الأربعاء، 12 مارس 2014

نعمان بن عثمان: القاعدة تضر بقضية الثورة السورية


نعمان بن عثمان: القاعدة تضر بقضية الثورة السورية

2012-10-09 كميل طويل من لندن


أصدرت مؤسسة كويليام البريطانية لمكافحة التطرف ورقة بحث مؤخرا تناولت الفصائل الجهادية في سوريا تحت عنوان "الشبكة الجهادية في الثورة السورية". وسلطت ورقة البحث الضوء على أصول نشأة هذه الفصائل وأهدافها وأفكارها الأيديولوجية وقياداتها وبنياتها واستراتيجياتها.

مواطنون سوريون: جبهة النصرة تسعى إلى ’التحكم بكل شيء‘
مراقبون عراقيون:’جبهة النصرة‘ في سوريا إنعكاس لصورة تنظيم القاعدة في العراق
باحثون: جبهة النصرة والجماعات المرتبطة بالقاعدة تنتهج ذات الفكر والإستراتيجية

موقع الشرفة قابل مدير كويليام الليبي نعمان بن عثمان ، وهو جهادي سابق، وأثار معه موضوع دخول تنظيم القاعدة على خط الثورة السورية:

الشرفة: يتحدث تقرير كويليام عن "جبهة النصرة" بوصفها مرتبطة بتنظيم القاعدة في سوريا. فما هي هذه الجماعة وما حقيقة ارتباطها بالقاعدة؟

نعمان بن عثمان: المتابعة الدقيقة لجماعة النصرة منذ نشأتها وبياناتها التي تُعد الآن بالعشرات تسمح بتكوين نقطة أساسية وبالغة الأهمية وهي أنها تتبنى أيديولوجية القاعدة في فهمها للإسلام عموماً وليس فقط في نظرتها لما يحصل في سوريا. هي جزء من منظومة القاعدة الجهادية.

النقطة الأخرى التي اتضحت لنا أن جبهة النصرة تكاد تكون القوة الوحيدة ضمن كتلة المجموعات الإسلامية الجهادية – ولا نتكلم هنا عن الجيش السوري الحر وهو القوة المهيمنة على الصراع من بين فصائل الثوار - التي تملك شبه مشروع لبناء تنظيم متكامل. هم (قادة جبهة النصرة) قطعوا في هذا المشروع أشواطاً، وبات عندهم أقسام تنظيمية ليست موجودة في التنظيمات الأخرى التي تقوم على شكل هُلامي فضفاض في معسكرات وكتائب وألوية. جبهة النصرة، في المقابل، استطاعت في فترة قياسية أن تكوّن كياناً تنظيمياً متكاملاً.

وما لفت انتباهنا أيضاً خلال إعداد التقرير أن جبهة النصرة هي القوة الوحيدة ضمن ما يُعرف بالكتلة الجهادية في سوريا التي لديها ما يُمكن أن يُطلق عليه برنامج للتواصل (OUTREACH PROGRAMME) بهدف السعي إلى تجنيد كتل أخرى في مناطق سورية، وهي نجحت أحياناً وفشلت في أحيان أخرى. فقد نجحت مثلاً في استقطاب مجموعة كانت مرتبطة بالجيش السوري الحر في دمشق بحيث أعلنت كتيبة كانت تابعة للجيش الحر انضمامها إلى جبهة النصرة بعدما اقتنعت بذلك أيديولوجياً على أساس أنها هي الراية الصحيحة للقتال في إطار أشرع.

ولكن في المقابل لدينا حالات موثقة في مناطق سورية أخرى، مثل القصير، حيث تم رفض محاولات جبهة النصرة إقناع الجماعات المقاتلة هناك بالإنضمام إليها. ذهبت جبهة النصرة إلى بعض الجماعات المحلية لإقناعها بالإنضمام إليها، لكن هذه الجماعات رفضت ذلك. فالغالبية العظمى من المقاتلين السوريين هم مسلمون ومؤمنون لكنهم لا يرون أي بُعد أيديولوجي أو فكري لقتالهم. هم يقاتلون للتخلص من نظام بشار الأسد فقط. ولذلك فإنهم، كما حصل في القصير، رفضوا عرض جبهة النصرة لأنهم لا ينظرون إلى القتال من منظار أيديولوجي. لكن برنامج جبهة النصرة للإتصال بغيرها من الثوار ليس موجوداً كما يبدو لدى بقية الجماعات الجهادية.

الشرفة: ولكن لماذا تعمل جبهة النصرة بهذا الإسم وليس بإسم تنظيم القاعدة، ما دامت مرتبطة به؟

بن عثمان: كي نبني قاعدة صلبة للإستدلال، دعنا نتعامل مع الوثائق لأنها مصدر أولي في تشريح الإرهاب، وأتحدث تحديداً عن الرسائل التي عُثر عليها عند أسامة بن لادن في منزله (في أبوت آباد) والتي هي موثقة بوصفها مراسلات بينه وبين قادة التنظيم.

في هذه الوثائق نقاش واضح في شأن ضرورة تغيير إسم التنظيم . فهذه الوثائق تقدّم مادة واضحة تؤكد أن القاعدة تُعيَّر (يتم تعييرها) بهذا الإسم نتيجة الأفعال التي تم اقترافها تحت راية هذا الإسم، وأنهم (قادة التنظيم) صاروا يجدون صدوداً من بين الفئات والجماعات المسلمة في أماكن كثيرة جداً. فلذلك اخترعوا استراتيجية أخرى تقوم على أنهم يظهرون بإسم فضفاض عام ويركزون عوض ذلك على الأيديولوجيا والتعبئة بدون استخدام اسم القاعدة كي لا يحصل رفض لهم من الشعب والمجتمع.

هذه هي استراتيجيتهم للتعامل مع الرفض الذي بدأ يظهر من القواعد الشعبية المسلمة لهم. أنظر ماذا فعلوا في اليمن: جاءوا بإسم أنصار الشريعة . أنظر إلى ما حصل في مالي حيث تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي موجود لكنه يظهر بصورة أخرى وعبر تحالفات أخرى.

والقاعدة جاءت بالمنطلق ذاته في سوريا من خلال جبهة النصرة. تريد أن تستغل الصراع الدائر كمرحلة حضانة، حيث تستطيع أن تبني تنظيماً، وحين تنتهي القصة ويسقط الأسد يمكنها ساعتئذ أن تظهر بشكلها التنظيمي وهيكلها. هي لا تريد أن تخلق الآن مشكلة لأنها تعرف أيضاً أن الأنظمة تستغل تنظيم القاعدة لترهيب وإلقاء الفزع في صفوف المواطنين وفي صفوف الغرب وكل الدول التي تدعم الثورات العربية. هي لا تريد أن تستخدم مادة في هذا الإطار كي لا تزيد من تدمير شعبيتها أكثر. فإذا كنت تقاتل في سوريا وقلت إنك من القاعدة سيستخدم النظام هذا الأمر، كما ستسخدمه دول أخرى مثل الصين وروسيا، وسيؤدي إلى عدم حصول الشعب السوري على الدعم الذي يستحقه. ولذلك سيقول الشعب السوري لمن يقول إنه قاعدة: إنك أنت السبب في الحؤول دوننا ودون الدعم الدولي وأنت السبب الذي يحول دون تحقيق أهدافنا.

إذن هذه استراتيجية القاعدة للخروج من هذا المأزق المتمثل في أن أفعالها سابقاً، بخاصة في العراق، نفّرت منهم الكثير جداً من المسلمين العاديين.

الشرفة: ولكن هذا الارتباط بين جبهة النصرة والقاعدة هل هو ارتباط أيديولوجي فقط أم أن الأمر أعمق من ذلك؟

بن عثمان: هناك ارتباط عضوي أيضاً، ولكن الأيديولوجية بالغة الأهمية هنا لأن الجماعات تنقسم بسبب خلافات أيديولوجية. فحتى الجماعة الواحدة قد تصبح جماعتين بسبب خلافات أيديولوجية. ولذلك قبل أن تثبت الارتباط العضوي (بين القاعدة وجبهة النصرة) عليك أن تثبت أن هناك ارتباطاً أيديولوجياً. فإذا تم إثبات أن الأيديولوجية هي ذاتها، بل أن المصطلحات التي تُستخدم هي ذاتها وكذلك تصنيف الأعداء، عندئذ يبدأ البحث عن العامل التنظيمي (بين القاعدة وجبهة النصرة).

والأبحاث التي أجريناها في الميدان تثبت هذه القضية: أن جبهة النصرة هي امتداد لمشروع القاعدة، وأنها استغلت بنية القاعدة القديمة التي كانت موجودة في سنة 2003 (عند غزو العراق) تحت هذا الإطار وتم إعادة إحيائها من جديد. وفي تقديري إذا استمرت الأمور بهذا الشكل قد نكون بصدد الإعلان – إذا كانت الظروف مناسبة – عن وجود فرع لتنظيم القاعدة في بلاد الشام. هذه (جبهة النصرة) هي البذرة الأولى لتكوين القاعدة في بلاد الشام، بحسب التوزيع الإسلامي للمناطق لدى القاعدة.

الشرفة: ولكن من يسمون أنفسهم جهاديين في إطار الثورة السورية ما زالوا قلة، أليس كذلك؟

بن عثمان: إذا انسحبت كل القوى التي تقول إنها جهادية من المعركة غداً فلن يتأثر ميزان المعركة مثقال ذرة. العبء الثقيل في المعركة يقع على عاتق الجيش الحر على رغم كل الخلل في بنيته وهو خلل بدأوا أخيراً في اتخاذ إجراءات جيّدة لإصلاحه من خلال ضباط أركان محترفين ومن خلال وضع هيكلية منضبطة وفق القواعد والأحكام العسكرية. الجيش الحر هو القوة الساحقة على الأرض. كما أن هناك أيضاً جماعات محلية من الثوار غير معنية بالارتباط الإداري (بالجيش الحر أو سواه) لكنها ترى أن معركتها الأساسية هي في خروج نظام الأسد من مناطقها، وهذه الجماعات جزء من الثورة السورية أيضاً.

الشرفة: بماذا يفيد أو يضر دخول القاعدة على خط الثوار السوريين بمن فيهم الجيش الحر؟

بن عثمان: هم - الجيش الحر والمجلس الوطني - أعلنوا قلقهم من هذا الدخول لأنه يضر بقضيتهم . بكل بساطة المسألة كالتالي: ثورة من أجل الحرية والكرامة والتنمية ومن أجل نظام تعددي ديموقراطي – والتعددية هنا مهمة قبل الديموقراطية لأن الجميع يعيش على هذه الأرض – تتحول إلى مشروع أيديولوجي مغلق لا مكان فيه للآخر. هذا ما حصل خلال السنوات العشر الماضية: حيثما حلّت القاعدة لا مكان للآخر.

فمن يقبل بمثل هذا المشروع؟ لا أحد لديه استعداد للسير في هذا المشروع ولا حتى الدول العربية وخصوصاً الخليجية منها التي دعمت الثورات العربية بقوة. لا استعداد لهذه الدول أن تدعم مشروع القاعدة، فما بالك بالشعب السوري المكوّن من تركيبة مجتمعية تعددية. دخول القاعدة بمشروعها الأيديولوجي الصارم المغلق سيسبب كارثة غير طبيعية. سوريا بحاجة ماسة إلى التعددية وحتى قبل الديموقراطية، والقاعدة لا تقبل بمثل هذه التعددية.

ه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق