الجمعة، 24 يناير 2014

من يحكم سوريا الطائفة العلوية أم الأسرة الأسدية

من يحكم سوريا الطائفة العلوية أم الأسرة الأسدية**الجزء الأول **
 محمد عبد القادر ناجي 

الحوار المتمدن-العدد: 

3808 - 2012 / 8 / 3 - 

المحور: مواضيع وابحاث سياسية 

من يحكم سوريا الطائفة العلوية أم الأسرة الأسدية**الجزء الأول **

الطائفة النصيرية التي تدعى بالعلوية حيث يعتقد معتنقيها بألوهية الإمام علي بن أبي طالب "كرم الله وجهه"، وقد ظهروا في القرن العاشر الميلادي، وتبنوا بعض الطقوس الوثنية والمسيحية، ومعظمهم يتركز في تركيا فمنهم الأتراك أو الأكراد أو العرب، رغم أن أصولهم واحدة، ولكن اختلفت لغتهم باختلاف المناطق التي سكنوا فيها، وقد أحدثوا قلاقل كثيرة في تركيا في السنوات 1979، 1980، 1999، كانوا يشكلون في بداية الستينات في سوريا نسبة تساوي 5% من عدد السكان السوريين، لكنهم ازدادوا بعد ذلك من خلال الهجرات المتتالية من تركيا وخاصة بعد استيلائهم على الحكم بعد انقلاب 23 فبراير 1966، حيث كان عددهم في كل بلاد الشام بما فيها المناطق المغتصبة من سوريا في لواء الاسكندورنة وكليكيا وغيرها، أقل من عدد الدروز عام 1913، لكن بعد الستينات أصبح عددهم أضعاف السكان الدروز،
وقد جاء النصيريون إلى سوريا واستقروا في جبال البهراء التي تقع شمال غرب سوريا، وانعزلوا فيها، وقد سماهم الفرنسيون بعد احتلالهم الساحل السوري، باسم العلويون بناء على طلبهم، ويتمركزون في محافظة اللاذقية، بأقضيتها الأربعة (اللاذقية، الحفة، جبلة، القرداحة)، ومحافظة طرطوس باقضيتها الخمسة (طرطوس، بانياس، الشيخ بدر (القدموس)، دريكيش، صافيتا)، ويتواجد قسم منهم في حماه (قضاء مصياف)، وفي بعض قرى حمص (قضاء تلكلخ)، حيث تشكل هذه الأقضية منطقة جغرافية متصلة ثلثي سكانها من النصيرية، فلم تصل إلى هذه الأقضية الهجرات العربية بسبب وعورتها وصعوبة مناخها البارد، وأصولهم من بلاد ما وراء النهر من منطقة الأورال، حيث استقر قسم منهم في إيران في خرسان وقسم آخر في تركيا، وقسم في سوريا، وهذا ما يفسر تقديسهم لبعض الشخصيات الفارسية، حتى أن مؤسس دينهم هو محمد بن نصير العبيدي النميري من بلاد فارس، وتتشابه بعض أسماء مناطقهم مع أسماء مناطق في بلاد ما وراء النهر، وقد استخدموا نساءهم في عام 1420م، لتحريض تيمورلنك ضد أهل دمشق، ويختلفون عن بقايا الشعب السوري من الناحية الأثنوبولوجية فبالإمكان تمييزهم من خلال كون الرأس مستوياً من الخلف، بخلاف فئات الشعب السوري الأخرى، ومؤلفاتهم الدينية تتسم بالعجمة اللغوية وأسلوب التعبير، كما أن عاداتهم وأخلاقهم وتقاليدهم () تتمايز بشكل كبير عن بقية الشعب السوري ، وهذا ما أكده المندوب السامي الفرنسي، الجنرال ويغان، كما أكد ذلك رئيس وزراء فرنسا الجنرال مليران، وقد تحالفوا في الماضي مع الحملات الصليبية ضد صلاح الدين الأيوبي، ثم تحالفوا مع هولاكو ضد المظفر سيف الدين قطز، ثم مع الصليبيين ضد المنصور سيف الدين قلاوون، مما حذا بهؤلاء القادة إلى اضطهادهم، بعد الانتصار على أعداء الأمة.
وقد كانت لهم علاقة مصاهرة مع الشيخ جنيد وهو الجد الأكبر للشاه الإيراني إسماعيل الصفوي، وعاش معهم فترة طويلة، لذلك كان ولاءهم للصفويين في حربهم ضد العثمانيين، مما حذا بالدولة العثمانية إلى اضطهادهم، وقد حاولت الدولة العثمانية، ترغيبهم بالإسلام لكنهم رفضوا ذلك، فلم تدخلهم الدولة العثمانية في نظام الملل ولم تعترف بهم كمسلمين أو من أهل الذمة، رغم اعترافها بالدروز والإسماعيلية واليزيدية، ويرى بعض العلويين أن نسبهم يعود إلى بقايا الصليبيين، وأن دينهم يعود إلى النصرانية، وترى نيفين مسعد أنهم اشتهروا بالتمرد والدعوات الانفصالية وتعاونوا مع سلطات الانتداب الفرنسي، وعندما استولوا على السلطة، تحولوا من أقلية مشكوك في انتمائها الوطني والديني إلى جماعة حاكمة تتخوف من وصول الأكثرية المسلمة السنية إلى السلطة، لذلك سيطروا على حزب البعث، والجيش والاقتصاد، وفروع المجتمع الأخرى، وقد عملت السلطة عام 1973 على استصدار تصريح من 80 شيخ علوي نصيري ، يدعون فيها أنهم إحدى الفرق الإسلامية الشيعية، رغم أن كبار فقهاء المسلمين قد أدان هذه الطائفة باعتبارها غير مسلمة، مما حذا بحافظ الأسد إلى الحصول على فتوى من زعيم الشيعة في لبنان موسى الصدر الذي أصدر فتوى على أساس أنهم إحدى فرق الشيعة، ويؤكد يوسف الحكيم أنهم أخلصوا للانتداب الفرنسي ولم يبعثوا بأي نائب لهم إلى المؤتمر السوري عام 1919 ـ رغم أن كل مناطق سوريا الطبيعية قد بعثت بنواب عنها ما عدا مناطقهم ـ، أما بالنسبة لثورة الشيخ صالح العلي وهو شيخ علوي، فقد تمرد على الفرنسيين، ولكن تمرده كان قد تداخل مع عدائه للإسماعيليين الذين تحالفوا مع الفرنسيين، واحتلوا قرية قدموس الذي فيها قبر والده، مما حذا به إلى غزو القرية، وكانت قد أوكلت إليه متصرفية جبال النصيرية (العلويين) من قبل الملك فيصل، فكان حري به الدفاع عن المناطق التي أوكلت إليه، إضافة لما قدمه له قائد ثورة الشمال إبراهيم هانو، واشتراك الكثير من السنة معه، لكن عقب دخول الفرنسيين دمشق تصادق معهم وانتهى كل الخلاف بين النصيرية والسلطات الفرنسية، حتى أنهم لم يشتركوا في الثورة السورية الكبرى التي اشتركت فيها كل المناطق السورية واللبنانية، وقد عين الفرنسيون صديق الشيخ صالح العلي وهو إبراهيم الكنج رئيساً لبرلمان دولة جبل العلويين، وقد كفرهم السنة والشيعة والدروز، كما أن النصيرية يكفرون كل من لا يعتقد بمعتقداتهم.
وانقسموا بحسب معتقداتهم إلى شمسية، وقمرية (كلازية)، ومرشدية، ولهم اتصالات دائمة مع أقرانهم في تركيا لكنهم لا يشكلون سوى نسبة ضئيلة في تركيا حيث لا يتجاوز عددهم ثمة سوى نصف مليون في لواء الاسكندرونة بالرغم من ادعاء علويي سوريا أن القزل باش والبكتاش وهم من الشيعة التركية المتصوفة أنهم من العلويين وهذا ما يرفضه هؤلاء حيث أن شيعة تركيا لا تعتترف بالطائفة النصيرية في سوريا بأي شكل من الأشكال ، ولكن سياسة النظام السوري الأسدي الطائفية تعمل على الدوام على استقطابهم وتخويف الآخرين منهم حيث لم تعترف الدولة التركية العلمانية بالنصيريون الأتراك بأنهم مسلمون، ويدعي البعض منهم أنهم جاؤوا من مصر عبر خمسة هجرات وأنهم من سلالة الإمام علي، وأنهم كانوا فقراء بسبب مناطقهم الجبلية الوعرة التي لا تسد حاجاتهم، وكان معظمها لزعمائهم، فكانوا حفاة عراة ينامون مع حيوانإتهم في بيت واحد، ويتوزعون على أربعة قبائل رئيسية هي الكلبية، والخياطين، والحدادين، المتاورة، ويقول جولد تسيهر –الذي يعتبرهم إحدى الفرق المسحية- عنهم : " إنهم حافظوا على وثنيتهم في إطار إسلامي شكلي، وعقيدتهم مزيج غريب من الوثنية والغنوصية، وهي نزعة فلسفية نشأت بتأثير الديانات المجوسية والصينية واليهودية والإسلام " .
وترتبط فرقتهم بالفرقة المفضلية التي تنتسب إلى المفضل بن عمر الجعفي تلميذ الإمام جعفر الصادق، فعندما بادت المفضلية ظهرت النصيرية بديلة لها مستخدمة مبدأ التقية، وهو إظهار الشيء بعكس ما يضمرون، كما ترتبط فرقتهم بالخطابية، ويقول في ذلك المفضل بن عمر الجعفي، "إن محمد بن نصير قد استنبط من علم أهل البيت واتفق على روايات الهفت والأظلة " ، ويعتقدون أن من عرف الباطن سقط عنه الظاهر من الفرائض وغيرها، وأن الشيعة والسنة من ذرية الشيطان، وحكمهم وحكم اليهود والنصارى، هو أنهم جميعاً كفاراً.
وقد بدأ تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في سوريا من خلالهم، كأول منطقة في الشرق الأوسط بدأتها تدخلاتها، وكان ذلك سنة 1865 ، لكنها إقتصرت على إرسال البعثات العلمية الإنجيلية وفتح المدارس في جبال النصيرية، بدون أخذ أي مقابل من السكان النصيرية، ورغم ما أصاب مدرسي هذه البعثات على يد عصابات النصيرية إلا أنها استمرت في فتحها، كما أنه خلال العهد العثماني، وما قبله، عمدوا إلى غزو المناطق المحيطة بمناطقهم، والتي كانت أكثريتها مسيحيين، مما أضطر المسيحيين للهجرة منها، وقد فضلهم ملاك الأراضي من أهل السنة، والمسيحيين على غيرهم من الفلاحين لتميزهم بالخضوع أكثر من غيرهم، واستعمالهم مبدأ التقية وهي إبطان ما في نفوسهم تجاه الآخرين، وعمدوا عند دخول الفرنسيين إلى تأييد فرنسا في إقامتها للدولة النصيرية بمساحة قدرها 6500 كم2، لكن بسبب فقرها وقلة مواردها، تخلوا عنها ووجدوا الاندماج بسوريا عام 1945، مؤثرين العمل للسيطرة على سوريا بأكملها، من خلال مشايخ طائفتهم، حيث يتميزون بالولاء المطلق والثابت لطائفتهم ومعتقداتهم ومشايخهم ولعائلاتهم وعشائرهم وإقليميتهم، لذلك عمدوا إلى مواجهة المد القومي السوري والعربي بتمسكهم بطائفيتهم، وقد كان للتطور التعليمي الذي عظم بعد استقلال سوريا، الدور الأكبر لوصولهم للمدارس العسكرية ومن ثم إلى الجيش ومن ثم إلى السلطة، حيث يعتبرون من أكثر الطوائف التي إنضم أفرادها لجيش الشرق المختلط - الذي أسسته فرنسا زمن الانتداب- بالنسبة لعددها، وتميزوا خلال ذلك الجيش، وفي الحياة العامة , بمساندة بعضهم البعض ضد الآخرين من الطوائف الأخرى، بغض النظر عن أي اعتبار آخر، بالرغم من أن حكومات ما بعد الاستقلال عملت على تحسين أحوالهم بشكل كبير، لكنهم ظلوا يشعرون بالسخط تجاهها، إضافة إلى أنهم كانوا يشغلون بناتهم في منازل العائلات الغنية، مما حذا بالطوائف الأخرى في سوريا إلى النظر إليهم باحتقار شديد، ثم قاموا بعصيان مسلح ضد الحكومة الوطنية في عهد الرئيس شكري القوتلي، تمثل بحركة سليمان المرشد الذي ادعى الألوهية، كونهم يؤمنون بتجسيم الخالق، ثم شكل عصابات أصبحت تقتل وتنهب وتستولي على أراضي الغير، ثم طالب الحكومة بعدة شروط لوقف عصيانه وهي:
(1) أن يكون في الحكومة السورية وزيراً نصيرياً علوياً.
(2) أن يكون محافظ اللاذقية نصيرياً علوياً.
(3) إطلاق سراح جماعته الذين اعتقلتهم الحكومة بسبب النهب والسلب والقتل، وهددوا إذا لم تفعل الحكومة ذلك سيسعون إلى الانفصال عن سوريا مرة أخرى، وكانوا قبل ذلك قد هددوا في عام 1939، محافظ اللاذقية إحسان الجابري بالقتل، وقد انتهى التمرد باعتقال سليمان المرشد مع إثنين من أشقائه وإعدامهم في 17 ديسمبر 1946 في دمشق، وكان قد قتل زوجته قبل ذلك، وقد شجعه الفرنسيون إبان انتدابهم على سوريا، ولقبوه بالرب، وكانت فرنسا تسلح رجاله، وقد عمل أكرم الحوراني الذي كان ينادي بالإصلاح الزراعي، على استغلال فقرهم واستغلالهم عند ملاك الأراضي، من خلال مطالبته بالاستيلاء على أملاك ملاك الأراضي وغالبيتهم من الأكثرية السنية، لتوزيعها عليهم، مما جعل له تياراً شعبياً وسطهم، حيث أعطيت لهم الكثير من الأراضي التي كانوا يشتغلون فيها وخاصة في منطقة الغاب، ورغم ذلك لم ينجي الحوراني من حقدهم، فأخذوا يدعون لقتله عقب انقلاب 8 مارس 1963.
وكانت أولى محاولتهم للسيطرة على الحكم من خلال العقيد محمد ناصر () عام 1945، ثم حاول تكرارها عام 1950، مما أدى لمقتله على يد رجال المخابرات العسكرية (المكتب الثاني)، ثم شكل غسان جديد () تكتلاً نصيرياً علوياً داخل الجيش، مما حذا بنائب قائد الأركان عدنان المالكي إلى نقله إلى دمشق مما سبب عداءاً كبيراً بينه وبين غسان جديد، لذلك عمل على التخلص منه ومن الحزب القومي السوري في نفس الوقت حيث كان غسان جديد وأخيه صلاح جديد، وبعض العلويين قد انتسبوا لهذا الحزب رغم عدم طائفية الحزب، ولكن لمواجهة المد القومي السوري، حيث كانوا يراهنون على ضرب القومية السورية والعربية، وكان من أعضاء الحزب القومي السوري أيضاً الرقيب النصيري يونس عبدالرحيم الذي قتل عدنان المالكي مع ثلاث عسكريين نصيريين آخرين هم عبدالمنعم الدبوسي، وفؤاد جديد وبديع مخلوف، وقد أعدموا جميعاً بعد محاكمتهم، كما تم قتل غسان جديد في لبنان على يد المخابرات العسكرية السورية، لكن بعد أن حطموا الحزب القومي السوري في سوريا ولوحق أتباعه بسببهم، وهذا ما أكده فيما بعد عصام المحايري من أن بعض أعضاء الحزب قد خانوا مبادئه ونفذوا جريمتهم، ولا علاقة للحزب بذلك.
كما أنهم في ظل حكم الشيشكلي أثاروا فتنة طائفية تمثلت بإدعاء ابن سليمان المرشد الألوهية مثل أبيه، مما حذا بقائد الشرطة العسكرية عبدالحق شحادة إلى قتله، فعندما سقط حكم الشيشكلي تخوف عبدالحق شحادة أن تفتح القضية، مما حذا به إلى الاتفاق مع قائد وحدات المدرعات حسين حدة، إلى رفض الاستسلام للمتمردين عقب استقالة الشيشكلي فأيدوا رئاسة مأمون الكزبري الذي كان رئيساً للبرلمان، وتعهد قائد الأركان شوكت شقير بدعم هذا الإجراء، لكن بعد رجوع الرئيس هاشم الأتاسي للرئاسة، فتحت القضية فعلاً، وحكم على عبدالحق شحادة بالإعدام في 11 نوفمبر 1954، لكنه فر خارج البلاد، وقد اجتمع بعد ذلك المرشديون بالابن الآخر لسليمان المرشد الذي ادعى أنه ورث الألوهية عن أخيه، عام 1957، وهو ساجي المرشد حيث قال لهم: " إن موعد قيام دولتكم قد حان، وإن على الحكومة أن تضرب هؤلاء -الذين قتلوا أخاه- بيد من حديد، وإلا تطور الوضع بشكل خطير " , وقد أثيرت هذه القضية في البرلمان، وأرسلت لجنة برلمانية للتقصي حول هذه الحركة الجديدة، فرأت أن المرشديون يفضلون أن يحكموا من قبل السلطات الإسرائيلية على أن يحكموا من قبل السلطات السورية، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن محمد عمران قد رتب تكتلاً علوياً في الجيش أيام الوحدة، وهو ما عرف باللجنة العسكرية، ولإبعاد الشبهات عنها عمل على تطعيمها ببعض العناصر من الفئات الأخرى وخاصة الأقليات الدينية، وقد اتهمه الرئيس جمال عبدالناصر بذلك، كما قام مشايخ الطائفة النصيرية خلال عهد الوحدة منذ عام 1960 بعدة اجتماعات لبحث السبل حول كيفية انخراط الضباط النصيريين، في صفوف البعث وجعله سلماً لوصولهم إلى السلطة، وكانت المرحلة الأولى بتجنيد العقيد النصيري محمد نبهان ضمن صفوف الوحدويين الناصريين , وذلك بعد انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، وكانوا قبل ذلك ممن أيدوا الانفصال عن دولة الوحدة عقب انقلاب النحلاوي في 28 مارس 1961 وكان وجود الجاسوس محمد نبهان الذي كان جاسوساً للبعث في صفوف الوحدويين الناصريين، قد ساهم في إفشال الانقلاب في 18 يوليو 1963، وسرح على إثر ذلك 400 ضابط معظمهم من السنة ورغم اعتقال محمد نبهان - ليبعدوا عنهم الشك - إلا أنهم أخلوا سبيله بعد ذلك، ثم عمدوا -مشايخ الطائفة- إلى عقد اجتماع آخر لهم في حمص، بعد انقلاب جاسم علوان في يوليو 1963، للتخطيط لبناء الدولة النصيرية المنشودة وعاصمتها حمص، والعمل على ملئ المناصب الشاغرة من طائفتهم دون أدنى مؤهلات لذلك، وأخذوا ينزحون من القرى إلى المدن ، وبعد تكليف صلاح جديد بقيادة التكتل النصيري في الجيش حيث عين قائداً للأركان بعد استبعاد زياد الحريري، وأخذ بعد ذلك يعمل من خلال تكتله الطائفي على إبعاد السنة عن المراكز الحساسة وخاصة التي قرب دمشق و يحل محلهم ضباط نصيريين، كما عمل على استبعاد السنة من دخول الكليات العسكرية والأجهزة الأمنية ، ، حتى وصل عدد الضباط السنة المسرحين إلى 700 ضابط خلال الفترة (1963 – 1966) ، وعمل صلاح جديد إلى ترفيع حافظ الأسد من رتبة مقدم إلى رتبة لواء وجعله قائد لسلاح الجو، واستولى محمد عمران على قيادة اللواء السبعين المدرع، كل هذا والرئيس أمين الحافظ لم يكن يدري بما كان يدور خلفه من وراء الكواليس، وعندما شعر بذلك، صرح الرئيس أمين الحافظ، "إن الصداقة والروابط الأخرى قوضت الانضباط العسكري بالقوات المسلحة " وقال ميشيل عفلق حول ذلك " بعض أصدقائنا في القوات المسلحة نزلوا إلى الشارع بأسلوب فاشستي وسيطروا على الحزب والأمة ".
ثم عمل محمد عمران الذي استلم وزارة الدفاع على إثارة التوجهات الطائفية، وأخذ ينشرها ودعى إلى التكتل مع الأقليات الدينية الأخرى مثل الدروز والإسماعيلية كونهم من أصول شيعية، فقال " إن الفاطمية يجب أن تأخذ دورها "، مما حذا بالرئيس أمين الحافظ لإبعاده إلى الخارج كملحق عسكري، وكان الغرض من تكتلهم مع الأقليات الأخرى هو جعلها سلماً للوصول إلى السلطة، خاصة أنهم حتى ذلك الوقت لم يكونوا يشكلون سوى 5% من مجموع السكان في سوريا، فاستفادتهم من 4% يكون مفيداً لهم ريثما تغذى طائفتهم بمهاجرين جدد من تركيا، وكان عربون وصولهم للسلطة هو تسليمهم للجولان وجنوب سوريا كاملاً، بما في ذلك العاصمة دمشق، على أساس أن هذا التسليم هو نبوءة دينية ضرورية لبناء دولتهم، وهذا موجود في كتاب الأسوس الذي يقدسونه، وعلى هذا الأساس سلمت الجولان دون حرب فعلية، وتركت القيادة النصيرية – التي أصبحت بعد انقلاهم في 23 فبراير 1966 – دمشق وتوجهت معظمها إلى حلب، ونقلت الأرصدة الذهبية من دمشق، وقد أكد سليم حاطوم عقب فشل انقلابه ضدهم، ولجوئه إلى الأردن، بتصريح له في 28 سبتمبر 1966 عن نيتهم لبناء دولة تحمل شعار دولة علوية ذات رسالة خالد يلمع فيها صلاح جديد، وإبراهيم ماخوس.
لكن هذا التسلط النصيري الذي جاء بمجيء البعث إلى السلطة، خاصة بعد فشل انقلاب جاسم علوان في يونيو 1963، سبب انتقاد الطائفة الكبرى في سوريا وهي السنية، فاندلعت المظاهرات في دمشق التي تدين هذا الحكم في 24 يناير 1965، فقمعها الجيش ودخلت الدبابات الجامع الأموي وقتلت 200 فرد، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ أن سبب عزل قائد الأركان زياد الحريري بسبب تصريحه الذي قال فيه عقب انقلاب جاسم علوان وإعدام الـ 30 ضابطاً وكلهم من السنة" : " الوحدويون الدموين، البعثيون الدموين، وهم من جبل العلويون" , كما أكد الرئيس أمين الحافظ، أنهم من خلال البعث إحتلوا نصف مقاعد مجلس قيادة الثورة -مع الأقليات الأخرى- عقب انقلاب جاسم علوان، وكانت وراءهم أياد أجنبية، أمريكية، وإسرائيلية، وفرنسية، وبريطانية، أما صلاح جديد فكانت وراءه الشيوعية،
كما أضربت جميع المدن السورية كلها في إبريل 1964 فقمعها الجيش وقتل من سكان حماه أربعين شخصاً، وهدم المسجد الذي أوى إليه المتظاهرون ، وعلى إثر ذلك استقالت حكومة صلاح البيطار، ولم تستطع حكومة سامي الجندي الاستمرار أكثر من يومين بسبب تدخل الجيش ضدها، وبذلك عملوا على العمل على تصديع شرعية الرئيس أمين الحافظ، واستفادوا من ذلك في القيام بانقلابهم في 23 فبراير 1966، ليصبح صلاح جديد الرئيس من وراء الكواليس، وليبعد عنه الشبهات حول ماهية الانقلاب النصيري، عين الدكتور نور الدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، والدكتور يوسف زعين رئيساً للحكومة، وظل هو ممسكاً بالجيش، وقد أكد ميشيل عفلق أن هذا الانقلاب كان سبباً رئيسياً في كارثة يونيو 1967، لذلك تهاوت شرعية نظامهم بعد سقوط الجولان، وقد تمثلت مسؤوليتهم عن ذلك في أنهم تبنوا مواقف متطرفة تجاه إسرائيل من خلال اختلاق صلاح جديد لأزمات ضد إسرائيل لتحويل الأنظار عنهم كفئة غير مقبولة، من قبل المجتمع السوري، في حكم سوريا، فنادى صلاح جديد بحرب تحرير شعبية طويلة الأمد ضد إسرائيل، رغم أن القوة الإسرائيلية تعادل 6 أضعاف القوة العسكرية السورية، وأخذ يقوم من خلال الفلسطينيين بعمليات تخريبية داخل إسرائيل عن طريق الأردن والجبهة السورية، وهذا ما أشعل الموقف وحرك حرب 1967، رغم محاولات الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك تسوية النزاع في 25 ديسمبر 1967، لكن جديد رفض ذلك، وبعد الهزيمة تخوف نظام الأتاسي جديد من المساءلة أمام الجامعة العربية بسبب عدم اشتراكهم بحرب فعلية مع أنهم هم السبب في إشعال الموقف، فرفضوا حضور قمة الخرطوم في 29 أغسطس 1967، مما حذا بالجامعة العربية إلى حرمانهم من المساعدات الاقتصادية، وما يؤكد على الروح الطائفية التي انتشرت في صفوف الجيش أن سليم حاطوم صرح عقب انقلابه الفاشل عام 1966 في عمان بذلك قائلاً : " إن الروح الطائفية تنتشر بشكل فاضح في سوريا، وخاصة في الجيش سواءاً بتعيين الضباط وحتى المجندين، إن الفئة الحاكمة تعمد إلى تصفية الضباط والفئات المناهضة لها، وتحل مكانها في مختلف المناصب، فقد بلغت نسبة العلويين في الجيش 5* مقابل (1)، من جميع الطوائف الأخرى" ، كما أكد ذلك في 14 سبتمبر 1966 بقوله : " لقد سرح جميع الضباط الأحرار وبقى الضباط العلويين ** وإن العلويين متمسكون بعشيرتهم وليس بعسكريتهم وهم جماعة صلاح جديد وحافظ الأسد، إن الاعتقالات لا تشمل سوى الضباط من الفئات الأخرى" ، وأكد ذلك طلال أبو عسلي-شريك سليم حاطوم في انقلابه- بقوله: " إن جميع أبناء الوطن هم ضد كل ما هو علوي، وهذا الانقسام قائم في الجيش لدرجة الاقتتال في أي لحظة، وأن هذا سيكون رداً طبيعياً على التكتل العلوي المنتحل صفة الحزب، إن التسلط العلوي شمل كل المستويات لدرجة أنك ترى الإمرأة العلوية تتصرف وكأنها هي السلطة، وفي كل المنازل التي يسكنها العلويون يرى جيرانهم تسلطهم باسم السلطة وباسم الحزب، وكل علوي من كبير أو صغير يعرف ماذا سيحدث من تطورات، ومن تنقلات ومن اعتقالات قبل أن يعرف بعض كبار المسؤولين".
وقد رفض العقيد العلوي محمد معروف الانضمام للمعارضة مع سليم حاطوم، حيث كان محمد معروف لاجئاً في الأردن، ومعارضاً للنظام، مما حذا بسليم حاطوم إلى اتهامه بالطائفية، وهذا يؤكد أن المعارضة العلوية النصيرية في الخارج هي معارضة تكتيكية فقط، لإخفاء حقيقة الطائفية، كما أن وجود بعض معتقليهم في السجون، وإظهار هؤلاء المعتقلين في وسائل الإعلام، للأسباب السالفة الذكر، كما أنهم (المعارضة العلوية) في الخارج نددوا بالمعارضة الداخلية السنية خلال فترة الثمانينات، ولم ينددوا بأعمال القمع التي مارسها النظام ضد المعارضة، ولم يشتركوا في التحالف الوطني لتحرير سوريا التي اشتركت فيها جميع فصائل المعارضة عام 1982 حتى أن محمد معروف ألف كتاباً، ادعى فيه أن الرئيس الوحيد الذي حقق الاستقرار السياسي في سوريا هو حافظ الأسد ولم يدرك أن جميع الدول العربية حققت استقراراً سياسياً في نفس فترة حكمه، كما لم يدرك أن هذا الاستقرار لم يبن سوى على الدولة المخابراتية وتسخير الجيش لحماية النظام بالدرجة الأولى،
وبعد تصفية الضباط الدروز عقب الانقلابات الدرزية الثلاث ( حمد عبيد، وفهد الشاعر، وسليم حاطوم)، تم تصفية الضباط الإسماعيلية، وأبرزهم رئيس المكتب الثاني عبدالكريم الجندي، وقائد قوات الجبهة، أحمد المير، ثم تم تصفية ما تبقى من السنة، ذوي الأصول البدوية، ممن كان النظام يستخدمهم كواجهة لتغطية حقيقة التسلط النصيري العلوي، وهم الضباط الحوارنة، عقب الانقلاب الفاشل لأحمد سويداني، ومنهم موسى الزعبي، ومصطفى الحاج علي، بسبب تذمرهم من التسلط العلوي.
وقد تعدت طائفية النصيريين المجال العسكري إلى المجال المدني، فبعد مرور سنة على انقلاب البعث العراقي في 8 فبراير 1963 أي في 8 فبراير 1964 والذي كان إحدى أسباب انقلاب زياد الحريري في 8 مارس 1963، وبالتالي استيلاء البعث على السلطة إثر ذلك، نزل بعض النصيريون البعثيون من جبال العلويين إلى مدينة بانياس ذات الأغلبية السنية المسلمة، وأخذوا يهتفون "البعثية علوية", فتصدى لهم أهل بانياس، وجرت معركة قتل فيها من الجانبين، وعندما أنتشر النبأ في قرى العلويين، تجمع جمهور كبير من عشائرهم وتوجهوا إلى مدينة بانياس للانتقام منها، لكن تدخلت قوى الأمن وأرجعتهم إلى قراهم، وعلى إثر ذلك أضربت المدينة كلها، ولم تصدر السلطات أحكاماً على من قام بالفتنة، رغم أن المادة 15 من دستور حزب البعث العرب الاشتراكي تقول : " الرابطة القومية هي الرابطة الوحيدة في الدول العربية التي تكفل الانسجام بين المواطنين وانصهارهم في بوتقة واحدة، وتكافح سائر العصبيات المذهبية والطائفية والقبلية والعرقية والإقليمية " , لكن على الواقع العملي لم ينضم للبعث سوى الأقليات الدينية خاصة النصيرية المهاجرة من الريف إلى المدينة للعمل أو التعليم، لأنها كانت تعتبر أن القومية العربية قناع لسيطرة الأكثرية السنية على الحكم، رغم أن سائر المدن السورية وخاصة دمشق أغلقوا أبوابهم في وجه هذا الحزب منذ انقلاب 8 مارس 1963، ولم يكن أعضاءه - مع العسكريين منهم- يتعدى 400 عضو وكان معظمهم من العسكر ومن الطائفة النصيرية بالذات، لكن بعد ذلك أنضم إليه الكثير من الأعضاء لاعتبارات طائفية وعشائرية وشخصية، وانتخاباته كانت على الدوام انتهازية، ولم يستطع الحزب إنهاء العداء بين المسلمين السنة والنصيريين، والذي وضح بشكل كبير بعد انقلاب فبراير 1966.
وهناك أمثلة على محاباة أفراد هذه الطائفة لبعضهم البعض فمثلاً عقب هزيمة يونيو 1967 طالب الضباط باستقالة وزير الدفاع حافظ الأسد باعتباره المسؤول الأول عن هذه الهزيمة، بسبب منعه أعضاء القيادة الحزبية المدنيين من زيارة القطعات العسكرية قبل الحرب، ومنعه توزيع نشرات الحزب في الجيش، ومنع أعضاء القيادة القطرية الذين كانوا في المجلس العسكري الذي يقرر شؤون الجيش ويبت فيها، من الدخول إلى أماكن اجتماعات المجلس، كما أن المخابرات العسكرية ومخابرات القوى الجوية كانت مرتبطة به شخصياً، وتحت ضغطهم قدم حافظ الأسد استقالته، لكن صلاح جديد، رفض قبول استقالته على أساس أنه ليس المسؤول الوحيد عن الهزيمة، وصوت ضد قبول هذه الاستقالة في اجتماع القيادة القطرية لحزب البعث، كما أن صلاح جديد جاء بزكي الأرسوزي وهو من الطائفة النصيرية وقد نزح من لواء الإسكندرونة وكان قبل ذلك عضواً في عصبة العمل القومي قبل عام 1939، حيث اعتزل السياسة بعد ذلك، وجعله الأب الروحي لحزب البعث العربي الاشتراكي، وعمل صلاح جديد على محاولة تقويض نظام البعث السني في العراق فدعم الأكراد ضد نظام أحمد حسن البكر، انطلاقاً من مقولة أن الأرض لا معنى لها مادام الحزب باقياً، والمقصود بالحزب هو حزب بعث صلاح جديد وليس بعث العراق، وقد تأكد ذلك عندما ضبطت الحكومة العراقية أسلحة وأموالاً من سوريا.
وبعد انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، سيطر النصيريون على معظم المراكز القيادية في الجيش والحزب، وخاصة بعد أن أصبح حافظ الأسد رئيساً للجمهورية في 22 فبراير 1971 فلم يرى أية معارضة من الجيش أو الحزب أو مجلس الشعب الذي شكله، فأصبح أول رئيس جمهورية لسوريا من الطائفة النصيرية، ومن ثم عمل على إعطاء مراكز لأعضاء قبيلته نفسها وهي المتاورة التي تتفرع عنها عشيرته النمالاتية الذين لم يكونوا راضين عن انضمام دولة جبل العلويين إلى سوريا، وقدموا وثيقة لسلطات الفرنسية حول ذلك ، وبذلك شكلوا طبقة بمنطق فئوى لا وجود لأي تأييد لها خارج صفوف الطائفة ولا تعقد أي تحالفات مع غيرها، وهي الوحيدة التي تستجيب لمتطلبات النظام، وأصبحت القوة التي يتمتع بها هذا النظام من خلال:
1- السيطرة على الوحدات الخاصة لقمع الاضطرابات.
2- تعاطف البرجوازية السنية مع سياسة الانفتاح الاقتصادي.
3- تأييد السوفييت والأمريكان للنظام ولو ضمنيا.
4- تأييد الدول العربية للنظام /ماعدا العراق/
ثم عملوا على استخدام موارد البلاد لصالح طائفتهم وتشجيع التناسل بالنسبة لطائفتهم ليعادلوا الأغلبية السنية معتمدين على قوتهم في الجيش والأجهزة الأمنية.
وقد رأى البعث أن انقلاب حافظ الأسد - الذي سماه بالحركة التصحيحية - ما كانت إلا لتصحيح خطأ كاد صلاح جديد أن يرتكبه وهو وابتعاده عن الطائفية قليلاً والتوجه للشعب السوري، لأن حافظ الأسد حريص على إضفاء الطابع الطائفي على النظام بشكل خفي ، لذلك عمل على التحالف مع الإمبريالية ، ليستطيع استخدام القمع والعنف في كل الاتجاهات، وأدى هذا لرد فعل من قبل الطبقة الوسطى فاندلعت المظاهرات في مايو 1971 في كل أنحاء سوريا تندد باستهتار النظام بالقيم الدينية بدعواته الإلحادية، وهذا ما حذا بالنظام إلى إطلاق عبارات معادية لإسرائيل متهماً هذه المظاهرات بالعمالة لإسرائيل، ثم عمل هذا النظام على دعم نظام الخميني في إيران ضد البعث السني في العراق، رغم أن الخميني قال بعد اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، "ليس ما نشهده معركة بين حكومتين، بل هو غزو يقوم به حزب البعث غير المسلم لبلد مسلم"، مما دعى البعض لوصف نظام البعث السوري بنظام البعث العلوي.
وقد قاومت حركات عديدة لإسقاط هذا النظام لكنها قمعت بكل عنف، وبالرغم من إعطاء بعض المراكز الشكلية للسنة مثل اللواء ناجي جميل، والعماد مصطفى طلاس، واللواء يوسف شكور، لكنها لا تأثير لها، لأن القوة الرئيسية هي في لجنة الأسد المؤلفة من عشرة أعضاء يقودهم هو شخصياً وهذه اللجنة هي المسؤولة عن كل التنقلات في الجيش، حتى أن المعارض الشيوعي رياض الترك قال في عام 1979 حول ذلك: " إننا نتألم لأن رايات الطائفية ترتفع في بلادنا، وإن أساليب النظام الطائفية تشكل أعظم خطر على البلاد "، مما حذا بكثير من الباحثين أمثال ديفيد هيرست للقول بأن سوريا لا يحكمها البعثيون بأي شكل من الأشكال بل تحكمها الأقلية النصيرية فقط، وعندما شعر النظام بأنه لم يعد باستطاعته إخفاء حقيقته الطائفية أخذ ينشر كتباً ( وخاصة بعد عام 1980) ، تدعي بأن النصيرية العلوية هم من المسلمين الشيعة، رغم استمرارهم في طائفيتهم في الخفاء، فشكلوا الجمعيات الطائفية مثل جمعية الإمام المرتضى التي شكلها المدعو جميل الأسد - شقيق الرئيس حافظ الأسد - لزيادة مؤيديهم من الطوائف الأخرى، ورغم ذلك لم يستطيعوا إقناع الشعب بذلك فانتفض الشعب عليهم، مما حذا بهم إلى ارتكاب المجازر العددية في كل المدن السورية وأبرزها مجزرة حماه عام 1982 والتي راح ضحيتها 45 ألف مواطن رغم أن الرئيس أمين الحافظ يقول أن عدد الضحايا تجاوز المائة ألف، ولكن نقول تجاوزاً 60 ألف، إضافة لتشريد 150 ألف آخرين، وتدمير ثمانين مسجداً وعدداً من الكنائس، ويعزى عدم الدقة في ذلك بسبب التعتيم الإعلامي للنظام عن هذه المجازر، مما دفع بعض الباحثين مثل ديفيد روبرتس إلى القول : " العلويون أصبح لديهم الآن كم هائل من الأعداء والكثير من الضغائن الدموية، مما يجعل من المستبعد أن يغامروا بالسماح بخروج السلطة من بين صفوفهم، خشية وقوع تصفية مروعة للحسابات".

وحول الادعاءآت أنهم كانوا على الدوام هم الأكثرية في الجيش السوري ، فنؤكد أن الواقع غير ذلك ففي عهد الانتداب الفرنسي شكلت فرنسا جيشاً في سوريا سمته جيش الشرق المختلط، وهو يجمع بين أبناء كل سوريا المنتدبة من قبل الفرنسيين بما في ذلك أبناء لبنان، رغم أن فرنسا اعتمدت مبدأ انتقاء الموالين لها، وخاصة من الأقليات الأرمنية والشركسية والنصيرية وغيرهم من الأقليات الأخرى، حيث شكل النصيريون وحدهم (3) كتائب من أصل 12 كتيبة، -لكن هذا لا يعني أن الأقليات كانت الأكثرية في الجيش فقد كان معظم ضباط الجيش بعد الاستقلال من المسلمين السنة، وما يدل على ذلك أن قادة كل الانقلابات العسكرية الناجحة قبل 23 فبراير 1966 كانوا من الضباط السنة - كما أن مؤتمر حمص للمصالحة الوطنية في عام 1962 كان يضم 36 ضابط من الضباط السنة مقابل (5) فقط من الأقليات الأخرى أي أن نسبة الضباط السنة كانت حوالي 88 بالمائة بالنسبة لمجموع الأقليات الأخرى، كما كان معظم مؤيدي انقلابات الضباط من المسلمين السنة أيضاً.
وأهم الشخصيات النصيرية التي عملت على تقويض حكم السنة في سوريا كان محمد ناصر الذي كان يقود تكتلاً طائفياً علوياً (نصيريا) في الجيش ، وكان جبل العلويين قد أنضم لسوريا عام 1944 ، لكن النزعة الطائفة ظلت مترسخة عندهم خاصة أن منهم من كان في جيش الشرق الذي كان نواة الجيش السوري بعد عام 1943، أي بعد الاستقلال ، لذلك في إطار محاولته للسيطرة على الحكم قام بمحاولة انقلابية ، لكن تنبه إليها رئيس المكتب الثاني سعيد حبي وأحبطها على الفور ، كما قام هذا الأخير بانقلاب آخر ففي أعقاب انقلاب الشيشكلي عام 1949 ، حاول العقيد محمد ناصر عمل انقلاب للسيطرة على الحكم ، فقام بالاتصال مع السلطات الأردنية لتأييده على القيام بانقلابه ، وكان قد صرح لرئيس المخابرات العسكرية ( المكتب الثاني ) -وكان آنئذ المقدم إبراهيم الحسيني– إن حالة البلاد تستدعى رجوع شكري القوتلي ، كونه محايداً وغير عسكرياً -أي ضعيفاً أمام قوة الجيش الذي كان يرغب محمد ناصر بالسيطرة عليه من خلال تكتله الطائفي-، وأضاف أنه يجب أن يتم ذلك ولو أدى رجوع شكري القوتلي إلى قتل ستين ضابطاً غير مؤيدين لرجوعه ، وهذا تنويه بنيته القيام بانقلاب عسكري ، فتم اغتياله في مطار المزه في 31 يوليو عام 1950 ، من خلال رئيس المكتب الثاني إبراهيم الحسيني .
كما قام آخر بعصيان قطنا من خلال محمد عمران في نهاية إبريل عام 1962 ، حيث أنه ضمن إستراتيجية الطائفة العلوية النصيرية للوصول إلى حكم سوريا، قام محمد عمران تحت شعار الوحدة العربية بعصيانه في معسكر قطنا، لكن العصيان فشل واعتقل محمد عمران ، وسيثبت الفصل القادم المنحى الطائفي لمحمد عمران وتفضيله الطائفية على مصلحة الوطن، مستغلاً الأيديولوجية الثورية والوحدوية، طريقاً لوصوله إلى السلطة وفق المعايير الطائفية .

وحول وصولهم إلى السلطة واستفادتهم من انقلاب البعث السوري ، فقد حاول قائد قوات الجبهة العميد زياد الحريري، أن يكسب ثقة الرئيس ناظم القدسي لتعيينه مكان قائد الأركان عبدالكريم زهر الدين، لكن الرئيس رفض ذلك مما حذا بزياد الحريري إلى التواطؤ مع رئيس المكتب الثاني راشد قطيني الذي عينه عبدالكريم زهر الدين قبل أسبوعين، بعد أن كان ملحقاً عسكرياً في الأردن، وقام بانقلابه مع بعض الضباط في 8 مارس 1963، ومما يدل على تواطؤ عبدالكريم زهر الدين في الانقلاب أنه ادعى أنه لم يسمع بالانقلاب إلا بعد وقوعه بفترة طويلة ثم عمل قادة الانقلاب على إعادة من سرحهم عبد الكريم النحلاوي ومنهم صلاح جديد وحافظ الأسد، إلى الجيش بحجة أن تسريحهم كان خطأ، ثم عملوا على تسريح 500 ضابطاً معظمهم من التيار اليميني ومن المسلمين السنة، ومن أهم كوادر الجيش المدربة والمحترفة وأحلوا محلهم صف ضباب من معلمين وموظفين، وحجتهم في ذلك على أساس أنهم برجوازيين، أو انفصاليين أو رجعيين .... الخ وهذا ما أكده رئيس مجلس قيادة الثورة الرئيس لؤي الأتاسي بقوله :" حتى الآن صار عندي 300 ضابط مسرح من مختلف الرتب، وماشيين بالتسريح، وأي إنسان لو أشك أنه ممكن ألا يمشي مع الاتجاه، على طول يخرج", وطالت عمليات تسريح ضباط الأمن وطلاب الكلية العسكرية، حتى أنه صرفت دورة بكاملها بحجة أن طلابها انفصاليون، وكان مجلس قيادة الثورة قد أعطى لنفسه جميع السلطات، وحق تصفية الجيش وحله، فجاء في المادة الثامنة من هذا المرسوم : " لمجلس قيادة الثورة مناقشة وإقرار تسليم الجيش العامل والاحتياطي، وتكوينه وتخفيضه، وحله بناءاً على اقتراح مجلس الدفاع ", يرى الحوراني أن الهدف من هذا إشعار الولايات المتحدة أن إتمام مشروع نهر الأردن لن يلاقي أي صعوبة أو تدخل من جانب الجيش السوري الذي سوف يصفى.لكن يرى البعض من الطوائف الأخرى (غير النصيرية)، أن الخلاف بين صلاح جديد وحافظ الأسد لم يكن سوى مناورة من الطائفة النصيرية العلوية لتصفية المنافسين لها على السلطة ليتسنى لهم الحكم بشكل مطلق بعد ذلك، وهذا ما تحقق بالفعل ، كما أنه على إثر التوجه الطائفي في الجيش من قبل وزير الدفاع محمد عمران، عمل الرئيس أمين الحافظ على إبعاد محمد عمران كملحق عسكري في الخارج، مما حذا بصلاح جديد إلى استقطاب الأقليات الأخرى تمهيداً لانقلابه على أمين الحافظ، ومنهم سليم حاطوم، وحمد عبيد، وفهد الشاعر، وأحمد المير، عبدالكريم الجندي، مع تسريح الضباط السنة، وبسبب ذلك عملت القيادة القومية على تحجيم دور صلاح جديد بسبب توجهاته الطائفية وقررت استلام السلطة في 19 ديسمبر 1965، وحلت القيادة القطرية الموالية لصلاح جديد، ونددت بالطائفية في الحياة العسكرية، وشكلت حكومة في 22 ديسمبر 1966 برئاسة صلاح البيطار، وعمل الرئيس أمين الحافظ على تحجيم الدور الطائفي في الجيش بالنسبة للموالين لصلاح جديد، مما حذا بصلاح جديد إلى القيام بانقلابه، ولإخفاء حقيقة الانقلاب النصيري العلوي، عمد صلاح جديد إلى تعيين نورالدين الأتاسي رئيساً للجمهورية، ويوسف زعين رئيساً للحكومة، لكنه أعطى المراكز الرئيسية في الجيش لطائفته، ثم عمل على إبعاد مؤيدي الرئيس أمين الحافظ من السنة، وبعد ذلك عمد إلى تصفية الضباط الدروز والإسماعيلية، ثم إبعاد ما تبقى من السنة بعد انقلاب أحمد سوداني الذي كان قائداً للأركان، ثم حدث الخلاف بين صلاح جديد وحافظ الأسد الذي ابتدأ بعد هزيمة يونيو 1967، حيث كان صلاح جديد قد عينه وزيراً للدفاع بعد انقلاب 23 فبراير 1966، وكان من أسباب الخلاف هو بسبب وضع الفلسطينيين تحت إمرة الجيش السوري,حتى لا تهاجم إسرائيل المواقع السورية بسببهم، وأيضاً من أسباب الخلاف أن صلاح جديد ينتمي للتيار اليساري المتطرف، أما حافظ الأسد فيميني، وبعد انقلاب حافظ الأسد وصيرورته رئيساً للجمهورية، اعتقل جميع مؤيدي صلاح جديد، وعمل على فرض إرادته على الآخرين.
وحول هزيمة 1967، أكد أرييل شارون أن وجود الشخصية الانهزامية عند العرب هو الذي جعل إسرائيل تفوز في هذه الحرب، رغم ما يتسم الجندي العربي من صفات الشجاعة ، وهذا ما فعله صلاح جديد الذي أفقد الجيش لتوازنه وأنهك الجيش بالتصفيات التي أحالت أكفأ الضباط إلى التقاعد، وحول الدولة إلى دولة مخابرات لأجل القمع الداخلي، وتجدر الإشارة هنا إلى التذكير أن صلاح جديد لم يكن أول من شكل تكتلاً طائفياً في الجيش إبان حكم البعث وبعد انقلابه، وإنما كانت هناك محاولات سبقته من قبل ضباط الطائفة النصيرية أمثال العقيد محمد ناصر، وغسان جديد الذي عمل على تحطيم الحزب القومي السوري بخيانته لمبادئ الحزب في قتل عدنان المالكي، ثم جاء محمد عمران إبان الوحدة ليقوم بنفس الدور لكن عبدالناصر نقله ونقل تكتله إلى مصر، وسجنوا إبان الانفصال 50 يوماً، وكان منهم صلاح جديد وحافظ الأسد، كما كان العقيد محمد معروف يتآمر في لبنان مع جهات أجنبية على إسقاط الوحدة , وهذه الطبيعة الطائفية عند عسكريي هذه الطائفة كانت بسبب انعزالهم ورغبتهم في الاستيلاء على السلطة منذ التحامهم بالوطن الأم –سوريا- عام 1945، فكانوا على الدوام يشجعون أبناءهم على الدخول إلى المدارس العسكرية أو التطوع في الجيش كصف ضابط بالدرجة الأولى ()، وضباط إن استطاعوا ذلك فكانت استراتيجيتهم الوصول إلى السلطة من القاعدة من خلال السيطرة على قواعد الجيش بتطوعهم فيه كصف ضباط وجنود ، حتى أنهم كانوا خلال عهد الوحدة قد شكلوا نسبة تساوي 45% من صف الضباط في الجيش بالنسبة لمجموع صف الضباط بأجمعهم المتطوعين في الجيش، وهذه الإستراتيجية ساهمت بشكل كبير في وصولهم إلى السلطة على أساس جعل هؤلاء صف الضباط، كضباط بديلين ممن تم تسريحهم من ضباط الفئات الأخرى، وخاصة من السنة.

وهكذا ففي إطار سعي الطائفة النصيرية العلوية للسيطرة على الحكم في سوريا ، بعد تصفية الأكثرية السنية من الضباط ، وبالتالي إبعادها عن الحكم بعد انقلاب 23 فبراير عام 1966، ومن تم تصفية الضباط الدروز ، وخاصة بعد سلسلة الانقلابات التي قام بها الضباط الدروز ، حمد عبيد وفهد الشاعر وسليم حاطوم ، وبالتالي أبعدت الطائفة الدرزية عن المشاركة في الحكم، ولم يبق سوى الطائفة الإسماعيلية ، وبعض القرويين من السنة وجلهم من جنوب سوريا من منطقة حوران ، لذلك قام وزير الدفاع حافظ الأسد بالسيطرة على المخابرات العسكرية أي المكتب الثاني كما سيطر على المناطق الحيوية في دمشق ، مما حذا برئيس المكتب الثاني عبد الكريم الجندي إلى الانتحار ، وكان عبد الكريم الجندي قد اتهم حافظ الأسد بالعمالة للولايات المتحدة الأمريكية ، وبرغم عدم موافقة صلاح جديد على ذلك الانقلاب صراحة حيث حلت المشكلة بينهما أي بين صلاح جديد وحافظ الأسد في مؤتمر يعفور باجتماع القيادة القطرية ، وتجدر الإشارة أنه بعد انتحار عبد الكريم الجندي في الثاني من مارس عام 1969 ، انتحرت زوجته بعد عدة أيام ومن تم قتل سائقه ، وبعد ذلك أبعد قائد قوات الجبهة العميد أحمد المير ، وبذلك استبعدت الطائفة الإسماعيلية من المشاركة في الحكم . ومهد الطريق للسيطرة على السلطة من قبل الطائفة النصيرية بشكل أكبر ، كما مهد في نفس الوقت لحافظ الأسد للتغلب على صلاح جديد في إطار الصراع بينهما لقيادة العلويين النصيريين في الجيش . 
كما إنه على إثر هذا الانقلاب شكل حافظ الأسد في 21 نوفمبر 1970 حكومة برئاسته ، وعهد إلى أحمد الخطيب برئاسة الجمهورية ، كما شكل مجلس شعب من مؤيديه ، حيث أيد مجلس الشعب بالإجماع الرئيس أحمد الخطيب، لكن عدة أشهر عزل مجلس الشعب الرئيس أحمد الخطيب وأقر استفتاء رشح فيه حافظ الأسد –المسيطر على الجيش والحزب- كمرشح وحيد للرئاسة، وفاز بالاستفتاء في 14 إبريل 1971 بنسبة 99.9 ، فكانت المؤسسات التي أقامها حافظ الأسد منذ 1970 مرتبة وفق نظام انتخابي يبدأ من مجلس الشعب حتى المجالس المحلية، لكنها كانت مؤسسات من أجل أغراض دولية لتحقيق شرعية النظام من قبل المجتمع الدولي ، فاعتمدت على الايدولوجيا البعثية ، ولم يكن إقامة الجبهة الوطنية التقدمية ، إلا بعد الإذعان أن العمل السياسي في الجيش والجامعات والمدارس ينحصر بحزب البعث ، وأن تكون نصف المقاعد أو أكثر في مجلس الشعب للبعثيين ، وإن الممارسات السياسية لا تخضع للقانون ، والعناصر الحكومية هي التي تدير الانتخابات وتتخلص من الأعضاء غير المرغوب فيهم ، كما كانت القيادة القطرية التي شكلها حافظ الأسد عقب انقلابه قد أدلت ببيان وهو بمثابة بلاغ رقم واحد برغم أن حافظ الأسد قد سمى انقلابه هذا أنه حركة تصحيحية لانقلاب صلاح جديد عام 1966 ، ونص البيان هو : 
" لقد كان يتبين بمقدار ما كانت القيادة الحزبية تمضي في ممارساتها وبمقدار ما كانت تتابع المؤتمرات القطرية والقومية ، إن هذه القيادة تعاني من نقص خطير هو افتقارها إلى الثقة بقواعد الحزب ومناضليه وبالجماهير وطاقاتها وقدرتها على حمل مسؤولياتها، والتضحية من أجل قضيتها ، وعلى الرغم من تداعي قواعد الحزب المناضلة ، إلى عقد مؤتمر قطري استثنائي في ربيع عام 1969 لمعالجة الأزمة ، وعلى الرغم من المقررات الهامة التي اتخذها ذلك المؤتمر ، والذي هو في صلب اختصاصه ، وعلى الرغم من تظاهر العقلية المناورة ، والمتسلطة بالوضوح لإرادة قواعد الحزب ، وإعلانها القبول بهذه المقررات، وترشيحها نفسها للقيادة القطرية على هذا الأساس، إلا أنها استمرت وخلال عامين تقريباً بالتهرب من تحمل المسئولية، ووضع العراقيل في طريق الذين تصدوا لحمل أعباء المرحلة بجدية، وبروح المسئولية والالتزام الحزبي، والحرص على مصلحة الوطن والشعب، التي هي فوق كل اعتبار ، كما استمرت هذه العقلية بتسميم الجو الحزبي وخاصة على نطاق التنظيم القومي ، وتشويه صورة الثورة وجيشها العقائدي، بأذهان رفاقنا المناضلين في الوطن العربي ، الذين يخوضون أشرس المعارك ضد الرجعية العميلة في الأردن وضد العقلية اليمينية المتسلطة على شعبنا في العراق ، وضد كل قوى التخلف والعمالة على كل الساحة العربية، لهذا ولكي لا نفسح المجال أمام هذه العقلية المناورة والمتسلطة والفردية ، أن تعرقل مسيرة الحزب والثورة وتضع جماهير الشعب في سلبية قاتلة ، ولكي نعيد إلى حركة 23 شباط ( فبراير ) صفائها وثوريتها، كان لابد لقواعد الحزب مدعومة بتأييد جماهيرنا الكادحة ، وبقوة هذا الشعب الذي لم تلن له قناة من أن تتصدى مرة أخرى لهذه العقلية ، فتبعدها نهائياً عن مسرح الأحداث وعن مواقع المسؤولية ، وانطلاقا من هذا الفهم فقد تصدى رفاق لكم من واقع الشعور بالمسؤولية والحرص على الحزب والثورة ، وشكلوا قيادة قطرية مؤقتة ، أخذت على عاتقها قيادة الحزب والثورة في هذه المرحلة الانتقالية، بما يكفل السير بجدية من أجل رأب الصدع والعودة إلى الحياة الطبيعية ... بقيادة الرفيق حافظ الأسد يوم السادس عشر من تشرين الثاني ( نوفمبر ) 1970 ، للقيام بحركة تصحيحية من داخل الحزب تعيده إلى مساره الصحيح وتخلق مناخاً حزبياً وشعبياً في مجال القطر والوطن العربي .
وبالنسبة لانقلاب حافظ الأسد عام 1970، فقد أكد يوسف فيصل وهو أحد زعماء الأجنحة المنشقة عن الحزب الشيوعي الموالي للسلطة، أن حافظ الأسد قد قبض مبلغ خمسين مليون مارك ألماني من ألمانيا الإتحادية الموالية للولايات المتحدة، مقابل قيامه بانقلابه، كما أكد وزير خارجية نظام الأتاسي جديد، وهو إبراهيم ماخوس، أن انقلاب حافظ الأسد كان متوقعاً وهو من تدبير الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت كل الأوساط الأوربية تعلم به قبل أن يحدث، وكان مقتل عبدالكريم الجندي عام 1968 أنه إتهم وزير الدفاع حافظ الأسد بعلاقته بالمخابرات الأمريكية، لذلك عمل حافظ الأسد على التخلص من كل من يعرفون شيئاً عما دار وراء الكواليس، مثل طبيب السفارة الأمريكية بدمشق يوسف صايغ، والضابط الذي أمسك بالجاسوس الإسرائيلي الياهو كوهين، وهو وداد بشير، وغيرهم، وسلك سلوكاً عنيفاً مع المعارضة، إضافة لإحْتراق المكتبة العسكرية التي تحتوي الكثير من الوثائق حول هزيمة 1967، بدون إجراء تحقيق فعلي حولها.

وقد كان سبب الانقلاب عام 1970, أن صلاح جديد دعي إلى مؤتمر طارئ للقيادة القومية في 30 أكتوبر 1970 لمحاسبة وزير الدفاع حافظ الأسد لتركه المدرعات التي أرسلت إلى الأردن لدعم الفدائيين الفلسطينيين ضد الجيش الأردني ، دون غطاء جوي مما أدى لتدميرها ، وقد أيد المؤتمرون ذلك ، واقتنعوا بنهجه ، ورغم محاولة حافظ الأسد الدفاع عن نفسه من خلال خطاب ألقاه أمام المؤتمر ، إلا أن أحداً من المؤتمرين الـ 67 لم يؤيد خطابه ولم يثق به، وكان حافظ الأسد قد أعد العدة لانقلابه ، فيما لو لم يؤيده المؤتمرون ، و هذا حذا به إلى محاصرة القاعة بقواته المسلحة . وأجبر الجميع على الموافقة . بعد أن أعتقل جميع خصومه . 

وقد أكد الرئيس أمين الحافظ في برنامج شاهد على العصر الذي تبثه قناة الجزيرة، أن إتفاق المعسكرين الشيوعي والراسمالي هو الذي عين الرؤساء بعد انقلاب صلاح جديد في 23 فبراير 1966، والدليل على ذلك أنه رغم التطرف الظاهري ، لنظام الحكم الذي ساد في عهد (الأتاسي /الجديد) وعدم إستعداده لخوض أي معركة مع إسرائيل في ظل الفرق الشاسع بين الطرفين لصالح إسرائيل، إلا أن النظام خاض الحرب في يونيو 1967 وهزم، وأحتلت الجولان بدون قتال يذكر، وكانت الولايات المتحدة قد أكدت لوزير الدفاع الإسرائيلي قبيل الحرب أن إسرائيل سوف تكسب الحرب بسهولة، وفي مدة قصيرة، وحدث ما توقعته الولايات المتحدة، ورغم إلحاحها الظاهري على مشروع القرار 242 في 22 نوفمبر 1967 إلا أن النظام لم يقبل به بسبب تطرف النظام بدون مبرر، وقد أكد السفير السوري في مدريد العقيد دريد المفتي () أن النظام عمل من خلال وزير الخارجية إبراهيم ماخوس، على حث إسبانيا للتدخل لدى الولايات المتحدة لقبول نتائج حرب 1967، حيث سلم وزير خارجية إسبانيا بعد ذلك للسفير السوري في مدريد المذكرة التالية: " تهدي وزارة الخارجية الحكومة الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناءاً على رغبة الحكومة السورية بالإتصال بالجهات الأمريكية المختصة، لإعلامها برغبة سوريا في المحافظة على الحالة الراهنة الناجمة عن حرب حزيران (يونيو) سنة 1967... وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الإتصالات، تؤكد الحكومة الأمريكية أن ما تطلبه الحكومة السورية ممكن، إذا حافظت سوريا على هدوء المنطقة، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها، تعكر الوضع الراهن "
وقد نفذت الحكومة السورية بالفعل ما طلب منها، وعلى ذلك كانت هدية نظام جديد، للولايات المتحدة. وإسرائيل هو تدمير الجيش السوري بالتسريحات أولاً وبالهزيمة ثانياً، والانسحاب من الجولان وتوريط مصر التي خسرت سيناء وقطاع غزة، وأيضاً الأردن التي خسرت الضفة الغربية، بهذه الحرب دون أن يتخذ النظام تدابير وقائية أو أن يقوم بحرب فعلية، كما أن الولايات المتحدة قد دعمت إسرائيل بحوالي 200 طائرة سكاي وفانتوم، ولم يستطع النظام إستعادة هيبته، رغم تصريحاته التي أخذ يطلقها ليدفع عن نفسه محنة اللاشرعية الملازمة لنظامه منذ البداية وزادت حدتها عقب هزيمة 1967، مما دفعه لخوض حرب استنزاف بدأت عام 1969، ثم رفض مبادرة روجرز في 9 ديسمبر 1969 لحل النزاع العربي الإسرائيلي برغم قبول إسرائيل وعبدالناصر لها في يونيو 1970، حيث ندد النظام بالمبادرة وحرض عليها الفلسطينيين، مما حذا بإسرائيل ومصر إلى رفضها بسببه، رغم أنه كان الأولى بهذا النظام أن يأخذ ويطالب لكن المنهج اللاعقلاني الذي إتبعه كان يملي عليه التطرف في كل شيء، ومن المؤكد أن تطرفه هذا لم يكن بدافع ذاتي بل بتأثيرات خارجية، لأنه لا يعقل أن يرفض نظام منافع ذاتية، في ظل وضعه المتردي والذي في ظله إستحالة تحقيق أي إنجاز أو نصر.

وقد ساندت الطائفة الاسماعيلية في التحالف لإسقاط حكم الأكثرية السنية حيث اشترك في انقلاب 1966 الضابطين أحمد المير وعبدالكريم الجندي، وبالنسبة لأحمد المير فقد عين قائداً لقوات الجبهة، وإبان حرب يونيو 1967 انسحب من القتال دون معارك تذكر تاركاً الأسلحة كما هي، حيث استولت عليها إسرائيل بعد احتلالها للجولان، وقد رفع بعد ذلك من رتبة عقيد على رتبة عميد ، أما بالنسبة لعبدالكريم الجندي فقد عين قائداً للمكتب الثاني (المخابرات العسكرية) ، وقام بعمليات رهيبة في تعذيب المعتقلين السياسيين، وخاصة الدروز، والسنة، وبعد انتهاء دورهم في تثبيت الحكم النصيري العلوي ، تخلى عنهم حلفاءهم النصيرية، فقام حافظ الأسد في إطار صراعه مع صلاح جديد - كونهم كانوا موالين لصلاح جديد -، بانقلاب عام 1968، وعلى إثر الانقلاب انتحر عبدالكريم الجندي ، ثم أبعد أحمد المير عن الجيش و عين ملحقا عسكرا في الخارج، ثم أعتقل سامي الجندي، وبذلك انتهى دورهم في الحياة السياسية في سوريا، لكن عمل نظام الأسد فيما بعد على استقطابهم بعد قرار الفتوى الذي أصدره موسى الصدر بأن النصيرية هم إحدى فرق الشيعة، الاثني عشرية، فدخلوا الأجهزة الأمنية والجيش، لكن تحت سيطرة السلطة الحاكمة.
وحول أسباب الخلاف بين صلاح جديد وحافظ الأسد أن حافظ الأسد من عشيرة النمالاتية وهي فرع من قبيلة المتاورة، أما صلاح جديد فهو من قبيلة الحدادين، فعمل كل واحد منهما على تقريب خاصته، ثم قام حافظ الأسد بعد حرب 1967 باعتباره وزيراً للدفاع، على تعيين مقربيه في المراكز الحساسة، وبعد ذلك قام بجملة تنقلات أهمها نقل عزت جديد من قيادة اللواء السبعين المدرع والمرابط في قطنا قرب دمشق، ثم عمل على تصفية مؤيدي صلاح جديد وأهمهم عبدالكريم الجندي، ثم أبعد أحمد المير، مما حذا بصلاح جديد أن يقوم بتشكيل قوة الصاعقة لموازاة قوة حافظ الأسد العسكرية وظل مسيطراً على المكتب الثاني، وقد استغل صلاح جديد هزيمة القوات السورية بعد تدخلها في الأردن بقيادة حافظ الأسد في سبتمبر عام 1970 لمحاكمة حافظ الأسد من خلال القيادة القومية، التي قررت إعفائه من منصبه ، مما حذا بحافظ الأسد إلى القيام بانقلابه في 16 نوفمبر 1970 ومن ثم إعطاء أبناء عشيرته المراكز الحساسة في الجيش.

كما أنه بعد انقلاب 8 مارس 1963، أخذ صلاح جديد يعمل من أجل انقلاب الطائفة النصيرية ، من خلال سماته الشخصية التي تتسم بالانتهازية واستغلال وتسعير الفتن والحقد واللؤم، وكرهه لجميع من ليس من طائفته، ونفاقه، لكنه كان يستعمل التقية في معاملاته مع الآخرين، ثم عمل على استغلال القوى المدنية والعسكرية والطائفية، لكسب ثقة الرئيس أمين الحافظ، كما عمل من وراء الستار على تعيين كل أقاربه في الجيش والوظائف المدنية المهمة، وقد ساهمت كل الإذاعات الغربية بالتستر عليه وتجنيبه مسؤولية الأزمات، في سوريا، حيث أن حملاتهم على نظام أمين الحافظ لم تكن تتناوله، مع أنه كان المسؤول الأول عن وجود الطائفية في سوريا، باعتماده عليها وتنظيمها بين أبناء طائفته النصيرية، وجعلهم يشكلون جمعيات طائفية على أساسها، رغم تستره بالماركسية ستاراً لطائفيته، مما جعل بقية الطوائف في سوريا تنفر منهم، وعندما نبهه رئيس الوزراء السوري سامي الجندي على خطورة ذلك على الوطن والطائفة نفسها، فأجابه صلاح جديد، "لو فعلنا لسحقنا المشايخ " وهذا دليل على أن المؤامرة على الطوائف الأخرى من قبل الطائفة النصيرية كانت بفعل مشايخ الطائفة النصيرية أنفسهم، وبعد انقلابه في فبراير 1966، عمل على توريط مصر بحرب يونيو 1967 كونه كان يكره الرئيس عبدالناصر ويعتبره مسؤولاً عن قتل أخيه غسان جديد، وقبل ذلك كان قد عمل على إفشال برنامج الوحدة مع مصر والعراق فيما عرف بالوحدة الثلاثية، ثم عمل بعد ذلك على إفشال الوحدة العراقية السورية.

وحول اللجنة العسكرية التي تشكلت من عدد من الشباب منهم (أحمد المير، صلاح جديد، عبدالكريم الجندي، حمد عبيد، صلاح الضللي، عبدالغني إبراهيم، محمد رباح الطول، محمد عمران، حافظ الأسد)، قد شكلت الجناح العسكري لحزب البعث سابقاً خلال الوحدة، وبسبب تجمعاتهم السرية وتحركاتهم المشبوهة إبان الوحدة تعرضوا للنقل إلى مصر، وكانوا قد وصفوا قادة البعث بالانتهازية بسبب حلهم للحزب، فكانت روح الشباب التي تراودهم عاملاً مسبباً لعدم الاستقرار ، وخاصة بعد نقلهم إلى مصر وتكليفهم بأعمال روتينية وغير مهمة عسكرياً، حتى أن بعضهم لم تكن أية وحدة عسكرية أو مسؤولية محددة، وكان تشكيلهم لهذه اللجنة على أساس أن الجيش أصبح تحت قيادة معادين للوطن، وأنه يجب توحيد موقفهم وممارسة الضغط من خلال الحوراني والبيطار ووزراء البعث الآخرين، لتعديل مسار الوحدة، وبعد الانفصال أظهروا أنفسهم على أساس أنهم الكتلة الأساسية للبعث باعتبارهم أن التنظيم المدني أصبح أقل فعالية من التنظيم العسكري، خاصة أن لهم أتباعاً في صفوف المتطوعين من صف الضباط ( وخاصة من الطائفة النصيرية)، يستطيعون توجيههم حسب ما يرتئون، فكانت التصفيات الكثيرة للضباط المحترفين عقب انقلاب صلاح جديد بشكل خاص عام 1966 سبباً مهماً في هزيمة يونيو 1967، وفي انخفاض أداء الجيش بشكل كبير أيضاً.

كما أنه بعد سقوط نظام أمين الحافظ إثر انقلاب صلاح جديد في فبراير 1966، أخذ يدعي أنه سيقوم بخطة تنموية أهدافها معاداة الرأسمالية والإمبريالية العالمية، وتعبئة قوى الشعب الفلاحية والعمالية للقيام بثورة علمية تحل محل الأيديولوجيا القومية أي تطبيق الاشتراكية العلمية الماركسية، لكن في حقيقة الأمر لم يكن هناك أي وجود للسلطة العمالية والفلاحين في ظل هذه الإجراءات، لأن تطور رأسمالية الدولة في ظل هذا النظام اتجه نحو رأسمالية تابعة استنزافية غير تنموية تنهب بلدانها بالتعاون، والتنسيق مع الرأسمالية العالمية في الخارج والتي تكفل استمرارها باعتبارها جزءاً من شروط إعادة إنتاجها على الصعيد المحلي والعالمي، حيث أصبحت السلطة منذ ذلك الوقت سلطة دولة مرسملة، في مجتمع غير رأسمالي تتبع النظام العالمي، وتمنع تقدم المجتمع نحو ثورة رأسمالية تامة على النمط الغربي، كما تمنعه في نفس الوقت من الاتجاه نحو نظام شيوعي على النمط السوفياتي أو الصيني أو الكوبي، فسيطر جزء من الطبقة الوسطى وهي الطبقة العسكرية على المجتمع مسخرة الطبقة البرجوازية لخدمة مصالحها من خلال اندماجها بها، بينما بقيت الطبقة العمالية كما هي وازدادت بشكل كبير، من خلال سيطرة نمط الإنتاج الثانوي التابع عليها، والذي يتحدد إنتاجاها بحاجات نمط الإنتاج العالمي، من خلال سعيه لخلق شروط رأسمالية مناسبة من أجل إعادة إنتاجه في البلدان التابعة له، ومنها سوريا في ظل نظام صلاح جديد وما بعده، والتي أصبحت ترتبط بنمط إنتاج سياسي كومبرادوري، طبقته السياسية، هي السائدة والمهيمنة على الدولة، وهي نفسها الدولة المرتبطة بالخارج بشكل جذري، وبالتالي فإن هذا النمط من الإنتاج سيعيد إنتاج نفسه مادامت الرأسمالية العالمية بحاجة إليه، وما دامت آليات إعادة إنتاجه موجودة بصورة أساسية، وتخضع لاعتبارات سياسية بالدرجة الأولى، ويكون دور القوانين الاقتصادية فيها ثانوي مساعد فقط ، وعلى هذا الأساس ظهر الصراع بين تيار صلاح جديد وتيار حافظ الأسد الذي بدأت قوته بعد تعيينه وزيراً للدفاع وآمراً لسلاح الجو، فكان صلاح جديد يرى إعطاء الطبقة الوسطى السياسية الحق في المشاركة ببعض القرارات في السلطة من خلال الهيئات الحزبية المختلفة، لكن رأى الأسد ضرورة بقاء طبقة الدولة العليا هي المقررة للسلطة، ولها وحدها حق اتخاذ القرارات على كافة المستويات، ومهمة الطبقة الوسطى هو تقديم الكوادر المنفذة لقرارات الطبقة العليا، ولا يحق لها الاعتراض عليها مهما كانت صفتها، بالرغم من أن حافظ الأسد وصلاح جديد كلاهما من نفس الطبقة الوسطى التي تحالفت مع الطبقة الوسطى المدينية، وسيطرت على وسائل الإنتاج الزراعي والصناعي وانفصلت عن مجتمعها وارتبطت بالسلطة، وتحولت لطبقة سياسية سلطوية تدين بدورها وثرواتها *، وصعودها للسلطة التي تملكها، لكن هذه السلطة انتمى إليها حافظ الأسد وصلاح جديد من موقفين مختلفين هما:
1- تيار صلاح جديد، ينظر إلى الأصول الاجتماعية التي أتت منها طبقته السياسية، ويحاول إجبار طبقته على الوقوف عند حد التطور الذي وصلت إليه، بحيث يحاول منعها من استكمال تطورها نحو طبقة دولة تمتلك سلطة مرسملة وتابعة بشكل أكبر.
2- تيار حافظ الأسد، يرى ضرورة تطور الطبقة الوسطى السياسية إلى طبقة منفصلة عن الدولة، بمتابعة تطورها إلى طبقة دولة تمتلك سلطة مرسملة وتابعة، من خلال إنتاج جهاز قمعي هو جهاز إعادة إنتاجها، وعليه يتوقف استقرارها واستمرارها، لذلك يرى ضرورة استمرار قانون الطوارئ، والأحكام العرفية، وتقييد النشاطات السياسية كافة من خلال التقييدات القانونية والعملية الكثيرة، لذلك قال حافظ الأسد في اجتماعه مع القيادة القطرية عام 1980 "إذا ألغينا الأحكام العرفية اضطررنا لترك الحكم خلال أربع وعشرين ساعة " ، لكن اتفق التيارين على تغيير هيكلية الإدارة البيروقراطية بحيث تمتلئ من أتباعهما فكلف صلاح جديد، أحد المسؤولين في البعث وهو خالد الجندي وهو ينتمي إلى الطائفة الإسماعيلية، بتشكيل ما سمي بالكتائب العمالية المسلحة، وهي عبارة عن عناصر عسكرية من اللواء السبعين المدرع، ونزلوا إلى الشوارع رافعين شعار تصفية أعداد الثورة، فعملوا على طرد معظم الموظفين من وظائفهم (ومعظمهم من السنة)، بحجة أنهم برجوازيين، وخطب فيهم خالد الجندي قائلاً: " لقد طردناهم، وحجزنا حريتهم فاضطروا لتقديم استقالاتهم، وقدموا ضمانات بأنهم لن يحاولوا العودة إلى أعمالهم، ومن يخالف فسوف يتعرض لعقوبة الإعدام " ، وكان الهدف من ذلك ملء هذه الشواغر بأتباعهم من نفس الطائفة النصيرية ، بعد ازدياد عددهم إلى الضعف أو أكثر، وازدياد الهجرة من قراهم إلى المدن، مما كان لذلك مضاعفات اقتصادية وديموغرافية سيئة، وناقلة معها التناقضات الاجتماعية والطائفية في الريف، وهذا ما يفسر ارتباط الديمقراطية بالقوى المدينية، وعسكرة المدن بالريفيين الذين وجدوا الانتساب إلى الجيش الطريقة المثلى والأسرع للارتقاء في السلم الاجتماعي والسياسي وللانتقال من العموميات إلى الخصوصيات، رغم أن البرلمانات كانت على الدوام تنقد ذلك النظام الاجتماعي، الذي كان سائداً، وتعتمد على صوت الناخبين المدينيين والريفيين لتصل إلى البرلمان والحكم، لكن الريفي العسكري الذي ادعى أنه يحمل مشروعاً قومياً صادقاً، عمل على حل الديمقراطيات وإبعاد الأحزاب والتنكيل بها، كونه يؤمن بإخضاع الآخر، ولا يرضى بالمجادلة، فألغى المؤسسات الموجودة في النظام القديم، تلك التي كانت تميزها المنافسة الحرة لمستقبل البلاد وموضوعاتها، بصوت عال ومسموع، لكنها أصبحت في ظل حكم الريفي العسكري، ساكنة هادئة، وتفسير ذلك أن الريفي يحب أن يرى الناس كلهم على شكل ولون وصوت وهدف واحد هو الصوت والهدف واللون والشكل والذي يحدده، مصوراً أن الإقطاع الذي كان يضربهم بالكرباج (رغم أن هذه الحالة كانت نادرة جداً ولم توجد في المجتمع السوري كظاهرة عامة مثل مصر)، يمثل تلك الطبقة.
فأصبح العسكري هو الذي يضرب المدنيين في فروع الأمن والجيش بدون أدنى رحمة، ونسي أن المدينة هي التي قادت البلاد نحو الاستقلال، وأن معظم عملاء فرنسا كانوا من الريفيين، خاصة الأقليات الدينية، الذين كانوا يقمعون الشعب بالتعاون مع سلطات الانتداب، ولم يكن الخراب والفساد الذي أصاب الاقتصاد والإدارة والتعليم والقضاء والجيش سوى بسبب وصول هؤلاء الريفيين إلى السلطة، حتى أن العمل الأدبي تحول في ظل حكمهم إلى شعارات سياسية صيغت لتردد من قبل الجماهيري فقط . 
وبعد أن استكمل صلاح جديد تطبيق الإصلاح الزراعي والتأميم حتى شمل المشروعات الفردية والخاصة، حدثت البطالة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ سوريا، وشلت حركة التصنيع والزراعة، ورغم الإدعاء بالاشتراكية إلا أن النظام استمر بمعاملاته التجارية مع الدول الغربية بشكل أكبر بكثير من الدول الشيوعية وعملت السلطة على تشجيع البرجوازية الخدمية الغير منتجة، والغير قادرة على حل مشكلة البطالة، فكانت السلطة يمينية عملياً لكنها يسارية قولاً، بتشجيعها وتعاونها مع البرجوازية الخدمية، ومحاربتها البرجوازية الصناعية والزراعية المنتجة، ومصادرة أملاكها بالرغم من أنها كانت تعمل على خدمة الاقتصاد، والشعب والدولة، وهذا أدى إلى تدني مستوى المعيشة بشكل كبير، وازدياد البطالة، مما حذا بهؤلاء الذين لا عمل لهم إلى الانخراط في العمل داخل أجهزة القمع من جيش وشرطة وغيرها وبالتالي تعزيز سلطة النظام القمعية.
وهكذا تحول التأميم والإصلاح الزراعي إلى سببين لانخفاض إنتاجية الزراعة وتحويل الصناعة من ميزة إلى عبء على كاهل الاقتصاد الوطني، نتيجة للأعباء التي ألقتها على عاتقها الإدارة الجديدة التابعة للدولة، والتي تجهل أصول العمل الإداري ، وتعيشه بمعايير سياسية، فتضخم الجهاز الإداري غير المنتج على حساب العمل المنتج من خلال زيادة العلاقات المتشعبة في ظلها بشكل كبير، فكان الهدف من الإصلاح الزراعي والتأميم من خلال هذا التحليل هو الوصول إلى رسملة الدولة، وإعادة بنية المجتمع وفق تمايز طبقي هو إنشاء مجتمعان في الدولة هما : 
1- مجتمع سياسي يتكون من السلطة وطبقاتها المحدثة.
2- مجتمع اجتماعي قوامه المجتمع القديم بطبقاته المفككة المفتقرة إلى وعي سياسي خاص بها وتغيرات سياسية متبلورة تمثلها، وهذا أدى إلى احتواء أكبر عدد ممكن في صفوف الدولة، وأجهزتها وإداراتها ومعاملها، لشل حركة القوى التي تهددها، وهي قوى المجتمع الحقيقية وطبقاتها العاملة، فكان الهدف هو تعطيل الطاقات الداخلية، وليس تفعيلها، زد على ذلك إخضاعها لرقابة دائمة ترصد حركاتها وسكناتها، وتبلور وعيها السلطوي المعادي لمجتمعها وترسم دورها بطريقة تخضعها في خدمة قيادة السلطة.
وحول تداعيات انقلاب حافظ الأسد عام 1970 ، فقد ازداد الوضع سوءاً فانخفض الناتج القومي الإجمالي للزراعة إلى 19% بعد أن كانت في منتصف الستينات 29%، كما انخفضت القوة العاملة الزراعية إلى 23% بعد أن كانت أكثر من 50% خلال نفس المدة السابقة، وازدادت قوة النظام في السياسة الزراعية وعلى الدخل والسوق من خلال إضعافه لطبقة الملاك التي كان لها دوراً كبيراً في تطور القطاع الزراعي، ونشأ مجتمع طبقي جديد على أسس جديدة ، حيث ظهرت الطبقة العليا من جديد والتي أصبحت تمثل 3% من السكان أما الطبقة المتوسطة فأصبحت تمثل 50%، والطبقة السفلي 47%، وازدادت الفوارق الطبقية بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ سوريا.


ويبقى الصراع الطبقي عاملاً مهماً أثر على الاستقرار السياسي في سوريا منذ الاستقلال وحتى تاريخ كتابة هذه السطور، رغم أنه في بداية كل عهد ديكتاتوري لابد أن يكون أفضل من المراحل التي تأتي بعد ذلك، فعلى سبيل المثال قام حسني الزعيم بتخفيض أسعار المواد الغذائية، ورفع رواتب العسكريين والمدنيين، لكنه ما أن استقر بالحكم حتى فرض ضرائب جديدة ووضع دخل البلاد في خدمة الجيش، وينطبق نفس الشيء على آخر انقلاب عسكري وهو انقلاب حافظ الأسد، حتى أنه في ظل حكمه هرب من الأموال السورية للخارج بين (1976-1982) ما يعادل إجمالي ديون سوريا للخارج، وهذه النسبة تعتبر الأعلى في العالم، وأصبح أي تأميم في ظل حكمه يخضع لاعتبارات عائلية وعشائرية وطائفية، فعلى سبيل المثال عندما أممت سوريا خطوط نقل البترول للشركة البريطانية ( أي بي سي ) المارة بسوريا، على أثر تأميم العراق لها في ظل حكم أحمد حسن البكر، استولى شقيقه ـ المقصود حافظ الأسد ـ رفعت الأسد الذي كان قائداً لسرايا الدفاع، على كل محتويات المحطات البترولية من سيارات وناقلات ومعدات لحسابه الخاص.
وتبقى المشكلة الرئيسية للمجتمع السوري للتقليل من الهوة بين الطبقات وتقليل حدة الصراع الطبقي، بإيجاد تنمية اقتصادية حقيقية على أسس موضوعية تراعي خصوصيات المجتمع السوري، ولاشك أن تجربة الديمقراطية قد أثبتت على الدوام نجاعتها في تحقيق هذا الهدف بالرغم مما أصابها من نكسات على أيدي الديكتاتوريات العسكرية، خاصة في حكم حافظ الأسد حيث سيطرت طبقة تشكل 3% من مجموع السكان على معظم موارد المجتمع، وزادت الطبقة السفلي في المجتمع إلى حدود النصف، وهذا ما يفسر ازدياد هجرة أفراد الشعب السوري إلى الخارج في ظل غلاء المعيشة خلال هذا الحكم إلى درجة لم يصلها أي مجتمع آخر، إضافة إلى البطالة التي وصلت إلى درجة لم تصلها سوريا من قبل والتضخم الذي فاق كل المراحل السابقة.
وتشكل أواخر السبعينات التجمع الوطني الذي يشمل الاتحاد الاشتراكي والاشتراكيون العرب، والحزب الشيوعي جناح رياض الترك، وحزب العمل، وحزب البعث تيار صلاح جديد، وقد هدف هذا التجمع لتحقيق الديمقراطية، ثم تشكل في بغداد التحالف الوطني لتحرير سوريا، بتأييد أكرم الحوراني، وميشيل عفلق، والرئيس أمين الحافظ، وشبلي العيسمي، وأسس صلاح الدين البيطار مجلة الإحياء العربي في باريس، وفضح ممارسات النظام وفساده وقمعه، وخاصة في أعقاب مذبحة سجن تدمر حيث قتل النظام حوالي ألف سجين سياسي دون محاكمة، فكتب في يوم اغتيال ه مقالاً بعنوان " عفوك شعب سوريا العظيم لقد أثبتنا أننا غير جديرين بحكمك " معتذراً من الشعب السوري عن جرائم حزب البعث بحق سوريا، كما تم اغتيال محمد عمران في طرابلس الشام في إبريل 1972 بسبب تخوف حافظ الأسد أن يكون البديل الجاهز لحافظ الأسد فيما لو دعمته الولايات المتحدة، ثم تم اغتيال زوجة مسؤول الإخوان المسلمين منال طنطاوي عام 1980 في ألمانيا الاتحادية، وكذلك السفير السوري السابق في مدريد خلال هزيمة 1967، العقيد دريد المفتي، لكشفه بعض الأوراق الخاصة بالهزيمة والتي تدين النظام، وغيرهم من القادة السياسيين والمعارضين، حتى أن شقيق حافظ الأسد، وهو العقيد رفعت الأسد ادعي بعد تدمير مدينة حماه القديمة عام 1982، بأنه استجاب لنداء القيادة السياسية والعسكرية للقضاء على فتنة الإخوان المسلمين، وبذلك نهج النظام أسلوب التصفية للمعارضة واتهامها بالخيانة والعمالة، مع تسييس الشعب من الداخل بإبعاد كل المؤثرات التي تجعله يدرك الأبعاد والأهداف الحقيقية لإستراتيجيته، بسبب سيطرة النظام على كل المؤسسات في الدولة وعدم إتاحة أي مجال لمؤسسات المجتمع المدني للتعبير عن نفسها بشكل حر وطليق، لكن هذا الاحتقان الداخلي الذي سببه النظام لابد له من أن يخرج، وبما أنه لا مجال لخروجه بسبب عدم وجود الديمقراطية، لذلك فهو معرض للانفجار في أي لحظة، في ظل المؤثرات الداخلية والخارجية عليه.

وحول اغتيال السفير السوري في مدريد العقيد دريد المفتي حيث أكد هذا الأخير أن النظام عمل من خلال وزير الخارجية إبراهيم ماخوس، على حث إسبانيا للتدخل لدى الولايات المتحدة لقبول نتائج حرب 1967، حيث سلم وزير خارجية إسبانيا بعد ذلك للسفير السوري في مدريد المذكرة التالية: " تهدي وزارة الخارجية الحكومة الإسبانية تحياتها إلى السفارة السورية بمدريد، وترجو أن تعلمها أنها قامت بناءاً على رغبة الحكومة السورية بالإتصال بالجهات الأمريكية المختصة، لإعلامها برغبة سوريا في المحافظة على الحالة الراهنة الناجمة عن حرب حزيران (يونيو) سنة 1967... وتود إعلامها أنها نتيجة لتلك الإتصالات، تؤكد الحكومة الأمريكية أن ما تطلبه الحكومة السورية ممكن، إذا حافظت سوريا على هدوء المنطقة، وسمحت لسكان الجولان بالهجرة للاستيطان في بقية أجزاء الوطن السوري، وتعهدت بعدم قيام نشاطات تخريبية من ناحيتها، تعكر الوضع الراهن " 

وقد نفذت الحكومة السورية بالفعل ما طلب منها، وعلى ذلك كانت هدية نظام الأتاسي جديد، للولايات المتحدة. وإسرائيل هو تدمير الجيش السوري بالتسريحات أولاً وبالهزيمة ثانياً، والانسحاب من الجولان وتوريط مصر التي خسرت سيناء وقطاع غزة، وأيضاً الأردن التي خسرت الضفة الغربية، بهذه الحرب دون أن يتخذ النظام تدابير وقائية أو أن يقوم بحرب فعلية، كما أن الولايات المتحدة قد دعمت إسرائيل () بحوالي 200 طائرة سكاي وفانتوم، ولم يستطع النظام إستعادة هيبته، رغم تصريحاته التي أخذ يطلقها ليدفع عن نفسه محنة اللاشرعية الملازمة لنظامه منذ البداية وزادت حدتها عقب هزيمة 1967، مما دفعه لخوض حرب استنزاف بدأت عام 1969، ثم رفض مبادرة روجرز في 9 ديسمبر 1969 لحل النزاع العربي الإسرائيلي برغم قبول إسرائيل وعبدالناصر لها في يونيو 1970، حيث ندد النظام بالمبادرة وحرض عليها الفلسطينيين، مما حذا بإسرائيل ومصر إلى رفضها بسببه، رغم أنه كان الأولى بهذا النظام أن يأخذ ويطالب لكن المنهج اللاعقلاني الذي إتبعه كان يملي عليه التطرف في كل شيء، ومن المؤكد أن تطرفه هذا لم يكن بدافع ذاتي بل بتأثيرات خارجية، لأنه لا يعقل أن يرفض نظام منافع ذاتية، في ظل وضعه المتردي والذي في ظله إستحالة تحقيق أي إنجاز أو نصر.
كما أكد يوسف فيصل وهو أحد زعماء الأجنحة المنشقة عن الحزب الشيوعي الموالي للسلطة أنه بالنسبة لانقلاب حافظ الأسد عام 1970، أن هذا الأخير قد قبض مبلغ خمسين مليون مارك ألماني من ألمانيا الإتحادية الموالية للولايات المتحدة، مقابل قيامه بانقلابه، كما أكد وزير خارجية نظام الأتاسي جديد، وهو إبراهيم ماخوس، أن انقلاب حافظ الأسد كان متوقعاً وهو من تدبير الولايات المتحدة الأمريكية، وكانت كل الأوساط الأوربية تعلم به قبل أن يحدث، وكان مقتل عبدالكريم الجندي عام 1968 أنه إتهم وزير الدفاع حافظ الأسد بعلاقته بالمخابرات الأمريكية، لذلك عمل حافظ الأسد على التخلص من كل من يعرفون شيئاً عما دار وراء الكواليس، مثل طبيب السفارة الأمريكية بدمشق يوسف صايغ، والضابط الذي أمسك بالجاسوس الإسرائيلي الياهو كوهين، وهو وداد بشير، وغيرهم، وسلك سلوكاً عنيفاً مع المعارضة، إضافة لإحْتراق المكتبة العسكرية التي تحتوي الكثير من الوثائق حول هزيمة 1967، بدون إجراء تحقيق فعلي حولها.
وحول علاقة حافظ الأسد ببريطانيا فهي قديمة نوعا ما ، حيث أنه بسبب زيادة قوة الجيش السوري في عهد الشيشكلي، وزيادة الشركات الغربية الاستثمارية في سوريا، عمل الشيشكلي على استقدام مدربين غربيين للتدريس في المدارس العسكرية، إضافة للمدربين العرب، وكان من بين هؤلاء المدربين السير طومسون الذي كان يدرب في مدرسة الطيران وقد أصبح هذا المدرب فيما بعد وزيراً للشؤون الخارجية في بريطانيا، وكان خلال مدة تدريبه في سوريا مسؤولاً عن هذه المدرسة، وكان له مساعدان من الطائفة النصيرية العلوية هما فهمي سلطان وفيصل ناصيف، باعتبار أنه لم تكن هناك أية تفرقة في سوريا سواءاً في الجيش أو في الحياة العامة، رغم أن معظم المنتسبين كانوا من الطائفة السنية باعتبارها الطائفة الأكثر عدداً في سوريا، وكان خلال هذه المدة، حافظ الأسد تلميذاً في هذه المدرسة، ولابد أنه التقى بطومسون، وقد أكد هذه العلاقة فيما بعد باتريك سيل في كتابه الأسد، الذي ألفه بطلب من حافظ الأسد نفسه مقابل مبلغاً قدره ثلاثمائة ألف دولار، فيقول سيل حول هذه العلاقة: " لقد أخذ حافظ الأسد أواخر صيف 1965، إجازة من مهماته كآمر للقوى الجوية، وسافر إلى لندن لمدة ثلاثة أشهر، واصطحب معه أحد كبار ضباط سلاح الجو ناجي جميل، وآمر الشرطة العسكرية حسين ملحم، والطبيب يوسف صايغ، وأقام الرجال الأربعة في شقة في منطقة كنزنغنون، والذي عرف حتى الآن أن إتصال الأسد الوحيد بالرسميين البريطانيين، كانت زيارته لوزير الدولة للشؤون الخارجية اللورد طومسون في مكتبه بالوزارة،...... والسبب الظاهري لرحلة الأسد إلى بريطانيا، كانت لتلقي علاج لألم في ظهره، وفي رقبته، نتج عن هبوط اضطراري عندما كان طياراً متدرباً، إلا أن أوجاع الأسد وآلامه، كانت من نوع المرض الدبلوماسي" ، وقد أكد الرئيس أمين الحافظ هذه العلاقة في برنامج شاهد على العصر، موضحاً أن الأسد بالفعل قام باجتماعات سرية مع طومسون، وقد أرسل له 40 ضابطاً حول ذلك، وطلبوا محاكمة حافظ الأسد، إلا أن الرئيس أمين الحافظ لم يتوقع أن تكون ثمة مؤامرة تحاك ضده. ومن المعلوم أن علاقة بريطانيا بالولايات المتحدة هي علاقة حميمة خاصة بعد أن أدركت بريطانيا أنها لا تستطيع منافسة الولايات المتحدة في المنطقة، لذلك آثرت السير وراءها، بعد أن هيمنت الولايات المتحدة على المنطقة بعد انقلاب عبدالكريم قاسم، وانقلاب محمد نجيب، وانقلاب زياد الحريري.
وفيما يخص علاقة الإتحاد السوفياتي بانقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، فقد التقى قبل عدة أيام من الانقلاب، السفير السوفياتي في دمشق نورالدين محي الديتوف مع صلاح جديد، وحثه على قبول قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وأن الإتحاد السوفياتي يتعهد بناءاً على ذلك بمنع الانقلاب الوشيك، لكن صلاح جديد خشي من اهتزاز صورته، وهو ما عرف عنه بالآراء المتطرفة، واعتقد أن قبوله سيشدد المعارضة ضده بشكل أكبر مما هي فيه، خاصة بعد إعلان الحرب الشعبية والإشتراكية العلمية، على النموذج الصيني، لذلك رفض القرار 242، فأعطي حافظ الأسد الضوء الأخضر لينفذ انقلابه، حيث اجتمع قبل الانقلاب بيومين مع السفير السوفياتي وزعيم الحزب الشيوعي خالد بكداش لتنفيذ الانقلاب، وفي اليوم التالي أطلع خالد بكداش حزبه على قبول القرار 242، وفي اليوم الذي تلاه قام حافظ الأسد بانقلابه ، وأصبح نظام الأسد يسير بإتجاهين متوازيين بما يضمن ولاءه للقطبين الرئيسيين وهما الإتحاد السوفياتي والولايات المتحدة، فأعلن موالاته للغرب ولحلفاء الولايات المتحدة في المنطقة مثل إيران الشاه، ودول الخليج، وتركيا، وفي نفس الوقت أعلن موالاته للدول الشيوعية، حتى أنه رفض إدانة الإتحاد السوفياتي في مجلس الأمن عقب إحتلال الإتحاد السوفياتي لأفغانستان عام 1979.
وما يدل على طائفية الطائفة النصيرية العلوية في عهدي صلاح جديد وحافظ الأسد أنه قد ازديادت أعداد الطائفة هذه في سوريا بسبب الهجرة من تركيا بعد استيلاء هذه الطائفة على السلطة في سوريا، خاصة أن هناك بضعة ملايين من هذه الطائفة في تركيا، ولابد أنه حدث تواطؤ بين النظامين السوري والتركي حول هذه القضية خاصة أن هذه الطائفة تثير المتاعب للنظام التركي بشكل كبير، وهذا ما يفسر ازدياد عددهم في سوريا إلى نسبة 11% بعد أن كانوا حتى منتصف الستينات لا يزيدون عن 5%، وما يؤكد هذه الحقيقة أنه بعد انقلاب حافظ الأسد في عام 1970 أقام علاقات وثيقة مع تركيا وشكل لجنة تصفية أملاك الغائبين عن لواء الإسكندرونة، محولاً قضية لواء الإسكندرونة إلى قضية أملاك غائبين، كما أخذ يتشدد حيال العراق في موضوع اقتسام مياه الفرات ويتساهل تجاه تركيا، رغم موافقة صدام حسين على إعطاء سوريا مقدار 45% من مياه النهر بدلاً من 35% كما طلب حافظ الأسد، ووصل الأمر بحافظ الأسد إلى حشده للقوات السورية على حدود سد الفرات، رغم أن أطماع تركيا في الأراضي السورية والعراقية ما تزال مستمرة وأكبر دليل على ذلك أن الرئيس التركي سليمان ديميريل، طالب عام 1995، بضم محافظة الموصل العراقية إلى تركيا، إضافة لما قامت به وتقوم به تركيا من إنقاص لمنسوبي دجلة والفرات مخترقة بذلك كل القوانين الدولية حيال ذلك ، بل أن حافظ الأسد قبل موته بسنة واحدة أي عام 1999 قد تنازل لتركيا بشكل نهائي عن مطالب سوريا في لواء الأسكندرونة السوري وقام بعملية ترسيم الحدود مع تركيا فيما عرف باتفاقية أضنة ، مهذه خيانة عظمى لأنه لا يحق لأحد التنازل عن أرض سورية ، وكل ذلك ليمهد الطريق لإبنه بشار لتوريثه الحكم دون أي توترات مع أحد وخاصة أن تركيا دولة علمانية ذات أكثرية سنية يتخوف منها النظام في دعم سنة سوريا اللذين هم امتدات لسنة تركيا .

وحول تناقضات النظام مع إسرائيل فلم يدرك هذا النظام أن إسرائيل ليست وحدها في المعركة كما أكد ذلك الكاتب الفرنسي بيير ديستريا في كتابه "من السويس إلى العقبة" أن إسرائيل هي فرع من فروع شركة أمريكية عالمية وليست دولة بالمعنى الحقيقي، ولم يدرك هذا النظام أن مبدأ "خذ وطالب" هو المبدأ الأمثل في التعامل مع إسرائيل، وهذا ما أثبتته التجارب اللاحقة، فأخذ منذ صيف 1968 يدعم المنظمات الفدائية في الأردن ، ويحرضهم على اسقاط نظام الملك حسين على أساس أنه الخطوة الأولى لتحرير فلسطين بحسب ادعاءات هذا النظام، ويشجعهم على العمليات الارهابية مثل خطف الطائرات المدنية، وهذا ما حذا في النهاية إلى تصادمهم مع الجيش الأردني والذي أدى إلى ما عرف بمذبحه أيلول الأسود، ورغم أن النظام أرسل قواته بقيادة وزير الدفاع حافظ الأسد لدعم الفدائيين. إلا أن حافظ الأسد رفض إرسال تغطية جوية، باعتباره آمراً لسلاح الجو، مما أدى لتدمير المدرعات السورية من خلال الجيش الأردني والدعم الخفي الإسرائيلي للأردن، مما حذا بصلاح جديد إلى الدعوة لمحاكمة حافظ الأسد، بسبب مسؤوليته عن هذه الهزيمة للجيش السوري، فعقدت القيادة القطرية لحزب البعث السوري إجتمعاً وقررت محاكمته وعزله من مهامه، وهذا ما حذا به إلى الانقلاب في 16 نوفمبر 1970، إضافة إلى تحمل البعث العراقي جزءاً من مسؤولية المذبحة، على اعتبار ارتباط ميشيل عفلق والرئيس العراقي أحمد حسن البكر بإسرائيل، وهذا ما حذا بالجيش العراقي لعدم التدخل ، كما أنه رغم قبول حافظ الأسد القرار 242 قبل قيامه بانقلابه، إلا أن إسرائيل لم ترض به، فظل قبوله لا فائدة منه، حتى بعد قيام حرب أكتوبر عام 1973 حيث انتهت المعركة باجتياح الجيش الإسرائيلي لحوالي أربعين قرية سورية، ووصولها إلى بعد خمس وعشرين ميل عن دمشق، وأكد الرئيس الأمريكي نيكسون عندما زار سوريا مع وزير خارجيته هنري كيسنجر، أن فصل القوات هو التسوية النهائية لحرب أكتوبر، وإن سوريا قد خسرت الحرب، وأساس الحل هو قوة إسرائيل وليس عدالة القضية السورية، لكن تدخل كيسنجر جعل إسرائيل تتنازل عن 50كم2 من الأجزاء التي إحتلتها خلال حرب 1967، أي من أصل 1250كم2، علماً أن المساحة الاجمالية للجولان هي 1860كم2، وعندما أدرك حافظ الأسد أنه لا يستطيع تحقيق أي نصر على إسرائيل قبل عام 1977 أعلن عن استعداده لتوقيع معاهدة سلام مع إسرائيل مع تبادل تجاري وحرية تنقل بين البلدين، مقابل انسحاب إسرائيل من الجولان، وهكذا أثبتت حرب أكتوبر 1973، أن إسرائيل كانت راضية عنها وعلى علم بها وأن حربها كانت سياسية وليست عسكرية، وهذا ما أكدته الأحداث اللاحقة.
وكانت نتيجة حرب 1967 هزيمة الجيوش العربية بأكملها، فقرر مجلس الأمن في السابع من يوليو1967، وقف القتال، وقد وافقت الأردن ومصر في الثامن من يونيو، أما سوريا ففي التاسع من نفس الشهر، لكن وزير دفاع النظام (حافظ الأسد) قد أعلن سقوط الجولان قبل سقوطها بـ 24 ساعة، أي في العاشر من يونيو 1967 وبرر النظام عمله بأنه يقصد من ذلك حث السوريين على التدخل لصالح سوريا، لأن إحتلال القنيطرة يعني الطريق إلى دمشق أصبح مفتوحاً، وهذا ما حث إسرائيل في الحادي عشر من يونيو 1967 على إحتلالها بالفعل، وبعد ذلك أعلنت إسرائيل عن قبولها بوقف إطلاق النار بعد تدخل الدولتين العظمتين ثم أيدت مصر انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، خاصة بعد أن شكل حكومة نصفها من الناصريين ونصفها الآخر من البعثيين، وقام بعد عشرة أيام من انقلابه بزيارة القاهرة، لتأكيد التعاون بين البلدين، وعلى هذا الأساس تولى رئاسة الجمهورية فيما بعد ، وفي ديسمبر 1981 ضمت إسرائيل الجولان رسمياً لأراضيها، ولم يتحرك الجيش السوري ضد هذا الضم، مع أن القانون الدولي كان ومايزال يعطي سوريا الحق في تحريره، ولو بالقوة، ولكن بعد شهر واحد من الضم أرسل الجيش السورية لتدمير مدينة حماه وقتل 45 ألف من سكانها، علماً أن النظام أكد أن المتمردين لا يزيدون عن مائة وخمسون شخص، وقد اعتقلوا جميعاً، كما مني هذا النظام بهزيمة أخرى عند اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، ووصلت إسرائيل، على بعد أربعين كم عن دمشق، وأسقطت حوالي 90 طائرة سورية، لكن يرى ديفيد بولدرستون أن الاعتراف السوري بإسرائيل يبقى هو الأهم كون سوريا تتحكم في المنافذ البرية بين أوربا والأردن والسعودية والخليج، لتصبح إسرائيل جزءاً من المنطقة ومعترفاً بها رسمياً.


كما دعم نظام البكر في العراق حافظ الأسد في وصوله إلى السلطة، فقد كان حافظ الأسد يلتقي بفؤاد شبيب، خلال صراعه على السلطة مع صلاح جديد، حيث وعده حافظ الأسد بتقارب سوريا مع العراق بعد انقلابه، استناداً إلى التاريخ المشترك لحزب البعث في سوريا والعراق، والنضال الموحد ضد العدو المشترك، لكن بعد انقلاب حافظ الأسد في 16 نوفمبر 1970، وقف ضد نظام الحكم العراقي، وزادت علاقته بإيران الشاه على حساب العراق، ورغم محاولة النظامين الوحدة عام 1979 وإتفاقهما على بنودها، بعد لقاء أحمد حسن البكر وحافظ الأسد، إلا أن النظامين بعد ذلك إتهما بعضهما البعض بالتآمر وتجنيد العملاء للسيطرة على دولة الوحدة و هذا ما حذا بصدام حسين الى قيامه بانقلابه واعدامه لمؤيدي النظام السوري و بالمقابل قام النظام السوري بسلسلة اعتقلات و اعدامات لمؤيدي النظام ، كما ساهم الدعم السعودي لانقلاب حافظ الأسد، الذي كان له الدور الأكبر في استمراره، كما دعت السعودية رفعت الأسد القريب للملك عبدالله آل سعود كونه عديله، وأصبح رفعت الأسد من أغنياء العالم بسبب وضعه في سوريا وعلاقاته بالسعودية، إضافة لارتباطه بعصابات المافيا وتجار المخدرات، وهكذا استمر النظام السعودي يمد نظام حافظ الأسد بالأموال اللازمة لاستمراره، واستمرار قادة الأجهزة الأمنية وقادة النظام .

ورغم كل ذلك استمرت مزايداته على النظام الأردني ففي الرابع من ديسمبر 1969 قدم وزير الخارجية الأمريكي روجرز خطته من أجل السلام مع إسرائيل، والتي تشمل انسحاب إسرائيل من المناطق التي إحتلتها مع ضمان أمن حدودها، حيث أن عبدالناصر قد أعلن قبوله بها في 23 يونيو 1970 وكذلك الملك حسين، وياسر عرفات رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وجورج حبش، لكن المنظمات الفلسطينية المدعومة من قبل سوريا والعراق رفضت الخطة واعتبرت من يقبلها خائناً، ثم قامت هذه المنظمات بعمليات إرهابية ضد طائرات سويسرية وإنكليزية وأمريكية في مطار الأردن، واصطدموا مع الجيش الأردني في 15 سبتمبر 1970، مما أدى لإحداث ما عرف بأيلول الأسود، التي قتل فيها حوالي 3500 شخص، ولم تتوقف إلا بعد تدخل عبدالناصر لدى الملك حسين، وكان خلال هذه الأحداث قد دخل الجيش السوري لمساعدة الفلسطينيين ضد الملك حسين واسقاط العرش الهاشمي، لكن حافظ الأسد الذي كان وزيراً للدفاع رفض تغطية المدرعات بغطاء جوي، مما أدى لتدميرها من قبل القوات الأردنية، وهذا حذا بصلاح جديد إلى الدعوة لعقد اجتماع للقيادة القطرية للحزب من أجل محاكمة حافظ الأسد، حيث أيد الجميع تنحيته ومحاكمته، وهذا كان من الأسباب التي دفعت حافظ الأسد للقيام بانقلابه في 16 نوفمبر 1970، وبعد ذلك استمرت العلاقات الأردنية السورية يشوبها عدم الثقة لعدة أسباب مختلفة، ولم يعد أي ذكر لمشروع سوريا الكبرى في ظل نظام الأسد ، وفي لبنان عمل الأسد بعد انقلابه على تصفية معارضيه فتم اغتيال محمد عمران في طرابلس عام 1972، والسفير السوري السابق في مدريد العقيد دريد المفتي، وغيرهم، خاصة بعد دخول القوات السورية لبنان، عقب اندلاع الحرب الأهلية فيها عام 1975، فكان دخول هذه القوات إلى لبنان قد قيد المعارضة السورية فيها، وجعلها تبحث عن مناطق أخرى لها، لذلك فلم يكن تدخل سوريا في لبنان سوى لتثبيت الوضع الداخلي في سوريا، وهذا ما أكدته الوقائع المستقبلية لذلك.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق