أحكامه، ومن الأدلة على ذلك:
أ- قال تعالى في شأن القتال في الأشهر الحرم مبيناً أن القتال فيها أقل مفسدة من الصد عن سبيل الله: ((يسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىَ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُواْ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَـئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (15).
فقد أنكر الكفار على المسلمين استباحة الأشهر الحرم والقتال فيها, فرد الله عليهم قائلاً: نعم القتال فيها كبير الإثم والجرم, ولكن الاعتداء على المسلمين والإسلام بالصد عن سبيل الله وقتل المسلمين وفتنتهم في دينهم وإخراجهم من ديارهم, كل هذا وغيره أعظم مفسدة وأكبر جرماً عند الله من انتهاك حرمة الأشهر الحرم بالقتال فيها, وإذا كان كذلك فإن القتال فيها ضروري وواجب لدرء هذه المفاسد الكبيرة.
ب- وقال سبحانه حكاية عن الخضر مع موسى عليهما السلام: (أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ...), إلى قوله: (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً)( 16).
فدفع مفسدة غصب الملك السفن بمفسدة أخف, وهي خرق السفينة, واحتمل مفسدة قتل الولد ليدفع مفسدة إرهاق والديه طغياناً وكفراً التي هي أعظم واشد من قتله.
وأما من السنة, فمنها:
أ- ما أخرجه مسلم عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره فقد برئ ومن أنكر فقد سلم, ولكن من رضي وتابع, قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا ماصلوا)( 17), قال ابن القيم في تعليقه على هذا الحديث:
(إن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله, فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ماهو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله, لا يسوغ إنكاره, وإن الله يبغضه, ويمقت أهله, وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم, فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر, ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل, وعدم الصبر على منكر, فطلب إزالته, فتولد ما هو أكبر منه, ولهذا لم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد لما يترتب عليه من وقوع ما هو أعظم منه, كما وجد سواء)(18).
ب- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فبال في المسجد فتناوله الناس, فقال لهم النبي صلى الله عليه: (دعوه وهريقوا على بوله سجلاً من ماء - أو ذنوباً من ماء- فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)(19).
إن بول الأعرابي مفسدة لكنها أخف مما قد يصيبه من مرض بسبب قطع بوله, لهذا قال الإمام النووي معلقاً على هذا الحديث: (فيه دفع أعظم الضرر باحتمال أخفهما لقوله صلى الله عليه وسلم: (دعوه) لمصلحتين:
إحداهما: أنه لو قطع عليه بوله لتضرر وأصل التنجس قد حصل, فكان احتمال زيادته أولى من إيقاع الضرر به.
والثانية: أن التنجس قد حصل في جزء يسير من المسجد, فلو أقاموه أثناء بوله لتنجست ثيابه وبدنه ومواضع كثيرة من المسجد)( 20).
وباستقراء هذه الأحكام وغيرها توصل علماء الشريعة إلى صياغة القاعدة التالية:
(إذا تعارض مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما) وتفيد هذه القاعدة القطعية أنه إذ اجتمعت مفسدتان دفعت دفعت العليا بالتزام الدنيا (لأن مباشرة الحرام لا تجوز إلا للضرورة, ولا ضرورة في حق الزيادة) بل (الضرر لايزال بمثله)(21) وما بالك بما فوقه, وإذا كان (الضرر يزال)(22) بما دونه, فإن هذا الدون من المفسدة المرتكب في هذه الحالة معفو عنه باعتباره حالة اضطرارية يرتفع معها الإثم(23).
    قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (وإذا اجتمع محرمان لا يمكن ترك أعظمها إلا بفعل أدناهما, لم يكن فعل الأدنى في هذه الحال محرماً في الحقيقة ... حتى وإن سمى هذا الفعل محرم... ويقال في مثل هذا... فعَل محرَّم للمصلحة الراجحة أو للضرورة أو لدفع ما هو حرام)(24) بل ما رتكبه من المفسدة يعتبر مصلحة من حيث إنها تدفع مفسدة أكبر ما كانت تدفع لولا ارتكاب المفسدة الصغرى.
ومن الأمثلة التي ذكرها ابن القيم لهذا الضابط:
أنك إذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب, أو سماع مكاء وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة الله فهو المراد, وإلا كان تركهم على ذلك خيراً من أن تفرغهم لما هو أعظم من ذلك فكان ما هم فيه شاغلاً لهم عن ذلك, وكما إذا كان الرجل مشتغلاً بكتب المجون ونحوها, وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضلال, والسحرة فدعه وكتبه الأولى, وهذا باب واسع(25).
ومن أمثلة تطبيق هذه القاعدة في المجال الدعوي ما يلي:
عند إنكار المنكر، فلو أنكرت على الأبناء في البيت تقصيرًا في صلاة الجماعة، أو عمل محظور شرعي، ثم أدى بهم هذا الإنكار إلى أن يخرجوا من البيت ويختلطوا بالفساق، فتركهم على ما هم فيه أو من الإنكار، وكما يطبق هذا على الأولاد في البيت يطبق في المجتمع بعامة كما أشار ابن القيم رحمه الله.
*     *     *
* الضابط الثالث: الجهة الغالبة أولى بالتقديم عند تزاحم المصالح مع المفاسد.
إن كل مصلحة لا تخلو من مفسدة وكل مفسد لا تخلو من مصلحة, فلا توجد مصلحة خالصة ولا مفسدة خالصة في أي فعل من الأفعال, لذا كان الحكم للجهة الراجحة.
وعلى هذا الاعتبار تأسست الأحكام الشرعية لأنها تنظم حياة الناس في الدنيا, والدنيا لا يتمحض فيها الخير كما لا يتمحض فيها الشر.
قال شيخ الاسلام ابن تيمية: (جميع المحرمات من الشرك والخمر والميسر والفواحش والظلم, قد تحصل لصاحبه به منافع ومقاصد, لكن كانت مفاسدها راجحة على مصالحها نهى الله ورسوله عنها, كما أن كثيراً من الأمور كالعبادات والجهاد وإنفاق الأموال قد تكون مضرة, لكن لما كانت مصلحته راجحه على مفسدته أمر به الشارع فهذا أصل يجب اعتباره)(26).
وقال الشيخ السعدي: (إن الشارع لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة, ولا ينهى إلا عما مفسدته ومضرته خالصة أو راجحة, ولا يشذ من هذا الأصل الكبير شيء من أحكامه)(27) إلا أن المفسدة التي قد تتخلل الأوامر الشرعية والمنفعة التي قد تتضمنها النواهي الشرعية غير مقصودة للشارع , وإنما يقصد الجهة الراجحة من المصلحة أو المفسدة.
وجريا مع هذا الميزان الشرعي الذي يراعي الجانب الأقوى فإنه إذا تزاحمت المصالح مع المفاسد فإن الحكم للجهة الغالبة, إما للمصلحة وإما للمفسدة, فإن كانت المفسدة أكبر درأناها, وإن كانت المصلحة أكبر جلبناها.
وفيما يلي بعض النصوص الشرعية لهذا الضابط:
1- قال تعالى في شأن الخمر والميسر: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ)(28)
إن في الخمر والميسر منافع ومفاسد, إلا أن مفاسدهما أكبر, لذا كان تحريمها أولى, لأن المعول عليه في التحريم هو غلبة الضرر على النفع, وقد ذكروا أن منافع الخمر تتمثل في الربح التجاري وفي الالتذاذ بشربها, ومنافع الميسر تتمثل في أخذ أموال الغير بلا مقابل وبلا تعب, إلا أن هذه المنافع تقابلها أضرار كثيرة فيهما فرجحت كفة التحريم(29).
2- وامتنع النبي صلى الله عليه وسلم عن نقض بيت الله الحرام وإعادة بنائه على أساس إبراهيم عليه السلام, لأن المصلحة في إعادة بنائه عارضها مفسدة أكبر متمثلة في امتناع قبول بعض المسلمين ذلك لحداثة عهدهم بالكفر.
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا عائشة لولا قومك حديث عهدهم –قال ابن الزبير بكفر- لنقضت الكعبة, فجعلت لها بابين باب يدخل الناس وباب يخرجون)(30).
قال ابن القيم رحمه الله: (لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام, عزم على تغيير البيت, ورده على قواعد إبراهيم, ومنعه من ذلك –مع قدرته عليه- خشية وقوع ماهو أعظم منه مع عدم احتمال قريش لذلك لقرب عهدهم بالإسلام, وكونهم حديثي عهد بكفر)(31).
3- كما امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتل المنافقين, فقد ابتلي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في المدينة بالمنافقين, ورغم أن كيدهم ومكرهم كان يفوق كيد ومكر الكفار فقد امتنع صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لكي لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه, ولأن قتلهم ذريعة إلى النفور من الإسلام, فهذه المفاسد أكبر من مصلحة قتلهم.
وباستقراء مثل هذه الأحكام فهم الفقهاء أن مقصود الشارع عند تزاحم المصالح مع المفاسد, إنما يتحقق بمراعاة الجانب الأغلب.
قال ابن تيمية رحمه الله: (القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد والحسنات والسيئات أو تزاحمت, فإنه يجب ترجيح الراجح منها... فإن الأمر والنهي وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة فينظر في المعارض له, فإن كان الذي يفوت من المصالح أو يحصل من المفاسد أكثر لم يكن مأموراً به بل يكون محرماً إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته)(32).
وقال العز بن عبد السلام رحمه الله: (تقديم المصالح الراجحة على المفاسد المرجوحة محمود وحسن, ودرء المفاسد الراجحة على المصالح المرجوحة محمود حسن)(33).
وقال الشاطبي: (فالمصالح والمفاسد الراجعة إلى الدنيا إنما تفهم على مقتضى ما غلب, فإذا كان الغالب جهة المصلحة فهي المصلحة المفهومة عرفاً, وإذا غلبت الجهة الأخرى فهي المفسدة المفهومة عرفاً)(34).
ومن خلال هذه الأدلة وتلك الأقوال ترى ثبوت هذا الضابط, وهو ضابط مهم خصوصاً في عصرنا الذي يندر فيه أن تجد مصلحة دون أن تزاحمها مفسدة, نظراً لغلبة الهوى وامتناع كثير من الناس عن الاستضاءة بنور الوحي, فيجد المسلم نفسه في مواقف كثيرة محرجاً, تتجاذبه جهتان متناقضتان: جهة الدين الذي يحرم عليه كذا وجهة الدنيا التي تقعسه عن هذا الواجب.
بل إن التزاحم بين المصالح والمفاسد قد يكون داخل الجهة الواحدة بأن تتزاحم مصلحة دينية مع مفسدة دينية أو مصلحة دنيوية مع مفسدة دنيوية, إلا أن تزاحم ما هو دنيوي مع ما هو أخروي هو الذي يقلق الناس المتدينين كثيراً لخوفهم من ارتكاب المحظور الشرعي, لذا فإن امتلاك موازين الترجيح في المواقف التي يتزاحم فيها الصلاح بالفساد أمر مهم بالنسبة للمسلم وخاصة الدعاة, وإلا بقي دائماً محتاراً لا يدري ماذا يقدم وماذا يؤخر.
وهذه الموازين هي نفسها موازين الترجيح بين المصالح المتفاوتة أو بين المفاسد المتفاوتة.
ومن الأمثلة التطبيقية لهذا الضابط:
1-        أن إذا كانت كفة المصلحين مرجوحة فلا ينبغي الخروج على أئمة الجور, لأن البقاء تحت ظل حكم جائر يخل بمصالح حاجية, بينما الخروج عليه يفوت مصالح ضرورية, إذ سيؤدي إلى إتلاف نفوس الثائرين, لذا يحسن بالفئات المصلحة في الأمة أن تهتم بالدعوة كما حصل لبعض الفرق الإسلامية التي خرجت على أئمة الجور فتسببت بخروجها في أضعاف أضعاف ماكانوا عليه من الجور, والأمة في بقايا تلك الشرور إلى الآن(35).
2-  ومن الأمثلة التطبيقية أيضاً في وسائل الدعوة ما سبق من مثال: المشاركة في بعض وسائل الإعلام المتضمنة لكثير من المفاسد, فمما ينبغي دراسة الأمر في واقع المصالح المرجوة والمفاسد المترتبة عليها, وأي جهة غلبت يعمل به.
3- ومن الأمثلة أيضاً: بعض المشاريع المشتركة مع غير المسلمين مثل المشاريع الإغاثية فهذه أيضاً خاضعة لجرد المصالح والمفاسد الآتية والمستقبلية, وقد لا تأخذ حكمًا مطردًا لكن ينبغي التأكيد على توضيح المصالح والمفاسد بوضوح ليبنى الحكم بناءً سليماً, ويتخذا الموقف السليم.
* الضابط الرابع: جهة المفسدة أولى بالدرء عند تساوي المصالح مع المفاسد.
إذا تساوت المصالح مع المفاسد, فإن تمكنا من تحصيل المصلحة ودرء المفسدة في آن واحد فحسن, وإن لم نتمكن من الجمع بين التحصيل والدرء, قدمنا دفع المفسدة على جلب المصلحة ولو نجم عن ذلك حرمان من منافع عملا بقاعدة: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح)(36).
ومن الأمثلة التي ذكرها العلماء لهذه القاعدة:
أ‌-  دفع الموت عن النفس بموت الغير, كأن يهدد شخص بالقتل إن لم يقتل غيره, فهنا تساوت مصلحة الحفاظ على النفس مع مفسدة إزهاق نفس الغير, لكن بما أن القتل مجمع على تحريمه, والصبر مطلوب في حق من أكره على على ذلك, فإن درء قتل الغير مقدم على درء قتل النفس(37).
ب‌-  إذا كان تصرف الجار في ملكه يؤدي إلى إيذاء جيرانه كاتخاذ فرن يؤذيهم بدخانه أو معصرة يؤذيهم برائحتها أو مطحنة تؤذي بضجيجها, منع من ذلك, لأن في هذه الأعمال مصالح حاجية لنفسه, ولكنها تؤدي إلى مفاسد مخلة بحاجات جاره, والمفاسد إذا تزاحمت مع المصالح وكانت في درجة واحدة درئت المفاسد.
ومن الأمثلة على تطبيق هذه القاعدة: درء المفاسد مقدم على جلب المصالح, في الدعوة ووسائلها:
1-   عند وجود ابن أو تلميذ أو أي مدعو متساهل في بعض الأحكام الشرعية وعند أمره أو نهيه سيتعدى أذاه إلى الآخرين, فهنا تترك مصلحة دعوته وأمره لأنها ستؤدي إلى مفسدة عظمى وهي التعدي على الآخرين, فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
2-  عند استخدام وسائل متأرجحة بين الحل والحرمة من المستجدات للدعوة, مثل بعض الأناشيد التي لا تختلف على الأغاني المحرمة إلا بأشياء يسيرة, لكن عند استخدامها ستؤدي إلى مفاسد منها: فتنة المشاهدات, أو المستمعات, والتساهل في الوصول إلى الأغاني المحرمة, فلا شك أن المصلحة المدعاة هنا باستخدامها تترك بسبب المفاسد المترتبة عليها فدرء المفسدة مقدم على جلب المصلحة.
*     *      *
وبناء على ما سبق فعلى الدعاة إلى الله تعالى التحلي بهذا الفقه العظيم فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد لأن ذلك يجعل الداعية يحصل في دعوته مصالح عظيمة, ويدفع مفاسد كثيرة.
وإلا فمن لم يوازن ما في الفعل والترك من المصلحة الشرعية, والمفسدة الشرعية, فقد يدع واجبات, ويفعل محرمات, ويرى ذلك من الورع, كمن يدع الجهاد مع الأمراء الظلمة ويرى ذلك ورعاً, ويدع الجمعة والجماعة خلف الأئمة الذين فيهم بدعة أو فجور, ويرى ذلك من الورع(38).
* النتائج المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة.
إن غياب فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد عند بعض الدعاة طلبة العلم, جعلهم يفعلون أموراً فيجلبون بها مفاسد, ويفوتون مصالح, وهو يظنون أنهم يحسنون صنعا.
فكم من مصلحة فاتت, أو مفسدة أحدثت باسم الدعوة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, أو باسم الإنكار على أهل البدع.
فانظر إلى الذين كانوا يقتلون ويؤذون المسلمين والمسلمات والمعاهدين باسم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الجهاد –كما زعموا- فكم سببوا من مفاسد, وكم فوتوا من مصالح, وحسبك من مفسدة كبرى وهي الصد عن الإسلام والمسلمين, وحسبك من تفويت مصلحة كبرى, وهي عدم تقدم الدعوة إلى الله(39).
 وبناء على ذلك يمكن ذكر بعض النتائج السلبية المترتبة على الإخلال بهذه القاعدة:
1- تفويت مصالح عظمى ومن أعظمها عدم وصول الإسلام الحق إلى الناس.
2- حصول مفاسد كبرى من القتل والاعتداء على الأعراض والأموال وهذا ظاهر بوضوح لمن تأمل في أساليب من ينتهج التغيير بالقوة.
3- تمييع الدين والتساهل فيه وتتبع الرخص وهذا ظاهر فيمن غلب المصالح الجزئية على ماهو أكبر, ولم يتحمل مخالفة الناس عند رؤيته لغلبة الفسق وأصحابه.
4- عدم الوصول إلى النتائج الإيجابية المثمرة المرجوة لاختلاط المفاهيم وتضارب الأعمال, وتناقض المناهج, وذلك لغلبة النظرة الأولية في تقدير المصالح والمفاسد.
5- اختلال المفاهيم الشرعية لأن النظرة لم تكن مبنية على الفهم السليم للنصوص الشرعية والقواعد العلمية.
6- وضع الأدلة الشرعية في غير موضعها الصحيح ولي أعناقها, وإغفال بعضها وبخاصة مالم يوافق ما يريده المستدل, وهذا ظاهر عن تأمل في بعض المناهج الدعوية عند اتخاذ موقف أو نازلة من النوازل والدارس للمواقف حول الأحداث الأخيرة في البلاد الإسلامية يدرك هذا بوضوح.
7- تأخر الدعوة – بمفاهيمها الشمولية وأفرادها- ورجوعها إلى الوراء نتيجة قيامها على عدم التوازن في المصلحة والمفسدة.
8 – خروج قيادات دعوية، ومفتين غير مؤهلين وذلك لعدم فقههم التطبيقي لهذه القاعدة فيضلون ويضلون.
*     *      *
وأخيراً: أقول: إن من أعظم ما تحتاجه الدعوة في هذا الوقت ومن أعظم ما يحتاجه الدعاة دراسة هذه القاعدة بتأمل وتدبر, وبفهم وتطبيق, وأن يعمل لذلك البرامج والدورات النظرية والتطبيقية, وإذا كان علماؤنا وأسلافنا بذلوا جهوداً جباره في إبراز هذه القاعدة وتطبيقها في الأحكام, فعلى علماء هذا العصر ودعاته أن يستفيدوا من ذلك الجهد بالتطبيق في الواقع الدعوي كي تسير السفينة إلى ساحل النجاة.
لا أزعم أن هذه الصفحات كافية وإنما هي بيان للأهمية.
وقد ذُهلت عندما قرأت بعض الرسائل والمقالات التي أدت ببعض المنتهجين  للتغيير بالقوة إلى إلغاء هذه القاعدة, بل والتقليل من شأنها, فتساءلت ماذا يريد هؤلاء وأمثالهم؟؟!.
والذهول نفسه أو قريب منه لمن يغلب المصالح الجزئية أو الفردية أو لا يزيد عمله ودعوته وفق المصالح والمفاسد الشرعية فانتهجوا منهج التساهل غير المنضبط فأدّى بهم إلى تغيير كثير من الأحكام بل إلى السخرية من بعضها كمن يرى أن بعض الأحكام الشرعية كالاهتمام بأمر اللباس أو اللحية أو حجاب المرأة أو التساهل في التشبه بالكفار قشور لا يجب النظر إليها.
ويبقى كلمة أخيرة وهي إجابة على سؤال مهم، وهو سؤال تطبيقي وهذا السؤال يقول: مَنْ الذي يقدر المصالح والمفاسد، أو غلبة أحدهما على الآخر؟ والجواب هم أهل الفقه والنظر والعلم والدراية والخبرة بعد الاستعانة بأهل الاختصاص إذا كانت القضية أو المسألة تحتاج إلى مختصين.
وبناء على هذا فليس لكل من سلك طريق الدعوة مؤهل لهذا النظر، ولا سيما في الحوادث الكبرى، والنوازل العظمى التي تعم الأمة بأكملها. كما حدث في الحوادث الكبرى في هذا الزمن وأحدثت تأثيرًا عظيمًا تباينت فيه الآراء واستعجل مستعجلون حسبوا أنهم على فقه ودراية، ولمزوا غيرهم، وتعالت أصواتهم وأثرت على الناس، وما أن يذهب وقت وإلا ويستبين لهم قبل غيرهم أن نظر أهل العلم كان هو الحق والصواب، وما أوتوا هم إلا من قبل استعجالهم وقلة نظرهم وضعف تقديرهم للمصالح والمفاسد.
من كتاب: قواعد منهجية في الدعوة إلى الله
للشيخ: فالح بن محمد الصغير
*     *      *
(1)  إعلام الموقعين: (3/3).
(2)  الموافقات: (2/37-40).
(3)  مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: (20/48).
(4)  فقه الأولويات: ص 197,198.
(5)  سورة التوبة: 19.
(6)  أخرجه مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى, رقم (4871).
(7)  صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب فضل الرباط في سبيل الله عز وجل, رقم: (4938).
(8)  قواعد الأحكام: (1/7).
(9)  إعلام الموقعين: (3/279).
(10)  قواعد الأحكام: (1/60).
(11)  أصول الفقه: ص30.
(12)  إعلام الموقعين: (3/191).
(13)  إعلام الموقعين: (3/9).
(14)  انظر: قواعد الأحكام: (1/7).
(15)  سورة البقرة: (227).
(16)  سورة الكهف: (79 - 82).
(17)  صحيح مسلم, كتاب الإمارة, باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع, رقم (1854).
(18) إعلام الموقعين: (3/6-7) بتصرف.
(19)  أخرجه البخاري, كتاب الوضوء, باب صب الماء على البول في المسجد, رقم (220).
(20)  شرح النووي على صحيح مسلم: (3/190).
(21)  مجلة الأحكام العدلية, مادة (25).
(22) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 83
(23)  فقه الأولويات ص214.
(24) مجموع الفتاوى (20/57).
(25)  إعلام الموقعين (3/7).
(26)  الفتاوى الكبرى (1/265).
(27)  الرياض الناضرة والحدائق النيرة ص230.
(28)  سورة البقرة 219.
(29)  انظر: تفسير ابن كثير (1/373).
(30)  أخرجه البخاري, كتاب العلم, باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في اشد منه (126).
(31)  إعلام الموقعين (3/6-7).
(32)  الاستقامة (2/216).
(33)  قواعد الأحكام (1/4).
(34)  الموافقات (2/26).
(35)  فقه الأولويات ص227, إعلام الموقعين (3/59).
(36)  انظر: الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/105) وللسيوطي ص97, ولابن نجيم ص 90.
(37)  قواعد الأحكام (1/79-83).
(38)  مجموع الفتاوى (10/512), (30/193).
(39)  انظر: منهج الدعوة في ضوء الواقع المعاصر ص37.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق